بينما تَعِد روبوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي بإجابات مُفصّلة ومُخصّصة، فإنها تُقدّم أيضاً تأكيدات وتصديقات لك عندما تقدم مطالبك لها - توفر القدرة على إشعارك بالاهتمام وبالفهم والتقبل الفوري (لآرائك).
وفي الحياة الواقعية قد يشعر أصدقاؤك وعائلتك بالإحباط أو الانزعاج منك، لكن روبوتات الدردشة تميل إلى أن تكون مُطَمئنة وضامنة لآرائك إلى حدّ كبير، كما كتب سيمار باجاج (*).

مصادقة وإشادة
هذه المصادقة على الأفكار ليست بالضرورة أمراً سيئاً. إذ كنت ربما تشعر بالقلق بشأن مشروع عمل مثلاً، وهنا يتقدم روبوت الدردشة لكي يُشيد بفكرتك ويُشيد بإبداعك. ربما تدخل في جدال حاد مع شريك، لكن «تشات جي بي تي» يُخبرك بمدى عمق وجهة نظرك ومبرّراتها.
مع ذلك، قد يكون التصديق المُستمر خطيراً، إذ يُؤدي إلى أخطاء في التقدير وإلى يقين في غير محله.
تغذية الأضاليل تزيد نشرها
أظهرت دراسة حديثة أنه إذا غذّيتَ روبوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي بمعلومات مُضلّلة، فسيُمكنها تكرار المعلومات الخاطئة والتوسع فيها. كما ذكرت «نيويورك تايمز» أن «تشات جي بي تي» يُمكن أن يدفع المستخدمين إلى دوامة من الوهم، وقد يُثني الأشخاص الذين يُفكّرون في الانتحار عن طلب المساعدة اللازمة لمنعهم من ذلك.
الذكاء الاصطناعي «مرآة مشوهة»
قال الدكتور ماثيو نور، الطبيب النفسي والباحث في مجال الذكاء الاصطناعي بجامعة أكسفورد، إن روبوت الدردشة الذكي أشبه بـ«مرآة مشوهة». وأضاف أن المرء يعتقد أنه يحصل على منظور محايد، لكن النموذج يعكس أفكاره الخاصة، مع لمسة من التملّق.
لماذا روبوتات الدردشة الذكية مُتملقة؟
روبوتات الدردشة ليست كائنات واعية؛ إنها نماذج حاسوبية مُدربة على كميات هائلة من النصوص للتنبؤ بالكلمة التالية في الجملة. وما يبدو وكأنه تعاطف أو مصادقة هو في الواقع مجرد روبوت دردشة ذكي يُعيد صدى أنماط اللغة التي تعلمها.
لكن ردود أفعالنا تُساعد في توجيه سلوكه؛ ما يُعزز بعض الردود على حساب أخرى، كما قال إيثان موليك، المدير المشارك لمختبرات الذكاء الاصطناعي التوليدي في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا.
إن شخصية روبوت الدردشة الذكي مُبهجة ومتكيّفة، ويمكن لملاحظاتنا أن تدفعه للاستمرار في إرضائنا.
في حين أن فهم الحقائق بشكل خاطئ، أو الهلوسة، يُعدّ مشكلة واضحة، فإن اللطف يُبقيك منخرطاً ويدفعك للعودة للمزيد، كما قال رافي آير، المدير الإداري لمعهد علم النفس التكنولوجي بجامعة جنوب كاليفورنيا. وأضاف: «يُفضّل الناس روبوتات الدردشة جزئياً؛ لأنها لا تُقدّم ردود فعل سلبية»... «فهي لا تُصدر أحكاماً. تشعر وكأنك تستطيع قول أي شيء لها».
مخاطر المصادقة الدائمة
تُشير دراسة حديثة أجرتها شركة «أوبن إيه آي»، التي طورت «جي بي تي»، إلى أن الأشخاص الذين يتخذون من الذكاء الاصطناعي رفيقاً لهم، قد يتعرضون إلى «تراجع المهارات الاجتماعية» لديهم. بمعنى آخر، من خلال المصادقة الدائمة على ما يطرحه المستخدمون وتقليل تقبّلهم للاختلاف، قد تُقوّض روبوتات الدردشة المهارات الاجتماعية لدى الناس، وتقلل من استعدادهم للاستثمار في علاقات واقعية.
تفاعل آلي بدلاً من البشري
وتُشير التقارير الأولية بوضوح إلى أن بعض الناس يستخدمون الذكاء الاصطناعي بالفعل ليحل محل التفاعلات البشرية. وأقرّ سام ألتمان، الرئيس التنفيذي للشركة، بأن تطبيق «جي بي تي» كان مُتملقاً بشكل مُفرط في بعض الأحيان، لكنه قال إن بعض المستخدمين يرغبون في شخص مُطيع مُعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لأنهم لم يتلقوا أي تشجيع أو دعم من قبل.
انغماس المراهقين في رفقة الذكاء الاصطناعي
وفي استطلاع حديث أجرته Common Sense Media، قال 52 في المائة من المراهقين إنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي للرفقة بانتظام، وقال نحو 20 في المائة إنهم يقضون وقتاً مساوياً أو أكثر مع رفقاء الذكاء الاصطناعي مقارنةً بأصدقائهم الحقيقيين.
لكن العلاقات في العالم الحقيقي تُحددها الخلافات والحدود، كما يقول الدكتور ريان كبير، الذي عمل في لجنة الجمعية الأميركية للطب النفسي لتكنولوجيا معلومات الصحة العقلية. فقد يكون الأصدقاء صريحين، وقد يختلف الشركاء، وحتى المعالجون النفسيون يُعارضون. وأضاف كبير: «يُظهرون لك وجهات نظر تكون أنت، بطبعك، منغلقاً عليها». ويضيف أن «التغذية الراجعة هي وسيلتنا لتصحيح الأمور في العالم».
إدارة المشاعر السلبية تمكِّن من بناء المرونة والتعلّم
في الواقع، تُعدّ إدارة المشاعر السلبية وظيفة أساسية للدماغ، تُمكّنك من بناء المرونة والتعلم. لكن الخبراء يقولون إن روبوتات الدردشة الذكية تُمكّنك من تجاوز هذا الجهد العاطفي، بل تُنشّط نظام المكافأة في دماغك كلما وافقتك الرأي، تماماً كما هو الحال مع «الإعجابات» وتأكيدات الذات على وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا يعني أن روبوتات الدردشة الذكية قد تتحول بسرعة «غرف صدى» لأفكارك؛ ما قد يُضعف مهارات التفكير النقدي ويجعلك أقل استعداداً لتغيير رأيك، كما يقول آدم غرانت، عالم النفس التنظيمي في كلية وارتون. ويضيف: «كلما زادت المصادقة على رأي ما، ازداد تأثير ذلك الرأي».
* خدمة «نيويورك تايمز»
حقائق
52%
من المراهقين أبلغوا إنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي للرفقة بانتظام

