الذكاء الاصطناعي في مستشفى «مورفيلد»: حين ترى الخوارزمية ما يغيب عن أعين البشر

نظم تعيد رسم خريطة تشخيص أمراض العيون

الذكاء الاصطناعي في مستشفى «مورفيلد»: حين ترى الخوارزمية ما يغيب عن أعين البشر
TT

الذكاء الاصطناعي في مستشفى «مورفيلد»: حين ترى الخوارزمية ما يغيب عن أعين البشر

الذكاء الاصطناعي في مستشفى «مورفيلد»: حين ترى الخوارزمية ما يغيب عن أعين البشر

أعلنت وزارة الصحة البريطانية الأسبوع الماضي، تقريرها السنوي حول أداء المستشفيات. وبين عشرات الأسماء التي تزاحمت في القائمة، برز اسم مألوف لعالم العيون: «مستشفى مورفيلد للعيون»، متربعاً على القمة بوصفه أفضل مستشفى عيون في المملكة المتحدة، ويُعدّ – عن جدارة – أفضل مستشفى عيون في العالم.

قد يبدو الخبر للوهلة الأولى شأناً بريطانياً محضاً، لكن من يعرف مكانة «مورفيلد» يدرك أن صداه يتجاوز لندن ليصل إلى العواصم العربية؛ فهو ليس مجرد مستشفى، بل مدرسة عريقة ومختبر نابض يزاوج بين حكمة الأطباء ودقة الخوارزميات.

هناك، حيث تتلاقى الخبرة السريرية مع أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، تتبدّل قواعد التشخيص. ولم تعد شبكية العين مجرد لوحة يحدق فيها الطبيب عبر عدسة مكبرة؛ صارت سطراً من البيانات تتسابق الخوارزميات لتحلّ رموزه، كاشفة عن أدق العلامات قبل أن تراها العين البشرية.

مشهد من داخل «مورفيلد»

تخيّل أنك تـتجوّل في أروقة مستشفى مورفيلد للعيون (Moorfield’s Eye Hospital)؛ الجدران البيضاء ينعكس عليها ضوء هادئ، والأجهزة الحديثة تصطفّ بدقة، من كاميرات التصوير المقطعي البصري التوافقي (Optical Coherence Tomography – OCT) إلى أجهزة تصوير الشبكية التقليدية.

في إحدى القاعات، يجلس أطباء العيون جنباً إلى جنب مع خبراء البيانات، يحدّقون في شاشات عالية الدقة تعرض صوراً لطبقات الشبكية بتفاصيل مذهلة.

وإلى جوارهم تعمل خوارزميات التعلّم العميق (Deep Learning)، تبحث في أعماق الصور عن أنماط دقيقة قد تغيب عن عين الإنسان. خلال ثوانٍ قليلة، تُصدر هذه الخوارزميات تقارير واضحة تحدد ما إذا كان المريض يعاني من:

- اعتلال الشبكية السكري (Diabetic Retinopathy)

- الماء الأبيض / إعتام عدسة العين (Cataract)

- التنكس البقعي المرتبط بالعمر (Age-Related Macular Degeneration – AMD)

تظهر النتائج على الشاشة في صورة خريطة حرارية ملوّنة، تبرز النقاط التي لفتت انتباه الخوارزمية. يبتسم الطبيب، ليس لأن مهمته انتهت، بل لأن هذه «العيون الرقمية» صارت شريكاً يمنحه رؤية أوسع ووقتاً أثمن لاتخاذ القرار العلاجي الصحيح.

بداية القصة: شراكة غيّرت ملامح التشخيص

تعود القصة إلى بضع سنوات، حين اتفق مستشفى مورفيلد للعيون على إقامة تعاون غير مسبوق مع شركة «ديب مايند» (DeepMind) التابعة لـ«غوغل»، وكانت الغاية بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في أثرها: تدريب الآلة على اكتشاف الأمراض التي قد تسلب البصر قبل أن يتمكن الطبيب من رصدها بعينه المجردة.

بدأ الفريق المشترك بتطوير خوارزميات قادرة على تحليل صور التصوير المقطعي البصري، وهي صور معقدة تكشف عن طبقات الشبكية بتفاصيل دقيقة.

لاحقاً، وُلد مشروع «ريت فاونْد» (RETFound)، وهو ما يُعرف بـالنموذج الأساسي (Foundation Model) في طب العيون، الذي صُمم ليكون بمثابة «المكتبة المركزية» التي تنطلق منها تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتشخيص أمراض العين، من اعتلال الشبكية إلى التنكس البقعي، بدقة غير مسبوقة.

كيف تغيّر الخوارزميات قواعد اللعبة؟

الميزة الأبرز لهذه النماذج أنها متسقة (Consistent)؛ لا تعرف الملل، ولا تتأثر بضغط العمل أو قلة النوم، بل تقدّم حكماً متوازناً كل مرة. ثم إنها مدفوعة بالبيانات (Data-Driven)؛ إذ تعلّمت من ملايين الصور الملتقطة من مرضى حقيقيين، بما في ذلك حالات نادرة لا يلتقي بها الطبيب إلا مرة كل أعوام عدة.

في دراسة حديثة نُشرت في سبتمبر (أيلول) 2025 بقيادة الباحث د. ديفيد كراب (Dr. David Crabb) من مستشفى مورفيلد للعيون بالتعاون مع جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن UCL))، أظهر نظام ذكاء اصطناعي قدرة مذهلة على كشف اعتلال الشبكية السكري بدقة تجاوزت 97 في المائة، وهو مستوى يضاهي – وأحياناً يتفوّق على – متوسط أداء استشاري العيون عند قراءة الصور وحدها.

أما في حالة التنكس البقعي المرتبط بالعمر، فقد أثبتت الخوارزميات قدرتها على التنبؤ بخطر فقدان البصر قبل أن تظهر الأعراض السريرية، مانحة الأطباء فرصة ذهبية للتدخل المبكر.

وبالنسبة إلى الماء الأبيض، فلا تزال الأبحاث في مراحلها الأولى، إلا أن المؤشرات الأولية تبشّر بإمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي لفرز الحالات وتحديد أولويات الجراحة؛ ما يخفف الضغط عن العيادات ويمنح المرضى مساراً أسرع نحو العلاج.

فرصة للعالم العربي

هنا يطل السؤال: ماذا يعني هذا لنا في الشرق الأوسط؟ الجواب: فرصة تاريخية.

في منطقتنا، تتزايد أمراض العيون بوتيرة مقلقة مع ارتفاع معدلات السكري؛ إذ تشير تقديرات حديثة إلى أن نسبة السكري في بعض دول الخليج تصل إلى أكثر من 30 في المائة، بينما تبلغ نسبة اعتلال الشبكية السكري بين المصابين بالسكري نحو خُمس المرضى في المتوسط، وقد ترتفع في بعض المناطق لتتجاوز نصف الحالات.

هذه الأرقام تفتح أعيننا على حجم التحدي؛ فعدد كبير من المرضى قد لا يحصل على التشخيص المبكر؛ ما يعرضهم لخطر فقدان البصر.

لذلك؛ فإن إدخال تقنيات مثل تلك التي يطورها مستشفى مورفيلد للعيون، أو بناء شراكات بحثية مع مراكزه، يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في رعاية البصر في العالم العربي. الجامعات والمستشفيات هنا تستطيع اعتماد نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر، وإعادة تدريبها على بيانات محلية تراعي لون البشرة، أنماط الغذاء، والعوامل الوراثية في مجتمعاتنا، لتصل إلى دقة أعلى في التشخيص.

غير أن النجاح لن يتحقق بلا استثمار حقيقي: أجهزة تصوير متقدمة، مختبرات بيانات، وبرامج تدريبية تصنع خبراء يجمعون بين مهارة الطب وفهم لغة الخوارزميات، ليُحوّلوا الإمكانات النظرية واقعاً ينقذ البصر ويصون جودة الحياة.

لماذا يظل الطبيب في الصورة؟

على الرغم من كل هذه القفزات التقنية، ما زال الطريق طويلاً قبل أن نُسلِّم أعيننا للخوارزميات وحدها. فالذكاء الاصطناعي بارع في تحليل الصور والتقاط الأنماط الخفية، لكنه – حتى هذه اللحظة – عاجز عن القيام بدور الطبيب في الإصغاء إلى شكوى المريض، وطرح الأسئلة المناسبة عن تاريخه الصحي، وطمأنته عندما يتوجّس من التشخيص.

ثم إن جودة هذه النماذج مرهونة بما تُغذّى به من بيانات؛ فإذا كانت الصور التي دُرّب عليها النظام محصورة في بيئة أو فئة سكانية محددة، فقد يتعثر عند التعامل مع مرضى من خلفيات مختلفة أو أنماط مرضية غير مألوفة.

وفوق ذلك، تقف أمامنا تساؤلات أخلاقية وقانونية: من يتحمل المسؤولية إذا أخطأت الخوارزمية؟ كيف نضمن سرية بيانات المرضى وحمايتها من إساءة الاستخدام؟ هذه القضايا لا تنفصل عن كل ابتكار، بل ترافقه كظله، لتذكّرنا بأن التقنية مهما بلغت دقتها، لا يمكن أن تُغني عن دور الإنسان وحكمته في حماية المريض وصون كرامته.

بين الدقّة الرقمية وحسّ الطبيب

في نهاية المطاف، يبقى الذكاء الاصطناعي أداةً مساعدة، لا غاية بحدّ ذاته. إنه أشبه بمصباح يضيء الزوايا الخفية، لكن من يحمل المصباح هو الطبيب، بخبرته، وحدسه، وتعاطفه، وقدرته على قراءة ما وراء الأرقام.

ولم يقتصر دور مستشفى مورفيلد للعيون على تطوير الخوارزميات في مختبراته، بل امتدّ ليصل إلى المنطقة العربية، حيث أقيمت مراكز وشراكات طبية تسعى لنقل خبرته العالمية إلى مستوى إقليمي؛ ما أتاح فرصاً لتبنّي تقنيات التشخيص الحديثة وتدريب الكوادر المحلية، حيث إن هناك مفاوضات لتكون لهذا المستشفى العريق مراكز إقليمية في المملكة العربية السعودية.

ومهما بلغت دقّة الخوارزميات، فإنها تظل في حاجة إلى الطبيب.

يمكننا استلهام تجربة «مورفيلد»، وتطويعها لاحتياجاتنا المحلية، لنصنع منظومات ذكية تحمي بصر الملايين، وتمنح كل مريض فرصة لعيش حياة أوضح وأكثر كرامة.

وكما قال ابن الهيثم – رائد البصريات في حضارتنا –: «إذا كان العمل في طلب الحق شاقّاً، فكل ما يُثمره من نور أعظم قيمة».

إن بناء شراكة بين العلم والرحمة، بين الدقة الرقمية وحسّ الطبيب، هو السبيل لنورٍ جديد في رعاية العيون، حيث تتلاقى خوارزميات المستقبل مع حكمة الإنسان لتصنع معاً رؤية أوسع وأكثر إشراقاً.


مقالات ذات صلة

تكنولوجيا الأوتار الاصطناعية قد تصبح وحدات قابلة للتبديل لتسهيل تصميم روبوتات هجينة ذات استخدامات طبية واستكشافية (شاترستوك)

أوتار اصطناعية تضاعف قوة الروبوتات بثلاثين مرة

الأوتار الاصطناعية تربط العضلات المزروعة بالهياكل الروبوتية، مما يرفع الكفاءة ويفتح الباب لروبوتات بيولوجية أقوى وأكثر مرونة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا أجهزة «إيكو شو» بشاشاتها المتحركة

أجهزة «إيكو» الجديدة: «أمازون» تدفع المنازل العربية إلى عصر الذكاء الاصطناعي والأتمتة المحيطية

بحث جديد يكشف عن التأثير المتنامي للمساعدات الصوتية في السعودية والإمارات

خلدون غسان سعيد (جدة)
تكنولوجيا شعار تطبيق «تشات جي بي تي» (رويترز)

شركة «أوبن إيه آي» تعلن حالة طوارئ في «تشات جي بي تي» بسبب المنافسة الشديدة

أعلن الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» سام ألتمان عن حالة طوارئ شاملة في الشركة، في ظل المنافسة الشرسة التي تواجهها تقنيات برنامجها «تشات جي بي تي».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص الدفاع التنبؤي المعتمد على الذكاء الاصطناعي يمنح المملكة قدرة أكبر على رصد التهديدات مبكراً رغم استمرار الثغرات (شاترستوك)

خاص من التصيّد إلى الاختراق… كيف تتغير ملامح التهديدات السيبرانية في البنية الصناعية السعودية؟

تواجه البنية الصناعية السعودية تهديدات سيبرانية متطورة مع تقارب تقنية المعلومات والتقنيات التشغيلية وتزايد دور الذكاء الاصطناعي واتساع سلاسل الإمداد.

نسيم رمضان (لندن)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.