ما بعد قمة واشنطن: الذكاء الاصطناعي يُبدع… والسعودية تُخطط للمستقبل

يسهم في تصميم التجارب العلمية وتحليل النتائج وصياغة الاكتشاف

ما بعد قمة واشنطن: الذكاء الاصطناعي يُبدع… والسعودية تُخطط للمستقبل
TT

ما بعد قمة واشنطن: الذكاء الاصطناعي يُبدع… والسعودية تُخطط للمستقبل

ما بعد قمة واشنطن: الذكاء الاصطناعي يُبدع… والسعودية تُخطط للمستقبل

في قلب العاصمة الأميركية واشنطن، حيث تتقاطع خيوط السياسة بالتكنولوجيا، التأم العالم في قمة «كسب سباق الذكاء الاصطناعي» (Winning the AI Race). لكن ووسط الضجيج المعتاد لكواليس القمم الكبرى التي عرضت مناقشتها عبر الإنترنت، لم يكن للعلماء مجرد دور المُراقب أو المحلل، بل كانوا في طليعة المشهد.

قمة علمية

في الجلسات المخصصة لما يُعرف بـ«الذكاء الاصطناعي + العلوم» (AI + Science)، بدا واضحاً أن العالم لم يعد يناقش متى سيؤثر الذكاء الاصطناعي في العلوم، بل كيف يعيد كتابتها من جديد. لم تعد الخوارزميات مجرد أدوات خلف الشاشات، بل تحوّلت عقولاً مُساعدة تبتكر، وتقترح، وتتنبأ، وتُعيد تعريف علاقة الإنسان بالمجهول.

كانت الجلسات العلمية أشبه بماكينات تفكير جماعي، تتسابق فيها المعادلات والنماذج اللغوية مع الكواشف الجزيئية والمجاهر الكونية. هناك، لم يكن الحاضر مجرّد لحظة عابرة، بل مختبراً مفتوحاً يُصاغ فيه شكل المستقبل.

من نماذج البروتينات إلى مسارات العلاج الجيني

وما بين نماذج توليد البروتينات واكتشاف مواد طاقة جديدة وتحديد مسارات العلاج الجيني المعقّد، برز سؤال مفصلي: هل أصبح الذكاء الاصطناعي شريكاً في اختراع العلم ذاته؟ وهل نحن على أعتاب عصر جديد لا تُكتب فيه الأوراق البحثية فقط بواسطة العلماء، بل يُسهم الذكاء الاصطناعي نفسه في تصميم التجربة، وتحليل النتائج، وصياغة الاكتشاف.

في تلك اللحظة، لم يكن السؤال أميركياً فقط، بل عالمياً. وهنا، برزت السعودية مشاركاً فاعلاً، لا مراقباً من بعيد. فقد أشار كثير من المتحدثين إلى أن المملكة، التي وضعت الذكاء الاصطناعي في قلب «رؤيتها الطموحة 2030»، باتت تشكّل منصة علمية ناشئة قادرة على احتضان مثل هذه الطفرات العلمية – ليس فقط بالاستهلاك، بل بالإنتاج والتوجيه والتشريع.

من أداة ذكية إلى عقل معرفي

في الجلسات التي شهدتها قمة واشنطن، لم يكن الذكاء الاصطناعي مجرد موضوع نقاش، بل كان الحاضر الأذكى في القاعة، إذ تحدّث روّاد العلم من الصف الأول، مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، والمؤسسة الوطنية للعلوم (NSF)، وشركة OpenAI صاحبة أشهر نماذج اللغة التوليدية (GPT)، لكنّ القيمة الحقيقية لم تكن في الأسماء، بل في التحوّلات التي كشفوا عنها.

لقد تغيّر المشهد بالكامل

لم نعد أمام برامج تنتظر أوامرنا، بل أمام «عقل معرفي» يصوغ الأسئلة قبل أن نفكر فيها، ويبتكر التجارب قبل أن نطلبها، ويقترح الحلول لأسئلة لم نطرحها بعد.

في أحد العروض، عُرض نموذج ذكي قادر على تصميم مواد جديدة للاستخدام في الفضاء والطاقة المتجددة، ليس عبر المحاولة والخطأ، بل عبر استنتاجات رياضية فورية من ملايين التركيبات الكيميائية. وفي عرض آخر، شاهد الحضور كيف أصبح من الممكن فك شيفرات الجينوم البشري وربط الطفرات الجينية بالأدوية الفردية في دقائق، باستخدام خوارزميات قادرة على تجاوز ما يُمكن لفريق بحثي كامل إنجازه في أشهر.

تحليل النماذج الرياضية للجاذبية والمادة المظلمة

أما الأكثر إدهاشاً، فكان دخول الذكاء الاصطناعي إلى ميادين ما وراء المجهول: تحليل الظواهر الكمومية، مثل الجاذبية والمادة المظلمة باستخدام نماذج رياضية غير مألوفة، تُبنى ذاتياً من خلال التعلم العميق. لم تعد الفيزياء حكراً على الفرضيات القديمة... بل انفتحت على عقل اصطناعي لا يخضع للتقاليد المعرفية البشرية؛ ما قد يفتح أبواباً على اكتشافات لم نكن نحلم بها.

لقد تحوّل الذكاء الاصطناعي من خادم علمي إلى شريك في إنتاج المعرفة، بل وربما، كما وصفه أحد الباحثين، «أكثر العقول فضولاً على كوكب الأرض... حتى لو لم يكن بشراً».

السعودية على خط المعادلة... وبخطى واثقة

قد يظن البعض أن خريطة الذكاء الاصطناعي العلمي تُرسم فقط في وادي السيليكون أو على طاولات كمبردج، لكن الحقيقة أن السعودية دخلت المعادلة العلمية بخطى واثقة، لا مستهلكاً متأخراً، بل مُصمّماً لقواعد اللعبة الجديدة.

فالتحول الجاري في المملكة اليوم لم يعد مجرد «رقمنة» للخدمات أو «تحديث» للأنظمة، بل قفزة معرفية تُعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والبيانات، بين الخوارزمية والمستشفى، بين الجينوم والمنهج الدراسي.

ويأتي ذلك عبر أربعة مسارات استراتيجية متكاملة:

1. مراكز ذكية للطب والجينوم. تم تأسيس مراكز وطنية متقدمة تُعدّ من الأحدث في الشرق الأوسط، تركّز على الطب التنبؤي والبيانات الجينية، وتستخدم نماذج تعلُّم عميق قادرة على التنبؤ باحتمال الإصابة بالأمراض قبل سنوات من ظهور الأعراض.

ولا تحلل هذه المراكز الفحوص، بل تتوقع المسارات الصحية للمريض، وتوجّه خطط الوقاية والعلاج بناءً على بيئته الجينية وأنماط حياته. إنه علم المستقبل... يُمارس اليوم على أرض المملكة.

2. شراكات دولية استراتيجية. في مشهد غير مسبوق، وقّعت المملكة اتفاقيات بحثية مع كبرى جامعات العالم مثل أكسفورد (Oxford) ومعهد MIT، لتبادل المعرفة وتطوير خوارزميات طبية مشتركة.

وهذه ليست شراكات رمزية، بل فرق بحث سعودية تشارك فعلياً في تصميم نماذج الذكاء الاصطناعي العلمية العالمية، وتُسهم في إنشاء قواعد بيانات طبية مخصصة للمجتمعات العربية، وهو أمر غائب تماماً عن معظم الجهود الغربية.

3. تعليم المستقبل... يُدرَّس الآن. انطلاقاً من «رؤية 2030»، تم إدراج الذكاء الاصطناعي ضمن مناهج التعليم العام والجامعي، خصوصاً في مجالات STEM (العلوم، التقنية، الهندسة، الرياضيات).

لا يُدرّس الطالب السعودي اليوم عن نيوتن فقط، بل يتعلم كيف تُصمم خوارزمية تتنبأ بقوة الجاذبية في بيئة فضائية مختلفة، أو كيف يمكن لنموذج لغوي أن يشرح قوانين الكم بأسلوب شخصي.

4. منظومة حوكمة وأخلاقيات رائدة. ولأن العلم بلا ضوابط قد ينقلب عبئاً؛ بادرت السعودية لتكون أول دولة عربية تطلق «منصة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الطبي» عام 2023، بالتعاون مع هيئة التخصصات الصحية؛ لضمان أن يظل الابتكار خادماً للإنسان... لا العكس.

5. التأثير في المعايير العالمية. لم تعد السعودية مجرد متلقٍّ للمعايير الدولية، بل أصبحت عضواً فاعلاً ومؤثراً في اللجان العالمية لوضع معايير الذكاء الاصطناعي، مثل اللجنة المشتركة ISO/IEC JTC 1، التي تُعد المرجع الأول لتقنين التقنيات الرقمية عالمياً.

دعوة إلى علماء العرب: هل نحن مستعدون؟

أمام هذه التحولات المتسارعة، لا يمكن للعقل العربي أن يظل في مقعد المتفرّج. فالسؤال لم يعد: هل نلحق بالركب؟ بل: هل نحن مستعدون لنكون جزءاً من القيادة؟

هل آن الأوان أن نكفّ عن الاكتفاء باستهلاك النماذج الغربية، ونبدأ في بناء أدوات علمية تتحدث لغتنا، وتفهم بيئتنا، وتحلل بياناتنا الجينية والمجتمعية؟ هل نستطيع أن نُعيد تعريف مختبراتنا وجامعاتنا لتصبح مراكز إبداع ذكائي عربي، لا تُقلّد بل تُبدع؟

جامعات لا تُخرّج باحثين فقط، بل تنتج خوارزميات، وتصمّم مجهراً ذكياً يتفاعل مع لغتنا، ومساعداً بحثياً يقرأ الشعر العربي بقدر ما يفهم تسلسل الجينات!

إن الفرصة متاحة الآن... لا بعد عشر سنوات.

ولدينا في العالم العربي من العقول، والموارد، والهمم، ما يكفي لبناء نسختنا الخاصة من ثورة الذكاء الاصطناعي العلمي.

لكن يبقى السؤال معلقاً فوق سبّورة كل قاعة في جامعاتنا: هل نحن مستعدون... أن نكون جزءاً من الحل؟ أم ننتظر أن يُكتب مستقبلنا بخوارزميات الآخرين؟

الختام: ذكاء يُولّد العلم

في زمن يُعاد فيه تعريف من هو «العالِم»، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة في يد الباحث، بل أصبح شريكاً فكرياً يكتب المعادلات، يقترح النظريات، بل ويوجّه دفة الاكتشاف العلمي نفسه.

نحن نعيش لحظة يتحوّل فيها «الذكاء» من صفة بشرية إلى قوة معرفية هجينة، تتكوّن من الإنسان والخوارزمية معاً. لحظة يُولد فيها العلم من تفاعلٍ لا سابقة له بين الإبداع البشري والدقة الحوسبية.

وفي هذه اللحظة المفصلية، لم تعد السعودية على الهامش. بل تقف اليوم في قلب السباق، تُنظّم، وتُشرّع، وتُبدع، وتُعلّم. ولذا؛ فإن السؤال الحقيقي لم يعد: هل سنلحق بركب الذكاء الاصطناعي؟ بل أصبح: هل سنرسم نحن وجهته... باللغة العربية، وبالعقل العربي، ومن أرضٍ تحمل رؤية لا تعرف المستحيل؟ وكما قال ابن رشد: «العقل نورٌ يُضيء في ذات الإنسان، وليس حكراً على أمة دون أخرى».


مقالات ذات صلة

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

تكنولوجيا نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

ذكرت دراسة «كاسبرسكي» أن نصف موظفي السعودية تلقوا تدريباً سيبرانياً ما يجعل الأخطاء البشرية مدخلاً رئيسياً للهجمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك في سباق الفضاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار شركة «إس كيه هاينكس» ولوحة أم للكمبيوتر تظهر في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

رئيس «إس كيه» الكورية: صناعة الذكاء الاصطناعي ليست في فقاعة

قال رئيس مجموعة «إس كيه» الكورية الجنوبية، المالكة لشركة «إس كيه هاينكس» الرائدة في تصنيع رقائق الذاكرة، إن أسهم الذكاء الاصطناعي قد تتعرض لضغوط.

«الشرق الأوسط» (سيول)
تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد هاتف ذكي وشاشة كمبيوتر يعرضان شعارَي «واتساب» والشركة الأم «ميتا» في غرب فرنسا (أ.ف.ب)

تحقيق أوروبي في قيود «ميتا» على منافسي الذكاء الاصطناعي عبر «واتساب»

خضعَت شركة «ميتا بلاتفورمز» لتحقيق جديد من جانب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتكار، على خلفية خطتها لإطلاق ميزات ذكاء اصطناعي داخل تطبيق «واتساب».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.