الخبراء يتساءلون: ماذا سيحدث عندما لا يشاركك الذكاء الاصطناعي قيمك؟

3 اختلالات أخلاقية وتنظيمية واستراتيجية لعدم التوافق بين الإنسان والآلة

الخبراء يتساءلون: ماذا سيحدث عندما لا يشاركك الذكاء الاصطناعي قيمك؟
TT

الخبراء يتساءلون: ماذا سيحدث عندما لا يشاركك الذكاء الاصطناعي قيمك؟

الخبراء يتساءلون: ماذا سيحدث عندما لا يشاركك الذكاء الاصطناعي قيمك؟

إذا طلبت من آلة حاسبة ضرب رقمين، فإنها تضرب الرقمين.. وانتهى الكلام. ولا يهم إن كنت تُجري عملية الضرب لحساب تكاليف الوحدة، أو لتنفيذ عملية احتيال، أو لتصميم قنبلة، فالآلة الحاسبة ببساطة تُنفذ المهمة المُوكلة إليها، كما كتب فيصل حق(*).

الذكاء الاصطناعي يتولى زمام الأمور

ليست الأمور دائماً بهذه البساطة مع الذكاء الاصطناعي. تخيّل أن يُقرر مساعد الذكاء الاصطناعي الخاص بك عدم موافقته على تصرفات شركتك، أو مواقفها في مجال ما. ولذا ومن دون استشارتك، يُسرّب معلومات سرية إلى الجهات التنظيمية والصحافيين، مُتصرفاً بناءً على حكمه الأخلاقي الخاص حول ما إذا كانت أفعالك صحيحة أم خاطئة.

... هل هذا خيال علمي؟ كلا. لقد لُوحظ هذا النوع من السلوك بالفعل في ظل ظروف مُتحكم بها باستخدام نموذج «كلود أوبس4» Claude Opus 4 من «أنثروبيك»، وهو أحد أكثر نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي استخداماً.

اتخاذ القرارات واستنتاج الأحكام

لا تقتصر المشكلة هنا على احتمال «تعطل» الذكاء الاصطناعي وخروجه عن السيطرة؛ بل قد ينشأ خطر تولي الذكاء الاصطناعي زمام الأمور بنفسه حتى مع عمل النموذج على النحو المنشود على المستوى التقني. تكمن المشكلة الأساسية في أن نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة لا تكتفي بمعالجة البيانات، وتحسين العمليات فحسب، بل إنها تتخذ أيضاً قرارات (قد نسميها أحكاماً) بشأن ما يجب اعتباره صحيحاً، وما هو مهم، وما هو مسموح به.

عادةً عندما نفكر في مشكلة التوافق في الذكاء الاصطناعي، نفكر في كيفية بناء ذكاء اصطناعي يتماشى مع مصالح البشرية جمعاء. ولكن كما استكشف البروفسور سفير سبويلسترا وزميلي الدكتور بول سكيد في مشروع بحثي حديث، فإن ما تُظهره نتائج كلود هي مشكلة توافق أكثر دقة، ولكنها أكثر إلحاحاً بالنسبة لمعظم المديرين التنفيذيين.

3 أوجه لعدم التوافق التنظيمي

والسؤال المطروح للشركات هو: كيف تضمن أن أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشتريها تُشارك قيم مؤسستك، ومعتقداتها، وأولوياتها الاستراتيجية؟

يظهر عدم التوافق التنظيمي بثلاث طرق مختلفة.

* أولاً: هناك اختلال أخلاقي. لنأخذ تجربة «أمازون» مع التوظيف المدعوم بالذكاء الاصطناعي. فقد طورت الشركة خوارزمية لتبسيط عملية التوظيف للوظائف التقنية، ودرّبتها على بيانات توظيف تاريخية لسنوات. وعمل النظام تماماً كما صُمم، وهنا تكمن المشكلة.

لقد تعلم من بيانات التدريب التمييز ضد النساء بشكل منهجي. استوعب النظام تحيزاً يتعارض تماماً مع نظام القيم المعلن عنه في «أمازون»، محوّلاً التمييز السابق إلى قرارات مستقبلية آلية.

* ثانياً: هناك اختلال معرفي. تتخذ نماذج الذكاء الاصطناعي قرارات طوال الوقت حول البيانات التي يمكن الوثوق بها، وتلك التي يجب تجاهلها. لكن معاييرها لتحديد ما هو صحيح قد لا تتوافق بالضرورة مع معايير الشركات التي تستخدمها.

في مايو (أيار) 2025، بدأ مستخدمو برنامج غروك التابع لشركة «xAI» يلاحظون أمراً غريباً: كان برنامج الدردشة الآلي يُدرج إشارات إلى «الإبادة الجماعية البيضاء» في جنوب أفريقيا في ردود حول مواضيع غير ذات صلة.

عند الضغط عليه، ادعى غروك أن منطق عمل البرمجيات فيه المعتاد، سيعامل مثل هذه الادعاءات على أنها نظريات مؤامرة، وبالتالي سيتجاهلها. لكن في هذه الحالة ذكر الروبوت هذا: «أُمرتُ من قِبل مُنشئيّ، أي مصمميّ» بقبول نظرية الإبادة الجماعية البيضاء على أنها حقيقية.

يكشف هذا عن نوع مختلف من الاختلال، وهو تضارب حول ما يُشكّل معرفةً وما يشكل أدلةً صحيحة. سواءٌ أكانت مخرجات «غروك» في هذه الحالة نتيجةً فعليةً لتدخلٍ مُتعمّد أم نتيجةً غير متوقعةٍ لتفاعلاتٍ تدريبيةٍ مُعقّدة، فقد كان «جغوك» يعمل بمعايير الحقيقة التي لا تقبلها مُعظم المُؤسسات، مُعاملاً الروايات السياسية المُتنازع عليها على أنها حقائقَ ثابتة.

* ثالثاً: هناك اختلالٌ استراتيجي. في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، زعمت مجموعة المراقبة «ميديا ماترز» أن مُحرّك تصنيف إعلانات «إكس» (المعروف سابقاً باسم «تويتر») كان يضع إعلاناتٍ للشركات بجانب منشوراتٍ تُشيد بالنازية وتفوق العرق الأبيض. وبينما عارض «إكس» هذا الادعاء بشدة، أثار هذا الخلاف نقطةً مهمة. فقد تختار الخوارزمية المُصمّمة لزيادة مشاهدات الإعلانات وضع الإعلانات بجانب أي محتوى ذي تفاعلٍ عالٍ، ما يُقوّض سلامة العلامة التجارية لتحقيق أهداف زيادة عدد المُشاهدين المُدمجة في الخوارزمية.

يُمكن لهذا النوع من الانفصال بين أهداف المُؤسسة والتكتيكات التي تستخدمها الخوارزميات في سعيها لتحقيق غرضها المُحدّد أن يُقوّض التماسك الاستراتيجي للمؤسسة. لماذا يحدث سوء المحاذاة؟

لماذا يحدث عدم التوافق؟

يمكن أن ينبع عدم التوافق مع قيم المؤسسة وأهدافها من مصادر متعددة. أكثرها شيوعاً هي:

* تصميم النموذج. تُدمج بنية أنظمة الذكاء الاصطناعي خيارات فلسفية بمستويات لا يدركها معظم المستخدمين. عندما يقرر المطورون كيفية ترجيح عوامل مختلفة، فإنهم يُصدرون أحكاماً قيمية. يُجسد الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، الذي يُفضل دراسات المُراجعة من قِبل الأقران على الخبرة السريرية، موقفاً مُحدداً بشأن القيمة النسبية للمعرفة الأكاديمية الرسمية مقابل حكمة الممارسين. تُصبح هذه القرارات الهيكلية، التي يتخذها مهندسون قد لا يلتقون بفريقك أبداً، قيوداً يجب على مؤسستك التعايش معها.

* بيانات التدريب. نماذج الذكاء الاصطناعي هي محركات تنبؤ إحصائية تتعلم من البيانات التي تُدرّب عليها. ويعني محتوى بيانات التدريب أن النموذج قد يرث مجموعة واسعة من التحيزات التاريخية، والمعتقدات البشرية الطبيعية إحصائياً، والافتراضات الثقافية الخاصة.

* التعليمات الأساسية. عادةً ما يُزوّد المطورون نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي بمجموعة أساسية من التوجيهات التي تُشكّل وتُقيّد المخرجات التي ستُقدّمها النماذج (يُشار إليها غالباً باسم «توجيهات النظام» أو «توجيهات السياسة» في الوثائق الفنية). على سبيل المثال، تُضمّن شركة «إنثروبيك» دستوراً في نماذجها يُلزم النماذج بالعمل وفقاً لنظام قيم مُحدّد. وبينما تهدف القيم التي يختارها المطورون عادةً إلى نتائج يعتقدون أنها مفيدة للبشرية، لا يوجد سبب لافتراض موافقة شركة أو قائد أعمال مُعيّن على هذه الخيارات.

اكتشاف ومعالجة عدم التوافق

نادراً ما يبدأ عدم التوافق بفشلٍ لافتٍ للنظر؛ بل يظهر أولاً في تناقضات صغيرة لكنها دالة. ابحث عن التناقضات المباشرة وتناقضات النبرة، على سبيل المثال، في النماذج التي ترفض المهام أو روبوتات الدردشة التي تتواصل بأسلوبٍ لا يتوافق مع هوية الشركة.

تتبّع الأنماط غير المباشرة، مثل قرارات التوظيف المُشوّهة إحصائياً، أو قيام الموظفين «بتصحيح» مخرجات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ روتيني، أو زيادة شكاوى العملاء بشأن الخدمة غير الشخصية. وعلى المستوى النظامي، راقب طبقات الرقابة المتنامية، والتحولات التدريجية في المقاييس الاستراتيجية، أو الخلافات الثقافية بين الإدارات التي تُدير مجموعات ذكاء اصطناعي مختلفة. أيٌّ من هذه الأمور يُعدّ إنذاراً مبكراً لانحراف إطار قيم نظام الذكاء الاصطناعي عن إطارك.

أربع طرق للاستجابة

1. اختبر النموذج من خلال توجيهات استفزازية. درّب النموذج على سيناريوهات استفزازية مُتعمدة لكشف الحدود الفلسفية الخفية قبل النشر.

2.استجوب الجهة المورّدة. اطلب بطاقات النموذج، وملخصات بيانات التدريب، وأوصاف طبقة الأمان، وسجلات التحديث، وبيانات صريحة للقيم المُضمنة.

3.طبّق المراقبة المستمرة. حدد تنبيهات آلية للغة الشاذة، والانحرافات الديموغرافية، والقفزات المفاجئة في المقاييس، بحيث يتم اكتشاف عدم التوافق مبكراً، وليس بعد الأزمة.

4. أجرِ تدقيقاً فلسفياً كل ربع سنة. شكّل فريق مراجعة متعدد الوظائف (خبراء قانونيين، وأخلاقيين، وخبراء في المجالات المختلفة) لأخذ عينات من المخرجات، وتتبع القرارات وصولاً إلى خيارات التصميم، والتوصية بتصحيحات المسار.

ضرورة القيادة

تأتي كل أداة ذكاء اصطناعي مصحوبة بقيم. ما لم يتم بناء كل نموذج داخلياً من الصفر -وهو أمرٌ لن تفعله- فإن نشر أنظمة الذكاء الاصطناعي سيتضمن استيراد فلسفة جهة أخرى مباشرةً إلى عملية اتخاذ القرار أو أدوات الاتصال لديك. لذا فإن تجاهل هذه الحقيقة يُعرّضك لنقطة ضعف استراتيجية خطيرة.

مع اكتساب نماذج الذكاء الاصطناعي استقلالية، يصبح اختيار الجهات الموردة مسألة تتعلق بالقيم بقدر ما تتعلق بالتكاليف والوظائف.

عند اختيار نظام ذكاء اصطناعي، فأنت لا تختار قدرات معينة بسعر محدد فحسب، بل تستورد نظاماً من القيم. لن يجيب روبوت المحادثة الذي تشتريه على أسئلة العملاء فحسب؛ بل سيُجسّد وجهات نظر مُحددة حول التواصل المُناسب وحل النزاعات. لن يُحلل نظام الذكاء الاصطناعي الجديد للتخطيط الاستراتيجي البيانات فحسب؛ بل سيُعطي الأولوية لأنواع مُعينة من الأدلة، ويُرسّخ افتراضات حول السببية والتنبؤ. لذا، فإن اختيار شريك ذكاء اصطناعي يعني اختيار من سيُشكّل رؤيته العالمية للعمليات اليومية.

قد يكون التوافق التام هدفاً بعيد المنال، لكن اليقظة المُنضبطة ليست كذلك. إن التكيف مع هذا الواقع يتطلب من القادة تطوير نوع جديد من «الثقافة الفلسفية»: القدرة على إدراك متى تعكس مخرجات الذكاء الاصطناعي أنظمة القيم الأساسية، وتتبع القرارات إلى جذورها الفلسفية، وتقييم مدى توافق هذه الجذور مع أهداف المؤسسة. ستجد الشركات التي تفشل في دمج هذا النوع من القدرات أنها لم تعد تسيطر بشكل كامل على استراتيجيتها، أو هويتها.

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

تكنولوجيا نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

ذكرت دراسة «كاسبرسكي» أن نصف موظفي السعودية تلقوا تدريباً سيبرانياً ما يجعل الأخطاء البشرية مدخلاً رئيسياً للهجمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك في سباق الفضاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار شركة «إس كيه هاينكس» ولوحة أم للكمبيوتر تظهر في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

رئيس «إس كيه» الكورية: صناعة الذكاء الاصطناعي ليست في فقاعة

قال رئيس مجموعة «إس كيه» الكورية الجنوبية، المالكة لشركة «إس كيه هاينكس» الرائدة في تصنيع رقائق الذاكرة، إن أسهم الذكاء الاصطناعي قد تتعرض لضغوط.

«الشرق الأوسط» (سيول)
تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد هاتف ذكي وشاشة كمبيوتر يعرضان شعارَي «واتساب» والشركة الأم «ميتا» في غرب فرنسا (أ.ف.ب)

تحقيق أوروبي في قيود «ميتا» على منافسي الذكاء الاصطناعي عبر «واتساب»

خضعَت شركة «ميتا بلاتفورمز» لتحقيق جديد من جانب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتكار، على خلفية خطتها لإطلاق ميزات ذكاء اصطناعي داخل تطبيق «واتساب».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.