وكالة الفضاء الأفريقية... طموح قاري يصطدم بنقص الموارد وتباين الأولويات

لدعم البرامج الوطنية

توقيع اتفاقية شراكة بين وكالة الفضاء الأفريقية ونظيرتها الأوروبية (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية)
توقيع اتفاقية شراكة بين وكالة الفضاء الأفريقية ونظيرتها الأوروبية (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية)
TT

وكالة الفضاء الأفريقية... طموح قاري يصطدم بنقص الموارد وتباين الأولويات

توقيع اتفاقية شراكة بين وكالة الفضاء الأفريقية ونظيرتها الأوروبية (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية)
توقيع اتفاقية شراكة بين وكالة الفضاء الأفريقية ونظيرتها الأوروبية (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية)

تمثل وكالة الفضاء الأفريقية، التي افتُتح مقرها في القاهرة خلال أبريل (نيسان) الماضي، أول كيان قاري موحّد لتطوير برامج الفضاء في القارة السمراء، بدعم من الاتحاد الأفريقي، الذي يضم 55 دولة، تمتلك أكثر من 20 منها برامج فضاء وطنية.

ورغم الطموحات الكبيرة للوكالة، التي تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة عبر تكنولوجيا الفضاء، خصوصاً في الاتصالات والأمن الغذائي، وتوفير بنية تحتية مشتركة بدلاً من الاعتماد على حلول فردية مكلفة، فإن الوكالة الناشئة تصطدم بتحديات أبرزها ضعف التمويل وتفاوت القدرات الفنية بين الدول، حسب خبراء.

تدشين مقر وكالة الفضاء الأفريقية في العاصمة الإدارية بمصر (وكالة الفضاء المصرية)

تحدي التمويل

لا تزال الوكالة الأفريقية في مراحلها الأولى، إذ لم يُستكمل طاقمها أو تحدَّد ميزانيتها وبرنامج عملها التفصيلي. وقد بلغت ميزانيات الفضاء للدول الأفريقية مجتمعةً نحو 465 مليون دولار في 2024، أي أقل من 1 في المائة من الإنفاق العالمي على الفضاء، حسب شركة «سبيس إن أفريكا».

ويُتوقع أن تموَّل الوكالة أساساً من ميزانية الاتحاد الأفريقي (606 ملايين دولار في 2024)، مع احتمال دعم إضافي من مصادر خارجية مثل البنوك التنموية، وفق ما ذكره ميشاك كينيوا نديريتو، مهندس الفضاء بالوكالة لدورية «نيتشر».

لكن وحسب الدكتور علاء النهري، نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء في الأمم المتحدة، فإن التمويل المخصص من الاتحاد الأفريقي لا يزال «ضئيلاً جداً ولا يلبّي طموحات القارة»، لذا اقترح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» اللجوء إلى المنح الدولية، خصوصاً من الصين، التي تبدي اهتماماً متزايداً بالاستثمار في قطاع الفضاء في أفريقيا.

من جهته شدد الدكتور جاد القاضي، أمين الرابطة العربية للفلك وعلوم الفضاء التابعة لجامعة الدول العربية، على أن برامج الفضاء تحتاج إلى ميزانيات ضخمة، فيما يظل الإنفاق محدوداً في معظم الدول الأفريقية. لكنه أشار إلى أهمية توقيع شراكات استراتيجية دولية وجذب التمويل، داعياً للاستفادة من الكفاءات الأفريقية بالخارج لدعم الوكالة علمياً وإدارياً.

وتعد الصين لاعباً رئيسياً في قطاع الفضاء الأفريقي، إذ فازت شركاتها الحكومية بنحو خُمس عقود الأقمار الاصطناعية في القارة بين 2005 و2013، بقيمة 871.5 مليون دولار، متقدمةً على الولايات المتحدة، وقدّمت أيضاً قروضاً لتمويل مشاريع فضائية وبنية تحتية، حسبما ذكرت ريبيكا نادين، الخبيرة في السياسة الخارجية الصينية بمعهد التنمية الخارجية بلندن.

وخلال تدشين الوكالة، وُقعت اتفاقيات تعاون مع وكالات الفضاء الأوروبية والروسية والإماراتية، وأرسلت الصين والولايات المتحدة وفوداً رسمية. ومن أولى المبادرات المشتركة مشروع «الشراكة الفضائية بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي» بتمويل 45 مليون يورو.

توحيد التوجهات

تواجه وكالة الفضاء الأفريقية تحديات في توحيد أولويات العمل بين دول القارة، نظراً إلى اختلاف مستويات التنمية والرؤى والقدرات الفنية. فاختلاف التوجهات قد يعوق عمل الوكالة؛ إذ تركز مصر مثلاً على مراقبة الحدود والسدود، فيما تتحفظ إثيوبيا على إدراج مراقبة السدود بسبب خلافات تتعلق بـ«سد النهضة». ويؤكد القاضي أن على «مصر العمل على توحيد الجهود الأفريقية عبر تبني برامج ذات طابع قاري».

ويشدد على أهمية تدريب الكوادر الأفريقية في علوم الفضاء بوصفها «قوة ناعمة»، لافتاً إلى أن «الكوادر المؤهلة أساس أي برنامج فضائي ناجح»، داعياً إلى الاستفادة من الخبرات المصرية المهاجرة من خلال برامج تحفيزية أو تعاون عن بُعد.

ويشير النهري إلى التفاوت الكبير في الخبرات الفضائية بين الدول الأفريقية، مما يستدعي تعزيز التعاون بين الدول المتقدمة والنامية، داعياً الاتحاد الأفريقي إلى رفع الوعي بأهمية الفضاء في حل قضايا مثل النزاعات الحدودية واستكشاف الموارد، وحث الدول الأعضاء على تطوير قدراتها والمشاركة بفاعلية في أنشطة الوكالة.

مقر وكالة الفضاء الأفريقية في العاصمة الإدارية بمصر (رويترز)

منصة أفريقية

وتعاني الدول الأفريقية من اعتماد كبير على الخارج في برامج الفضاء، بسبب ضعف قدراتها في تصنيع الأقمار الاصطناعية ومنصات الإطلاق، مما يُقيد استقلاليتها.

وتتصدر مصر دول القارة بـ14 قمراً اصطناعياً، تليها جنوب أفريقيا (13)، ونيجيريا (7)، والجزائر (6)، والمغرب (5)، فيما لا يمتلك معظم الدول أكثر من قمرين، حسب مؤسسة «سبيس هابز أفريكا». كما تخطط 23 دولة لإطلاق 125 قمراً جديداً، في مؤشر على نمو الأنشطة الفضائية في القارة.

ودعا القاضي إلى إنشاء منصة إطلاق أفريقية مستقلة، للحد من الاعتماد على الخارج وخفض التكاليف، مشيراً إلى أن المشروع يتطلب توافقاً إقليمياً وتمويلاً كبيراً يمكن تحفيزه عبر العلاقات المصرية - الصينية، مؤكداً أن المنصة ستوفر آلاف الوظائف وتعزز دور الوكالة اقتصادياً وعلمياً.

بدوره، أكد النهري أن وكالة الفضاء الأفريقية تمثل منصة استراتيجية لتبادل الخبرات وبناء القدرات وتوحيد المواقف حول الاستخدام السلمي للفضاء، بما يتماشى مع «رؤية أفريقيا 2063». وأوضح أن استضافة مصر للمقر تمنح الوكالة ميزة، لقربها من وكالة الفضاء المصرية التي تضم أكبر مركز لتجميع واختبار الأقمار الاصطناعية في الشرق الأوسط وأفريقيا، أنشئ بالشراكة مع الصين ويستوعب أقماراً يزيد وزنها على طن.


مقالات ذات صلة

«سوذبيز» تطرح أكبر قطعة من المريخ للبيع في مزاد علني بسعر خيالي

يوميات الشرق يُقال إن النيزك المريخي هو أكبر قطعة من المريخ على الأرض حيث يعرض في دار «سوذبيز» للمزادات في نيويورك (أ.ب)

«سوذبيز» تطرح أكبر قطعة من المريخ للبيع في مزاد علني بسعر خيالي

تنظِّم دار «سوذبيز» للمزادات في نيويورك، الأربعاء المقبل، مزاداً لبيع أكبر قطعة من المريخ تم اكتشافها على سطح الأرض.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد جناح «مجموعة نيو للفضاء» في معرض «جيتكس» (حساب المجموعة على منصة إكس)

«نيو للفضاء» السعودية تستحوذ على «يو بي 42» التابعة لـ«إيرباص»

أعلنت مجموعة «نيو للفضاء» السعودية، إحدى شركات «صندوق الاستثمارات العامة» إتمامها الاستحواذ الكامل على شركة «يو بي 42».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق هل كان ذلك الاصطدام الأول؟ (ناسا)

وميض في زُحل... هل اصطدم كويكب بالكوكب العملاق السبت؟

دعا علماء الفلك إلى المساعدة في تحديد جسم غامض يُعتقد أنه اصطدم بكوكب زحل، السبت، فيما قد يكون أول حالة مُسجَّلة لاصطدام جسم فضائي بهذا الكوكب الغازيّ العملاق.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم أعلنت وكالة ناسا اكتشاف مذنب يتجول داخل المجموعة الشمسية (أ.ب)

«ناسا» تعلن اكتشاف مذنّب يتجول داخل المجموعة الشمسية

أعلنت وكالة ناسا اكتشاف مذنب يتجول داخل المجموعة الشمسية.

«الشرق الأوسط» (فلوريدا)
يوميات الشرق المطبخ الفرنسي يُحلِّق (محطة الفضاء الدولية)

«كبد الإوزّ في الفضاء»... رائدة تُحلّق بالمطبخ الباريسي خارج الأرض

تعاونت رائدة الفضاء الفرنسية صوفي أدنو مع الطاهية الفرنسية الشهيرة آن صوفي بيك، لإعداد قائمة من الأطباق الفاخرة التي ستصطحبها معها إلى الفضاء العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الذكاء الاصطناعي يقلب المعادلة في فوضى «الحميات الغذائية»

الذكاء الاصطناعي يقلب المعادلة في فوضى «الحميات الغذائية»
TT

الذكاء الاصطناعي يقلب المعادلة في فوضى «الحميات الغذائية»

الذكاء الاصطناعي يقلب المعادلة في فوضى «الحميات الغذائية»

قال أبقراط في عام 400 قبل الميلاد: «اجعل غذاءك دواءك، واجعل دواءك غذاءك». ومنذ آلاف السنين، أدرك الإنسان أن ما يضعه في طبقه قد ينقذ حياته أو يدمرها. لكن في عصر الخوارزميات والبيانات الضخمة، هل ما زال علم التغذية يسير على هدى؟ أم أننا نأكل بناءً على توصيات متناقضة، وصفها أحد أشهر أطباء العصر بأنها «أقرب إلى التخمين»؟

فوضى الحميات الغذائية

وسط الفوضى المتزايدة في عالم الحميات الغذائية والنصائح الصحية المتضاربة، يبرز تساؤل محوري: هل لا يزال علم التغذية يسير على أسس علمية راسخة، أم أننا أصبحنا أسرى توصيات متناقضة أقرب إلى التخمين منها إلى الدليل؟

ولم يأت وصفٌ كهذا من ناقد عابر، بل صدر عن أحد أبرز أطباء العصر، الدكتور إريك توبول (Eric Topol) طبيب القلب الأميركي الشهير، والعالم الرائد في استخدامات الذكاء الاصطناعي في الطب، ومدير معهد سكريبس للأبحاث الانتقالية (Scripps Research Translational Institute) في كاليفورنيا.

يُعد الدكتور إريك توبول من الأصوات الرائدة في إعادة تشكيل ملامح الطب الحديث، وهو أحد أبرز من تصدوا لنقد النماذج التقليدية في الرعاية الصحية. وقد ألّف عدداً من الكتب المرجعية التي أحدثت تأثيراً عالمياً، من أبرزها Deep Medicine وThe Creative Destruction of Medicine، حيث مهّد من خلالها لفهمٍ جديد لدور البيانات في التشخيص والعلاج واتخاذ القرار الطبي.

وفي 17 يونيو (حزيران) الماضي، شارك توبول بصفته ضيفاً رئيسياً في «بودكاست دولي» بثّ عبر منصة YouTube تحت عنوان:

«Shocking Truth About AI, Chronic Disease, Toxins, Diet & Lifestyle For Longevity».

«طب التغذية الرقمي»

وقدّم الباحث رؤية ثاقبة حول كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي لتطوير استراتيجيات تغذية شخصية قائمة على تحليل شامل لنمط حياة الفرد، وتاريخه المرضي، والعوامل البيئية التي يتعرض لها.

وفي حوارٍ لافت، قال توبول: «نحن لا نحتاج إلى مزيد من الدراسات العامة، بل إلى تغذية دقيقة مخصّصة للفرد. وهذا لن يتحقق إلا من خلال الذكاء الاصطناعي الذي يربط بين بيانات الطعام الحقيقي، والجينات، والسجلات الصحية في آن واحد».

وقد دعا توبول إلى تبنّي مفهوم جديد أطلق عليه اسم «طب التغذية الرقمي» (Digital Nutrition Medicine)، وهو نهج طبي مستقبلي يمكّن الأطباء من تصميم أنظمة غذائية فائقة التخصيص، تتوافق مع الشيفرة الوراثية لكل شخص، وتاريخه الصحي، وأسلوب حياته، في محاولة للانتقال من التغذية العامة إلى التغذية العميقة والدقيقة، بمساعدة تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليل الجيني.

لا تكاد تمرّ أشهر قليلة حتى تنقلب قائمة «الأطعمة الصحية» رأساً على عقب: ما كان يُصنّف بالأمس غذاءً ضاراً، يتحوّل اليوم إلى عنصر مفيد، والعكس صحيح. فبعد أن وُصِفت الدهون لعقود بأنها العدو الأول للقلب، اكتُشف لاحقاً أن بدائلها من السمن النباتي غنية بدهون متحولة أشد فتكاً.

أما البيض، الذي وُضِع تحت الحظر الغذائي الصارم، عاد ليوصى به كمصدر مثالي للبروتين. وبالنسبة للكحول، تنقل في التوصيات الطبية بين كونه حامياً للقلب إلى كونه مادة مسرطِنة بلا نقاش.

هشاشة أدلة الادعاءات الغذائية

لكن ما السبب وراء هذا التخبّط؟ الجواب، ببساطة، هو هشاشة الأدلة التي تُبنى عليها كثير من هذه الادعاءات: معظم «الاكتشافات» الغذائية لا تستند إلى تجارب سريرية صارمة، بل إلى دراسات رصدية تعتمد على ما يتذكره المشاركون عن طعامهم، وهي ذاكرة كثيراً ما تتعرض للتشويش والنسيان.

ولتفكيك هذه المنهجية، لا بد من فهم المفاهيم الثلاثة التالية:

> الدراسات الرصدية أو دراسات الملاحظة (Observational Studies): تعتمد على استبيانات شاملة تسأل آلاف الأشخاص عمّا تناولوه من طعام، ثم تربط هذه البيانات بمعدلات الإصابة بأمراض معينة.

> الإبلاغ الذاتي (Self-reporting): يُفترض أن يتذكّر الأشخاص، بدقّة، ما أكلوه على مدار شهور وربما سنوات... وهي مهمة مستحيلة، حتى بعد عشاء البارحة!

> غياب العلاقة السببية (Lack of Causality): مجرد وجود علاقة بين نوع من الطعام ومرض معين لا يعني بالضرورة أن الأول تسبب في الثاني؛ فالارتباط لا يعني السببية.

ويُعلق على هذا النهج البروفسور الشهير جون إيوانيديس (John Ioannidis)، أستاذ علم البيانات الطبية في جامعة ستانفورد وأحد أبرز نقّاد البحوث العلمية في العالم، قائلاً: «كثير من الدراسات الغذائية يمثل سلسلة من الأوهام الإحصائية التي تُغذّي الإعلام أكثر مما تُغذّي العقول».

دراسات بنتائج صادمة

في خضم هذا الجدال، جاءت دراسة PURE الشهيرة والتي بدأت عام 2003 وما زالت مستمرة بقيادة البروفسور سليم يوسف من جامعة ماكماستر الكندية - وهي واحدة من أضخم الدراسات التغذوية في التاريخ - لتُحدث زلزالاً في الأوساط العلمية. فقد تابعت الدراسة أكثر من 135 ألف شخص في 18 دولة على مدى سنوات، وانتهت إلى نتيجة صادمة: السبب الأول في أمراض القلب والوفاة لم يكن الدهون، بل الكربوهيدرات، التي طالما اعتُبرت أقل ضرراً.

لم تقف المفاجآت عند هذا الحد. ففي عام 2017، كشفت دراسة كبرى نُشرت في Journal of the American Medical Association أن نحو 45 في المائة من وفيات أمراض القلب، والسكتات الدماغية، والسكري في الولايات المتحدة يمكن ربطها بعشر عادات غذائية فقط، أبرزها نقص تناول المكسرات والخضراوات الكاملة وزيادة استهلاك الصوديوم والمشروبات المحلاة. ومع ذلك، ورغم الأرقام الصادمة، فإن هذه الدراسة، كغيرها، لم تتمكن من إثبات العلاقة السببية المباشرة.

كانت الرسالة غير المعلنة صادمة بوضوحها: نحن نخسر أرواحاً كل يوم بسبب جهلنا في علوم التغذية... لكننا لا نعرف من أين نبدأ أو بمن نثق.

ثلاث دراسات حديثة

وفي هذا الشهر فقط، تصدّرت ثلاث دراسات علمية بارزة المشهد الطبي، وطرحت تساؤلات جذرية حول ما نعدّه «حقائق غذائية» ثابتة:

> هل الملح بريء (من التهم الموجهة إليه)؟ في دراسة نُشرت في مجلة Frontiers in Nutrition، توصّل فريق بحثي أميركي - صيني إلى أن ارتفاع مستويات الصوديوم في النظام الغذائي قد يُقلّل من خطر الوفاة بنسبة 11 في المائة لدى مرضى حصى الكلى، في تناقض صريح مع التوصيات الغذائية العالمية التي طالما حذّرت من الملح.

> الصويا تثير القلق لدى الأطفال: في بحث نُشر في Journal of Pediatric Urology، كشف باحثو جامعة سينسيناتي أن الأطفال الذين يعتمدون على تغذية أنبوبية تحتوي على الصويا، أظهروا مستويات مرتفعة من الأوكسالات البولية، وهو عامل خطر معروف في تكوّن الحصى الكلوية.

> نهاية «الكأس اليومي»: أعلنت مسودّة الإرشادات الغذائية الأميركية لعام 2025 حذف التوصية التقليدية التي طالما شجّعت على استهلاك الكحول «باعتدال». وهو تحوّل كبير يُنهي عقوداً من الجدل العلمي حول فوائد كأس النبيذ اليومي.

هذه الدراسات أعادت فتح ملف تاريخي طالما أثار الجدل. ففي ستينيات القرن الماضي، نشر عالم الفسيولوجيا الأميركي أنسل كيز (Ancel Keys) دراسته الشهيرة «دول السبع»، التي زعمت أن الدهون المشبعة هي الجاني الأساسي في أمراض القلب. لكن كيز استبعد عمداً بيانات من 15 دولة أخرى لم تتماشَ مع فرضيته، ورغم ذلك، تبنّت جمعية القلب الأميركية نتائجه، واندلعت «حرب الزبدة»، لتُستبدل بالدهون الطبيعية دهون صناعية (Trans fats)، قبل أن نكتشف لاحقاً أنها مسرطنة وتم حظرها عالمياً.

في تعليقه على هذه الفوضى، يقول الدكتور إريك توبول بوضوح: «ما دمنا نستمر في تقديم توصيات غذائية عامة للجميع، فستبقى الأمراض العامة تطارد الجميع. والحل الوحيد هو التخصيص الدقيق... والذكاء الاصطناعي هو المفتاح».

إننا نقف على أعتاب عصر جديد: عصر يُصمَّم فيه نظامك الغذائي لك وحدك، بناءً على جيناتك، طريقة تفاعل جسدك مع الطعام، وتاريخك الصحي الكامل. لا مزيد من الوصفات العامة. بل تغذية دقيقة... بإشراف خوارزميات ذكية. وأخيراً، آن أوان التغذية الذكية الدقيقة: زمنٌ تُقرِّر فيه الخوارزميات، لا العناوين الصحافية الصاخبة، وصفة غذائك اليومي. والخلاصة الذهبيّة أن التوصيات الكلاسيكية تنقضُّ على نفسها واحدةً تلو الأخرى.

الذكاء الاصطناعي يفتح الباب لثورة علميّة تُعيد تعريف ما هو «صحي» وفق بياناتك الحيّة، لا وفق متوسطات عامّة. والقاعدة الأهم: لا تُقصي طعاماً بلا دليل، ولا تتّبع حمية لمجرد أنّها رائجة.

في عالمٍ تتبدّل فيه النصائح مع كل موسم، قد يكون الذكاء الاصطناعي أوّل خبير تغذية يمكن الوثوق به حقاً.