«هندسة الطاقة الشمسية» للمساعدة في تبريد الكوكب

مشروع بريطاني لعكس أشعتها نحو الفضاء

«هندسة الطاقة الشمسية» للمساعدة في تبريد الكوكب
TT

«هندسة الطاقة الشمسية» للمساعدة في تبريد الكوكب

«هندسة الطاقة الشمسية» للمساعدة في تبريد الكوكب

تتفاقم أزمة المناخ، فقد كان العام الماضي الأكثر حرارة على الإطلاق، وانخفضت مستويات الجليد البحري العالمية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، ولا تزال الخسائر الاقتصادية للكوارث الطبيعية الشديدة تتزايد.

احترار الأرض يؤدي إلى دمار لا رجعة فيه... ومتواصل

هذا الأسبوع فقط، أفادت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بأن متوسط ​​درجة الحرارة العالمية من المرجح أن يرتفع بنحو درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية خلال السنوات الخمس المقبلة، مع «تأثير سلبي متزايد على اقتصاداتنا وحياتنا اليومية وأنظمتنا البيئية وكوكبنا».

ويُصرّ الخبراء على أن السبيل الوحيد لإبطاء الاحترار هو التوقف عن حرق الوقود الأحفوري الذي يُسبب ظاهرة الاحتباس الحراري.

ومع ذلك، في عام 2024، وصلت الانبعاثات إلى مستوى قياسي جديد. وكما قالت الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، سيليست ساولو: «نحن نسير في الاتجاه الخاطئ».

ومع ارتفاع درجات الحرارة، يزداد احتمال تجاوز الأنظمة الطبيعية للأرض حدوداً تُؤدي إلى دمارٍ لا رجعة فيه، ومتواصل.

مشروع بريطاني لعكس أشعة الشمس

وهذا التهديد المُتزايد لهذه النقاط الحرجة هو ما دفع وكالة الأبحاث والاختراعات المتقدمة (ARIA) التابعة للحكومة البريطانية إلى ضخ 57 مليون جنيه إسترليني (76 مليون دولار) لدراسة «أساليب تبريد المناخ». وهذه طريقة مُبتكرة للإشارة إلى الهندسة الجيولوجية المناخية، أو التلاعب المُتعمد بأنظمة الطقس على الأرض في محاولة لتبريدها. وبشكل أكثر تحديداً، وتدرس الوكالة إمكانية عكس بعض أشعة الشمس بعيداً عن سطح الأرض وإعادتها إلى الفضاء.

إضفاء الشرعية على الهندسة الجيولوجية

ومع هذا الاستثمار، تُصبح حكومة المملكة المتحدة المُمول الرئيس لأبحاث الهندسة الجيولوجية الشمسية في العالم. ولكن ما يُثير الدهشة حقاً هو خبر إمكانية إجراء بعض تجارب الوكالة في الهواء الطلق، في العالم الحقيقي، وبموافقة حكومية. فهل يُمكن أن تكون هذه خطوة نحو إضفاء الشرعية على ما كان يُنظر إليه حتى الآن على أنه محاولة أخيرة لاستغلال المناخ؟ لطالما كانت الهندسة الجيولوجية موضوعاً محظوراً إلى حد ما في النقاش الأوسع حول تغير المناخ. ويخشى الكثير من العلماء من أن يكون لها عواقب غير مقصودة ولا رجعة فيها، وربما تضر أكثر مما تنفع.

نمذجة تؤدي إلى الإخلال بالطقس

على سبيل المثال، أشارت عملية للنمذجة من دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Climate Change إلى أن ما يسمى «إنارة السحب البحرية» marine cloud brightening (زيادة عكس الغيوم لأشعة الشمس) قبالة الساحل الغربي للولايات المتحدة من شأنه أن يساعد بالفعل في خفض درجات الحرارة محلياً، ولكنه قد يؤدي عن غير قصد إلى موجات حر أشد في أوروبا.

في الوقت نفسه، يخشى دعاة حماية البيئة من أن الهندسة الجيولوجية ستمنح الجهات الملوثة لأجواء الأرض تصريحاً مجانياً لمواصلة العمل كالمعتاد. وتعترف الوكالة البريطانية بهذه المخاوف، وتقدم بعض التنازلات للمتشددين؛ إذ يقول مارك سايمز، مدير برنامج الوكالة، إن إزالة الكربون «هي الطريقة المستدامة الوحيدة لخفض درجات الحرارة العالمية».

ندرة بيانات دراسات الهندسة الجيولوجية

وتقول الوكالة أيضاً إن «ندرة البيانات الفيزيائية الحقيقية والمهمة من تجارب (الهندسة الجيولوجية) الخارجية» أمر خطير في حد ذاته بالنظر إلى الاتجاه الذي نسير فيه. وتطرح التساؤل: «ما هي مخاطر التسرع في نشر مناهج هندسة المناخ التي لم تُبحث بشكل كافٍ، حيث لا نملك فهماً كافياً لعواقبها؟». بمعنى آخر، إذا ساءت الأمور لدرجة أننا نضطر إلى استخدام هذه الأدوات، فمن الأفضل أن نعرف ما نفعله.

في الوضع الراهن، يقول سايمز: «إذا واجهنا نقطة تحول مناخية في المستقبل القريب، فإننا نفتقر حالياً إلى المعرفة الأساسية اللازمة لفهم خياراتنا».

بالونات وغبار معدني لعكس أشعة الشمس

يهدف المشروع البريطاني إلى سد الثغرات المعرفية الحالية والإجابة عن أسئلة جوهرية حول ما إذا كانت هندسة المناخ الشمسية عملية وقابلة للقياس وآمنة وقابلة للتحكم، أو حتى «ما إذا كان ينبغي استبعادها تماماً». وسوف يمول الصندوق 21 مشروعاً منفصلاً على مدى السنوات الخمس المقبلة، أربعة منها عبارة عن تجارب خارجية «محكوم بها على نطاق صغير» تركز على أساليب الهندسة الجيولوجية الشمسية، بما في ذلك:

. رش مياه البحر في الهواء لتفتيح (إنارة) السحب فوق الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا، وفي المملكة المتحدة.

. استخدام شحنة كهربائية لتفتيح السحب في المملكة المتحدة.

. استخدام بالونات الطقس لنشر كميات صغيرة (بالمليغرامات) من الغبار المعدني في طبقة الستراتوسفير لفهم ما إذا كان من الممكن استخدام هذه الطريقة لعكس ضوء الشمس.

ولم يتم تحديد مواقع إطلاق البالونات بعد، ولكن من المرجح أن تكون في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة.

. ستركز تجربة خارجية خامسة على محاولة إعادة تكثيف جليد بحر القطب الشمالي في كندا (التي، في حال نجاحها، قد يكون لها أيضاً تأثيرٌ غير مباشر يتمثل في عكس المزيد من ضوء الشمس إلى الفضاء). وسيكون أقرب موعد لبدء أيٍّ من هذه المشاريع الخارجية هو أوائل عام 2026.

أخلاقيات الهندسة الجيولوجية

ستدرس المشاريع الستة عشر الأخرى أخلاقيات الهندسة الجيولوجية، وكيفية إدارتها بمسؤولية، بالإضافة إلى النمذجة الحاسوبية ومحاكاة تبريد المناخ في المختبر. وقال الدكتور بيت إيرفين، الأستاذ المساعد في جامعة شيكاغو الذي يدرس الهندسة الجيولوجية الشمسية، والمؤسس المشارك لمؤسسة SRM360، وهي مؤسسة غير ربحية تُركز على تعزيز المناقشات حول أساليب انعكاس الشمس: «سيساعد برنامج ARIA البحثي الشامل في تعزيز فهمنا الأساسي للهندسة الجيولوجية الشمسية، كما سيساعد في ضمان حصول صانعي السياسات على المعلومات التي يحتاجون إليها لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن هذه الأفكار في المستقبل».

محاولات ومخاوف عالمية

كانت المحاولات السابقة لإجراء اختبارات الهندسة الجيولوجية الخارجية قصيرة الأجل وسرعان ما أُدينت. وقد أقرت ثماني ولايات أميركية على الأقل، أو تدرس، تشريعاتٍ لحظر هذه الممارسة، وتحقق وكالة حماية البيئة في شركة ناشئة في مجال الهندسة الجيولوجية تُدعى «ميك صن سيتس»، متهمةً إياها بتلويث الهواء (فضلاً على تخفيف وكالة حماية البيئة لقيود التلوث، على سبيل المثال، لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم). وعلى الصعيد الدولي، وقّعت الكثير من الدول على وقفٍ فعلي واسع النطاق للهندسة الجيولوجية. كما تعمل الولايات المتحدة على بناء نظام إنذار قادر على اكتشاف ما إذا كانت دول أخرى تستخدم الهندسة الجيولوجية الشمسية.

لم يمنع أيٌّ من هذا العلماء والشركات الخاصة من الانخراط في هذا المجال. بل على العكس، دفعت «وصمة العار» المحيطة بالهندسة الجيولوجية المشاريع إلى أن تصبح أكثر سريةً وغموضاً. ففي العام الماضي فقط، أُجبرت دراسةٌ حول تقنيات تفتيح السحب في ألاميدا، كاليفورنيا، على التوقف جزئياً لأن المسؤولين المحليين لم يعلموا بالبحث إلا من خلال مقالٍ نُشر في صحيفة «نيويورك تايمز».

التواصل مع المجتمعات المحلية

إلا أن برنامج الوكالة البريطانية يأمل في تجنب مصير مماثل من خلال التواصل مع المجتمعات المحلية منذ بداية المشروع، والحفاظ على قنوات التواصل مفتوحة مع تقدم العمل. كتب سايمز اخيرا: «ترى الوكالة أن التشاور والتواصل مع الجمهور عمليتان ستستمران طوال عمر المشاريع». وأضاف: «إن أحد الأهداف الرئيسة هو كسب الثقة في البحث الجاري والحفاظ عليها». ستجري المجموعة تقييمات بيئية، وستكون شفافة بشأن أي مخاطر معروفة، بالإضافة إلى نتائج الاختبارات. كما يشرف على البرنامج لجنة إشراف مستقلة.

مشاريع تشوبها التخمينات للتوصل إلى تقنيات آمنة

وصرح مايك هولم، أستاذ الجغرافيا البشرية بجامعة كمبردج: «ستظل هذه التقنيات دائماً مجرد تخمينات، وغير مثبتة في العالم الحقيقي، حتى يتم نشرها على نطاق واسع». إن مجرد نجاحها في نموذج تجريبي، أو على نطاق مجهري في المختبر أو في الغلاف الجوي، لا يعني أنها ستُبرّد المناخ بأمان، دون آثار جانبية غير مرغوب فيها، في العالم الحقيقي. لذلك؛ لا يُمكن لهذا البحث أن يُثبت أن هذه التقنيات آمنة أو ناجحة أو قابلة للعكس.

لا يوجد ضمان حقيقي لإجراء هذه التجارب. ووفقاً لوثائق الوكالة، فسيُطلب بدء الاختبارات في الداخل، ولا يُمكن نقلها من المختبر إلا إذا ظلت الأسئلة دون إجابة، وإلا إذا كان الباحثون متأكدين من أن أي آثار لن تستمر لأكثر من 24 ساعة. وقد تُوقف الوكالة أي مشروع يفشل في تحقيق بعض المعالم البحثية.

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

تكنولوجيا نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

ذكرت دراسة «كاسبرسكي» أن نصف موظفي السعودية تلقوا تدريباً سيبرانياً ما يجعل الأخطاء البشرية مدخلاً رئيسياً للهجمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا خاصية إشعارات ارتفاع ضغط الدم في «أبل ووتش» تستند إلى مستشعر نبضات القلب البصري في الساعة (الشرق الأوسط)

«أبل ووتش» تتيح خاصية التنبيه المبكر لارتفاع ضغط الدم في السعودية والإمارات

قالت شركة «أبل» إنها أتاحت خاصية إشعارات ارتفاع ضغط الدم على ساعات «أبل ووتش» لمستخدميها في السعودية والإمارات.

«الشرق الأوسط» (دبي)
تكنولوجيا أطلقت «يوتيوب» أول ملخص سنوي يمنح المستخدمين مراجعة شخصية لعادات المشاهدة خلال عام 2025

«ملخص يوتيوب»: خدمة تعيد سرد عامك الرقمي في 2025

يقدم الملخص ما يصل إلى 12 بطاقة تفاعلية تُبرز القنوات المفضلة لدى المستخدم، وأكثر الموضوعات التي تابعها، وكيفية تغيّر اهتماماته على مدار العام.

نسيم رمضان (لندن)
علوم الصين تبني أول جزيرة عائمة مقاومة للأسلحة النووية في العالم

الصين تبني أول جزيرة عائمة مقاومة للأسلحة النووية في العالم

مشروع مثير للإعجاب لا مثيل له في العالم

جيسوس دياز (واشنطن)
تكنولوجيا الأوتار الاصطناعية قد تصبح وحدات قابلة للتبديل لتسهيل تصميم روبوتات هجينة ذات استخدامات طبية واستكشافية (شاترستوك)

أوتار اصطناعية تضاعف قوة الروبوتات بثلاثين مرة

الأوتار الاصطناعية تربط العضلات المزروعة بالهياكل الروبوتية، مما يرفع الكفاءة ويفتح الباب لروبوتات بيولوجية أقوى وأكثر مرونة.

نسيم رمضان (لندن)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.