تصميم منتجات الذكاء الاصطناعي أشبه بـ«إدارة مطعم تتغير قائمته يومياً»

تقرير موسع لاستطلاع آراء 2500 من العاملين في التصميم والتطوير

تصميم منتجات الذكاء الاصطناعي أشبه بـ«إدارة مطعم تتغير قائمته يومياً»
TT

تصميم منتجات الذكاء الاصطناعي أشبه بـ«إدارة مطعم تتغير قائمته يومياً»

تصميم منتجات الذكاء الاصطناعي أشبه بـ«إدارة مطعم تتغير قائمته يومياً»

الذكاء الاصطناعي رائع حقاً. أليس كذلك؟ انظر إلى تلك الفيديوهات الرائعة. وآلاف التكرارات لتصميم المنتجات لمجرد إطلاق العنان للإبداع. بالتأكيد. رائع. أم أنه كذلك؟ ربما. من يدري؟ يبدو أن كل هذا هو ملخص تقرير «فيغما للذكاء الاصطناعي لعام 2025» Figma 2025 AI Report، استناداً إلى استطلاع رأي شمل 2500 مصمم ومطور.

(«فيغما» -‏ تطبيق ومحرر رسومات وأداة للنماذج الأولية يعتمد بشكل أساسي على الويب، مع ميزات إضافية غير متصلة بالإنترنت، يتمتع بقدرات عالية على تحرير وتصميم واجهة المستخدم وتجربة المستخدم - «الويكيبيديا»).

وبينما تم بنجاح إدماج أدوات مثل «تشات جي بي تي» مع ميزات الذكاء الاصطناعي الموجودة في تطبيق «فيغما» مُدمجة في سير العمل اليومي، يكشف التقرير عن انفصال واضح بينهما.

لقطة مصورة لتقرير «فيغما»

حماس كبير وتأثيرات عملية طفيفة

الحماس لإمكانات الذكاء الاصطناعي مرتفع، لكن تأثيره العملي لا يزال متفاوتاً، كما تُظهر الأرقام، لأن الأهداف غامضة، وهناك مخاوف تتعلق بالجودة، وتوقعات مبهمة.

سلّط التقرير الضوء على مفارقة: يرى المحترفون الذكاء الاصطناعي ضرورياً لمستقبلهم، لكنهم يُكافحون من أجل تسخيره بشكل هادف اليوم. يتناسب هذا إلى حد ما مع تجربتي الخاصة. إنه موجود، ولكن ليس هناك بعد. تُظهر دراسة Figma أن 76% من مشاريع الذكاء الاصطناعي تُعطي الأولوية لأهداف غامضة مثل «تجربة الذكاء الاصطناعي» على أهداف ملموسة. إلا أن تطبيقها على هدف مثل نمو الإيرادات، حقق نسبة مذهلة تبلغ 9%.

وهذا ما يجعلني أبكي على كل الغيغاواط من الطاقة الكهربائية التي تتبخر باسم ثورة لم تحدث بالفعل، على الأقل بالنسبة للمصممين والمطورين.

غموض بسبب الحالة الناشئة للتكنولوجيا

يعكس الغموض الحالة الناشئة للتكنولوجيا، كما أخبرني أندرو هوغان، رئيس قسم الرؤى في «فيغما»، في مقابلة هاتفية. ويوضح، مُقارناً اللحظة الحالية بتطوير تطبيقات الهاتف الجوال في مراحله المبكرة: «هناك الكثير من اللعب والتجريب - إنه أمر طبيعي».

وقد شبّه أحد المشاركين في الاستطلاع بناء منتجات الذكاء الاصطناعي بـ«إدارة مطعم تتغير قائمته يومياً».

لستُ متأكداً تماماً من هذا التشبيه مع تطوير تطبيقات الهاتف الجوال، الذي بدا لي ثورةً أسرع وأكثر تأثيراً من الذكاء الاصطناعي، من الناحية الاقتصادية العملية والملموسة، وليس مجرد مكاسب ورقية.

تأثير الذكاء الاصطناعي - متدرج وغير ثوري

أحدثت التحولات التكنولوجية السابقة، مثل النشر المكتبي أو هواتف آيفون تغييراتٍ صناعيةً هائلةً في غضون أشهر. بالمقارنة، يبدو تأثير الذكاء الاصطناعي تدريجياً وغير مُوثّق. صحيحٌ أن هناك أمثلةً رائعةً على تأثيرات الذكاء الاصطناعي الكبيرة في بعض الصناعات - معظمها سمعية بصرية - لكن وجود تابعٍ بحثيٍّ اصطناعي، أو مساعدٍ مُتكرر المهام، أو صديقٍ إبداعيٍّ اصطناعيٍّ لا يبدو ثورياً تماماً مثل مليار هاتف ذكيٍّ تسيطر على حياتنا.

ويُقرّ هوغان بذلك، وفي الوقت نفسه، يُحذّر: تُخاطر الشركات برفض الذكاء الاصطناعي مُبكراً جداً إذا ما فشلت التجارب في تحقيق مكاسب سريعة، ما قد يُفقدها مزايا استراتيجية. ويضيف أنه في حين يسلط البحث الضوء على نقاط البيانات المتناقضة بين التوقعات/الرغبات والواقع، فإن البيانات تُظهر تقدماً حقيقياً: فقد شحن 34% من مستخدمي «فيغما» منتجات الذكاء الاصطناعي هذا العام، بزيادة عن 22% في عام 2024.

والسؤال هو ما إذا كانت الأهداف الغامضة - التي ذكرتها نسبة 76% من المذكورة أعلاه التي تقول دعونا «نلعب... ونر» - ستتجسد في عائد استثمار قابل للقياس قبل أن تسيطر عليها حالة خيبة الأمل.

تساؤلات حول تسريع العمل وتحسين الجودة

ويُظهر البحث أن هناك مكاسب في الكفاءة بفضل الذكاء الاصطناعي، ولكن هناك تناقض هنا أيضاً. يقول 78% من المهنيين إنه يُسرّع عملهم (مقارنةً بـ 71% في العام الماضي)، لكن 58% فقط يعتقدون أنه يُحسّن الجودة، بينما يشعر 47% أنه يُحسّن أداءهم.

ماذا عن أولئك الذين يعتقدون أن الجودة متساوية أو أسوأ، و53% الذين لا يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي يُحسّن أداءهم؟ إنه تناقض غريب ومحير. يُفيد المطورون عن رضا أعلى (67% يقولون إن الذكاء الاصطناعي يُحسّن جودة العمل) مقارنةً بالمصممين (40%)، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أدوات توليد الأكواد (الرموز الكمبيوترية) تُقدّم فائدة أوضح.

تحولات طويلة المدى

في الوقت نفسه، يُكافح المصممون مع مخرجات الذكاء الاصطناعي التوليدي غير المتوقعة. يُرجع هوغان هذه الفجوة إلى «قيود كيفية تفاعلنا كبشر مع هذه الأشياء»، وليس إلى التكنولوجيا نفسها. ويستشهد بقانون أمارا Amara’s Law: نحن نُبالغ في تقدير التغيير قصير المدى ونقلل من شأن التحول طويل المدى. يقول، مشيراً إلى تطور تطبيق «أوبر»: «استغرقت الهواتف الجوالة سنوات لإعادة تشكيل الصناعات». ومع ذلك، أثارت أدوات مثل «تشات جي بي تي» توقعات بإحداث تغيير جذري سريع بمستوى «آيفون» وهو أمر لم يتجاوزه الذكاء الاصطناعي بعد.

(قانون أمارا سمي باسم العالم الأميركي روي أمارا، ويقول: التطورات التكنولوجية تحظى باهتمام مبالغ فيها في بداية ظهورها لكن يستهان بأثرها على المدى البعيد - «الويكيبيديا»).

تضاؤل ​​التوقعات

على الرغم من أن 85% من المتخصصين يعتبرون الذكاء الاصطناعي أساسياً للنجاح المستقبلي، فإن توقعات تأثيره على المدى القريب آخذة في التضاؤل. يتوقع 27% فقط أن يؤثر الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على أهداف الشركات في العام المقبل، دون تغيير عن عام 2024.

ويصف هوغان هذا الأمر بأنه إعادة تقييم، وليس خيبة أمل. ويضيف: «الضجة الإعلامية تسبق ما يمكن لمعظم الناس فعله اليوم»، مشبهاً مسار الذكاء الاصطناعي بالاعتماد التدريجي للإنترنت. ومع ذلك، فإن «الانفجار العملاق» لتطبيقات الذكاء الاصطناعي - مثل الذي حدث مع تطبيقات «آيفون» لم يأتِ بعد.

صحيح أن هناك تطبيقات متخصصة مثل ترجمة المستندات الطبية أو أدوات الصيانة التنبئية، ولكن أين التطبيقات التحويلية الحقيقية التي تتجاوز مجرد القدرة على التحدث إلى «ويكيبيديا»؟ أين «أوبر» الذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي الوكيل

قد يكمن الجواب في الذكاء الاصطناعي الوكيل، وهو أسرع فئات المنتجات نمواً. وقد شهدت هذه الأدوات، التي تُؤتمت المهام متعددة الخطوات، زيادةً سنويةً بنسبة 143% في التطوير (من 21% في عام 2024 إلى 51% في عام 2025). لكن هوغان يُحذر من أنها تتطلب إعادة النظر في مبادئ التصميم. «متى يجب على الوكيل التواصل مع المستخدمين؟ ما المعلومات التي يجب أن يُشاركها؟».

إن دور التصميم هنا بالغ الأهمية - يقول 52% من المُطورين إن التصميم أكثر أهمية لمنتجات الذكاء الاصطناعي من المنتجات التقليدية، حيث تسد الواجهات الذكية، الفجوة بين القدرات وبين سهولة الاستخدام.

تنبع مفارقة الذكاء الاصطناعي - من نشأته. إذ يجد المصممون والمطورون أنفسهم عالقين بين الحماس والهستيريا الجماعية والبراغماتية، وهم يُبحرون في مشهدٍ حيث أصبحت النماذج الأولية والتكرار أكثر أهمية من أي وقت مضى.

إمكانات واعدة

إن إمكانات التكنولوجيا حقيقية، نعم. يُسرّع إنشاء الرموز الكمبيوترية بالفعل عملية التطوير، ويستخدمه 59% من المطورين. وتُبشّر الأدوات الوكيلة بثورات في سير العمل، ويتزايد استخدامها. ولكن من دون أهداف أوضح، وثقة في المخرجات، وتحسين قائم على التصميم، يُخاطر الذكاء الاصطناعي بأن يصبح مجرد مجموعة أدوات بلا مخطط تفصيلي.

يقول هوغان: «ما زلنا في بداية الطريق». التحدي لا يكمن في ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيُعيد تشكيل التصميم، بل في قدرة فرق التصميم على تطوير عملياتها بسرعة كافية لتلبية وعوده غير المتوازنة.

في الوقت الحالي، المستقبل ملكٌ لمن يتعاملون مع الذكاء الاصطناعي ليس كعصا سحرية، بل كصلصال - قابل للتشكيل، وبعيد كل البعد عن التشكيل الكامل.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

تكنولوجيا نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

ذكرت دراسة «كاسبرسكي» أن نصف موظفي السعودية تلقوا تدريباً سيبرانياً ما يجعل الأخطاء البشرية مدخلاً رئيسياً للهجمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك في سباق الفضاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار شركة «إس كيه هاينكس» ولوحة أم للكمبيوتر تظهر في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

رئيس «إس كيه» الكورية: صناعة الذكاء الاصطناعي ليست في فقاعة

قال رئيس مجموعة «إس كيه» الكورية الجنوبية، المالكة لشركة «إس كيه هاينكس» الرائدة في تصنيع رقائق الذاكرة، إن أسهم الذكاء الاصطناعي قد تتعرض لضغوط.

«الشرق الأوسط» (سيول)
تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد هاتف ذكي وشاشة كمبيوتر يعرضان شعارَي «واتساب» والشركة الأم «ميتا» في غرب فرنسا (أ.ف.ب)

تحقيق أوروبي في قيود «ميتا» على منافسي الذكاء الاصطناعي عبر «واتساب»

خضعَت شركة «ميتا بلاتفورمز» لتحقيق جديد من جانب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتكار، على خلفية خطتها لإطلاق ميزات ذكاء اصطناعي داخل تطبيق «واتساب».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.