تقنيات جديدة قابلة للارتداء لتعزيز الصحة العقلية

عُصابة رأس لتركيز الأفكار وأدوات لقراءة الموجات الدماغية

عصابة "ميوز أس" الصحية
عصابة "ميوز أس" الصحية
TT
20

تقنيات جديدة قابلة للارتداء لتعزيز الصحة العقلية

عصابة "ميوز أس" الصحية
عصابة "ميوز أس" الصحية

«لقد حققت 40 ثانية من التركيز المتواصل»... يبدو أن ذلك سبب للاحتفال. على مدى العشر دقائق الماضية. كنت أحدق في هاتفي، أحاول تحريك كرة رقمية أعلى التل باستخدام قوة عقلي فقط؛ إذ كانت عصابة الرأس «ميندي» (Mendi) التي أرتديها، تحلِّل نشاط دماغي وتعكس ذلك في اللعبة. فكلما ازداد تركيزي، ارتفعت الكرة.

ملبوسات إلكترونية للصحة العقلية

يُفترض أن هذا التمرين يعمل على تقوية قدراتي العقلية، تماماً كما يمكن للمرء أن يستخدم الأوزان لتدريب العضلات البدنية، ويؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين تركيزي والحد من توتري.

تضع صناعة الأجهزة القابلة للارتداء نصب أعينها هدفاً جديداً يتمثل في صحتنا العقلية. لدينا الآن ساعات ذكية لقراءة الموجات الدماغية لا تحلل حالة جهازنا العصبي فحسب، وإنما تتدخل بنشاط أيضاً لتحسين وضعنا النفسي، وجعل عملية دعم الصحة العقلية أكثر يسراً، وجعل الأدوات أكثر قابلية للارتداء من أي وقت مضى.

ويقول مصطفى حمادة، رئيس قسم المنتجات والعلوم في شركة «ميندي»: «نحن نستفيد من قدرة الدماغ على إعادة تنظيم نفسه حتى يتمكن من زيادة التحكم العاطفي».

"غالاكسي رنغ" الصحي من "سامسونغ"
"غالاكسي رنغ" الصحي من "سامسونغ"

اختبار أجهزة تحسين المزاج

لقد بحثت في هذا المجال الموسَّع من الأجهزة التي تستهدف التركيز، والانتباه، والتوتر والقلق، لمعرفة كيف تعمل، وما الذي يمكن أن يحدث فرقاً حقيقياً لوضعي الصحي العام.

أول جهاز قابل للارتداء كنت متلهفة لاستخدامه كان عصابة «ميوز» للرأس (Muse headband)؛ إذ اختبرتُ نموذجاً مبكراً منها قبل أكثر من عقد من الزمن.

هناك جهازان للاختيار بينهما - «ميوز 2»، وهو عصابة رأس صلبة تهدف إلى الحد من التوتر وتحسين المزاج، و«ميوز إس» الذي يستخدم مستشعرات لينة يمكن ارتداؤها بسهولة في الليل أيضاً لتتبع النوم.

يُعد جهاز «ميوز» فريداً إلى حد ما بين الأجهزة القابلة للارتداء لكونه جهازاً لتخطيط كهربائية الدماغ «EEG» من الدرجة الإكلينيكية، ما يعني أنه، فضلاً عن كونه منتجاً مستهلكاً، فإنه يستخدم من قبل الباحثين للتحقيق في كل شيء من تشخيص السكتة الدماغية إلى علاجات اضطراب الوسواس القهري.

جربتُ جهاز «ميوز إس» Muse S. إنه جهاز بسيط. تستخدم العصابة الرأسية 7 مستشعرات لقياس النشاط الكهربائي للدماغ مع معدل ضربات القلب، وإيقاع التنفس والحركة. ثم تُحلل هذه البيانات وتُرسل إليك عبر سماعات الأذن. يلتقط الجهاز الذبذبات العصبية، أو موجات الدماغ، بترددات مختلفة، تتوافق مع العقليات المختلفة. وترتبط المزيد من موجات «ألفا» (في الدماغ) بحالة من الاسترخاء والهدوء. وتُوجَد موجات «بيتا» عندما يفكر الإنسان بنشاط في شيء ما، في حين تتوفر موجات «دلتا» عندما تكون نائماً نوماً عميقاً.

في الليل، تُحلِّل عصابة «ميوز» موجات دماغك، وتستخدم الصوت المتجاوب - التأمل الموجَّه أو قصص النوم أو الأنماط الصوتية - لدفعك للنوم مرة أخرى، عندما تُدرك أنك تستيقظ. وخلال ساعات الاستيقاظ، من المفترض أن تُقلل «ميوز» من الضغط العصبي، وتُحسن الحالة المزاجية، من خلال تقديم تغذية استرجاعية مباشرة لمساعدتك على التأمل.

أضع الجهاز على رأسي وأغلق عيني. أسمع على الفور هبوب ريح قوية من حولي. عندما يسجل «ميوز إس» موجات المخ التي تعكس حالة التأمل، تهدأ الرياح وتبدأ الطيور في التغريد.

يقول آرييل غارتن، عالم الأعصاب والمؤسس المشارك لجهاز «ميوز»: «الأشخاص الذين لم يمارسوا التأمل من قبل لا يعرفون عادة ما يجب عليهم فعله... لذا حللنا هذه المشكلة بقراءة النشاط الدماغي الخاص بك وإخبارك متى تفعل ذلك بشكل صحيح».

لا شك في أنني شعرت بالاسترخاء بعد كل جلسة، وبالتأكيد تحسنتُ قدرتي على التأمل مع مرور الوقت؛ حيث سمعت 11 طائراً مغرداً فقط في أول جلسة لي، واستمتعت بـ46 طائراً في آخر جلسة، بعد 5 أسابيع. ولكن التساؤل يظل: هل يُقلل الجهاز، الذي يبلغ سعره نحو 300 دولار، حقاً من التوتر والقلق؟

عصابة "ميندي" لتركيز التفكير
عصابة "ميندي" لتركيز التفكير

عصابة «ميندي» بمحفزات بصرية

توجد أجهزة مشابهة أخرى. جربت أيضاً سماعة «ميندي»، التي تُكلف نحو 300 دولار، وتستخدم تقنية تسمى التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء القريبة «fNIRS» للكشف عن التغيرات في تدفق الدم والأكسجين في الدماغ استجابة لنشاط الدماغ، وتستخدم تلك المعلومات لتحديد متى تكون هادئاً ومركزاً.

وبدلاً من إرجاع تلك البيانات إليك من خلال تغريد الطيور، فإنها تُترجم إلى حركة كرة على جهازك المحمول. وقد فضّل أطفالي سماعة «ميندي»، لأنهم وجدوا أنه من الأسهل التحكم في المحفز البصري عن المحفز السمعي، بينما كنت قد أحببت إغلاق عيني أثناء التأمل... ولذلك فضلت عصابة «ميوز».

وعلى غرار «ميوز»، تُشير عصابة «ميندي» إلى العديد من الدراسات التي تدعم مزاعمها. ومع ذلك، فإن مجال أجهزة «التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء القريبة» القابلة للارتداء ما زال في بداياته، وهناك نقص في اختبارات الكفاءة الكبيرة ذات المعيار المرتفع.

وخلصت إحدى المراجعات الميدانية إلى أن الناس يمكنهم تنظيم إشارات دماغهم باستخدام «التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء القريبة»، التي قد تمكنهم من تقليل أعراض القلق، ولكن تنص على أن أي استنتاجات بشأن فائدته الإكلينيكية «سابقة لأوانها».

تحفيز الأعصاب

بدلاً من «تدليك» الجهاز العصبي من خلال التأمل، تهدف الأجهزة الأخرى القابلة للارتداء إلى معالجته من خلال التعديل العصبي؛ حيث تستخدم التكنولوجيا لتغيير نشاط الأعصاب من خلال التحفيز المباشر أو غير المباشر. خذ على سبيل المثال نظام «نيوروسيم» (Nurosym)، وهو جهاز يُثبت على زنمة الأذن tragus (الزنمة هي القطعة البارزة من الأذن الخارجية أمام الصيوان وتبرز باتجاه الخلف فوق قناة الأذن) أي الغضروف اللحمي أمام أذنك، ويرسل رسائل كهربائية إلى العَصَب المبهم. لا يُعدّ الاستخدام المنتظم لهذا الجهاز، وفقاً لموقعه على الإنترنت، بتقليل التعب والاكتئاب والقلق فحسب، وإنما يساعد أيضاً في علاج مرض «كوفيد - 19» طويل الأمد، مع تحسين صحة القلب، وأكثر من ذلك.

أصبح العصب المبهم يحظى بكثير من الاهتمام أخيراً. إنه في الواقع زوج من الأعصاب التي تربط جذع الدماغ بالعديد من الأعضاء الحيوية، متحكمة في وظائفنا اللاإرادية مثل التنفس، والهضم، والاستجابة المناعية. كما أنه يلعب دوراً حاسماً في جهازنا العصبي اللاودي، الذي يحكم نشاط «الراحة والاسترخاء» الذي يساعدنا على التعافي بعد أن يكون جهازنا العصبي الودي، أو استجابات «القتال والفرار»، قد بدأت العمل خلال فترة من الإجهاد.

في ثمانينات القرن الماضي، استهدف الأطباء العصب المبهم عن طريق زرع محفزات كهربائية في أعناق الأشخاص المصابين بالصرع. كانت هذه الأجهزة تكبح نوبات الصرع لديهم، ولكنها أثرت أيضاً على رفاهيتهم. ومنذ ذلك الحين، بدا كأن تحفيز العصب المبهم يساعد في «كل حالة».

ويقول بنيامين ميتكالف من جامعة باث بالمملكة المتحدة، الذي باشر بعض التجارب الوحيدة التي سجلت إشارات كهربائية من داخل العصب المبهم مباشرة: «يعتبر العصب المبهم بمثابة الدواء الشافي لأنه متسع ومتصل بالعديد من الأعضاء والأجهزة. ويمكن أن يكون له تأثير على كل شيء من الالتهاب إلى التحكم في القلب».

وحسب إيليزابيتا بورشي، رئيسة الأبحاث في شركة «باراسيم» المصنَّعة للجهاز، فإن جهازها يستهدف فرعاً من العصب المبهم ينتقل نحو جذع الدماغ لتعديل النشاط اللاودي، ما يساعد على تهدئة استجابتك المناعية وتقليل التوتر.

في تجربة صغيرة أُجريت على 19 شخصاً يعانون من قصور القلب، ظهر أن أولئك الذين تلقوا 4 ساعات من التعديل العصبي باستخدام نظام «نيوروسيم» مرتين يومياً طوال فترة إقامتهم في المستشفى، انخفضت مستويات الالتهاب وعلامات أقل من الإجهاد التأكسدي لديهم، الذي يمكن أن يتلف الخلايا، مقارنة مع أولئك الذين تلقوا علاجاً وهمياً. وأظهرت دراسة تجريبية منفصلة أخرى أُجرِيَت على 24 شخصاً مصابين بـ«كوفيد» طويل الأمد انخفاضاً في القلق والاكتئاب والإرهاق، بعد استخدام نظام «نيوروسيم» لمدة 30 دقيقة مرتين يومياً، لمدة 10 أيام.

في الوقت الحالي، لا يزال الباحث ميتكالف غير مقتنع بالنتائج؛ إذ يقول إنه لا يوجد إجماع واضح حول ما إذا كان التحفيز غير الحراجي للعصب المبهم له أي فائدة مقصودة.

ويوضح ميتكالف أن العصب المبهم يتألف من 20 إلى 30 حزمة من الألياف التي تُسمَّى «الحُزَيْمات». يميل كل منها لأن يكون لديه وظيفة مختلفة؛ قد يتحكم أحدها في معدل ضربات القلب، بينما يتحكم الآخر في الجهاز المناعي. ويقول إن اختيار حُزَيْمة دون أخرى أمر صعب حتى عندما تقوم بزرع جهاز تحفيز، ناهيك من مباشرة ذلك بطريقة غير جراحية.

سوار لعلاج التوتر

بالحديث عن المدخلات الحسية غير العادية، جربتُ أيضاً جهاز «أبوللو» (Apollo)، وهو سوار معصمي يستخدم الاهتزازات لمعالجة التوتر، وتحسين التركيز، وزيادة النوم. والسوار، الذي يُكلف نحو 350 دولاراً، يتتبع بيانات، مثل تغاير معدل نبض القلب «HRV»، ويوفر أنماطاً مختلفة من الاهتزاز اعتماداً على ما إذا كنت تستخدمه للاسترخاء أو لتحسين تركيزك. وهذه الأنماط والترددات الدقيقة تبقى طي الكتمان، إذ تتقدم الشركة للحصول على براءات الاختراع، ولكنها أشبه بالنبضات اللطيفة بصفة عامة.

من تجربتي، كانت هذه الأجهزة عصية على التمييز بين بعضها إلى حد كبير، وأنا حذرة من الادعاءات التي يروِّجها التطبيق؛ بأن بعض الأنماط يمكن أن تساعدك على التركيز، والشعور بالحيوية، والشعور بالهدوء، وتعزيز العديد من الحالات الأخرى؛ إذ لم ينشأ لدي أي دليل مقنع حتى الآن على أن الاهتزاز يمكن أن يُعدل الحالة المزاجية على وجه التحديد.

يقول ديفيد رابين، أحد مؤسسي شركة «أبوللو نيورو»، إن أنماط وتردد الاهتزازات هما المفتاح الرئيسي لتأثيراتها. وهناك بعض الأبحاث المبكرة التي تشير إلى أن ترددات معينة من الاهتزازات قادرة على تعديل مستويات التوتر والقلق. مع ذلك، لم تُنشر سوى تجربة إكلينيكية واحدة فقط لجهاز «أبوللو» نفسه، على أشخاص مصابين بتصلب «الجلد المجموعي (systemic sclerosis)» وهي حالة من أمراض المناعة الذاتية المؤلمة. وأظهر المشاركون الذين استخدموا الجهاز لمدة 15 دقيقة على الأقل في اليوم لمدة 4 أسابيع انخفاضاً في التعب، فضلاً عن تحسين نوعية الحياة وتقليل أعراض الاكتئاب.

لا يأتي أي من هذه الأجهزة بسعر رخيص. ومع حداثة الصناعة، لا يزال أمام كل جهاز منها طريق طويل لإثبات جدارته. وكلما زادت الأدوات التي نملكها لمساعدتنا على عيش حياة أكثر هدوءاً وتركيزاً، كان ذلك أفضل.

* مجلة «نيوساينتست» - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

علماء يستكشفون المنطقة المسؤولة عن الوعي في الدماغ

علوم هناك بقعة زرقاء في الدماغ تلعب دوراً رئيسياً في إدراكنا (د.ب.أ)

علماء يستكشفون المنطقة المسؤولة عن الوعي في الدماغ

الوعي هو جوهر الوجود البشري، لأنه القدرة على الرؤية والسمع والحلم والتخيل والشعور بالألم أو المتعة أو الخوف أو الحب وغيرها، لكن أين يقع هذا الوعي تحديداً؟

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك يبدأ الجسم بامتصاص المغنسيوم بعد نحو ساعة من تناوله ويصل الامتصاص إلى نحو 80 في المائة من الجرعة بعد ست ساعات في الظروف الطبيعية (متداولة)

كم يبقى المغنسيوم في جسمك؟... اكتشف السر

المغنسيوم معدن أساسي يلعب دوراً محورياً في وظائف متعددة بالجسم، أبرزها تعزيز صحة العظام وتنظيم ضغط الدم ودعم عمل العضلات.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
علوم الجينوم... ثورة في علاج الصرع والأمراض النادرة لدى الأطفال

الجينوم... ثورة في علاج الصرع والأمراض النادرة لدى الأطفال

أثبتت دراسة دولية رائدة أجراها باحثون من جامعة «يونيفرسيتي كوليدج لندن» و«مستشفى غريت أورموند ستريت» للأطفال في لندن، أن التسلسل الجيني السريع

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم الابتسامة... كيف ستبدو أسناننا في المستقبل؟

الابتسامة... كيف ستبدو أسناننا في المستقبل؟

في عالم تتسارع فيه التقنيات، لم يعد الجمال مقتصراً على البشرة أو الشعر، بل دخلت الأسنان عصراً جديداً من الابتكار. وبحلول عام 2045، لن تكون زيارة طبيب الأسنان

د. عميد خالد عبد الحميد (لندن)
صحتك التنكس البقعي يصيب ملايين الأشخاص حول العالم (رويترز)

حقن الذهب في العين قد يكون مستقبل الحفاظ على البصر... ما القصة؟

قد يبدو غبار الذهب في العين علاجاً غير مألوف، لكن دراسة جديدة أُجريت على الفئران في الولايات المتحدة تُظهر أن هذا النهج قد يُعالج التنكس البقعي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل يتلقى رئيس الوزراء البريطاني نصائح من الذكاء الاصطناعي؟

هل يتلقى رئيس الوزراء البريطاني نصائح من الذكاء الاصطناعي؟
TT
20

هل يتلقى رئيس الوزراء البريطاني نصائح من الذكاء الاصطناعي؟

هل يتلقى رئيس الوزراء البريطاني نصائح من الذكاء الاصطناعي؟

كشفت مجلة «نيوساينتست» اليوم، أن آلاف الموظفين الحكوميين في قلب حكومة المملكة المتحدة، بمن فيهم أولئك الذين يعملون بشكل مباشر مع رئيس الوزراء كير ستارمر، يستخدمون روبوت دردشة خاصاً بالذكاء الاصطناعي لأداء عملهم، كما كتب كريس ستوكيل - ووكر(*).

أدوات الذكاء الاصطناعي داخل الحكومة

وقد رفض المسؤولون الإفصاح رسمياً عن كيفية استخدام هذه الأداة، وما إذا كان ستارمر يتلقى نصائح مُعدّة باستخدام الذكاء الاصطناعي، أو كيف يُخفف موظفو الخدمة المدنية من مخاطر نتائج الذكاء الاصطناعي غير الدقيقة أو المتحيزة. ويقول الخبراء إن عدم الإفصاح يثير مخاوف بشأن دقة المعلومات في عمل الحكومة.

«الصندوق الأحمر» الذكي

استخدمت «نيوساينتست» قوانين حرية المعلومات (FOI) لطلب سجلات من 20 إدارة حكومية حول تفاعلاتها مع أداة ريدبوكس Redbox (الصندوق الأحمر) للذكاء الاصطناعي التوليدي طُوّرت داخلياً وجُرّبت على موظفي الحكومة البريطانية.

ويسمح روبوت المحادثة الكبير هذا، المُدار بنموذج لغوي كبير، للمستخدمين بالاطلاع على الوثائق الحكومية و«إعداد مسودات أولية للإحاطات» بالمعلومات، وفقاً لأحد الأشخاص الذين يقفون وراء تطويره. وشهدت التجارب الأولية ادعاء أحد موظفي الخدمة المدنية بأنه قام بتلخيص 50 وثيقة «في غضون ثوانٍ»، بدلاً من قضاء يوم عمل كامل.

رفض حكومي للتعاون الإعلامي

أفادت جميع الإدارات التي تم التواصل معها إما بعدم استخدام ريدبوكس وإما رفضها تقديم نصوص التفاعلات مع الأداة، مدّعية أن طلبات مجلة «نيوساينتست» كانت «مزعجة»، وهو مصطلح رسمي يُستخدم في الرد على طلبات حرية المعلومات التي يُعرّفها مكتب مفوض المعلومات بأنها «من المحتمل أن تُسبب مستوى غير متناسب أو غير مبرر من الضيق أو الاضطراب أو الانزعاج».

مع ذلك، قدّمت إدارتان بعض المعلومات. إذ صرّح مكتب مجلس الوزراء، الذي يدعم رئيس الوزراء، بأن 3000 شخص في إدارته شاركوا فيما مجموعه 30000 محادثة مع ريدبوكس. وذكر المكتب أن مراجعة هذه المحادثات لحذف أي معلومات حساسة قبل نشرها بموجب قوانين حرية المعلومات ستتطلب أكثر من عام من العمل. كما رفضت وزارة الأعمال والتجارة الرد، مشيرة إلى أنها تحتفظ «بأكثر من 13000 رسالة وإجابة»، وأن مراجعتها لنشرها لن تكون مجدية.

وعند طرح أسئلة متابعة حول استخدام ريدبوكس، أحالت الوزارتان المجلة إلى وزارة العلوم والابتكار والتكنولوجيا (DSIT)، المشرفة على الأداة. إلا أن الوزارة رفضت الإجابة عن أسئلة محددة حول ما إذا كان رئيس الوزراء أو وزراء آخرون في الحكومة يتلقون نصائح مُعدّة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

أداة لتلخيص الوثائق

وصرح متحدث باسم وزارة العلوم والابتكار والتكنولوجيا للمجلة بأنه «لا ينبغي لأحد أن يُضيّع وقته في شيء يُمكن للذكاء الاصطناعي القيام به بشكل أفضل وأسرع. إن ريدبوكس، المُصمم في مقر الحكومة البريطانية، يُساعدنا على تسخير قوة الذكاء الاصطناعي بطريقة آمنة ومأمونة وعملية، مما يُسهّل على المسؤولين تلخيص الوثائق ووضع مسودات جداول الأعمال وغيرها».

قلق الخبراء من التحيّز

لكن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي يُثير قلق بعض الخبراء. فنماذج اللغات الكبيرة تُعاني من مشاكل موثقة جيداً تتعلق بالتحيز والدقة، ويصعب معالجتها، لذا لا سبيل لدينا لمعرفة ما إذا كان ريدبوكس يُقدم معلومات عالية الجودة. وقد رفضت الوزارة الإجابة عن أسئلة مُحددة حول كيفية تجنّب مستخدمي Redbox هذه الأداة للأخطاء أو التحيز.

نقص الشفافية

تقول كاثرين فليك من جامعة «ستافوردشاير»، بالمملكة المتحدة: «من المفترض أن تخدم الحكومة الجمهور، وجزء من هذه الخدمة هو أن نتمتع بقدرٍ مُعين من فهم كيفية اتخاذ القرارات وماهية العمليات المتعلقة بها». ولأن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي تُعد بمثابة «صناديق سوداء»، تُعرب فليك عن قلقها من صعوبة اختبار أو فهم كيفية وصولها إلى مُخرجات مُعينة، مثل إبراز جوانب مُعينة من وثيقة ما على حساب جوانب أخرى. وتُضيف أن عدم رغبة الحكومة في مُشاركة هذه المعلومات يُقلل من الشفافية بشكل أكبر.

وزارة الخزانة تستخدم «جي بي تي»

ويمتد هذا النقص في الشفافية إلى وزارة حكومية ثالثة، وهي وزارة الخزانة. رداً على طلب حرية المعلومات، أبلغت وزارة الخزانة مجلة «نيوساينتست» أن موظفيها لا يستطيعون الوصول إلى ريدبوكس، وأن «أدوات (جي بي تي) المتاحة داخلياً في وزارة الخزانة لا تحتفظ بسجلات الإشعارات». ليس من الواضح تحديداً أي أداة «جي بي تي» تشير إليها هذه العبارة - فبينما يُعد ChatGPT المثال الأشهر، تُعرف نماذج اللغات الكبيرة الأخرى أيضاً باسم GPTs. ويشير الرد إلى أن وزارة الخزانة تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي، لكنها لا تحتفظ بسجلات شاملة لاستخدامها. لم تستجب وزارة الخزانة لطلب «نيوساينتست» للتوضيح. وتقول فليك: «إذا لم يحتفظوا بالإشعارات المستخدمة، فمن الصعب تكوين فكرة عن كيفية تكرار عمليات صنع القرار هناك».

ويعلق جون باينز، من شركة المحاماة البريطانية «ميشكون دي ريا»، أن اختيار عدم تسجيل هذه المعلومات أمر غير معتاد. ويضيف: «أجد من المدهش أن الحكومة تقول إنها لا تستطيع استرجاع الإشعارات المُدخلة في أنظمة (جي بي تي) الداخلية الخاصة بها».

وفي حين قضت المحاكم بعدم إلزام الهيئات العامة بالاحتفاظ بسجلات عامة قبل الأرشفة، يقول باينز: «حوكمة المعلومات الجيدة تُشير إلى أهمية الاحتفاظ بالسجلات، خصوصاً عندما يحتمل استخدامها لتطوير السياسات أو نشرها».

* مجلة «نيوساينتست»، خدمات «تريبيون ميديا».