«الهلوسة»: نتاج التفاعلات الفكرية البشرية والآلية غير الدقيقة

انتقلت من اجتماعات التحاور البشري إلى الذكاء الاصطناعي

«الهلوسة»: نتاج التفاعلات الفكرية البشرية والآلية غير الدقيقة
TT

«الهلوسة»: نتاج التفاعلات الفكرية البشرية والآلية غير الدقيقة

«الهلوسة»: نتاج التفاعلات الفكرية البشرية والآلية غير الدقيقة

يُحدِث الذكاء الاصطناعي التوليدي تحولاً في طريقة عملنا، لكن تأثيراته لا تقتصر على ما يمكنه فعله. إذ يمكنه أيضاً أن يعلمنا جوانب عدّة عن اللغة والتواصل، كما كتبت أنيسا بورباساري هورتون (*).

الهلوسة نتاج التفاعلات الفكرية غير الدقيقة

إن الإنسان يفكر عادةً في الهلوسة بصفتها تصورات حسية - مثل الصوت أو الصورة - التي تبدو حقيقية في عقله، لكنها لم تحدث في الواقع الخارجي. لكن في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، تشير كلمة «هلوسة» إلى نموذج لغوي كبير ينتج معلومات غير صحيحة، أو ملفقة.

لكن الهلوسة ليست مجرد مشكلة ذكاء اصطناعي؛ لأن عدم الدقة أمر شائع بالقدر نفسه في التفاعلات البشرية. تحتوي معظم المحادثات على هلاوس، والاجتماعات المؤسسية هي موضع معرّض بشكل خاص لذلك.

هلاوس الاجتماعات نتيجة افتراضات خاطئة

غالباً ما تكون الاجتماعات هي المكان الذي نتعامل فيه مع أصعب مهام الاتصال. إن موازنة الأولويات، والعمل على توضيح الأسئلة، وتقديم الأخبار - تتطلب هذه المهام أدوات الاستجابات في الوقت الفعلي والتعبيرات الدقيقة.

وتحدث هلاوس الاجتماعات عندما تعرقل الافتراضات غير الصحيحة المحادثات. ويمكن أن يؤدي سوء الفهم إلى محادثات دائرية أو اجتماعات لا تحقق هدفها. وتشكل هذه الهلاوس جزءاً أساسياً من لغز ثقافة اجتماعاتنا. وهذا هو السبب وراء احتقار الكثيرين للاجتماعات على الرغم من أنها تظل ضرورية.

مفهوم القواسم المشتركة

في مجالي الفرعي من علم اللغة - الدراسات البراغماتية pragmatics - هناك مفهوم أساسي يسمى القواسم المشتركة. وأثناء الحوار، تشير القواسم المشتركة إلى المعلومات التي أثبت جميع الأطراف أنها صحيحة. وإذا كانت المعلومات مشتركة، فلا داعٍ لإعادة صياغتها.

وبدوري؛ كوني عالم بيانات في شركة «إيه تي آند تي» AT&T، لا نشعر بالحاجة إلى قول أشياء مثل: «هذا اجتماع لشركة (إيه تي آند تي)»، أو «نحن علماء بيانات»، أو «هذا اجتماع عمل». ومع ذلك، فمن العدل أن نقول إن كل هذه الافتراضات مشتركة في أي وقت.

أرضية مشتركة وافتراضات متنافرة

إن التحدي الذي تفرضه الهلوسة في الاجتماعات يحدث عندما تكون لديك افتراضات غير متطابقة حول أرضية مشتركة. إن فهم شخص واحد لما يشكل أرضية مشتركة (على سبيل المثال، الغرض من الاجتماع، هدف المشروع، أفضل نتيجة للمناقشة، دور المشارك في الاجتماع)، لا يتطابق دائماً مع فهم شخص آخر.

إن الهلوسة في الاجتماعات - أو الافتراضات غير المتطابقة حول أرضية مشتركة في الاجتماعات - يمكن أن تؤدي إلى صراع يصرف الانتباه. كما يمكن أن تخفي الخلاف الأساسي، الذي قد لا يكون في الواقع حول متطلب حل محدد - لكن حول هدف الحل بشكل عام.

إن معالجة الهلوسة في الاجتماعات من شأنها أن تقلل من تكرار الاجتماعات، وتزيد من الإنتاجية في الاجتماعات على نطاق واسع، وربما الأهم من ذلك: أنها ستعزز من المشاركة في اجتماعاتك.

أفضل الممارسات لاستبعاد الهلوسة

فيما يلي بعض أفضل الممارسات التي يجب اتباعها للتغلب على سوء الفهم:

* التأمل في الافتراضات المشتركة قبل الاجتماع. يبدأ منع الهلوسة في الاجتماعات بفهم ما هو موجود في مجموعة الافتراضات المشتركة الخاصة بك. قبل أن تبدأ اجتماعاً، فكّر فيما تريد تحقيقه. فكر فيما تعتقد أنه صحيح بشأن الموضوعات التي تناقشها. فكر فيما إذا كانت جميع الأطراف في الاجتماع تشترك في هذا الاعتقاد.

* التصريح بجرأة عن «الأمور الواضحة» في بداية الاجتماع. إن الأمر يستحق التحدث عن الافتراضات المشتركة ذات الصلة مع المشاركين الآخرين في الاجتماع. بهذه الطريقة، يمكنك تجنب سوء التواصل غير الضروري وتجنب إضاعة الوقت. سواء كان الافتراض المشترك يتعلق بالجداول الزمنية، أو من يملك العمل، أو الهدف العام للمشروع، خذ الوقت الكافي لقول الجزء الواضح بصوت عالٍ. قد لا يكون واضحاً للجميع.

* تحديد فجوات الاتصال المحتملة من خلال إعادة صياغة الافتراضات المشتركة. عندما تحدث الهلوسة في الاجتماعات، فإنها تتطلب منك إدراك أن لحظة الصراع أو الارتباك ليست دائماً بسبب موضوع المناقشة. إذا شعرت بأن الاجتماع يسير بشكل سيئ، فأعد ضبط المحادثة. يمكنك القيام بذلك من خلال إعادة تأسيس افتراضات مشتركة أو الإشارة إلى التصريحات التي تبدو وكأنها تقدم افتراضاً مشتركاً جديداً للسياق.

محركات الهلوسة البشرية انتقلت إلى الذكاء الاصطناعي

إن وجهات النظر القائمة على نتائج سابقة غير ذات صلة، والنظرة الجامدة إلى موقف ما بناءً على تدريب فكري محدد، والتسرع في الحكم دون الحصول على جميع المعلومات - هذه هي القضايا الشائعة التي يعانيها الكثيرون مع اجتماعات الشركات.

إنها أيضاً محركات أساسية لهلوسة الذكاء الاصطناعي، وهي كامنة أيضاً في ثقافتنا المؤسسية.

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

رجل يطلب تغريم شركة «تشات جي بي تي» بعد تعريفه بأنه مجرم وقتل طفليه

تكنولوجيا شعار «تشات جي بي تي» (رويترز)

رجل يطلب تغريم شركة «تشات جي بي تي» بعد تعريفه بأنه مجرم وقتل طفليه

تقدَّم رجل نرويجي بشكوى بعد أن أخبره برنامج «تشات جي بي تي»، بالخطأ، أنه قتل اثنين من أبنائه وسُجن لمدة 21 عاماً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

الإنسان والحاسوب من التنافس إلى الشراكة

يتغير العالم حولنا اليوم بتسارع لم يسبق له مثيل في التاريخ. وتتطور مستجدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بحيث يصعب على المرء مجرد متابعتها.

علوم «نيوساينتست»: وزير التكنولوجيا البريطاني يستخدم برنامج «تشات جي بي تي» لتقديم المشورة بشأن السياسات الحكومية

وزير التكنولوجيا البريطاني يستخدم برنامج «تشات جي بي تي» لتقديم المشورة بشأن السياسات

استخدم بيتر كايل، وزير التكنولوجيا البريطاني، برنامج «تشات جي بي تي» (ChatGPT) لتقديم المشورة بشأن السياسات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مقر شركة «سوفت بنك» في العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)

«سوفت بنك» تستحوذ على صانعة الرقائق «أمبير» مقابل 6.5 مليار دولار

أعلنت مجموعة «سوفت بنك» الاستثمارية اليابانية شراء شركة «أمبير كومبيوتينغ» مقابل 6.5 مليار دولار

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد جزيرة شيبارة أحد مشاريع البحر الأحمر في السعودية (الشرق الأوسط)

تقرير أممي يدعو رواد الأعمال لتوظيف الذكاء الاصطناعي في السياحة

في وقت تعمل الحكومة السعودية على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في قطاعها السياحي، يبرز دور شركات القطاع في مجاراة الخطوات الحكومية.

بندر مسلم (الرياض)

«نيوساينتست»: وزير التكنولوجيا البريطاني يستخدم برنامج «تشات جي بي تي» لتقديم المشورة بشأن السياسات الحكومية

«نيوساينتست»: وزير التكنولوجيا البريطاني يستخدم برنامج «تشات جي بي تي» لتقديم المشورة بشأن السياسات الحكومية
TT

«نيوساينتست»: وزير التكنولوجيا البريطاني يستخدم برنامج «تشات جي بي تي» لتقديم المشورة بشأن السياسات الحكومية

«نيوساينتست»: وزير التكنولوجيا البريطاني يستخدم برنامج «تشات جي بي تي» لتقديم المشورة بشأن السياسات الحكومية

كشفت مجلة «نيو ساينتست» العلمية البريطانية أن بيتر كايل، وزير التكنولوجيا البريطاني، قد استخدم برنامج «تشات جي بي تي» (ChatGPT) لتقديم المشورة بشأن السياسات، كما كتب كريس ستوكيل - ووكر (*).

وحصلت «نيو ساينتست» الآن على سجلات استخدام الوزير كايل للبرنامج الذكي، بموجب قانون حرية المعلومات (FOI)، فيما يُعتقد أنه أول اختبار عالمي لمدى خضوع تفاعلات روبوتات الدردشة لهذا القانون.

سؤال حول بطء تبني الشركات للذكاء الاصطناعي

تُظهر هذه السجلات أن كايل طلب من «تشات جي بي تي» توضيح سبب تباطؤ مجتمع الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة المتحدة في تبني الذكاء الاصطناعي. وأجاب البرنامج بقائمة من 10 نقاط للأسباب المحتملة، بما في ذلك اجابات حول «الوعي والفهم المحدود»، و«المخاوف التنظيمية والأخلاقية»، و«نقص الدعم الحكومي أو المؤسسي».

صعوبات التعامل ومحدودية التمويل والحوافز

أبلغ روبوت الدردشة كايل: «في حين أطلقت حكومة المملكة المتحدة مبادرات لتشجيع تبني الذكاء الاصطناعي، فإن كثيراً من الشركات الصغيرة والمتوسطة لا تدرك أهمية هذه البرامج أو تجد صعوبة في التعامل معها. كما أن محدودية الوصول إلى التمويل أو الحوافز لتقليل مخاطر الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يمكن أن تُعيق تبنيه».

مخاوف قانونية وتنظيمية

وأضاف البرنامج، فيما يتعلق بالمخاوف التنظيمية والأخلاقية: «الامتثال لقوانين حماية البيانات، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (قانون خصوصية البيانات)، قد يُشكل عقبة كبيرة. وقد تقلق الشركات الصغيرة والمتوسطة بشأن القضايا القانونية والأخلاقية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي».

وقال متحدث باسم وزارة العلوم والابتكار والتكنولوجيا (DSIT)، التي يرأسها كايل، إن الوزير بصفته المسؤول عن الذكاء الاصطناعي يستخدم هذه التقنية، إلا أن هذا لا يُغني عن النصائح الشاملة التي يتلقاها بانتظام من المسؤولين. وأضاف: «تستخدم الحكومة الذكاء الاصطناعي كأداة لتوفير الجهد، مدعومة بتوجيهات واضحة حول كيفية استخدام هذه التقنية بسرعة وأمان».

سؤال حول استخدام البودكاست

استخدم كايل أيضاً روبوت المحادثة لجمع أفكار حول الظهور الإعلامي، متسائلاً: «أنا وزير دولة للعلوم والابتكار والتكنولوجيا في المملكة المتحدة. ما هي أفضل البودكاستات التي يُمكنني الظهور عليها للوصول إلى جمهور واسع ومناسب لمسؤولياتي الوزارية؟»

اقترح برنامج «جي بي تي» برنامجي «The Infinite Monkey Cage» و«The Naked Scientists»، بناءً على عدد مستمعيهما.

وبالإضافة إلى طلب هذه النصائح، طلب كايل من البرنامج الذكي تعريف مصطلحات مختلفة ذات صلة بوزارته: «المادة المضادة» (antimatter)، و«الشمول الرقمي» (digital inclusion)، و«الكم» (quantum).

برنامج جيد

وأعرب خبيران تحدثت إليهما مجلة «نيو ساينتست» عن دهشتهما من جودة ردود البرنامج على تعريفاته للكم. وقال بيتر نايت من «إمبريال كوليدج لندن»: «هذا جيد بشكل مدهش، في رأيي». ويقول كريستيان بوناتو من جامعة هيريوت وات في إدنبره، بالمملكة المتحدة: «أعتقد أنه ليس سيئاً على الإطلاق».

وأكد كايل أنه استخدم البرنامج «لمحاولة فهم السياق الأوسع الذي نشأ منه الابتكار، والأشخاص الذين طوّروه، والمؤسسات التي تقف وراءهم»، وأن «تشات جي بي تي» ممتاز للغاية، وعندما تجد صعوبة في فهم الأمور بعمق يمكن أن يكون مُدرّباً جيداً جداً لها.

وكانت دائرة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات رفضت في البداية طلب «حرية المعلومات» المقدم من مجلة «نيو ساينتست»، قائلةً: «يتضمن سجل بيتر كايل في (تشات جي بي تي) طلبات وردوداً قُدّمت بصفة شخصية ورسمية». إلا أن الموافقة تمت على طلب مُحسّن، يقتصر على الطلبات والردود المقدمة بصفة رسمية فقط.

سابقة قانونية

يقول تيم تيرنر، خبير حماية البيانات المقيم في مانشستر بالمملكة المتحدة، إن مجرد تقديم البيانات يُعدّ صدمة، ويعتقد أنها قد تكون أول حالة تُنشر فيها تفاعلات (مراسلات) روبوتات الدردشة بموجب قانون حرية المعلومات. ويضيف: «أنا مندهش من حصولكم عليها. كنت أعتقد أنهم سيحرصون على تجنب سابقة قانونية».

وهذا بدوره يطرح تساؤلات على الحكومات التي لديها قوانين مماثلة لحرية المعلومات، مثل الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، هل يُشبه «تشات جي بي تي» برامج رسائل البريد الإلكتروني أو محادثات «واتساب»، وكلاهما يخضع تاريخياً لقانون حرية المعلومات، أم أنه يُشبه نتائج استعلام محرك للبحث، التي كان من الأسهل على المؤسسات رفضها تقليدياً؟ يختلف الخبراء حول الإجابة.

* خدمات «تريبيون ميديا»