«ديب سيك» أثار جنوناً فورياً من صدمة تكنولوجية وجيوسياسية

مجهودات جبارة تنتظر عمالقة الذكاء الاصطناعي

«ديب سيك» أثار جنوناً فورياً من صدمة تكنولوجية وجيوسياسية
TT
20

«ديب سيك» أثار جنوناً فورياً من صدمة تكنولوجية وجيوسياسية

«ديب سيك» أثار جنوناً فورياً من صدمة تكنولوجية وجيوسياسية

لطالما كانت صناعة التكنولوجيا مفتونة بالاستعارات المتعلقة بسباق الفضاء الأصلي. والمفضل لديها من تلك الاستعارات عبارة moon shot «إطلاقة القمر» (مصطلح إرسال سفينة فضائية إلى القمر-المحرر)، وهو مصطلح ينطبق على أي مشروع طموح غير نمطي.

«ديب سيك» الصيني و«سبوتنيك» الروسي

أدى إصدار شركة «ديب سيك» الصينية الناشئة لنموذج ذكاء اصطناعي منطقي قد يكون نظيراً لـ«جي بي تي-أو1» (GPT-o1) من «أوبن إيه آي»، إلى جعل الجميع يعودون إلى لحظة «سبوتنيك» الأصلية في عام 1957، بوصفها نقطة للمقارنة، على الرغم من أنه تم إنشاؤه بثمن بخس، دون الوصول إلى أفضل شرائح «نفيديا». (سبوتنيك؛ قمر اصطناعي أرسله الاتحاد السوفياتي في دورة حول الأرض).

جنون وصدمة

بطريقة ما، استغرق الأمر من معظم الناس أسبوعاً للانتباه إلى وجود «آر-1» (R1) من «ديب سيك»، الذي أصدرته الشركة في 20 يناير (كانون الثاني). بمجرد انتباه الخبراء إليه أثار جنوناً فورياً تراوحت موجات الصدمة من التكنولوجية إلى الجيوسياسية.

إن التأثير المفاجئ لشركة «ديب سيك» له أوجه تشابه لا يمكن إنكارها مع الذعر الذي اندلع قبل أكثر من 67 عاماً عندما نجح الاتحاد السوفياتي في وضع قمر اصطناعي في المدار قبل أن تفعل الولايات المتحدة ذلك.

شفافية الصينيين وسرية السوفيات

ولكن كما أشار الرئيس التنفيذي السابق لشركة «ريدت»، وونغ، في منشور هذا الأسبوع، فإن أوجه التشابه سطحية. فمن ناحية، عمل السوفيات في سرية تامة. وعلى النقيض من ذلك، تنشر «ديب سيك» التعليمات البرمجية والأبحاث المتعلقة بتقنياتها لإنشاء الذكاء الاصطناعي الذي يفعل المزيد بأقل تكلفة. وهذا يمنح العالم بأسره الفرصة للبناء بسرعة على ما أنشأته الشركة، ما قد يؤدي إلى تسريع استخدام الذكاء الاصطناعي في كل مكان بدلاً من الحفاظ على ميزة تنافسية هائلة لشركة أو دولة واحدة.

نقطة تحول عالمي

لا شك أن تحويل الذكاء الاصطناعي إلى سلعة تجارية فجأة قد يخلف آثاراً عميقة على حفنة من الشركات الأميركية القوية التي دفعت التكنولوجيا إلى الأمام حتى الآن. ولكن في حين كانت تفاصيل وتوقيت مثل هذه النقطة التحولية غير متوقعة، فإن حتميتها لم تكن كذلك.

على سبيل المثال، كانت وثيقة داخلية لشركة «جوجل» تسربت في أوائل عام 2023 بعنوان «ليس لدينا خندق ولا نمتلك (أوبن إيه آي) أيضاً». أو كما قال الرئيس التنفيذي لشركة «مايكروسوفت»، ساتيا ناديلا، في وقت لاحق من ذلك العام: «فيما يتعلق بي، فإن الريادة المبكرة في التكنولوجيا لا تهم».

عمالقة التكنولوجيا: تقييم المستقبل

قد تجبر تقنية «آر-1» من «ديب سيك»، وغيرها من تقنيات الذكاء الاصطناعي المصممة على غرار نهجها، عمالقة الذكاء الاصطناعي الحاليين على إعادة تقييم كل شيء عن مستقبلهم. ومع ذلك، فإن هذا ليس نهاية المطاف بالنسبة للصناعة كما عرفناها.

ومن الصعب أن نتخيل أن الشركات التي تتمتع بالقدرة على الوصول إلى موارد هائلة لن تكون قادرة على تحقيق بعض التقدم الذي لا تستطيع الشركات الأخرى، التي تعمل في ظل قيود أكبر، تحقيقه.

والأمر الأكثر أهمية هو أن التحسينات المذهلة التي شهدناها في برامج النظم اللغوية الكبرى على مدى السنوات القليلة الماضية لم تضاهها بعدُ تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي نستخدمها في العالم الحقيقي.

تقادم أدوات ذكية جديدة

ومع تلاشي حداثة الذكاء الاصطناعي التوليدي، تبدو أدوات مثل «كوبايلوت» (Copilot) من «مايكروسوفت» وكأنها مسودات «أكثر خشونة» لشيء يحتاج إلى مزيد من الإبداع ليرقى إلى إمكاناته.

إن عمل ربط الذكاء الاصطناعي بجميع العمليات التي نستخدمها لإنجاز الأشياء لم يبدأ بعدُ، ومن المتوقع أن تجني الشركات التي تنجز ذلك الكثير من المال.

الذكاء الاصطناعي الوكيل

هذه هي الحقيقة الكامنة وراء هوس الصناعة بما يسمى الذكاء الاصطناعي الوكيل، وهي كلمة طنانة مزعجة بعض الشيء تشمل أشكالاً من التكنولوجيا التي يمكنها أداء مهام معقدة دون إشراف بشري مستمر.

هناك بعض المحاولات المبكرة اللائقة للفكرة هناك، مثل «زملاء فريق الذكاء الاصطناعي» من «أسانا» (Asana)، الذين يتحملون بالفعل بعض العمل الشاق المتمثل في التعامل مع المهام في تطبيق إدارة المشاريع. ولكن هذه الأمثلة تفوقها حالات الذكاء الاصطناعي الوكيل التي تثبت في الغالب أن التكنولوجيا ليست جاهزة للقيام بالكثير بمفردها.

على سبيل المثال، في الأسبوع الماضي، أصدرت «أوبن إيه آي» برنامج «Operator»، وهو «معاينة بحثية» متاحة لمستخدمي فئة «ChatGPT Pro» التي تبلغ تكلفتها 200 دولار شهرياً. يمكن لهذا البرنامج الكتابة في متصفح الويب والتحكم في مؤشر الماوس، وهي خطوة نظرية أولى نحو السماح له بالتعامل مع جميع المهام التي نقوم بها نحن البشر على الويب.

تجربة الوكيل الذكي

وقد تحدث كيسي نيوتن عن تجربته العملية مع الخدمة، التي تضمنت مطالبة البرنامج بأداء مهام مثل كتابة خطة درس في المدرسة الثانوية لرواية «غاتسبي العظيم». وقد استغرق الأمر دقائق لتحقيق نتائج لم تكن أفضل مما توصل إليه برنامج «تشات جي بي تي» غير الوكيل على الفور تقريباً. وعندما حاول نيوتن استخدام «Operator» لطلب البقالة، وهو شيء لا يستطيع روبوت الدردشة الموجود في البورصة القيام به، اتضح أن الإصدار الحالي منه لا جدوى منه في هذه المهمة أيضاً.

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حصلت على عرض توضيحي للذكاء الاصطناعي التجريبي الذي طورته شركة «غوغل»، والذي أطلق عليه اسم «مشروع مارينر»، الذي يتضمن أيضاً طلب البقالة وكان بطيئاً للغاية بحيث لا يبدو وكأنه تقدم.

إن حقيقة أن هذين البرنامجين (الوكيلين) لم يكونا جاهزين بعد للتعامل مع مهمة متواضعة مثل شراء غالون من الحليب لا تشكل دليلاً على أنهما تمرينان في العبث، بل إن هدف جعل الذكاء الاصطناعي مفيداً بوصفه عاملاً يظل طموحاً إلى حد كبير، حتى في شركة «أوبن إيه آي» و«غوغل».

مزايا متميزة للشركات الرائدة

إن برنامج «ديب سيك» وغيره من إنجازات تحسين مستوى النماذج اللغوية الكبرى التي لم تأتِ بعد، لن تعيق المزيد من تطوير الذكاء الاصطناعي العامل، بل إنها ستساعد بالتأكيد من خلال جعل البنية الأساسية أكثر سهولة في الوصول إليها بالنسبة لمزيد من الناس الذين لديهم أفكار جيدة.

وحتى في هذه الحالة، سوف تحتفظ شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة في الولايات المتحدة ببعض المزايا المتميزة، من المال والمواهب الهندسية التي يمكنها أن تستثمرها في تحديات الغد... إلى قدرتها على تسويق منتجات جديدة لقواعد عملاء كبيرة راسخة. وربما يشكل وصول «ديب سيك-آر1» نقطة تحول لهذه الشركات.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

 2.6 مليار شخص بلا إنترنت... ومنظمة التعاون الرقمي تدعو لشراكات دولية 

الاقتصاد الأمينة العامة لمنظمة التعاون الرقمي ديمة اليحيى (الشرق الأوسط)

 2.6 مليار شخص بلا إنترنت... ومنظمة التعاون الرقمي تدعو لشراكات دولية 

بينما يعتمد الأفراد في بعض الدول مرتفعة الدخل على الذكاء الاصطناعي، تتجسد الفجوة الرقمية، مانعةً 2.6 مليار شخص من الوصول إلى المعرفة والفرص والمستقبل ذاته.

عبير حمدي (عمّان)
علوم تقرير أميركي: ربع جميع شركات البث تستخدم الآن الذكاء الاصطناعي

تقرير أميركي: ربع جميع شركات البث تستخدم الآن الذكاء الاصطناعي

توسع متواصل في تكنولوجيا الاتصالات والذكاء الاصطناعي وتقنيات الحوسبة السحابية

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا تطبيق «ديب سيك» للذكاء الاصطناعي يظهر على شاشة (رويترز)

اتهام «ديب سيك» بمشاركة بيانات المستخدمين مع «تيك توك»

اتهمت كوريا الجنوبية شركة الذكاء الاصطناعي الصينية «ديب سيك»، بمشاركة بيانات المستخدمين مع مالك «تيك توك».

«الشرق الأوسط» (بكين - سيول)
تكنولوجيا هاتف «آيفون - 16 إي» من صنع شركة «أبل» (إ.ب.أ)

بأسعار أقل... «أبل» تصدر هاتفاً منخفض التكلفة يوفر خصائص الذكاء الاصطناعي

أطلقت شركة «أبل» هاتف «آيفون - 16 إي» منخفض التكلفة، اليوم (الأربعاء)، في وقت تتطلع فيه إلى الاستحواذ على حصة أكبر من سوق الهواتف الذكية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية مشهد للدمار الناتج عن ضربات جوية إسرائيلية على منازل فلسطينية في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز) play-circle

التكنولوجيا في ميدان القتال: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الحروب الحديثة؟

يثير الذكاء الاصطناعي مخاوف متزايدة حول تداعيات التكنولوجيا على حياة المدنيين، خاصة مع ارتفاع أعداد الضحايا بشكل غير مسبوق.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تقرير أميركي: ربع جميع شركات البث تستخدم الآن الذكاء الاصطناعي

تقرير أميركي: ربع جميع شركات البث تستخدم الآن الذكاء الاصطناعي
TT
20

تقرير أميركي: ربع جميع شركات البث تستخدم الآن الذكاء الاصطناعي

تقرير أميركي: ربع جميع شركات البث تستخدم الآن الذكاء الاصطناعي

يتسارع تبني أدوات الذكاء الاصطناعي في قطاع البث، وفقاً للنتائج الواردة في تقرير تحول البث لعام 2025 لشركة هايفيجن Haivision's 2025 Broadcast Transformation Report، وهو استطلاع لآراء شركات البث من جميع أنحاء العالم والذي صدر أمس الأربعاء، كما كتبت كارولين جياردينا(*).

استطلاع سنوي جديد

ووجد الاستطلاع أن 25 في المائة من شركات البث تستخدم الآن الذكاء الاصطناعي، مقارنة بـ9 في المائة من المستجيبين من مجال البث الذين شاركوا في تقرير هايفيجن لعام 2024.

الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي

كما أكدت الشركات على الأهمية المتزايدة لتوظيف التكنولوجيا. وعندما طُلب من الجهات المشاركة، تحديد العوامل الثلاثة التي تعتقد أن يكون لها التأثير الأكبر على قطاعها في السنوات الخمس المقبلة، ذكر 64 في المائة منها: الذكاء الاصطناعي ومجموعته الفرعية، التعلم الآلي.

وتلا هذا العامل، شبكة 5G -الجيل الخامس للاتصالات الجوالة (60 في المائة من المستجيبين)، ثم تلاه نظام SMPTE ST2110، وهو مجموعة من معايير بروتوكول الإنترنت IP delivery standards (في المائة 39).

ثم ذكر الجهات المستجيبة عوامل أخرى مثل التطويرات في شدة الوضوع إلى درجة 4K (4 كيه)- (28 في المائة). ولم يذكر سوى 8 في المائة تقنية 8K، بينما ذكر 7 في المائة معيار البث من الجيل التالي المعروف باسم ATSC 3.0.

3 فوائد للذكاء الاصطناعي

وعند سؤالها عن أهم ثلاث فوائد يعتقد أن الذكاء الاصطناعي يقدمها لسير عمل الإنتاج المباشر، كانت الاستجابة الأولى هي مكاسب الكفاءة والإنتاجية من خلال الأتمتة (45 في المائة من المستجيبين)، تليها الترجمة الآلية وترجمة الحوار النصية (42 في المائة) وإنشاء المحتوى (36 في المائة) والتعرف على الكائنات لفهرسة الفيديو (35 في المائة).

ومن بين شركات البث التي لم تستخدم الذكاء الاصطناعي بعد، أفاد 41 في المائة أنهم يخططون لتطبيق الذكاء الاصطناعي في سير عمل البث الخاص بهم في غضون عامين، بينما لم يكن لدى 48 في المائة أي خطط حالية للذكاء الاصطناعي.

توظيف تكنولوجي متزايد

وتستند نتائج تقرير مؤسسة Haivision السنوي السادس إلى ردود مما يقدر بنحو 900 من الجهات الاحترافية في البث والإعلام. وقال ماركوس شيولر، نائب رئيس التسويق في المؤسسة، وهي شركة تطوير تكنولوجية تركز على أدوات الشبكات والتعاون عبر الفيديو: «تكشف النتائج الواردة في تقرير تحول البث لهذا العام عن كل من الابتكارات المثيرة والتحديات المستمرة التي تواجه شركات البث اليوم. من التوسع المستمر في تكنولوجيا الاتصالات والذكاء الاصطناعي إلى التبني المدروس لتقنيات الحوسبة السحابية، تتطور أنظمة البث للاستفادة من أدوات جديدة تعمل على تعزيز الكفاءة وتحسين جودة الإنتاج وتأمين عملياتها للمستقبل».

* مجلة «فرايتي»، خدمات «تريبيون ميديا».