ثورة «كريسبر»: كيف يمكن لتعديل الجينات أن يُغيّر مستقبلنا؟

تفتح آفاقاً واعدة لتحسين حياة البشر وحماية البيئة رغم تحدياتها الأخلاقية

ثورة «كريسبر»: كيف يمكن لتعديل الجينات أن يُغيّر مستقبلنا؟
TT

ثورة «كريسبر»: كيف يمكن لتعديل الجينات أن يُغيّر مستقبلنا؟

ثورة «كريسبر»: كيف يمكن لتعديل الجينات أن يُغيّر مستقبلنا؟

تعد تقنية «كريسبر - كاس9» واحدة من أهم الاكتشافات العلمية في القرن الحادي والعشرين، حيث أحدثت ثورة في مجال الهندسة الوراثية. وتمكّن هذه التقنية العلماء من تعديل الجينات بدقة كبيرة وبشكل غير مسبوق؛ ما يفتح آفاقاً جديدة لتحسين حياة البشر وحماية البيئة.

تقنية «كريسبر»

ومع التقدم المتسارع في العلوم يمكن القول إن «كريسبر» ليست مجرد تقنية، بل أداة حيوية تسهم في تشكيل مستقبل البشرية بأبعاد علمية واجتماعية.

«كريسبر - كاس9» CRISPR-Cas9 أداة تم اكتشافها من خلال دراسة البكتيريا، حيث تستخدمها هذه الكائنات آليةً دفاعية ضد الفيروسات؛ إذ تحفظ البكتيريا مقاطع من الحمض النووي «دي إن إيه» DNA الخاص بالفيروسات التي تهاجمها، وتستخدمها لاحقاً لتحديد وتدمير أي فيروس مشابه. وبناءً على ذلك؛ اعتمد العلماء على هذه الميزة الطبيعية لتطوير أداة تتيح تعديل الحمض النووي «دي إن إيه» في الكائنات الحية الأخرى؛ ما يجعلها تقنية ثورية ذات استخدامات واسعة.

«تحرير الجينوم»

لقد ساعدت دراسات إضافية من مجموعات بحثية مختلفة في تحديد بنية إنزيم (بروتين) «كاس9» وتفاصيل عملية القطع؛ إذ تبين أنه عندما يصل مركب «كريسبر - كاس9» إلى الموقع الصحيح على جزيء الحمض النووي «دي إن إيه» المكون من خيطين ملتفين معاً، فإنه يفصل أولاً بين الخيطين ثم تلتصق قطعة الحمض النووي الريبي من «كريسبر» بالتسلسل المطابق في الحمض النووي «دي إن إيه»، ثم بعد ذلك يستخدم المركب «مقصات جزيئية» صغيرة لقطع كلا الخيطين من الحمض النووي «دي إن إيه».

وبعد القطع تُفعل آليات إصلاح الحمض النووي «دي إن إيه» داخل الخلية، حيث يمكن للعلماء الاستفادة من قدرة «كريسبر» على استهداف موقع معين في الحمض النووي «دي إن إيه» للقطع والإصلاح لتعديل أو تغيير أو استبدال أي جزء من الحمض النووي «دي إن إيه».

ويمكن استخدام تحرير الجينات باستخدام أنظمة «كريسبر - كاس9» في جميع الخلايا الحية، بما في ذلك البشر والحيوانات والكائنات الدقيقة والنباتات، وهذا يجعلها تقنية «عابرة للتخصصات» تؤثر على الأبحاث الأساسية، كما أن لها تطبيقات كبيرة محتملة في مجالات الطب والزراعة وحتى تغير المناخ.

وتتكون التقنية من عنصرين رئيسيين، هما الدليل الجيني (الحمض النووي الريبي) الذي يعمل بمثابة خريطة لتحديد الجزء المحدد من الحمض النووي «دي إن إيه» الذي يجب تعديله؛ إذ يقوم هذا الدليل بتوجيه الإنزيم إلى الموقع المستهدف بدقة متناهية، وإنزيم «كاس9» الذي يُعدّ «المقص» الذي يقطع الحمض النووي «دي إن إيه» في الموقع المحدد؛ ما يتيح للعلماء حذف أو استبدال الجين المعطوب بجين سليم.

ولا تقتصر هذه التقنية على تعديل الحمض النووي «دي إن إيه» فقط، بل تمتد لاستخدامات معقدة تشمل إدخال جينات جديدة وتحفيز أو تعطيل وظائف جينية معينة.

تطبيقات «كريسبر» العملية

لقد غيرت تقنية «كريسبر» مجالات عدة من الطب إلى الزراعة وحتى حماية البيئة مع كل يوم يمر تُظهر التقنية إمكانات جديدة تُدهش المجتمع العلمي وتفتح آفاقاً لا حدود لها.

• علاج الأمراض الوراثية. يُمكن استخدام «كريسبر» في علاج الأمراض الوراثية عن طريق تصحيح الطفرات الجينية المسؤولة عن أمراض مثل التليف الكيسي ومرض فقر الدم المنجلي. على سبيل المثال تم استخدام «كريسبر» لعلاج مرض فقر الدم المنجلي من خلال إعادة برمجة الخلايا الجذعية لإنتاج خلايا دم طبيعية؛ ما يفتح باب الأمل لملايين المرضى حول العالم. وتُستخدم تقنية «كريسبر» أيضاً لتعديل الخلايا المناعية؛ ما يُمكنها من التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها بشكل أكثر فاعلية، وقد يساهم هذا الاستخدام في تطوير علاجات شخصية فعالة تعتمد على التركيبة الجينية للمريض.

• تصحيح الطفرات. كما تمتد قدرات «كريسبر» إلى ما هو أبعد من تحرير الجينات، حيث يفتح تحرير القاعدة أو التحرير الأساسي (يحول قاعدة الحمض النووي «دي إن إيه» DNA قاعدة أخرى مباشرة دون قطع شريط الحمض) والتحرير الأولي (يستخدم إنزيم Cas9 المعدل ودليل التحرير الأساسي للحمض النووي الريبي RNA لإجراء عمليات الإدراج والحذف الدقيقة وجميع التحويلات الممكنة من القاعدة إلى القاعدة).

والتعديل الجيني (يغير التعبير الجيني دون تغيير تسلسل الحمض النووي نفسه) القائم على «كريسبر» يفتح آفاقاً علاجية جديدة وتسمح هذه التقنيات للعلماء بتصحيح الطفرات وإسكات الجينات الضارة أو إدخال تغييرات وقائية وتحويل التركيز من إدارة الأعراض إلى علاج الأمراض المحتملة.

علاجات وأدوية جديدة

• اكتشاف الأدوية. تقود «كريسبر» إلى تحولات في اكتشاف الأدوية وتمهد الطريق لعلاجات مبتكرة ذات إمكانات علاجية. وكان اعتماد كاسجيفي Casgevy أول علاج مجاز من إدارة الغذاء والدواء الأميركية تم تطويره باستخدام «كريسبر- كاس9» بمثابة علامة فارقة في الطب بصفته أول علاج جيني لأمراض الدم مثل فقر الدم المنجلي والثلاسيميا من نوع بيتا. ومنذ ذلك الحين تقدمت الكثير من العلاجات القائمة على «كريسبر» والتي تستهدف السرطان والاضطرابات الوراثية والعدوى الفيروسية وأمراض المناعة الذاتية إلى التجارب.

• أثر «كريسبر» في تطوير العلاجات. ساعدت «كريسبر» في تحسين علاجات السرطان من خلال القضاء على الجينات التي تعيق وظيفة الخلايا التائية أو تحسين قدرتها على مهاجمة السرطان. وتمكن «كريسبر» من علاجات الخلايا التائية CAR- T الأكثر فاعلية وأقل سمية وتضيف تقنية «كريسبر» مفاتيح إيقاف يمكن التحكم فيها إلى علاجات CAR-T؛ مما يسمح بعلاج أكثر أماناً وشخصية.

• أهداف جديدة للأدوية. تساعد «كريسبر» في تحديد الجينات والبروتينات في الخلايا السرطانية وتكشف عن أهداف للأدوية المتقدمة مثل PROTACs، ويوفر تنوع «كريسبر» أداةً لتصحيح الجينات وإسكاتها. الأمل في علاج الأمراض والالتهابات أحادية الجين والأكثر وعداً هو تكامله مع تقنيات أخرى مثل CAR-T وPROTACs؛ مما يتيح تحقيق اختراقات تعالج حالات لم تكن قابلة للعلاج من قبل مع تقارب هذه التقنيات، فإنها تحمل القدرة على إعادة تشكيل الطب وتقديم علاجات مبتكرة لا تدير الأمراض فحسب بل وتعالجها أيضاً.

تحديات مستقبلية

• «الآثار الجانبية». على الرغم من الإمكانات الهائلة لتقنية «كريسبر» فإن هناك تحديات عدة تواجه تطبيقاتها، حيث إن هذه التحديات ليست مجرد عقبات تقنية، بل تشمل أيضاً أبعاداً قانونية وأخلاقية واجتماعية؛ ففي بعض الحالات قد تُحدث «كريسبر» تعديلات غير مقصودة في أجزاء أخرى من الحمض النووي ما يُعرف باسم «الآثار الجانبية».

وهذه الأخطاء قد تكون خطيرة إذا تم استخدامها في البشر؛ ما يستدعي تطوير تقنيات أكثر دقة لتجنبها. كما تواجه «كريسبر» تحديات قانونية بسبب غياب معايير موحدة لاستخدام التقنية، خصوصاً في حالات التعديل الجيني للبشر، وهناك جدل مستمر حول كيفية وضع إطار قانوني يضمن استخدام التقنية بشكل آمن ومسؤول، وعلى الرغم من أن التقنية نفسها ليست مكلفة نسبياً إلا أن تطبيقاتها على نطاق واسع قد تكون باهظة بسبب التحديات التقنية والبنية التحتية المطلوبة مما يجعل الوصول إلى التقنية محدوداً في بعض المناطق

• الأبعاد الأخلاقية لتقنية «كريسبر». يثير استخدام «كريسبر» تساؤلات أخلاقية عميقة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتعديل الجينات البشرية؛ إذ إن هذه الأبعاد تتطلب حواراً مستمراً بين العلماء وصانعي القرار والجمهور لضمان تحقيق التوازن بين الابتكار والمسؤولية، حيث يمكن أن يؤدي تعديل الأجنة إلى تحسين الصفات الوراثية، لكن هذا يثير تساؤلات حول الأخلاق والعدالة هل من المقبول تعديل جينات الأجنة لتحديد صفات مثل الذكاء أو المظهر؟ وما هو الخط الفاصل بين العلاج والتحسين؟ وهناك قلق من أن تصبح التقنية متاحة فقط للنخبة؛ ما قد يزيد من الفجوة بين الأغنياء والفقراء تحقيق العدالة في توزيع فوائد التقنية يعدّ تحدياً كبيراً.

• التأثير على البيئة. قد يؤدي تعديل الكائنات الحية إلى تأثيرات غير متوقعة على النظم البيئية؛ ما يستدعي دراسة شاملة قبل تطبيق التقنية على نطاق واسع.

ورغم ذلك تُعد تقنية «كريسبر» بوابة لمستقبل مليء بالإمكانات مع التقدم المستمر في البحث والتطوير، ويمكننا توقع تحقيق إنجازات إضافية مثل علاج المزيد من الأمراض الوراثية، مثل مرض هنتنغتون (داء هنتنغتون هو مرض عقلي وراثي نادر وغالباً ما ينتقل عبر وراثة جين متغير من أحد الوالدين ويؤدي إلى تحلل الخلايا العصبية في الدماغ بمرور الوقت، ويؤثر الداء في حركات الشخص المصاب وقدرات التفكير لديه وصحته العقلية)، والضمور العضلي، كما أن هذه الإنجازات ستغير حياة ملايين المرضى وتفتح أبواب الأمل.

في النهاية، تُعدّ تقنية «كريسبر» واحدة من أعظم الابتكارات العلمية التي قد تُحدث تغييراً جذرياً في حياتنا. ورغم التحديات الأخلاقية والتقنية، فإن الإمكانات الهائلة لهذه الأداة تجعلها محور اهتمام الباحثين وصانعي السياسات مع التقدم العلمي والتنظيم المسؤول ويمكن لتقنية «كريسبر» أن تساهم في بناء مستقبل أكثر صحة واستدامة للبشرية هذه التقنية ليست مجرد أداة علمية بل فرصة لإعادة تشكيل الطريقة التي نتفاعل بها مع العالم من حولنا.



هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.