تُستخدم مقاييس قوة الزلازل بوصفها أداة أساسية لتحديد كمية الطاقة المنبعثة من الزلزال؛ مما يساعد في تقييم شدته وآثاره. وتُعد قوة الزلزال من أهم المعايير المستخدمة في وصفه. وفي علم الزلازل، يوجد الكثير من المقاييس، يأتي في مقدمتها جهاز «ريختر» الذي طوّره العالم الأميركي تشارلز ريختر عام 1935، ويعتمد على قياس أقصى سعة للموجات الزلزالية على جهاز «وود - أندرسون» (Wood - Anderson)، الذي يُستخدم لقياس الموجات الزلزالية التي تنتقل عبر سطح الأرض.
يُستخدم المقياس لتحديد قوة الزلازل التي تحدث بالقرب من السطح، ويُعد من المقاييس الأكثر شيوعاً عالمياً.
هناك أيضاً مقاييس أخرى مثل مقياس قوة الموجات الأولية (mb) الذي يعتمد على قياس سعة الموجات الزلزالية التي تنتقل عبر باطن الأرض، لتحديد قوة الزلازل التي تحدث على أعماق كبيرة أو على مسافات بعيدة.
كما يوجد مقياس قوة الموجات السطحية (Ms) الذي يقيس سعة الموجات السطحية، ويُستخدم لقياس الزلازل القريبة من سطح الأرض.
ويوجد مقياس قوة مدة «الكودا» الذي يعتمد على مدة الإشارة الزلزالية، أي الفترة الزمنية لاستمرار الزلزال، وهناك أيضاً مقياس العزم الزلزالي (Mw)، الذي يستند إلى فيزياء مصدر الزلزال، ويقدّم تقديراً دقيقاً للطاقة المنبعثة.
المقاييس المحلية
وعلى الرغم من توافر المقاييس العالمية، شهدت السنوات الأخيرة تطوير مقاييس محلية لتقدير قوة الزلازل في مناطق مختلفة من العالم، بناءً على شدة الاهتزازات المسجلة بواسطة أجهزة قياس الزلازل «سيزموغراف» في منطقة محلية قريبة من مركز الزلزال.
وتُستخدم المقاييس المحلية بصورة واسعة في الدول التي تشهد نشاطاً زلزالياً متكرراً؛ لأنها توفّر وسيلة فعّالة وسريعة لتقييم قوة الزلازل وتأثيرها في المناطق.
وتُعدّ مصر من بين أحدث الدول التي طوّرت مقياساً محلياً لرصد الزلازل، بواسطة باحثين بـ«الشبكة القومية لرصد الزلازل»، التابعة للمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيائية، حسب تقرير نُشر نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ولتطوير المقياس، استخدم الفريق أكثر من 14 ألف موجة زلزالية سُجلت خلال 1670 زلزالاً عبر 4 محطات رصد زلزالي، مع أعماق مركزية أقل من 40 كيلومتراً، وأحجام زلزالية تتراوح بين 0.1 و6.5 بالمقياس المحلي. وعُولجت هذه البيانات مع تقسيم مصر إلى أربع مناطق تكتونية فرعية هي: جنوب مصر، وشمال مصر، والبحر الأحمر، والبحر المتوسط. وأسفرت النتائج عن تطوير مقياس جديد لتحديد قوة الزلازل في مصر؛ مما سمح بتقديرات دقيقة وغير منحازة لقوة الزلازل في نطاق واسع من المسافات (10 - 1000 كيلومتر). يضمن هذا تقديم تقديرات موثوقة لأحجام الزلازل عبر محطات الشبكة القومية لرصد الزلازل المصرية، مما يُسهم في تحسين دقة التنبؤات الزلزالية في المنطقة.
وفي السياق، تُعد إيطاليا من بين الدول التي طوّرت مقياساً محلياً لتقدير شدة الزلازل في البلاد، استناداً إلى بيانات شبكة الزلازل. ويعتمد المقياس على محاكاة رقمية لجهاز «وود - أندرسون» وتحليل الذروة القصوى للاهتزازات، مع تصحيحات للمسافات والتوهين (انخفاض قوة أو سعة الموجات الزلزالية)، وفق صيغة رياضية تراعي الاختلافات الجيولوجية. وأظهر المقياس دقة عالية، مع توافق جيد مع المقاييس العالمية لشدة الزلازل بين 3 و5.5 درجة. وكشفت النتائج عن اختلافات في معدلات التوهين بين غرب وشرق شبه الجزيرة الإيطالية؛ مما يُعزّز فهم النشاط الزلزالي وتحسين استراتيجيات الاستعداد للزلازل.
كما طوّر فريق بحثي إثيوبي مقياساً محلياً لهضبة إثيوبيا باستخدام بيانات تجربة زلزالية واسعة النطاق بين عامي 2000 و2002. تضمنت 253 حدثاً زلزالياً، مع تصحيحات لمحطات القياس ومعادلة تُراعي المسافات المركزية وتوهين الموجات.
وأظهرت النتائج انخفاض التوهين بالهضبة الإثيوبية مقارنة بمنطقة الصدع الإثيوبي، مما يُبرز الاختلافات البنيوية بين المنطقتين.
وفي اليونان، أُجري تحليل لسجلات التسارع القوية لتقدير التوهين في القشرة العليا، من خلال تطوير مقياس محلي للزلازل لمسافات تقل عن 130 كيلومتراً، وشدات بين 4.0 و6.1 درجة. وأظهرت النتائج تأثيراً كبيراً للطبقات السطحية الرسوبية في التوهين الكلي؛ مما يدعم تطوير أدوات دقيقة لتقدير الشدة الزلزالية وتعزيز أنظمة التنبّؤ الزلزالي في المنطقة.
تطويرات لمقياس «ريختر»
ويرى الأستاذ المساعد في الشبكة القومية لرصد الزلازل التابعة للمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيائية في مصر، الدكتور محمد عز العرب، أن مقياس الزلازل يُستخدم لتحديد شدة الزلازل ومستوى الدمار المحتمل، ورغم تعدد المقاييس، يبقى مقياس «ريختر» الأكثر شيوعاً لبساطته وفاعليته.
وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن المقياس المحلي هو تطور لمقياس «ريختر»؛ إذ يعتمد على قياس سعة الموجات الزلزالية مع تصحيحات للمسافة بين المحطة الزلزالية ومركز الزلزال؛ مما يجعله أكثر حساسية للزلازل المحلية الصغيرة، مقارنة بالمقاييس الأخرى المستخدمة للزلازل الكبيرة أو البعيدة. وأوضح عز العرب، الذي شارك في تطوير المقياس المحلي بمصر، أن المقاييس المحلية تتلاءم مع طبيعة النشاط الزلزالي بكل منطقة؛ مما يعزّز قدرة البلدان على رصد النشاط الزلزالي وفهم تأثيراته.
كما نوه بأهمية استخدام هذه المقاييس في تحديد تأثير الزلازل في المجتمعات والبنية التحتية، بالإضافة إلى دورها الفعّال في أنظمة الإنذار المبكر وإدارة الكوارث؛ مما يساعد في توجيه استجابة الطوارئ وتقليل الخسائر.