كيف يحفز عثُّ الغبار المنزلي الربوَ التحسسي؟

إطلاق جهاز المناعة «الخلايا التائية المساعدة» أحد أسبابه

الربو التحسسي يؤدي الى مضاعفات تنفسية
الربو التحسسي يؤدي الى مضاعفات تنفسية
TT

كيف يحفز عثُّ الغبار المنزلي الربوَ التحسسي؟

الربو التحسسي يؤدي الى مضاعفات تنفسية
الربو التحسسي يؤدي الى مضاعفات تنفسية

كشفت دراسة بحثية جديدة من جامعة بيتسبرغ الأميركية في بنسلفانيا عن كيفية تنشيطِ استنشاقِ عثّ الغبار المنزلي، وهو محفز شائع للربو التحسسي، الجهازَ المناعي والتسبب في هذا المرض. وتقدم نتائج الدراسة رؤى مهمة بشأن قدرة المواد التي تبدو غير ضارة، مثل عث الغبار ووبر الحيوانات الأليفة وحبوب اللقاح، في التغلب على الجهاز المناعي وإثارة ردود الفعل التحسسية. وقد تمهد الطريق في النهاية لتحديد علاجات جديدة للربو التحسسي ولكيفية إدارته.

الخلايا التائية كما تبدو تحت المجهر الإلكتروني

جهاز المناعة ومسببات الأمراض

تؤكد الدكتورة آماندا بوهوليك، مديرة «مركز تسلسل العلوم الصحية» والأستاذة المساعدة بقسم المناعة في كلية الطب بجامعة بيتسبرغ والباحثة الرئيسية في الدراسة، التي نُشرت بمجلة «Nature Immunology» في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، أن الجهاز المناعي لا يحارب دائماً مسببات الأمراض الضارة، حيث يتضمن جزء كبير من وظيفته التفاعل مع مواد غير ضارة مثل الغبار وحبوب اللقاح والطعام.

ويتمثل التحدي الرئيسي في فهم كيفية تحديد الجهاز المناعي متى يستجيب بقوة (كما هي الحال مع مسببات الأمراض) ومتى يظل متسامحاً مع المواد غير الضارة.

«التسامح المناعي»... وانهياره

عندما يعمل الجهاز المناعي بشكل صحيح يطلَق على هذا التوازن «التسامح المناعي (immune tolerance)». ومع ذلك، فإنه إذا انهار هذا التسامح، فيمكن لمسببات الحساسية غير الضارة، مثل الغبار أو حبوب اللقاح، أن تنشط عن طريق الخطأ خلايا مناعية تسمى «الخلايا التائية المساعدة T Helper 2 (TH2)»، وهي نوع من الخلايا التائية التي تلعب دوراً مهماً في الجهاز المناعي التكيفي. وتعمل هذه الخلايا على تحفيز الالتهاب؛ مما يؤدي إلى حالات حساسية مثل الربو التحسسي.

الربو التحسسي

وهو النوع الأكثر شيوعاً من الربو، ويسبب أعراضاً مثل السعال وضيق الصدر وصعوبة التنفس، ومع انتشار هذه الحالة على مستوى العالم، فإنها تضغط بشكل كبير على أنظمة الرعاية الصحية؛ مما يؤكد على الحاجة إلى فهم أفضل وعلاجات أفضل.

واستخدم الباحثون أدوات متقدمة لتتبع الخلايا المناعية المسماة «الخلايا التائية المساعدة» وتحديد متى وأين تنشط استجابة لمسببات الحساسية. واكتشفوا أنه عند استنشاق مسببات الحساسية عثَّ الغبار المنزلي يكون البروتين المسمى «BLIMP1» ضرورياً لإنشاء تلك الخلايا في العقد الليمفاوية، ثم تنتقل هذه الخلايا إلى الرئتين؛ مما يسبب الالتهاب ويؤدي إلى الربو التحسسي.

ومن المثير للاهتمام أن مسار البروتين «BLIMP1» هذا ضروري فقط لمسببات الحساسية التي تُستنشق، فعندما يُدخَل عث الغبار المنزلي من خلال الحقن فلا يكون هذا المسار الجزيئي مطلوباً، مما يسلط الضوء على آلية فريدة خاصة بكيفية استجابة الجسم لمسببات الحساسية التي تُواجَه من خلال الهواء.

السيتوكينات والإنترلوكينات

الفرق الرئيسي بين السيتوكينات والإنترلوكينات هو أن السيتوكينات بروتينات صغيرة تفرزها الخلايا المناعية وغير المناعية للتواصل بعضها مع بعض، وتشارك في إشارات الخلايا، بينما الإنترلوكينات مجموعة من السيتوكينات التي تنظم الاستجابات المناعية والالتهابية. والسيتوكينات والإنترلوكينات نوعان من جزيئات الإشارة التي تشارك بالتوسط في استجابات الجهاز المناعي. علاوة على ذلك، يمكن أن تعمل السيتوكينات منظمات ذاتية أو خارجية أو صماء، بينما لوحظ لأول مرة أن الإنترلوكينات لها مهام وظيفية بين الكريات البيضاء. وقد توصلت الدكتورة بوهوليك وفريقها إلى اكتشافات مدهشة بشأن جزيئين من السيتوكينات للإشارات يسميان «إنترلوكين IL10 Interleukin» و«إنترلوكين IL2»، وبشأن دورهما في الربو التحسسي.

دور غير متوقع للسيتوكينات

يُعتقد عادةً أن «إنترلوكين10» هو «سيتوكين» مضاد للالتهابات، مما يخفف من الاستجابات المناعية. لذلك فوجئ الباحثون عندما وجدوا أنه في الواقع يعزز الالتهاب. وهذا الاكتشاف يفتح الباب أمام خيارات علاجية تستهدف «إنترلوكين10» ولم تكن موضع اعتبار من قبل، خصوصاً بالنسبة إلى المرضى الذين جرى تشخيصهم حديثاً.

ويتلقى معظم مرضى الربو التحسسي الستيرويدات التي تعالج الأعراض، ولكن لا تعالج جذور المرض، وهناك حاجة كبيرة لعلاجات جديدة تسمح بالتدخل المبكر قبل أن يتسبب الربو التحسسي في أضرار طويلة الأمد للمجاري الهوائية.

خريطة تنشيط «الخلايا التائية المساعدة»

عندما رسم الباحثون خريطة لموقع تنشيط «الخلايا التائية المساعدة» في العقدة الليمفاوية فوجئوا أيضاً بالعثور على نقاط ساخنة لنشاط «إنترلوكين2». وقالت مؤلفة البحث إن «إنترلوكين2» هو «سيتوكين» بارز جداً، «لذلك توقعنا أنه سينتشر في جميع أنحاء العقدة الليمفاوية. ولكن بدلاً من ذلك، اكتشفنا أنه كان موضعياً في مناطق معينة. والآن لدينا كثير من العمل لمعرفة كيفية تشكل هذه المناطق وما إذا كان تعطيل هذه المناطق يمكن أن يعطل تكوين (الخلايا التائية المساعدة)؛ مما يوقف الربو التحسسي» وفق قولها.

بالتعاون مع زملائها في قسم أمراض الرئة والحساسية والعناية المركزة وطب النوم بجامعة بيتسبرغ، خططت بوهوليك أيضاً للنظر في عينات أنسجة الرئة للبحث فيما إذا كان يمكن أن يكون كل من «إنترلوكين10» و«2» أيضاً من المحركات المهمة لـ«الخلايا التائية المساعدة» لدى المرضى الذين يعانون من الربو التحسسي؛ وذلك لاستكشاف السبل المحتملة لتطوير خيارات علاجية جديدة.


مقالات ذات صلة

مرض غامض يحصد الأرواح في الكونغو

أفريقيا المرض الغامض أودى بحياة أكثر من 67 شخصاً (رويترز)

مرض غامض يحصد الأرواح في الكونغو

أعلن وزير الصحة في إقليم كوانغو بجنوب غربي الكونغو، أبولينير يومبا، اليوم (الأربعاء)، وفاة 67 شخصاً على الأقل في الأسبوعين الماضيين نتيجة مرض غامض.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا )
صحتك القلب لديه نظامه العصبي المعقد الذي يُعد أمراً بالغ الأهمية للتحكم في إيقاعه (معهد كارولينسكا)

القلب له دماغه الخاص

أظهرت دراسة جديدة أجراها فريق بحثي من معهد كارولينسكا في السويد بالتعاون مع باحثين من جامعة كولومبيا الأميركية، أن القلب لديه دماغ صغير عبارة عن نظام عصبي خاص.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك دراسة: التعرض لتلوث الهواء يزيد من خطر العقم

دراسة: التعرض لتلوث الهواء يزيد من خطر العقم

أظهرت دراسة أميركية حديثة أن تعرض الأم والأب لملوثات الهواء الشائعة قد يزيد من خطر العقم لأنه قد يكون ضاراً بتطور البويضات والحيوانات المنوية والأجنة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الأنشطة الروتينية عالية الكثافة مثل صعود السلالم تقلل من خطر إصابة النساء بالنوبات القلبية إلى النصف (رويترز)

4 دقائق من المجهود اليومي تقلل من خطر إصابة النساء بالنوبات القلبية

أكدت دراسة جديدة أن النساء اللاتي يقمن يوميّاً بـ4 دقائق من المجهود اليومي والأنشطة الروتينية عالية الكثافة يقللن من خطر إصابتهن بالنوبات القلبية إلى النصف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك امرأة تعاني مرض ألزهايمر (رويترز)

طريقة كلامك قد تتنبأ باحتمالية إصابتك بألزهايمر

أكدت دراسة جديدة أن طريقة الكلام قد تتنبأ باحتمالية الإصابة بمرض ألزهايمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تقنيات ذكية لتوليد الطاقة من الأنشطة المنزلية

مفتاح إضاءة للمساعدة في تحديد موقع المصباح أثناء الليل (تكساس إيه آند إم للهندسة)
مفتاح إضاءة للمساعدة في تحديد موقع المصباح أثناء الليل (تكساس إيه آند إم للهندسة)
TT

تقنيات ذكية لتوليد الطاقة من الأنشطة المنزلية

مفتاح إضاءة للمساعدة في تحديد موقع المصباح أثناء الليل (تكساس إيه آند إم للهندسة)
مفتاح إضاءة للمساعدة في تحديد موقع المصباح أثناء الليل (تكساس إيه آند إم للهندسة)

نجح فريق من الباحثين من جامعة «تكساس إيه آند إم» الأميركية، بقيادة الدكتور جيون كيم، في تطوير تقنيات ذكية مثل «الاستشعار عن بعد» و«حصاد الطاقة» لتوليد الطاقة من الأنشطة اليومية البسيطة داخل المنزل.

استطاع كيم، أحد الحاصلين على جائزة التنمية المهنية الناشئة لأعضاء هيئة التدريس (CAREER) من مؤسسة العلوم الوطنية بالولايات المتحدة، تحويل الواجهات السلبية داخل المنازل إلى واجهات تكيفية، بحيث يمكن استخدام الأجهزة الكهربائية بطرق غير تقليدية.

ووفق البحث المنشور في دورية «إيه دي إم ديجيتال ليبراري»، فمن المتوقع أن تساعد هذه الواجهات الجديدة الأشخاص ذوي الإعاقة، وستدعم أتمتة المهام المنزلية اليومية، وتشغيل ملايين أجهزة الكمبيوتر.

وتشير الواجهات السلبية، مثل مفاتيح الإضاءة أو مقابض الأبواب، إلى الأجهزة التي يمكنها تخزين الطاقة للغرض المقصود منها فقط.

وقال كيم: «من الصعب التعامل مع مشكلات التصميم الحاسوبية اليومية إذا تم استخدامها وفق الخبرات السابقة فقط».

وأضاف، في بيان نُشر الجمعة على موقع الجامعة: «حتى بالنسبة لأولئك الذين لديهم أهداف شخصية معروفة، مثل تقليل فواتير المرافق، فإن تبني أحدث التطورات العلمية الجديدة في الحياة اليومية يتطلب الخبرة، لأن الأدوات المتاحة لدعم المستخدمين النهائيين، مثلك ومثلي، غير متوفرة».

ويقدم البحث طرقاً جديدة لحصاد هذه الطاقة وتكييفها، فتدوير مقبض الباب الخاص بك يمكن أن يزود نظام الإنذار بالطاقة أو يمكن لفتح الثلاجة أن يشعل أضواء المطبخ.

ويعد «حصاد الطاقة» أحد المفاهيم التقنية الحديثة التي تعني تحويل أشكال من الطاقة مثل الحرارة والضوء إلى كهرباء يمكنها تشغيل الأجهزة الصغيرة.

ويهدف هذا المشروع البحثي إلى زيادة وعي المستخدم بالتحديات البرمجية اليومية وفرص إعادة التصميم باستخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد. أحد الأمثلة على تلك التقنيات هو إضافة ملحق إلى شريحة النافذة أو مفصلات باب الثلاجة ثم تحويل الطاقة الناتجة عن تحريك النافذة أو فتح باب الثلاجة إلى طاقة يمكن استخدامها بطرق جديدة. على سبيل المثال، باستخدام تلك التطبيقات، يمكن لدوران مقبض الباب تشغيل «الإنذار المنزلي» أو يمكن لفتح الثلاجة تشغيل عرض مخزونها.

لإنجاز هذه المهمة، طوّر كيم إطاراً جديداً لإنشاء مجموعة بيانات واسعة النطاق تساعد في وصف التفاعلات البشرية مع المهام والأنشطة اليومية والأجزاء والتفاصيل الدقيقة وخصائص تفاعلها.

كما طوّر كيم نظاماً برمجياً شاملاً للأشخاص العاديين لتوجيه كاميرا هواتفهم الذكية نحو الأجهزة المنزلية لعمل المسوحات البرمجية المطلوبة من أجل الوصول للمعلومات المحفوظة على واجهات تقنيات الواقع المعزز (AR).

يأمل كيم أن تساعد هذه الأداة في تعزيز السلوكيات الداعمة للتكنولوجيات الحديثة داخل المجتمع، ومساعدة الناس على إدراك فرص إمكانية الوصول والتصميم الوفيرة التي يتم تجاهلها.

قال كيم: «لا يقتصر بحثي على إمكانية الوصول إلى الأدوات والأجهزة فقط»، مضيفاً: «آمل أن تتيح مجموعة الأدوات هذه للمستخدمين مسح المباني السكنية والتفاعل معها في أبعاد جديدة، كما آمل ملاحظة المستخدمين مدى الطاقة المهدرة وكيف يمكنهم إجراء التغييرات المطلوبة نحو المباني الذكية والمستدامة بأنفسهم».