ماريانا إسكندر: «ويكيبيديا» ستظل مهمة في عصر الذكاء الاصطناعي

رغم اقتباس الأدوات الذكية لمحتوياتها وإزاحتها إلى آخر قائمة البحث الإنترنتي

ماريانا إسكندر
ماريانا إسكندر
TT

ماريانا إسكندر: «ويكيبيديا» ستظل مهمة في عصر الذكاء الاصطناعي

ماريانا إسكندر
ماريانا إسكندر

رغم ظهور نماذج الذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي» و««جيمناي»» تظل موسوعة «ويكيبيديا» «التقليدية» واحدة من أكثر المواقع زيارةً في جميع أنحاء العالم، إذ يزورها 15 مليار شخص كل شهر.

لقاء مع مسؤولة «ويكيبيديا»

ماريانا إسكندر، الرئيسة التنفيذية لشركة «ويكيميديا» Wikimedia، المنظمة غير الربحية التي تقف وراء «ويكيبيديا»، تتحدث عن كيف تحافظ المنصة على مكانتها في مواجهة منافسي الذكاء الاصطناعي، وتتعامل مع واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدال في عصرنا: أين يمكننا العثور على معلومات يمكننا الوثوق بها في عام 2024؟

وهذا نص مختصر لمقابلة استضاف فيها بوب صفيان(*)، رئيس التحرير السابق لمجلة «فاست كومباني» ماريانا إسكندر.

* «ويكيبيديا» هي في نواحٍ كثيرة مؤشر على نوع العلاقة المتوترة اليوم مع الحقائق والأخبار والتحيز والقضايا الثقافية الرئيسية. كيف يتعامل «ويكيبيديا» مع هذه القضايا أو تتعامل معها؟

- من تجربتي، فإن كل شخص تقريباً يستخدم «ويكيبيديا»، لكن قِلة قليلة من الناس يفهمون حقاً كيف تعمل (هذه المؤسسة) وماذا يحدث خلف الشاشة؟ إنها واحدة من أفضل عشرة أو خمسة مواقع على الإنترنت، وفي بعض البلدان، فإنها الموقع الأكثر زيارة حرفياً.

يزور (أو يتصل بـ) «ويكيبيديا» 15 مليار «جهاز» شهرياً، وهو رقم يبلغ ضعف عدد سكان العالم. وتشرف عليها منظمة غير ربحية تسمى مؤسسة «ويكيميديا». وتعتمد في الغالب على كرم التبرعات الصغيرة، والتي تشير، بالنسبة لي، إلى قيمتها واستخدامها من قبل الملايين من الأشخاص.

ويتم إنشاء المحتوى من قبل متطوعين في جميع أنحاء العالم... مئات الآلاف منهم، حول مواضيع في جميع أنحاء العالم، في 330 لغة. ويتبع هؤلاء المتطوعون الركائز الأساسية التي كانت الأساس التأسيسي لـ«ويكيبيديا»، والكثير من السياسات والمبادئ التوجيهية لضمان دقة المحتوى والتحقق منه واستخدام المصادر المذكورة. إن «ويكيبيديا» ليست مكاناً لآراء الناس، إنها مكان لمحاولة تقديم مجموعة محايدة ومحققة من المعلومات للعالم.

* إذن كيف تتفاعل مؤسسة «ويكيميديا»، التي تديرها، مع المحتوى، الأشياء التي نقرأها ونراها على «ويكيبيديا»؟

- نحن نوفر البنية التحتية للتكنولوجيا بشكل أساسي، لكن المحتوى نفسه مكتوب ومُدار من قبل مجتمعات تطوعية في جميع أنحاء العالم. تلعب المؤسسة دوراً حاسماً في المسائل القانونية والتنظيمية ودعم المجتمع، لكننا نتعاون حقاً مع المجتمعات وندعم إنشاء المحتوى نفسه.

 

** نشهد تحولاً كبيراً من «الإنترنت القائم على الروابط» إلى «الإنترنت القائم على الدردشة»**

الذكاء الاصطناعي يزيح «ويكيبيديا» ويقتبس منها

* في الماضي، كنت أبحث عن شيء ما على «غوغل»، وكانت «ويكيبيديا» غالباً النتيجة الأولى. الآن، أرى في نتائج البحث أولاً الذكاء الاصطناعي من «غوغل» وهو ««جيمناي»»، أو أحياناً أسأل «تشات جي بي تي». هل الذكاء الاصطناعي منافس لك في بعض النواحي؟

- أشعر بالقلق وأفكر في ذلك طوال الوقت. نحن نشهد تحولاً كبيراً مما أسميه الإنترنت القائم على الروابط إلى الإنترنت القائم على الدردشة. أعتقد أن «ويكيبيديا» لديها نوعان من الإشكالات.

الإشكال الأول: هل سينتقل الأشخاص إلى أسفل (نتائج البحث) بدرجة كافية وينقرون على الرابط ويصلون إلى صفحة «ويكيبيديا»؟ في بعض النواحي، على المدى القصير، هذا مهم حقاً بالنسبة لنا، لأن هذا الأمر مهم لنموذج الإيرادات لدينا لأن هذه هي الطريقة التي يجدنا بها الناس ويقدمون تبرعاتهم. كما أن هذا الأمر مهم لكيفية فهم متطوعينا لما يفعلونه وكيف يمكن رؤيته.

الإشكال الآخر هو: إنك ربما لن تقوم بالتمرير لأسفل والنقر فوق صفحة «ويكيبيديا»، ولكن الإجابة التي يقدمها لك «جيمناي» أو الذكاء الاصطناعي تأتي من «ويكيبيديا» لأنها المصدر الأكبر للبيانات لمعظم هذه النماذج.

الصراع على المحتوى والإسناد والتوثيق

والصراع هو ما إذا كان المستخدم يعرف ذلك أم لا، وما إذا كان هناك إسناد وتوثيق، وهو كما أود أن أقول، ربما يكون أحد أهم الأشياء التي نحاول التركيز عليها... إضافة إلى كيفية تطور الذكاء الاصطناعي. والأمر (بالنسبة لنا) يتعلق بتحفيز الناس على الاستمرار في القيام بذلك والمساهمة. كما أن الإسناد مهم.

لمواصلة خلق أشياء يمكن للآلات، كما تعلمون، امتصاصها وإعادتها إليك بواسطة روبوتات الدردشة المختلفة. لذلك أعتقد أن «ويكيبيديا» أصبحت أكثر وأكثر حيوية، حتى لو أصبحت أقل جاذبية ربما. هل يأتي المراهقون إلى صفحة ويقرأون مقالاً طويلاً؟ لا، فإن ابن أخي يبحث على الإنترنت عبر موقع «يوتيوب». ولكننا لم نشهد حتى الآن انخفاضاً في عدد مرات مشاهدة الصفحات على منصة «ويكيبيديا» منذ إطلاق «تشات جي بي تي». نحن نعمل على ذلك، ونولي اهتماماً وثيقاً، ونشارك، ولكننا لا نصاب بالذعر أيضاً، كما أعتقد.

«ويكيبيديا» تدرب الذكاء الاصطناعي

* إذا كانت «ويكيبيديا» مصدراً ثابتاً لبيانات التدريب لمحركات الذكاء الاصطناعي، فهل هذا أمر جيد أم سيئ؟ أعني، إنه أمر جيد من حيث تحسين جودة ما تخرجه أدوات الذكاء الاصطناعي، ولكن هل تتمنين أن تحصلي على أجر مقابل ذلك؟

- أعتقد أن هذا ليس موجوداً حقاً في النموذج (الخاص بـ«ويكيبيديا»). أعني أننا فكرنا في ذلك وتحدثنا عنه. أعتقد أن لدينا دوراً مختلفاً نلعبه. كيف سنستخدم صوتنا ومكانتنا في هذه البيئة للحديث عن جعل النماذج أكثر انفتاحاً؟ إذا نظرت إلى نماذج الذكاء الاصطناعي التي بنتها فرقنا، فهي كلها مفتوحة. إنها توفر للمجتمعات جميع البيانات لتقييم ما إذا كانت النماذج تعمل أم لا.

* نموذج عملك غير تقليدي للغاية؛ لا إعلانات، ومساهمون غير مدفوعي الأجر. ومع ذلك، فانه لا يزال مهيمناً في عصر شركات التكنولوجيا العملاقة التي تبلغ قيمتها تريليون دولار. إنها مفارقة غير متوقعة، أليس كذلك؟

- أعلم. أعلم ذلك. إنه أمر مذهل، في الواقع. هذه هي النقطة المهمة حقاً. إنه أمر مذهل ويكاد لا يصدق. إذا سألت المساهمين لدينا عن سبب قيامهم بذلك، فهم لا يفعلون ذلك للحصول على أجر. يبدو الأمر وكأن هناك شيئاً آخر يحدث هنا يتحدث عن الدافع البشري، أي محاولة أن نكون جزءاً من نظام بيئي للمعلومات مع أشخاص آخرين يهتمون بالمعلومات الدقيقة، ويهتمون بالإنترنت الذي يمنحنا شيئاً يمكننا الوثوق به. هذه هي «اللعبة» التي نلعبها، وأعتقد أن العثور على حلفاء آخرين ليكونوا معنا في ذلك كان مهماً حقاً أيضاً.

* زبائنك، في بعض النواحي، ليسوا المستخدمين النهائيين للمنتج، أليس كذلك؟ ولكن هل المساهمون كذلك؟ يجب أن يكون الأمر مختلفاً تماماً بين المتطوعين الرائدين والموظفين مدفوعي الأجر. كيف تفكرين في ذلك بشكل مختلف؟

- في كتاب نجم البحر والعناكب، يوجد قسم يتحدث عن دور الرئيس التنفيذي كمحفز في مقابل دور الرئيس التنفيذي كرأس للمؤسسة. الفرضية السريعة هي أنه إذا كان لديك عنكبوت وقطعت رأسه، فإن كل الأرجل تسقط، ويموت الجسم بأكمله.

وبالمقابل، إذا كان لديك نجم البحر وقطعت ساقه، فإن الجسم يجدد الساق فقط، ويبقى الباقي سليماً. أعتقد أن هذا القياس جيد لكونك جزءاً من هذا النظام، أعني بذلك، أن لدي موظفين مدفوعي الأجر.

مؤسسة «ويكيميديا»، كمنظمة غير ربحية، لديها نحو 700 شخص، ولكن لدينا مئات وآلاف المتطوعين. لا يوجد توجيه؛ عليك أن تكون في شراكة. عليك أن تكون مؤثراً. هناك عدد قليل جداً من الأشياء التي أستيقظ وأقررها بنفسي في أي يوم من أيام الأسبوع، أليس كذلك؟ أنا أعيش في نظام من أصحاب المصلحة والمجتمعات. إنه نموذج قيادي مختلف تماماً عن العديد من المنظمات التقليدية.

 

** قوتنا في قوة مؤسسات الصحافة الحرة والمصادر المستقلة وأبحاث الجامعات التي يمكن الاستشهاد بها كمصدر للمعلومات**

 

مراقبة وحماية المحتوى ضد التشويه

* أنت تعتمدين على مجتمعك لمراقبة نفسه. يمكنك أن ترى جهات فاعلة سيئة تريد التأثير على ذلك. هل هذه طبقة جديدة من التحدي لمنظمتك؟

- أنت على حق تماماً. هناك طرق يمكن أن يجد بها المجرمون السيئون طريقهم. يقوم الناس بتخريب الصفحات، لكننا توصلنا إلى حل لهذه المشكلة، وغالباً ما يمكن نشر الروبوتات لعكس التخريب، عادةً في غضون ثوانٍ. في المؤسسة، قمنا ببناء فريق لمكافحة المعلومات المضللة يعمل مع المتطوعين لتتبع ومراقبة ذلك. في عام الانتخابات هذا (في أميركا)، رأينا أن سياسات مجتمعنا تعمل، حيث تعمل كترياق لبعض هذه التهديدات، لكن لا يوجد نظام آلي.

* ألا تقلقين من أن الحكومة الروسية أو الحكومة الصينية قد تحاول التسلل إلى مجتمع المساهمين لديك؟

-هل إنني قلقة؟ أنا قلقة بشأن ذلك طوال الوقت! إن إنشاء مجتمع مساهمين صحي وكبير ومتنوع للغاية هو السبيل لضمان تمثيل جميع وجهات النظر وعدم اختطافها من قبل مجموعة صغيرة.

* مع كل هذه الأشياء التي تدور حولك، كيف تحافظين على هدوئك الشخصي وسط كل هذه الاضطرابات؟

- أنا أقدر هذا السؤال حقاً. أعتقد أن بناء فريق يمكنك الوثوق به هو شرط أساسي لعدم فقدان عقلك. عندما بدأت هذه الوظيفة، كانت عيناي مفتوحتين على ما يحدث في العالم وكيف يؤثر ذلك على ما نقوم به. يعمل نظام «ويكيبيديا»، وكان يعمل منذ ما يقرب من عقدين ونصف، وهذا يمنحك الراحة. لا تتعطل خوادمنا أبداً، حتى عندما نواجه ارتفاعات هائلة في حركة المرور، عادةً عندما يموت المشاهير.

* ما هو على المحك بالنسبة لـ«ويكيميديا» ​​الآن؟

-هناك قضايا واضحة نراها تتكشف. أود أن أقول إن الأشياء التي تقلقني تحت السطح هي قوة المؤسسات التي نعتمد عليها مثل الصحافة الحرة، والمصادر المستقلة، والبحث من الجامعات التي يمكن الاستشهاد بها كمصدر للمعلومات. لذا فإن البنية التحتية حول سلامة المعلومات ضرورية لـ«ويكيبيديا».

إن الاهتمام بهذه القضايا، والصحافة، والرقابة، وكيفية إنتاج الناس ونشر المعرفة هي أشياء قد تحدث ولا تتصدر العناوين الرئيسية. أعتقد أن إحساسنا بدورنا تجاه هذا العالم الأوسع أمر بالغ الأهمية لسلامتنا وبقائنا.

*مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا يستعرض مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» أبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي المقبلة

مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» يكشف عن أبرز نزعات الذكاء الاصطناعي المقبلة

إطلاق أكبر مشروع للأمن الرقمي بتاريخ البشرية لمواجهة أكثر من 7000 هجمة في الثانية.

خلدون غسان سعيد (جدة)
الاقتصاد علم شركة «إنفيديا» على الحرم الجامعي في سانتا كلارا بكاليفورنيا (إ.ب.أ)

بالأرقام... كيف أصبحت «إنفيديا» الشركة الأكثر قيمة في العالم؟

حققت «إنفيديا» مرة أخرى نتائج ربع سنوية تجاوزت توقعات «وول ستريت».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شاشة تسجيل الوصول في مكتب «إنفيديا» في أوستن بتكساس (أ.ف.ب)

«إنفيديا» تتفوق على توقعات الأرباح مع ترقب المستثمرين للطلب على رقائق «بلاكويل» للذكاء الاصطناعي

أعلنت شركة «إنفيديا»، يوم الأربعاء، عن زيادة في أرباحها ومبيعاتها في الربع الثالث مع استمرار الطلب على رقائق الكمبيوتر المتخصصة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية
TT

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«تخيل أنك بحاجة إلى إجراء عملية جراحية في غضون بضع دقائق لأنك قد لا تنجو... لا يوجد جراحون في الجوار ولكن يوجد روبوت جراحي مستقل متاح يمكنه إجراء هذا الإجراء باحتمالية عالية جداً للنجاح، هل ستغتنم الفرصة؟» هذا ما أجابني به طالب ما بعد الدكتوراه بجامعة جونز هوبكنز عبر البريد الإلكتروني، لدى سؤالي عن التطوير الجديد.

تعليم الروبوت بمقاطع فيديو للجراحة

لأول مرة في التاريخ، تمكن كيم وزملاؤه من تعليم الذكاء الاصطناعي استخدام آلة جراحة آلية لأداء مهام جراحية دقيقة، من خلال جعلها تشاهد آلاف الساعات من الإجراءات الفعلية التي تحدث في ردهات جراحية حقيقية. ويقول فريق البحث إنه تطور رائد يتجاوز حدوداً طبية محددة ويفتح الطريق لعصر جديد في الرعاية الصحية.

وفقاً لورقتهم البحثية المنشورة حديثاً، يقول الباحثون إن الذكاء الاصطناعي تمكن من تحقيق مستوى أداء مماثل لجراحي البشر دون برمجة مسبقة.

جراحة بتوظيف الروبوت

تدريب على العروض بدلاً من البرمجة

وبدلاً من محاولة برمجة الروبوت بشق الأنفس للعمل -وهو ما تقول ورقة البحث إنه فشل دائماً في الماضي- قاموا بتدريب هذا الذكاء الاصطناعي من خلال شيء يسمى التعلم بالتقليد، وهو فرع من الذكاء الاصطناعي حيث تراقب الآلة وتكرر الأفعال البشرية. سمح هذا للذكاء الاصطناعي بتعلم التسلسلات المعقدة للأفعال المطلوبة لإكمال المهام الجراحية عن طريق تقسيمها إلى مكونات حركية. وتترجم هذه المكونات إلى أفعال أبسط -مثل زوايا المفاصل ومواضعها ومساراتها- والتي يسهل فهمها وتكرارها وتكييفها أثناء الجراحة.

توظيف روبوت «دافنشي» للتدريب

استخدم كيم وزملاؤه نظام دافنشي الجراحي كأيدٍ وعيون لهذا الذكاء الاصطناعي. ولكن قبل استخدام المنصة الروبوتية الراسخة (التي يستخدمها الجراحون حالياً لإجراء عمليات دقيقة محلياً وعن بُعد) لإثبات نجاح الذكاء الاصطناعي الجديد، قاموا أيضاً بتشغيل محاكاة افتراضية. وقد سمح هذا بتكرار أسرع وتحقق من السلامة قبل تطبيق الإجراءات التي تم تعلمها على الأجهزة الفعلية.

«كل ما نحتاجه هو إدخال الصورة، ثم يجد نظام الذكاء الاصطناعي هذا الإجراء الصحيح»، كما يقول كيم. كانت روبوتات دافنشي أيضاً مصدر مقاطع الفيديو التي حللها الذكاء الاصطناعي، باستخدام أكثر من 10000 تسجيل تم التقاطها بواسطة كاميرات المعصم أثناء العمليات الجراحية التي يقودها الإنسان.

تعلّم 3 مهام جراحية

وكان الهدف تعلم ثلاث مهام جراحية: التعامل مع إبرة جراحية وتحديد موضعها، ورفع الأنسجة والتلاعب بها بعناية، والخياطة -كلها مهام معقدة تتطلب تحكماً دقيقاً وحساساً للغاية.

مكنت مجموعة البيانات واسعة النطاق هذه الذكاء الاصطناعي من تعلم الاختلافات الدقيقة بين الإجراءات الجراحية المتشابهة، مثل شدة التوتر المناسب اللازم للتعامل مع الأنسجة دون التسبب في ضرر.

تعد مقاطع الفيديو التدريبية هذه جزءاً صغيراً جداً من مستودع واسع النطاق للبيانات الجراحية. مع ما يقرب من 7000 روبوت دافنشي قيد الاستخدام في جميع أنحاء العالم، هناك مكتبة ضخمة من العروض الجراحية للمراقبة والتعلم منها، والتي يستخدمها فريق البحث الآن لتوسيع ذخيرة الذكاء الاصطناعي الجراحية لدراسة جديدة لم تُنشر بعد.

«في عملنا المتابع، والذي سنصدره قريباً، ندرس ما إذا كانت هذه النماذج يمكن أن تعمل في الإجراءات الجراحية طويلة المدى التي تنطوي على هياكل تشريحية غير مرئية»، يكتب كيم، في إشارة إلى الإجراءات الجراحية المعقدة التي تتطلب التكيف مع حالة المريض في أي وقت معين، مثل إجراء عملية جراحية على جرح داخلي خطير.

التحقق من صحة النموذج المطور

أثناء التطوير، عمل الفريق عن كثب مع الجراحين الممارسين لتقييم أداء النموذج وتقديم ملاحظات حاسمة (خاصة فيما يتعلق بالتعامل الدقيق مع الأنسجة)، والتي قام الروبوت بدمجها في عملية التعلم الخاصة به.

أخيراً، للتحقق من صحة النموذج، استخدموا مجموعة بيانات منفصلة غير مدرجة في التدريب الأولي لإنشاء محاكاة افتراضية، ما يضمن قدرة الذكاء الاصطناعي على التكيف مع السيناريوهات الجراحية الجديدة وغير المرئية قبل الشروع في اختبارها في الإجراءات المادية. أكد هذا التحقق المتبادل قدرة الروبوت على التعميم بدلاً من مجرد حفظ الإجراءات، وهو أمر بالغ الأهمية بالطبع نظراً للعدد المجهول المحتمل الذي قد ينشأ في غرفة العمليات.

جراح آلي «ذو خبرة»

كل شيء سار بشكل جميل إذ تعلم نموذج الروبوت هذه المهام إلى مستوى الجراحين ذوي الخبرة. يقول أكسل كريغر، الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية في جامعة جونز هوبكنز والمؤلف الرئيسي للدراسة، في بيان عبر البريد الإلكتروني: «إنه لأمر سحري حقاً أن يكون لدينا هذا النموذج حيث كل ما نقوم به هو تلقيمه مدخلات الكاميرا، ويمكنه التنبؤ بالحركات الروبوتية اللازمة للجراحة». «نعتقد أن هذا يمثل خطوة مهمة إلى الأمام نحو أفق جديد في مجال الروبوتات الطبية».

تطوير رائد

إن أحد مفاتيح هذا النجاح هو استخدام الحركات النسبية بدلاً من التعليمات المطلقة. ففي نظام دافنشي قد لا تنتهي الأذرع الآلية إلى حيث هي مقصودة تماماً بسبب التناقضات الطفيفة في حركة المفصل التي تتراكم على مدار عدة حركات ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى أخطاء كبيرة -خاصة في بيئة حساسة مثل الجراحة. كان على الفريق إيجاد حل، لذا بدلاً من الاعتماد على هذه القياسات، قام بتدريب النموذج على التحرك بناءً على ما يلاحظه في الوقت الفعلي أثناء إجراء العملية.

لكن الابتكار الرئيسي هنا هو أن التعلم بالتقليد يزيل الحاجة إلى البرمجة اليدوية للحركات الفردية. قبل هذا الاختراق، كانت برمجة الروبوت للخياطة تتطلب ترميزاً يدوياً لكل حركة بالتفصيل. يقول كيم إن هذه الطريقة كانت أيضاً عرضة للخطأ وتشكل قيداً رئيسياً في تقدم الجراحة الروبوتية. إذ إنها حدت مما يمكن للروبوت فعله بسبب جهود التطوير، والافتقار إلى المرونة التي جعلت من الصعب للغاية على الروبوتات القيام بمهام جديدة.

ومع ذلك، يسمح التعلم بالتقليد للروبوت بالتكيف بسرعة مع أي شيء يمكن مشاهدته، والتعلم على غرار طالب الجراحة. «(نحن) نحتاج فقط إلى جمع بيانات التعلم التقليدي لإجراءات مختلفة، ويمكننا تدريب الروبوت على تعلمها في غضون يومين»، كما يقول كريغر. «هذا يسمح لنا بالتعجيل نحو هدف الاستقلالية مع تقليل الأخطاء الطبية وتحقيق جراحة أكثر دقة».

تقييم مدى النجاح

لقياس مدى نجاح الذكاء الاصطناعي، حدد الباحثون مقاييس الأداء الرئيسية، مثل الدقة في وضع الإبرة والاتساق في التلاعب بالأنسجة باستخدام مجموعة من البيئات الجراحية الوهمية المادية، والتي تضمنت محاكيات الأنسجة الاصطناعية والدمى الجراحية. وكانت النتائج مذهلة. يقول كريغر: «النموذج جيد جداً في تعلم الأشياء التي لم نعلمه إياها. على سبيل المثال، إذا أسقط الإبرة، فسوف يلتقطها تلقائياً ويستمر».

لا تعد هذه القدرة على التكيف مهمة فقط لمواصلة تعلم مهارات جديدة ولكنها أيضاً ضرورية للتعامل مع الأحداث غير المتوقعة في الجراحات الحية، مثل تمزق الشريان أو تغير العلامات الحيوية للمريض فجأة. بالإضافة إلى ذلك، أظهر النموذج كفاءة زمنية محسنة، ما أدى إلى تقليل وقت الانتهاء للمهام الجراحية القياسية مثل الخياطة بنحو 30 في المائة، وهو أمر واعد بشكل خاص للعمليات الحرجة من حيث الوقت.

ويتصور العلماء سيناريو حيث تساعد هذه الروبوتات الجراحين في المواقف عالية الضغط، وتعزيز قدراتهم وتقليل الخطأ البشري. سيؤثر جراحو الذكاء الاصطناعي المستقبليون بشكل كبير على توفر الرعاية الجراحية، مما يجعل التدخلات الطبية عالية الجودة متاحة لعدد أكبر.

اللوائح التنظيمية وأخلاقيات الطب

هناك أيضاً تحديات أخلاقية وتنظيمية يجب معالجتها قبل نشر مثل هذا الذكاء الاصطناعي في بيئات جراحية حقيقية دون إشراف بشري. فالقفزة نحو الروبوتات الجراحية المستقلة تثير مخاوف أخلاقية جديدة.

هناك قضية المساءلة: من سيكون مسؤولاً إذا حدثت مشكلة؟ الشركة التي صنعت الجراح الذكي؟ المهنيون الطبيون الذين يشرفون عليه (إذا كان هناك أي إشراف)؟ هناك أيضاً مسألة موافقة المريض، والتي ستتطلب تثقيف كل من الشخص الذي يخضع للجراحة والأشخاص المحيطين به حول ماهية هذا الذكاء الاصطناعي، وما الذي يمكنهم فعله بالضبط، وما هي المخاطر التي تشكلها الروبوتات مقارنة بالجراحين البشر.

يعترف كيم بأن المستقبل الآن في منطقة رمادية حيث يمكن للجميع مجرد التكهن بما يجب أن يحدث أو سيحدث. ستكون أيدي السلطات التنظيمية مشغولة، من معالجة المساءلة والمخاوف الأخلاقية عند السماح لجراحي الذكاء الاصطناعي بالعمل بشكل مستقل، إلى وضع معايير للحصول على موافقة مستنيرة من المرضى.

ولكن عند الاختيار بين إجراء عملية جراحية طارئة منقذة للحياة بواسطة جراح مستقل أو عدم تلقي العلاج لأن الجراح البشري غير متاح (مثلاً في مكان بعيد أو منطقة متخلفة)، يزعم كيم أن الخيار الأفضل واضح. يمكنني بسهولة أن أتخيل مستقبلاً قريباً حيث يبدأ الناس في اختيار روبوتات الذكاء الاصطناعي على نظرائهم من البشر - في ظل وجود دليل إحصائي على أن جراحي الذكاء الاصطناعي يعملون بأمان.

وبعيداً عن التحديات الأخلاقية والقانونية، هناك حاجة إلى المزيد من العمل لتمكين التنفيذ العملي. ستحتاج المستشفيات إلى الاستثمار في البنية الأساسية التي تدعم جراحة الروبوتات بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الأجهزة المادية والخبرة الفنية للتشغيل والصيانة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون تدريب الفرق الطبية على إدارة العملية أمراً بالغ الأهمية. فالأطباء سيحتاجون إلى فهم الآلة ومتى يكون التدخل ضرورياً، وفي النهاية تحويل الجراحين البشريين من المهام الجراحية المباشرة إلى أدوار تركز على الإشراف والسلامة.

جراحات بسيطة أولاً

على المستوى العملي، يتصور الباحثون تقدماً تدريجياً، بدءاً بجراحات أبسط وأقل خطورة مثل إصلاح الفتق والتقدم تدريجياً إلى عمليات أكثر تعقيداً. سيساعد النهج التدريجي في التحقق من موثوقية الروبوت مع معالجة المخاوف التنظيمية والأخلاقية بمرور الوقت، فضلاً عن مساعدة السكان على الثقة في الذكاء الاصطناعي لإجراء العمليات الحرجة للحياة.

يقول كريغر: «ما زلنا في المراحل الأولى من فهم ما يمكن أن تحققه هذه الآلات حقاً. الهدف النهائي هو الحصول على أنظمة جراحية مستقلة تماماً وموثوقة وقابلة للتكيف وقادرة على إجراء العمليات الجراحية التي تتطلب حالياً اختصاصياً مدرباً تدريباً عالياً».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً