رغم أن الشعاب المرجانية تغطي أقل من 0.2 في المائة من قاع المحيطات، فإنها تؤوي نحو 35 في المائة من جميع الأنواع البحرية المعروفة، ما يجعل الحفاظ عليها أمراً بالغ الأهمية.
وتتعرض الشعاب المرجانية لتهديد متزايد من تغير المناخ، حيث تسببت درجات حرارة المحيطات المرتفعة وأحداث مثل ظاهرة «النينيو»، في «ابيضاض» الشعاب المرجانية على نطاق واسع، ما يعرض هذه النظم البيئية الحيوية للخطر. وتُعتبر تقنيات الاستشعار عن بُعد أداة قيمة لمراقبة الشعاب المرجانية؛ نظراً لقدرتها على توفير مراقبة واسعة النطاق للمناطق النائية. وتُستخدم أجهزة استشعار «لاندسات» التابعة لوكالة الفضاء الأميركية «ناسا» لتحليل التغيرات في الشعاب المرجانية.
وتعتمد العديد من الدراسات على تحليل صور الشعاب المرجانية من خلال مقارنة الصور الزمنية لتحديد التغيرات. ومع ذلك، تواجه هذه الأساليب تحديات بسبب التكاليف العالية للحصول على البيانات الميدانية اللازمة.
وللتغلب على هذا التحدي، طوّر فريق بحثي قاده باحث مصري في الولايات المتحدة، بالتعاون مع باحثين من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في السعودية، نموذجاً للتعلم الآلي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، لمراقبة الشعاب المرجانية، اعتماداً على بيانات من مواقع متعددة.
وأوضح الباحثون، في دراستهم المنشورة في عدد 30 سبتمبر (أيلول) 2024 من دورية «Heliyon»، أن هذا النهج يعد ضرورياً للكشف عن التغيرات الطويلة الأمد في الشعاب المرجانية في مناطق مثل البحر الأحمر، حيث أظهرت الدراسات ندرة في الأبحاث المتعلقة بتغير الشعاب المرجانية على مدار 18 عاماً. يقول الدكتور هشام العسكري، أستاذ علوم أنظمة الأرض والاستشعار عن بُعد بجامعة تشابمان الأميركية، والباحث الرئيسي للدراسة، إن الدراسة تُمثل إنجازاً كبيراً في مجال مراقبة الشعاب، حيث أتاحت تحليل التغيرات البيئية بشكل شامل وفعال في 3 مواقع رئيسية هي خليج العقبة، وأملج، والوجه.
وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن النتائج أظهرت انخفاضاً ملحوظاً في الغطاء المرجاني بنسب متفاوتة، ما يعكس تأثيرات التغير المناخي والضغوط البيئية على هذه النظم البيئية الهامة.
وأظهرت الدراسة تراجعاً في الغطاء المرجاني بنسبة 11.4 في المائة في خليج العقبة، و3.4 في المائة في أملج، و13.6 في المائة في الوجه. وشدد العسكري على أن هذه النتائج تكشف عن حاجة ملحة لتكثيف الجهود للحفاظ على هذه الشعاب التي تلعب دوراً حيوياً في دعم التنوع البيولوجي البحري. كما تسلط الضوء على أهمية استخدام التقنيات الحديثة في مراقبة التغيرات البيئية بشكل مستمر لضمان استدامة هذه الأنظمة البيئية الفريدة.
وأشار العسكري إلى دوافع استخدام تقنيات التعلم الآلي خلال الدراسة، موضحاً أنها تعود إلى قدرتها الفائقة على معالجة كميات ضخمة من البيانات المعقدة واكتشاف التغيرات الدقيقة في البيئات الطبيعية عبر الزمن، وهذه التقنيات تُحسن دقة تحليل البيانات البيئية مقارنة بالطرق التقليدية، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها أو التي تتطلب مراقبة مستمرة، موضحاً أن التعلم الآلي يتيح لنا بناء نماذج قابلة للتعميم، ما يسهل تطبيقها على مناطق جديدة دون الحاجة إلى إعادة تدريب النماذج بشكل متكرر. وتساهم الدراسة في تقليل الاعتماد على البيانات الميدانية التقليدية التي قد تكون مكلفة أو غير متاحة، من خلال توفير إطار عمل رقمي متكامل يمكن استخدامه في أماكن مختلفة. واعتبر أن الدراسة تمثل خطوة حاسمة نحو تحسين إدارة وحماية الشعاب المرجانية في البحر الأحمر، مضيفاً أنه من خلال توفير خريطة دقيقة للتغيرات في الغطاء المرجاني، يمكن توجيه جهود الحفاظ إلى المناطق الأكثر تضرراً، مما يزيد من فعالية استراتيجيات الاستعادة البيئية. علاوة على ذلك، تساعد هذه البيانات في تحديد النقاط الساخنة للتدهور البيئي، مما يتيح للباحثين وصناع القرار اتخاذ تدابير فورية للتخفيف من الأضرار وتعزيز الاستدامة البيئية.