تقنيات حديثة تُطور صناعة السيارات ذاتية القيادة

أحدثها روبوتات الدردشة الذكية

تجربة عملية لاختبار روبوت الدردشة في السيارات ذاتية القيادة (جامعة بوردو)
تجربة عملية لاختبار روبوت الدردشة في السيارات ذاتية القيادة (جامعة بوردو)
TT

تقنيات حديثة تُطور صناعة السيارات ذاتية القيادة

تجربة عملية لاختبار روبوت الدردشة في السيارات ذاتية القيادة (جامعة بوردو)
تجربة عملية لاختبار روبوت الدردشة في السيارات ذاتية القيادة (جامعة بوردو)

تتطور صناعة السيارات ذاتية القيادة بسرعة، مدفوعة بعدة تقنيات حديثة في مقدمتها الذكاء الاصطناعي الذي يتيح للسيارات تحليل البيانات واتخاذ القرارات في الوقت الحقيقي، بالإضافة لأجهزة الاستشعار المتطورة مثل الرادارات والكاميرات التي تساعد في اكتشاف العقبات وتحديد المسارات والتعامل مع حركة المرور، وتجنب العوائق.

كما تساهم أنظمة الملاحة الذكية في تحسين تجربة القيادة، حيث توفر توجيهات دقيقة وتحديثات حية حول حركة المرور. بالإضافة إلى ذلك، تسهم تقنيات الاتصال المتطور في تعزيز التواصل بين السيارات والبنية التحتية، ما يزيد من تحسين السلامة على الطرق، وتقليل الحوادث الناتجة عن الخطأ البشري، وتقديم حلول نقل أكثر كفاءة وراحة.

التجربة أثبتت قدرة النماذج اللغوية الكبيرة على تعزيز أداء السيارات ذاتية القيادة (جامعة بوردو)

روبوتات الدردشة

وبعدما اقتحمت تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل روبوت الدردشة الشهير «تشات جي بي تي»، العديد من المجالات، جاء الدور على السيارات ذاتية القيادة.

تخيل أنك تقول لسيارتك: «أنا في عجلة من أمري»، فتقوم السيارة تلقائياً باختيار الطريق الأسرع للوصول إلى وجهتك. ووجد مهندسو جامعة بوردو الفرنسية أن السيارة ذاتية القيادة يمكنها تنفيذ ذلك بمساعدة «تشات جي بي تي» أو روبوتات الدردشة الأخرى، وذلك بعد إجراء تجربة عملية.

وأوضح الباحثون أن دراستهم، التي عُرضت في 25 سبتمبر (أيلول) 2024، أمام المؤتمر الدولي السابع والعشرين لأنظمة النقل الذكية (IEEE) في كندا، تُعد من بين أولى التجارب التي تختبر قدرة السيارات ذاتية القيادة على تفسير الأوامر الصوتية البشرية وتنفيذها بدقة. وتعتمد هذه النماذج على كميات هائلة من البيانات النصية وتتعلم بمرور الوقت، ما يجعلها قادرة على الاستجابة للأوامر بشكل أكثر إنسانية مقارنة بأنظمة التحكم التقليدية.

شملت التجارب أوامر مباشرة مثل «قُدْ بسرعة أكبر»، وأخرى غير مباشرة مثل «أشعرُ بالغثيان»، مع تزويد النماذج بالمعايير اللازمة، مثل قواعد المرور وحالة الطرق وأجهزة الاستشعار الخاصة بالسيارة. وأثبتت التجارب أن هذه النماذج تُحسّن استجابة السيارة، ما يجعل تجربة القيادة أكثر راحة.

وأوضح الباحثون أن الأنظمة التقليدية في السيارات تتطلب الضغط على أزرار أو استخدام نظام التعرف على الصوت الذي يحتاج إلى دقة في الكلام، بينما تتميز النماذج اللغوية الكبيرة بقدرتها على فهم الأوامر الصوتية البشرية بصورة أكثر دقة.

تحديات الاستجابة السريعة والهلوسة

الدكتور ران وانغ، الأستاذ المساعد في كلية الهندسة بجامعة بوردو والباحث الرئيسي للدراسة، يرى أن التجارب أثبتت قدرة النماذج اللغوية الكبيرة على تعزيز أداء السيارات ذاتية القيادة، لكن لا تزال هناك تحديات تحتاج إلى معالجة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دمج روبوتات الدردشة بالكامل في المركبات ذاتية القيادة يتطلب تحسينات ضرورية، أبرزها تقليل زمن الاستجابة للأوامر إلى أقل من 1.6 ثانية لضمان التصرف السريع في الحالات الطارئة، ومعالجة مشكلة «الهلاوس» التي قد تؤدي إلى تفسير الأوامر بشكل خاطئ، مما يشكل تهديداً للسلامة، إلى جانب اختبار هذه النماذج في بيئات متنوعة مثل الظروف الجوية المتغيرة وحركة المرور المعقدة لضمان دقتها.

وتوقع وانغ تطوراً في المستقبل لتلك النماذج لتعزيز التواصل بين الركاب والمركبات ذاتية القيادة، مشيراً إلى أن دمج وسائل متعددة للتواصل مثل الصوت والنص والصور سيساهم في تحسين التفاعل الطبيعي بين الركاب والمركبة، كما يمكن لتلك النماذج التفاعل بشكل استباقي عبر اقتراح مسارات أو تقديم تحذيرات بناءً على سلوك الركاب، ما يعزز من فعالية وسلامة حركة المرور.

تقنيات القيادة الذاتية

وتعد السيارات ذاتية القيادة واحدة من أبرز الابتكارات التي تعتمد على مجموعة متكاملة من التقنيات المتطورة التي تعزز من قدرتها على التنقل بأمان وفعالية.

من بين هذه التقنيات، تبرز تقنية «الليدار» (Lidar)، التي تعني «كشف الضوء وتحديد المدى». وتستخدم هذه التقنية الليزر لإنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد عالية الدقة للبيئة المحيطة بالسيارة، من خلال إرسال أشعة ليزر، وقياس الوقت الذي تستغرقه للعودة، ما يوفر معلومات دقيقة حول المسافات والأشكال. وتُعتبر هذه التقنية حيوية لاكتشاف العقبات مبكراً.

أيضاً، تُتيح تقنية «الاتصال بين المركبات وكل شيء» (V2X Communication) للمركبات التواصل مع بعضها البعض ومع البنية التحتية، مثل إشارات المرور، لتحسين إدارة حركة المرور وزيادة الأمان. وتساعد هذه التكنولوجيا في تقليل الحوادث وزيادة كفاءة حركة المرور.

تأتي أيضاً تقنية الحوسبة السحابية (Cloud Computing)، التي توفر بنية تحتية قوية لتخزين البيانات ومعالجتها بشكل مركزي. ومن خلال استخدام السحابة، يمكن للسيارات جمع كميات هائلة من البيانات من حساسات متعددة وتبادل المعلومات بشكل فوري؛ ما يتيح تحديثات في الوقت الحقيقي ويُحسن نماذج التعلم الآلي. وتساهم هذه العملية في تعزيز دقة وموثوقية أنظمة القيادة الذاتية.

ومع اعتماد السيارات على الاتصال الشبكي لتبادل المعلومات، يصبح تأمين هذه البيانات أمراً بالغ الأهمية. وهنا يأتي دور تقنيات الأمن السيبراني لحماية المركبات من الاختراقات والتهديدات الأمنية، من خلال تشفير البيانات لحماية المعلومات الحساسة ونظم اكتشاف التسلل للكشف عن الأنشطة المشبوهة قبل أن تتسبب في ضرر.



نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»
TT

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

توصَّل باحثون في «مركز علوم الحياة بجامعة» فيلنيوس في ليتوانيا، إلى اكتشاف طريقة جديدة رائدة في مجال البحث الجيني تسمح بإسكات (أو إيقاف عمل) جينات معينة دون إجراء قطع دائم للحمض النووي (دي إن إيه).

وتُقدِّم الدراسة مساراً جديداً محتملاً لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً يشبه الضغط على زر «إيقاف مؤقت» على التعليمات الجينية داخل الخلايا.

آلية عمل نظام «كريسبر» الجديد

اكتشف فريق البروفسور باتريك باوش من معهد الشراكة لتقنيات تحرير الجينوم بمركز العلوم الحياتية في جامعة فيلنيوس بليتوانيا، بالتعاون مع خبراء دوليين في البحث المنشور في مجلة «Nature Communications» في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، نظاماً جديداً مختلفاً للتعديل الجيني.

وعلى عكس نظام «كريسبر كاس9 (CRISPR-Cas9)»، المعروف الذي اشتهر بقدرته على قطع الحمض النووي (DNA)، يعمل نظام «كريسبر» من النوع «آي في إيه» (IV-A CRISPR) بشكل مختلف، حيث يستخدم مركباً موجهاً بالحمض النووي الريبي لإسكات الجينات دون انشقاق خيوط الحمض النووي «دي إن إيه (DNA)».

كما يستخدم النظام الجديد مركباً مؤثراً يجنِّد إنزيماً يُعرف باسم «دين جي (DinG)». ويعمل هذا الإنزيم عن طريق التحرك على طول خيط الحمض النووي (DNA)، وتسهيل إسكات الجينات من خلال عملية غير جراحية.

تقنية «كريسبر-كاس9» للقص الجيني

هي أداة تعمل كمقص جزيئي لقص تسلسلات معينة من الحمض النووي (دي إن إيه). وتستخدم الحمض النووي الريبي الموجه للعثور على الحمض النووي المستهدف. و«كاس9» هو البروتين الذي يقوم بالقص، وهذا ما يسمح للعلماء بتعديل الجينات عن طريق إضافة أو إزالة أو تغيير أجزاء من الحمض النووي، وهو ما قد يساعد على علاج الأمراض الوراثية، وتعزيز الأبحاث.

** آفاق جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي

بروتينات وحلقات

يستخدم نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» بروتينين مهمين، هما «Cas8»، و«Cas5» للعثور على بقع محددة على الحمض النووي (DNA). ويبحث هذان البروتينان عن تسلسل قصير من الحمض النووي بجوار المنطقة المستهدفة التي تتطابق مع دليل الحمض النووي الريبي. وبمجرد العثور عليه يبدآن في فك الحمض النووي وإنشاء هياكل تسمى حلقات «آر (R)».

وحلقات «آر» هي الأماكن التي يلتصق فيها الحمض النووي الريبي بخيط واحد من الحمض النووي (DNA)، وتعمل بوصفها إشارةً للنظام لبدء إيقاف أو إسكات الجين.

وكما أوضح البروفسور باوش، فإن «آر» في حلقة «R» تعني الحمض النووي الريبي. وهذه الهياكل أساسية لأنها تخبر النظام متى وأين يبدأ العمل. ولكي تكون حلقات «آر» مستقرةً وفعالةً يجب أن يتطابق الحمض النووي، ودليل الحمض النووي الريبي بشكل صحيح.

وظيفة إنزيم «دين جي»

يساعد إنزيم «DinG» نظام «كريسبر» على العمل بشكل أفضل من خلال فك خيوط الحمض النووي (DNA). وهذا يجعل من الأسهل على النظام التأثير على قسم أكبر من هذا الحمض النووي، ما يجعل عملية إسكات الجينات أكثر فعالية وتستمر لفترة أطول.

وأشار البروفسور باوش إلى أنه نظراً لأن إنزيم «DinG» يمكنه تغيير كيفية التعبير عن الجينات دون قطع الحمض النووي، فقد يؤدي ذلك إلى تطوير أدوات وراثية أكثر أماناً في المستقبل.

تطبيقات محتملة لتخفيف تلف الحمض النووي

يحمل الاكتشاف إمكانات هائلة لتحرير الجينوم والبحث في المستقبل، إذ يمكن أن تخفف الطبيعة غير القاطعة لهذه الطريقة من المخاطر المرتبطة بتلف الحمض النووي( DNA). وهو مصدر قلق عند توظيف تقنيات تحرير الجينات الحالية.

ومن خلال تمكين تعديل الجينات دون إحداث تغييرات دائمة في الحمض النووي( DNA) يمكن أن يكون هذا النهج الجديد مفيداً بشكل خاص في التطبيقات السريرية مثل العلاج الجيني للاضطرابات الوراثية. كما أن القدرة الفريدة لهذا النظام على عبور الحمض النووي دون إجراء قطع، أمر مثير للاهتمام لتطبيقات تحرير الجينات المتقدمة.

الدقة والسلامة

ويعتقد فريق البحث بأن هذه الطريقة يمكن أن تزوِّد العلماء وخبراء التكنولوجيا الحيوية بأدوات أكثر دقة لدراسة وظائف الجينات وتصحيح التشوهات الجينية بطريقة خاضعة للرقابة.

ويمثل الاكتشاف تقدماً كبيراً في مجال البحث الجيني؛ حيث يفتح نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» آفاقاً جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي، ويمكن أن تحدث هذه الطريقة ثورةً في كيفية دراسة الأمراض الوراثية وعلاجها، مع التركيز على الدقة والسلامة.