دراسة ألمانية تتعمق في فهم دور جينات ومستقبلات اكتشاف الروائح

العلماء يدققون في طرق معالجة الدماغ لها

دراسة ألمانية تتعمق في فهم دور جينات ومستقبلات اكتشاف الروائح
TT

دراسة ألمانية تتعمق في فهم دور جينات ومستقبلات اكتشاف الروائح

دراسة ألمانية تتعمق في فهم دور جينات ومستقبلات اكتشاف الروائح

في دراسة جديدة، تعمق باحثون ألمان في كيفية معالجة الدماغ للروائح، ووظيفة مستقبلات الرائحة، وهي عائلة جينية تشكل نحو 2 في المائة من الجينوم البشري. وأشرف على الدراسة بيتر مومبارتس رئيس وحدة أبحاث معهد ماكس بلانك لعلم الوراثة العصبية في فرانكفورت بألمانيا.

جينات مستقبلات الروائح

من المعلوم أن أنف الإنسان العاقل عبارة عن جهاز استشعار كيميائي متطور، فهو قادر على شم أي نوع من الجزيئات المتطايرة تقريباً حتى لو كانت بتركيزات منخفضة للغاية، كما أنه قادر على التمييز بين الجزيئات ذات الصلة التركيبية.

وتعتمد عملية التعرف على الروائح على تنوع «جينات مستقبلات الروائح» odorant receptor (OR) genes، التي اكتشفتها ليندا باك وزميلها ريتشارد أكسل في عام 1991، اللذان حصلا على جائزة نوبل مناصفة في الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) أو الطب عام 2004.

وتشكل جينات مستقبلات الروائح أكبر العائلات الجينية في الجينومات الثديية. وبعد مرور عقد من الزمان على اكتشافها قدمت التطورات في تسلسل الجينوم البشري مسودة أولى لمجموعة جينات مستقبلات الروائح البشرية.

وهي تتألف من نحو ألف تسلسل توجد في مجموعات متعددة منتشرة في مختلف أنحاء الجينوم. وأكثر من نصفها عبارة عن جينات زائفة) Pseudogenesالجينات الزائفة هي أجزاء غير وظيفية من الحمض النووي دي إن إيه DNA تشبه الجينات الوظيفية). وحتى وقت قريب لم يكن من الواضح دور الجينات في عملية الشم، إلا أن الباحثين بدأوا التعرف على المتغيرات الجينية التي قد توفر فرصة للربط بين النمط الجيني للشم والنمط الظاهري، أي البيئي، للشم.

تحديات فهم الرائحة

* كيف تعمل حاسة الشم؟ في الثدييات (اللبائن) الأرضية، مثل البشر، يتم إدراك الروائح كمواد كيميائية متطايرة تنتقل عبر الهواء، وتتفاعل مع المستقبلات في الخلايا العصبية الحسية الشمية الموجودة في الأنف. ثم ترسل هذه الخلايا العصبية إشارات كهربائية إلى البصلة الشمية في الدماغ، حيث تتم معالجة الإشارات وإرسالها إلى القشرة الشمية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من فهم أساسيات هذه العملية، لا يزال العلماء غير مدركين تماماً كيفية التعرف على الروائح المحددة؛ مثل رائحة الموز على سبيل المثال مع الأخذ في الاعتبار أن كل رائحة تتكون من مواد كيميائية متعددة وتتفاعل مع مستقبلات متعددة.

* كيف يتعرف الدماغ على الرائحة؟ وعلى الرغم من عقود من البحث تظل الأسئلة الرئيسية دون حل. على سبيل المثال كيف تتعرف أدمغتنا على الاختلافات المختلفة لروائح الموز رغم أنها تتكون من مواد كيميائية مختلفة؟ وكيف يمكن للجزيئات التي لا توجد حتى في الموز أن تحاكي رائحته؟

يشير عالم الأعصاب بيتر مومبارتس من وحدة أبحاث ماكس بلانك لعلم الوراثة العصبية في لقاء له مع دانييلا هيرشفيلد، أستاذة جامعة وزميلة صحافة العلوم في معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، نشر في مجلة «Knowable» في 4 سبتمبر (أيلول) الحالي 2024، إلى أنه في حين يعرف العلماء المكونات الرئيسية لنظام الشم، فإن فهم كيفية عمل هذه المكونات معاً لخلق إدراكات محددة للرائحة لا يزال بعيد المنال، بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم ما يعرفه الباحثون عن الشم يعتمد على دراسات أجريت على الفئران المعدلة وراثياً، والتي قد لا تترجم دائمًا بشكل مثالي للبشر بسبب الاختلافات في أنظمتهم الشمية.

الأساس الجيني للرائحة

* عدد جينات الرائحة: يحتوي جسم الإنسان على نحو 400 جين لمستقبلات الرائحة، بينما تمتلك الأنواع الأخرى عدداً أكبر بكثير. وعلى سبيل المثال وبالمقارنة بالكلاب يتضح الفارق، فالكلب لديه ثلاثة أضعاف هذا العدد من المستقبلات، بينما تمتلك الفيلة الأفريقية نحو 2000 جين وهو أكبر عدد معروف.

ومع ذلك، فإن عدد هذه الجينات لا يتوافق بالضرورة مع حاسة شم أقوى، إذ بإمكان الإنسان أن يميز نحو عشرة آلاف رائحة مختلفة.

ولا يزال الباحثون يحاولون فهم الأساس الجيني للاختلافات في حساسية الرائحة؛ مثل سبب امتلاك بعض الأشخاص - مثل خبراء العطور المحترفين (المعروفين باسم «الأنوف») - قدرات شمية عالية التدريب على الرغم من عدم وجود دليل واضح يربط هذا بالوراثة.

دور أوسع لمستقبلات الرائحة

ومن المثير للاهتمام أن جينات مستقبلات الرائحة لا توجد فقط في الأنف، إذ يتم التعبير عنها في أجزاء أخرى من الجسم، مثل البروستاتا والجسم السباتي Carotid body (الذي يساعد في تنظيم التنفس، وهو تجمع لمجموعة من المستقبلات الكيميائية وعدد من الخلايا الداعمة والموجودة على جانبي الرقبة).

وقد أظهر بحث مومبارتس أن أحد هذه المستقبلات الذي يدعى Olfr78 يلعب دوراً في نضج الخلايا التي تكتشف مستويات الأكسجين في الدم على الرغم من أن وظيفته الدقيقة لا تزال غير واضحة.

الشم و«كوفيد - 19»

كما شارك مومبارتس في دراسة تأثيرات فيروس «سارس - كوف - 2» على حاسة الشم، التي غالباً ما تُفقد مؤقتاً أو بشكل دائم لدى مرضى «كوفيد - 19». وتشير أبحاثه إلى أنه في حين أن الفيروس لا يصيب الخلايا العصبية الحسية الشمية بشكل مباشر، فإنه يستهدف الخلايا الداعمة في الظهارة الشمية) olfactory epitheliumالظهارة الشمية هي نسيج ظهاري متخصص داخل تجويف الأنف يشارك في الشم). وهذا ما يعطل الوظيفة الحسية الطبيعية ولا تزال الآليات الدقيقة وراء هذا التعطيل وعملية التعافي قيد التحقيق.

ألغاز الشم المستمرة

وعلى الرغم من النمو السريع لأبحاث الشم منذ اكتشاف جينات مستقبلات الرائحة في عام 1991، فإن العديد من الأسئلة الأساسية لا تزال دون إجابة، فلا يزال مومبارتس يلاحق الألغاز نفسها التي أثارت اهتمامه بهذا المجال، بما في ذلك كيفية اختيار الخلايا العصبية لجين مستقبل الرائحة لتنشيطه وكيف تجد المحاور من الخلايا العصبية الحسية الشمية أهدافها في الدماغ.

ومن أكثر الأشياء المثيرة في مسألة الشم هو أننا لا نرى إطلاقاً كيف تصل الروائح إلى داخل الأنف فنحن نشعر بها فقط ويحدث هذا في أجزاء من الثانية.

وتظل حاسة الشم مجالاً معقداً ومثيراً للاهتمام يحمل في طياته العديد من الاحتمالات غير المستغلة للاكتشاف، وربما في يوم من الأيام تطبيقات عملية للعلاجات الطبية. وحتى ذلك الحين تساهم أبحاث مومبارتس في فهم متزايد لمدى تأثير تركيبتنا الجينية على قدرتنا على إدراك العالم والتفاعل معه من خلال الشم.



آلاف الأميركيين يلجأون للنصائح الطبية من الذكاء الاصطناعي

آلاف الأميركيين يلجأون للنصائح الطبية من الذكاء الاصطناعي
TT

آلاف الأميركيين يلجأون للنصائح الطبية من الذكاء الاصطناعي

آلاف الأميركيين يلجأون للنصائح الطبية من الذكاء الاصطناعي

كتبت تيدي روزنبلوث (*) عن حالة سوزان شيريدان، التي كانت قد سمعت عن برنامج «تشات جي بي تي» (ChatGPT) لكنها لم تستخدمه مطلقاً؛ لذا كان أول سؤال وجهته إلى روبوت المحادثة بالذكاء الاصطناعي مشوشاً بعض الشيء: «ترهل وألم الوجه، وعلاج الأسنان».

أسئلة طبية وإجابات مقنعة

لقد لجأت إلى برنامج «تشات جي بي تي» في لحظة يأس، إذ كان الجانب الأيمن من وجهها مترهلاً، وكان كلماتها تتعثر أثناء الحديث، وكان رأسها يؤلمها كثيراً، لدرجة أنها لم تستطع إراحته على الوسادة.

في اليوم السابق، عندما لاحظ زوجها الترهل لأول مرة، قاد الزوجان سيارتهما لمدة 3 ساعات إلى غرفة الطوارئ، فقط ليرسلها الطبيب إلى المنزل بعد تصنيف أعراضها على أنها حميدة.

إلا أن برنامج «تشات جي بي تي» لم يوافق على ذلك، وأخبرها روبوت المحادثة بأن أحد التفسيرات المحتملة لأعراضها هو «شلل بيل» (Bell’s palsy)، الذي يحتاج إلى علاج عاجل لتجنب حدوث ضرر دائم؛ لذا فإنها قامت برحلة أخرى إلى غرفة الطوارئ؛ حيث أكد الطبيب شكوك روبوت الدردشة، وأعطاها «الستيرويدات» والأدوية المضادة للفيروسات. ونتيجة ذلك، تم شفاؤها في الغالب.

ربع الشباب يلجأون طبيّاً إلى الذكاء الاصطناعي

وقالت سوزان شيريدان، 64 عاماً، وهي المؤسسة المشاركة لمنظمة «مناصرة سلامة المرضى»: «لا أريد استبدال الأطباء، أؤمن بالعلاقة بين الطبيب والمريض، وأؤمن بنظام الرعاية الصحية... لكنها تفشل أحياناً. عندما كان الطب يخذلني، ألجأ إلى (تشات جي بي تي)».

على نحو متزايد، يلجأ أشخاص مثل سوزان شيريدان إلى روبوتات الدردشة الذكية لشرح الأعراض الجديدة، وموازنة خيارات العلاج، والتحقق من استنتاجات أطبائهم.

يستخدم نحو 1 من كل 6 بالغين -ونحو ربع البالغين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً- روبوتات الدردشة للعثور على المشورة والمعلومات الطبية مرة واحدة على الأقل في الشهر، وفقاً لمسح حديث من منظمة «KFF» البحثية غير الربحية للسياسة الصحية.

ويأمل المؤيدون أن يعمل الذكاء الاصطناعي على تمكين المرضى، من خلال منحهم تفسيرات طبية أكثر شمولاً مما قد يفعله البحث البسيط على «غوغل»، الذي «يمنح إمكانية الوصول إلى المعلومات» وفق ما يقول ديف دي برونكارت، وهو مدافع عن المرضى ومدون. ويضيف أن: «الذكاء الاصطناعي يتيح الوصول إلى الفكر السريري».

رأي الأطباء

لا يعرف الباحثون سوى القليل جداً عن كيفية استخدام المرضى للذكاء الاصطناعي التوليدي للإجابة عن أسئلتهم الطبية. وقد ركزت الدراسات حول هذا الموضوع إلى حد كبير على الحالات الطبية الافتراضية.

وقال الدكتور أتيف مهروترا، باحث في الصحة العامة، وأستاذ في جامعة «براون»، الذي يدرس استخدامات المرضى لروبوتات الدردشة الذكية، إنه لا يعتقد أن الخبراء قد أدركوا عدد الأشخاص الذين يستخدمون التكنولوجيا بالفعل للإجابة عن الأسئلة الصحية.

وأضاف: «لقد اعتقدنا دائماً أن هذا شيء آتٍ، لكنه لا يستخدم بأعداد كبيرة الآن. لقد صدمت تماماً بهذا المعدل المرتفع في استطلاع (KFF)».

من جهته، قال الدكتور بنيامين تولشين، عالم أخلاقيات علم الأحياء وطبيب أعصاب في كلية الطب بجامعة «ييل»، إنه منذ أن أصبح «تشات جي بي تي» متاحاً للجمهور في عام 2022، أخبره عدد قليل من المرضى كل شهر بأنهم استخدموا روبوت الدردشة للبحث عن حالتهم.

وفي الغالب، فإنه يعتقد أن الأداة ساعدت في إعلام المرضى بحالتهم وخيارات العلاج المتاحة. لكنه رأى أيضاً عيوب برنامج الدردشة الآلية.

معلومات طبية تضفي ثقة زائفة

ويقول تولشين إن المشكلة ليست فقط أن الذكاء الاصطناعي قد يوفر معلومات طبية خاطئة أو غير كاملة، وفعلاً يواجه كثير من موظفي «غوغل» هذه المشكلة بالفعل. المشكلة كما يقول في أن برامج الدردشة الآلية تجيب عن الأسئلة بنوع من «السلطة»، ما قد يمنح المرضى ثقة زائفة في نصائحها.

ويضيف: «يمكن أن تكون الإجابات أكثر إقناعاً بكثير، وتبدو أكثر اكتمالاً للمرضى من تلك المعلومات المتقطعة التي قد يجدونها من خلال البحث على (غوغل)».

إجابات ناقصة

وعلى سبيل المثال، استخدم أحد مرضاه برنامج دردشة آلية للعثور على خيارات علاجية للنوبات التي لم تعد تستجيب للأدوية. ومن بين العلاجات المقترحة زرع الخلايا الجذعية، وهو خيار لم يفكر فيه المريض بعد. كان على تولشين أن يشرح لعائلة متفائلة أن زرع الخلايا الجذعية هو علاج تجريبي تماماً، وليس خياراً يوصي به أي طبيب أعصاب، وهو التمييز الذي لم يذكره برنامج الدردشة الآلية.

وقال: «لقد كان لديهم انطباع بأن لديهم صورة كاملة إلى حد ما لجميع خيارات العلاج المختلفة، لكنني أعتقد أنه ربما أعطى صورة مضللة إلى حد ما».

وفي دراسة «KFF»، قال أقل من 10 في المائة من المستجيبين إنهم يشعرون بـ«الثقة الشديدة» في قدرتهم على معرفة الفرق بين المعلومات الحقيقية والكاذبة التي تولدها روبوتات الدردشة الذكية. إلا أن دي برونكارت يقول إنه مثل أي أداة، هناك طريقة صحيحة لاستخدام «تشات جي بي تي» للحصول على معلومات صحية.

ويضيف إنه يجب صياغة الأسئلة بعناية، ومراجعة الإجابات بتشكك. وقال: «هذه أدوات قوية للمساعدة في تطوير تفكيرك... لا نريد أن يعتقد الناس أنها تعطي إجابات فورية حتى لا يضطروا إلى التفكير بعد الآن».

* خدمة «نيويورك تايمز».