«ساعة الدماغ» تحدد سرعة شيخوخته

تقيّم الفرق بين عمر الفرد الفكري وعمره الزمني

«ساعة الدماغ» تحدد سرعة شيخوخته
TT

«ساعة الدماغ» تحدد سرعة شيخوخته

«ساعة الدماغ» تحدد سرعة شيخوخته

يمكن لـ«ساعة الدماغ» التي تم تطوير مفهومها حديثاً تحديد ما إذا كان دماغ الشخص يشيخ بشكل أسرع مما يشير إليه عمره الزمني. وتتأثر شيخوخة الدماغ بعوامل تتجاوز مجرد مرور الزمن، منها الظروف الاجتماعية والاقتصادية والعوامل البيئية وعدم المساواة بين الجنسين.

شيخوخة الدماغ وعدم المساواة

تكشف الدراسة التي نُشرت في مجلة «Nature Medicine» في 26 أغسطس (آب) 2024 التي قادها أغوستين إيبانيز من جامعة «أدولفو إيبانيز» في سانتياغو في تشيلي، أن الأشخاص في بلدان أميركا اللاتينية التي تعاني من مستويات عالية من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية يميلون إلى أن يكون لديهم أدمغة تشيخ بشكل أسرع مما يوحي به عمرهم الزمني. وكان هذا صحيحاً بشكل خاص بالنسبة للنساء اللائي يعشن في بلدان تعاني من عدم المساواة بين الجنسين بشكل كبير.

الاتصال الوظيفي

من المعروف أنه ومع تقدم الناس في السن يتراجع الاتصال الوظيفي في الدماغ بشكل عام. وقام الباحثون بقياس هذا الاتصال في أكثر من 5300 مشارك من 15 دولة، بما في ذلك أولئك من أميركا اللاتينية والولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.

وتم استخدام البيانات لحساب «فجوة عمر الدماغ» لكل فرد، وهي الفرق بين العمر الزمني والعمر الذي تشير إليه اتصالات دماغه باستخدام تقنيات التصوير العصبي المتقدمة (التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي وتخطيط كهربائة الدماغ) لقياس الاتصال الوظيفي للدماغ - كيف تتفاعل المناطق المختلفة - وطور نماذج التعلم العميق للتنبؤ بعمر الدماغ.

العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية

وجدت الدراسة أن التفاوتات البنيوية والتعرض للتلوث والتفاوت في الرعاية الصحية تساهم في تسريع شيخوخة الدماغ. كما أظهرت أميركا اللاتينية باعتبارها واحدة من أكثر المناطق تفاوتاً أكبر فجوات عمر الدماغ. وحددت الدراسة تقدماً في فجوة عمر الدماغ من... خصائص الحالة الصحية للأفراد إلى الأفراد الذين يعانون من ضعف إدراكي خفيف ثم إلى المصابين بمرض ألزهايمر. وفي بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي أظهرت النساء فجوات عمر الدماغ أكبر من الرجال، سواء في خصائص الحالة الصحية أو في مجموعات مرض ألزهايمر.

إمكانات الطب الشخصي

يأمل الباحثون أن تؤدي نتائجهم في النهاية إلى مناهج الطب الشخصي التي تأخذ في الاعتبار التنوع الكامل لشيخوخة الدماغ عبر مختلف السكان. وهم يواصلون أبحاثهم من خلال مقارنة فجوات عمر الدماغ في مناطق مختلفة من العالم واستكشاف الارتباط المحتمل بين فجوات عمر الدماغ والدخل القومي.

وقد حظي هذا العمل بإشادة واسعة باعتباره إنجازاً كبيراً في فهم تعقيدات شيخوخة الدماغ عبر مختلف السكان، على الرغم من الإشارة إلى أن الاتصال الوظيفي ليس سوى مقياس واحد لصحة الدماغ.

وتسلط الدراسة الضوء على الحاجة إلى اتباع نهج أكثر شمولاً في علم الأعصاب يأخذ في الاعتبار السياقات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الأوسع التي يعيش فيها الناس. وبشكل عام تقدم الدراسة إطاراً شاملاً لفهم كيفية مساهمة العوامل المتنوعة في تسريع شيخوخة الدماغ، خصوصاً في المناطق التي تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة.

المناطق المتطورة تشيخ أكثر

وتدعم دراسة حديثة أخرى نشرت في مجلة «SCIENCE ADVANCES» في 28 أغسطس (آب) 2024 برئاسة سام فيكري معهد علوم الأعصاب النظمية كلية الطب والمستشفى الجامعي جامعة هاينريش هاينه دوسلدورف في ألمانيا، العلاقة بين تطور الدماغ والتدهور المرتبط بالعمر من خلال مقارنة أدمغة البشر بأدمغة الشمبانزي أقرب أقرباء البشر الأحياء.

وتكشف الدراسة أن مناطق الدماغ البشري التي تطورت بسرعة أكبر، خصوصاً تلك التي تشارك في اتخاذ القرار وضبط النفس هي أيضاً الأكثر عرضة للشيخوخة.

وفكرة أن التوسع السريع لبعض مناطق الدماغ لدى البشر، خصوصاً القشرة الجبهية الأمامية كان له ثمن. وهذه المناطق التي تعد حاسمة للوظائف الإدراكية المعقدة مثل اللغة واتخاذ القرار هي أيضاً من بين أول المناطق التي تتدهور مع تقدم العمر.

وتتوافق هذه الملاحظة مع نظرية «آخر من يدخل أول من يخرج» ما يشير إلى أن مناطق الدماغ التي تتطور أخيراً لدى البشر هي أول من تظهر عليها علامات الشيخوخة.

التحليل المقارن

وفي هذه الدراسة استخدم الباحثون فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي لمقارنة أدمغة 189 شمبانزي تراوحت أعمارها بين 9 و50 عاماً و480 إنساناً تراوحت أعمارهم بين 20 و74 عاماً، ووجدوا أن كلا النوعين يشترك في هياكل دماغية متشابهة، خصوصاً في القشرة الجبهية الأمامية لكنهما يختلفان بشكل كبير في كيفية تقدم هذه المناطق في العمر.

وأظهرت القشرة الجبهية، بما في ذلك القشرة الجبهية الأمامية في البشر، أكبر انحدار للمادة الرمادية بمرور الزمن. وعلى النقيض من ذلك شهدت الشمبانزي أكبر انحدار في المخطط (striatum)، وهي منطقة في الدماغ تشارك في تكوين العادات والسلوكيات المختلفة.



أداة للتنبؤ بالأدوية الأكثر فاعلية في علاج الأمراض الناجمة عن الطفرات

الطفرات الجينية تتسبب بأمراض السرطان
الطفرات الجينية تتسبب بأمراض السرطان
TT

أداة للتنبؤ بالأدوية الأكثر فاعلية في علاج الأمراض الناجمة عن الطفرات

الطفرات الجينية تتسبب بأمراض السرطان
الطفرات الجينية تتسبب بأمراض السرطان

تمكّن باحثون دوليون من تطوير نموذج حاسوبي رائد يمكنه التنبؤ بالأدوية الأكثر فاعلية في علاج الأمراض الناجمة عن الطفرات التي تؤدي إلى بروتينات مبتورة أو غير مكتملة.

وتظهر هذه البروتينات بسبب «طفرات غير منطقية» توقف تخليق البروتين قبل الأوان، وترتبط بمجموعة متنوعة من الاضطرابات الوراثية والسرطانات.

وتقدم الدراسة التي نُشرت في مجلة «Nature Genetics» في 22 أغسطس (آب) 2024 برئاسة البروفسور بن لينر أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة ورئيس المجموعة في مركز تنظيم الجينوم في برشلونة بإسبانيا، ومعهد ويلكوم سانجر في المملكة المتحدة، تقدماً كبيراً في الطب الشخصي بعد تطوير أداة جديدة تسمى «آر تي ديتكتف» RTDetective. وهذه الأداة نموذج حسابي تم بناؤه بواسطة الباحثين للتنبؤ بالأدوية التي ستكون الأكثر فاعلية في علاج الأمراض الناجمة عن الطفرات التي يمكن أن تؤدي إلى توقف تخليق البروتين ما يؤدي إلى بروتينات مبتورة.

بروتينات مبتورة وطفرات غير منطقية

تنشأ البروتينات المبتورة عندما تنقطع عملية تخليق البروتين قبل الأوان بسبب الطفرات غير المنطقية، حيث تعمل هذه الطفرات كأنها «علامات توقف» في الشفرة الوراثية، ما يتسبب في توقف الآلية الخلوية لإنتاج البروتين بشكل مفاجئ.

وغالباً ما تفقد البروتينات غير المكتملة الناتجة وظيفتها، ما يؤدي إلى أمراض مختلفة. والطفرات غير المنطقية متورطة فيما يصل إلى 20 في المائة من الاضطرابات الجينية الفردية بما في ذلك التليف الكيسي، وخلل العضلات دوشين Duchenne muscular dystrophy، وهو اضطراب جيني وراثي يظهر على هيئة ضعف وضمور وتداع مستمر في الحالة الصحية لعضلات الجسم، وكذلك في كثير من أنواع السرطان بسبب آثارها على جينات قمع الورم.

وقد تم تصميم علاجات قمع الطفرات غير المنطقية لمساعدة الخلايا على تجاوز علامات التوقف المبكرة هذه ما يسمح لها بإنتاج بروتينات كاملة أو شبه كاملة الطول، ومع ذلك فإن فاعلية هذه العلاجات تختلف اختلافاً كبيراً اعتماداً على الطفرة المحددة والتسلسل الجيني المحيط، وكشفت الدراسة أن التجارب السريرية السابقة ربما ربطت المرضى بأدوية غير فعالة بسبب عدم مراعاة هذه العوامل.

أداة للعلاج الشخصي

وقام الباحثون بتحليل 5800 طفرة توقف مبكرة مسببة للأمراض، واستخدموا النموذج الحسابي للتنبؤ بفاعلية الأدوية المختلفة «آر تي ديتكتف»، لكل واحدة من علامات التوقف المحتملة البالغ عددها 32.7 مليون، والتي يمكن إنشاؤها في نُسخ الحمض النووي الريبي (آر إن إيه) RNA في الجينوم البشري. وتم التنبؤ بأن واحداً على الأقل من الأدوية الستة التي تم اختبارها سيحقق قراءة أكثر من 1 في المائة في 87.3 في المائة من جميع علامات التوقف المحتملة. وكانت النتائج واعدة لأن نسب القراءة الأعلى ترتبط عموماً بنتائج علاجية أفضل.

وعلى سبيل المثال متلازمة هيرلر Hurler syndrome هي اضطراب وراثي شديد ناتج عن طفرة غير منطقية في جين يدعى IDUA حيث أظهرت الدراسات السابقة أنه مع قراءة 0.5 في المائة فقط يمكن للأفراد التخفيف جزئياً من شدة المرض عن طريق إنشاء كميات صغيرة جداً من البروتين الوظيفي.

مستقبل الطب الشخصي

يمثل تطوير النموذج الحسابي «آر تي ديتكتف» خطوة مهمة نحو هدف الطب الشخصي، إذ إن استخدام هذا النموذج يمكن الأطباء السريريين من تصميم العلاجات للمرضى الأفراد بناءً على الطفرات الجينية المحددة لديهم، ما يحسن النتائج العلاجية. وعلاوة على ذلك يمكن للأداة تسريع عملية مطابقة الأدوية الجديدة مع المرضى الأكثر احتمالاً للاستفادة منها.

ويخطط الباحثون للتحقق من صحة وظائف البروتينات المنتجة من خلال علاجات القراءة المستمرة، وضمان فاعليتها السريرية، بالإضافة إلى ذلك يهدفون إلى استكشاف استراتيجيات تكميلية يمكن أن تعزز فاعلية هذه العلاجات، خصوصاً في أمراض السرطان، حيث تلعب الطفرات غير المنطقية دوراً مهماً.

وأخيراً فإن هذه الدراسة لا تقدم طرقاً جديدة لعلاج الأمراض الوراثية فحسب، بل إنها تحمل أيضاً وعداً بتطوير علاجات السرطان من خلال استهداف الأسس الجينية للمرض بدقة أكبر.