متغير وراثي نادر مرتبط بانقطاع الطمث المبكر

يسبب حالة «قصور المبيض الأولي» ويقود إلى العقم

متغير وراثي نادر مرتبط بانقطاع الطمث المبكر
TT

متغير وراثي نادر مرتبط بانقطاع الطمث المبكر

متغير وراثي نادر مرتبط بانقطاع الطمث المبكر

اكتشفت دراسة رائدة، أجرتها جامعة آيسلندا، متغيراً وراثياً نادراً يزيد بشكل كبير من خطر «انقطاع الطمث المبكر» لدى النساء.

وراثة من الوالدين

ووجدت الدراسة أن النساء اللائي يرثن هذا المتغير من كلا الوالدين يحتمل أن يدخلن في مرحلة انقطاع الطمث قبل نحو 9 سنوات من المعدل المتوسط، مما يجعلهن أكثر عرضة للإصابة بـ«قصور المبيض الأولي»، وهو حالة يحدث فيها انقطاع الطمث قبل سن الأربعين.

وأظهرت الدراسة، التي نُشرت بمجلة «Nature Genetics» في 27 أغسطس (آب) 2024، برئاسة كاري ستيفانسون من كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة آيسلندا في ريكيافيك، أن النساء اللاتي لديهن نسختان من المتغير يعانين من انقطاع الطمث قبل نحو 9 سنوات من المتوسط.

متغير جيني نادر يسبب العقم

ويركز هذا الاكتشاف على متغير يُعرف باسم «rs117316434(A)» الذي يوجد في نحو واحدة من كل 10 آلاف امرأة من أصل شمال أوروبي. ومن بين أولئك اللاتي لديهن نسختان من المتغير، من المرجح أن يعاني أكثر من نصفهن من «قصور المبيض الأولي (primary ovarian insufficiency)»، وهو سبب مهم للعقم.

شيخوخة إنجابية مبكرة

سلط الباحثون الضوء على نقطتين رئيسيتين في الجدول الزمني للشيخوخة الإنجابية لدى الإناث؛ هما:

النقطة الأولى هي انخفاض الخصوبة الطبيعية قبل انقطاع الطمث، فالخصوبة الطبيعية للمرأة تنتهي عادة قبل نحو 10 سنوات من وصولها إلى انقطاع الطمث. وانقطاع الطمث هو النقطة التي تتوقف عندها فترات الحيض تماماً لدى المرأة، وعادة ما يكون ذلك في نحو سن الخمسين.

ومع ذلك، فإن القدرة على الحمل بشكل طبيعي تتراجع عادة في وقت أبكر بكثير في نحو سن الأربعين؛ لأن كمية ونوعية بويضات المرأة تتضاءل مع تقدمها في السن.

النقطة الثانية الأكثر تطرفاً من هذا الجدول الزمني الإنجابي، هي حالة تسمى «قصور المبيض الأولي» الذي يحدث عندما تتوقف مبايض المرأة عن العمل بشكل طبيعي قبل سن الأربعين، مما يؤدي إلى انقطاع الطمث المبكر.

وهذه الحالة نادرة نسبياً، وتحدث لدى نسبة من واحد إلى 4 في المائة من النساء، وقد تعاني النساء المصابات بـ«قصور المبيض الأولي» من فترات حيض غير منتظمة أو غائبة، وانخفاض الخصوبة، وأعراض أخرى مرتبطة بانقطاع الطمث في سن أصغر بكثير من المعتاد.

ومع سعي النساء بشكل مزداد إلى إنجاب الأطفال في وقت لاحق من الحياة؛ فإن «انقطاع الطمث المبكر» و«قصور المبيض الأولي» من الأسباب المهمة للعقم.

تحليل البيانات الجينية

ولذا هدفت هذه الدراسة إلى العثور على المتغيرات الجينية النادرة التي قد يكون لها تأثير كبير على فرص المرأة بـ«انقطاع الطمث المبكر»، عبر تحليل البيانات الجينية من 174 ألفاً و329 امرأة بعد انقطاع الطمث، من آيسلندا والدنمارك والمملكة المتحدة. وتركز النتائج على الدور المهم للعوامل الوراثية في تحديد توقيت انقطاع الطمث والتحديات المرتبطة بالخصوبة.

ويؤثر المتغير «rs117316434(A)» على جين يسمى «CCDC201»، وهو جين يظهر تأثيره بشكل كبير في خلايا البويضات والأنسجة التناسلية الأخرى مثل المبايض والمشيمة.

تأثيرات «انقطاع الطمث المبكر وراثياً»

وفحص الفريق التأثيرات الصحية لانقطاع الطمث المبكر أو المتأخر باستخدام نهج يختبر تأثير الاختلافات الجينية التي تحدث بشكل طبيعي، ووجدوا أن «انقطاع الطمث المبكر وراثياً» يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري من «النوع الثاني»، ويرتبط بحالة العظام السيئة وزيادة خطر الكسور، لكنه في الوقت نفسه يقلل من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، مثل سرطان المبيض وسرطان الثدي، التي من المعروف أنها حساسة للهرمونات الجنسية التي تكون بمستويات أعلى خلال فترة الحيض لدى المرأة.

الاتجاهات المستقبلية

يفتح هذا الاكتشاف آفاقاً جديدة للبحث في الأساس الجيني لـ«انقطاع الطمث المبكر» و«قصور المبيض الأولي»، كما يشير إلى إمكانية استخدام الفحص الجيني لمساعدة النساء في اتخاذ قرارات إنجابية أكثر وعياً.

ومع زيادة فهمنا لجين «CCDC201»، فقد تُطوَّر علاجات أو تدخلات موجهة لتقليل تأثير هذا المتغير على الخصوبة وتوقيت انقطاع الطمث.

ويمكن استخدام المعلومات الجينية التي جرى تحديدها في هذه الدراسة لتطوير أدوات تنبؤية لمساعدة النساء على التخطيط لمستقبلهن الإنجابي؛ نظراً إلى أن هذه الاختلافات الجينية موجودة منذ الولادة، فيمكن إجراء مثل هذه التنبؤات في وقت مبكر من الحياة.


مقالات ذات صلة

تقنية جينومية جديده لتتبع الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات

علوم الفحص المختبري للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

تقنية جينومية جديده لتتبع الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات

طور باحثون دوليون تقنية جينومية جديدة تتيح تتبع انتشار عدة جراثيم مقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات بشكل متزامن، ما قد يسهم في السيطرة أو حتى منع العدوى…

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم جهاز لاختبار وظائف الرئة

أبحاث علمية تشير إلى «وراثة» مرض الانسداد الرئوي المزمن

متغيرات جينية ترتبط بالمرض لها تأثير كبير على وظائف الرئة لدى الأطفال الصغار

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم «اختراقات علم الوراثة» لدراسة الرضّع... يمكن أن تغير حياة البشر

«اختراقات علم الوراثة» لدراسة الرضّع... يمكن أن تغير حياة البشر

لِفَهم وتحديد التأثيرات الجينية

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم تشخيص وراثي لأمراض نادرة جديدة بالذكاء الاصطناعي

تشخيص وراثي لأمراض نادرة جديدة بالذكاء الاصطناعي

يؤكد التطبيق الناجح لمشروع تسلسل الجينوم، خصوصاً في فحوصات الأطفال المبكرة، إمكانات الذكاء الاصطناعي في التشخيص والتدخل المبكر.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم الجينات المرتبطة بالتوتر والإجهاد قد تساهم في الإصابة بسرطان البروستاتا

الجينات المرتبطة بالتوتر والإجهاد قد تساهم في الإصابة بسرطان البروستاتا

دراسة جديدة حللت 105 جينات منها

د. وفا جاسم الرجب (لندن)

العوامل الوراثية الكامنة ودورها في الفوارق الصحية بين الأعراق

العوامل الوراثية الكامنة ودورها في الفوارق الصحية بين الأعراق
TT

العوامل الوراثية الكامنة ودورها في الفوارق الصحية بين الأعراق

العوامل الوراثية الكامنة ودورها في الفوارق الصحية بين الأعراق

تؤكد دراسة جديدة على الأهمية الحاسمة لدمج الخلفيات الجينية المتنوعة في البحث لفهم الفوارق الصحية بشكل أفضل وتطوير الطب الدقيق. وتسلط النتائج التي توصل إليها «برنامج المليون محارب قديم» الضوء على أوجه التشابه والاختلافات الجينية الفريدة بين المجموعات السكانية المختلفة، ما يمهد الطريق لتدخلات رعاية صحية أكثر شمولاً وفاعلية.

متغيرات جينية لحالات صحية

قامت الدراسة بتحليل البيانات الجينية لـ635969 من المحاربين القدامى و2069 سمة (أو ميزة). وحددت إجمالي 26049 ارتباطاً بين متغيرات جينية محددة وسمات أو حالات صحية مختلفة. وكشفت الدراسة عن أهمية تضمين الخلفيات الجينية المتنوعة في فهم الفوارق الصحية وتعزيز الطب الدقيق، إذ ركزت غالبية الدراسات الوراثية السابقة على الأشخاص المتحدرين من أصل أوروبي مما يحد من فهم كيفية تأثير الجينات على الصحة لدى المجموعات السكانية الأخرى.

التمثيل المتنوع

الدراسة المنشورة في مجلة «ساينس Science» في 18 يوليو (تموز) 2024 هي دراسة للمحاربين القدامى في الولايات المتحدة حيث كان أكثر من 29 بالمائة من المشاركين من أصول غير أوروبية. وحدد الباحثون 13672 منطقة محددة في الحامض النووي (دي إن إيه) DNA ترتبط بواحدة أو أكثر من السمات مثل الخصائص الجسدية أو الظروف الصحية إذ يمكن لهذه المناطق المعروفة باسم مناطق الخطر الجيني genetic risk areas أن تؤثر على احتمالية إصابة الشخص بسمات معينة أو الإصابة بأمراض معينة.

والسمة هي خاصية معينة يمكن أن تنتج نوعاً معيناً من السلوك وهي أيضاً إحدى خصائص الكائن الحي التي تنتقل من الوالدين إلى الطفل.

وقال المؤلف المشارك بالدراسة سكوت دامرور دكتوراه في الطب أستاذ مشارك في علم الوراثة وجراح الأوعية الدموية في جامعة بنسلفانيا الولايات المتحدة إن فهم العوامل الوراثية الكامنة وراء التفاوتات الصحية أمر بالغ الأهمية لتطوير التدخلات والعلاجات المستهدفة التي يمكن أن تفيد جميع الناس بغض النظر عن خلفيتهم. ومن خلال الكشف عن هذه الرؤى الجينية عبر مجموعات سكانية متنوعة فإننا نتخذ خطوات مهمة نحو نهج أكثر تخصيصاً وشمولاً للرعاية الصحية.

رؤى خاصة بالسكان

على وجه التحديد اكتشفت الدراسة إشارات خاصة بالسكان مثل متغير rs72725854 في موضع PCAT2 المرتبط بخطر الإصابة بسرطان البروستاتا والذي لوحظ في الغالب لدى الرجال الأميركيين من أصل أفريقي. وكشفت أيضاً عن متغير جديد لخطر النقرس rs35965584 في مجموعة السكان الأميركيين من أصل أفريقي إلى جانب المتغير المعروف rs2231142 حيث أكدت على التدخلات المستهدفة وعلاج المتغيرات الوراثية المرتبطة بالأمراض الأيضية مثل النقرس gout (والنقرس أو ما يعرف أيضاً بداء الملوك هو مرض روماتيزمي يسبب ألماً في المفاصل ويرتبط ارتباطاً مباشراً بتركيز حامض اليوريك بالدم الناتج عن تحلل البروتينات في الجسم ويتم التخلص من الزائد منه في الدم عن طريق طرحه بالبول بشكل طبيعي وينقسم النقرس إلى نوعين النوع الأول يعود إلى اضطراب أيضي وراثي تتناقله العائلة أما النوع الثاني فينتج بسبب زيادة حامض اليوريك في الجسم أو عدم قدرة الكلية على طرحه).

وأظهرت الدراسة الجديدة أن الوراثة لمعظم السمات متشابهة بين مجموعات من الأشخاص المتنوعين ولكن بعض المجموعات لها سماتها الوراثية المميزة فقد تمكنوا من العثور على هذه الاختلافات بدقة أكبر خاصة في مجموعات الأميركيين من أصل أفريقي والمجموعات ذات الأصول المختلطة وذلك بفضل التحسينات في كيفية تحليل الحامض النووي (دي إن إيه) مثل رسم الخرائط الدقيقة والذي يسمح للباحثين بتحديد التغيرات الجينية الدقيقة المسؤولة عن سمة أو حالة معينة وتسلط النتائج الضوء على أهمية تضمين الخلفيات الجينية المتنوعة في فهم الأسباب الوراثية للفوارق الصحية.

وقال المؤلف الأول للدراسة أنوراغ فيرما دكتوراه وأستاذ مساعد في الطب وعلم الوراثة البشرية وباحث في جامعة بنسلفانيا إن نتائج الفريق تظهر أوجه تشابه أكثر من الاختلافات في الارتباطات الجينية بين المجموعات ومع ذلك فإن الاختلافات الجينية الفريدة التي تم تحديدها في مجموعات سكانية متنوعة توفر رؤى حاسمة حول التفاوتات الصحية ولها آثار كبيرة على الطب الدقيق ومعالجة الفوارق الصحية من خلال دمج النتائج الجينية في استراتيجيات الصحة العامة والممارسات السريرية وإعطاء الأولوية للأبحاث التي تفيد المحاربين القدامى وأسرهم.

الاختلافات الحينية والاستجابة للدواء

وتسلط دراسة جديدة أخرى الضوء على الاختلافات الجينية الكبيرة بين سكان الأمازون وسكان الأنديز والتي تؤثر على الاستجابات الدوائية مع آثار عميقة مثل تلك الموجودة بين الأوروبيين وشرق آسيا. وتؤكد النتائج على أهمية الاعتراف بالتنوع الجيني ودمجه في الطب الدقيق حيث تؤثر هذه الاختلافات على فاعلية الدواء وآثاره الجانبية. وقد قام الباحثون بتحليل التنوع الجيني لـ294 فرداً من 17 مجموعة من السكان الأصليين في بيرو في منطقتي الأنديز والأمازون ووجدوا أن بعض الاختلافات الجينية تجعل سكان الأمازون والأنديز يستجيبون للدواء بشكل مختلف.

وقد تمت المبالغة في تبسيط حالات السكان الأميركيين الأصليين باعتبارهم متجانسين وراثياً لكن هذه الدراسة تكشف عن اختلافات معقدة تشكلها البيئة والتاريخ والثقافة حيث وجد الباحثون في هذه الدراسة المنشورة في مجلة «Cell» في 8 أغسطس (آب) 2024 أن سكان الأمازون والأنديز يستجيبون بشكل مختلف لأدوية مثل رسيوفاستاتين rosuvastatin الذي يوصف غالباً لخفض مستويات الكوليسترول ومنع أمراض القلب والأوعية الدموية ولكنه يزيد أيضاً من مخاطر الآثار الجانبية. ودواء الوارفارين warfarin (وهو دواء يعالج جلطات الدم وتعتبر الجرعة هي المفتاح فالقليل جداً من الوارفارين يجعل العلاج غير فعال في حين أن الكثير منه يمكن أن يعرض المرضى لخطر النزيف الشديد)، بسبب المتغيرات الجينية المحددة، على سبيل المثال يحتاج 16 بالمائة من سكان الأمازون إلى جرعة أقل من عقار رسيوفاستاتين لتجنب الآثار الجانبية مقارنة بـ2 بالمائة فقط من سكان الأنديز وعلى نحو مماثل يحتاج 93 بالمائة من سكان الأمازون إلى جرعة مخفضة من الوارفارين مقارنة بنحو 69 بالمائة من سكان الأنديز.

ويضيف إدواردو تارازونا سانتوس المؤلف الرئيسي للدراسة قسم علم الوراثة والبيئة والتطور الجامعة الفيدرالية في ميناس جيرايس البرازيل أن هذه الاختلافات الجينية التي تؤثر على علم الصيدلة والتي لوحظت في جبال الأنديز والأمازون هي أكبر من تلك التي شوهدت بين الأوروبيين والآسيويين. وتؤكد هذه النتائج على الحاجة إلى أبحاث الجينوم الشاملة التي تعكس التنوع العالمي لضمان نتائج الرعاية الصحية العادلة وعلى أهمية إشراك المجموعات العرقية المتنوعة في البحث لتعزيز الثقة والشفافية.