هل يمكن الوثوق في الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

أداة قوية لتسريع الأعمال الإبداعية

هل يمكن الوثوق في الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
TT

هل يمكن الوثوق في الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

هل يمكن الوثوق في الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

«في رأيي، إن بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تركز على الثقة هو ربما أهم ما يمكن الحديث عنه اليوم في سياق تطوير التكنولوجيا وتأثيراتها» تقول السيدة صاني ويب، رائدة منتجات متمرسة تجمع بين الابتكار التقني والدراية التجارية، التي أقدمها اليوم للقراء.

قادت صاني وأطلقت أكثر من 50 منتجاً عالمياً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي، وطورّت منتجات تقنية معقدة أخرى مع أكبر وأعرق المؤسسات العالمية، بما في ذلك «أبل»، و«أكسنتشور»، و«ديزني»، و«فيليبس هيلثكير» و«مايكروسوفت»، وغيرها. وهي عضو في منتدى «أوبن إيه آي».

قيادة وابتكار

> أخبريني عن بعض أبرز إنجازاتك المهنية.

- نشأتُ مهندسة برمجيات بينما كان العالم يكتشف ماذا يفعل بالإنترنت؛ لذا كانت لديّ مسيرة مهنية غير خطية.

عملت في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي طوال مسيرتي المهنية. أنا متحمسة للغاية للتطبيقات الأوسع للذكاء الاصطناعي التي تزيل المهام المملة من الحياة والعمل. بدأت للتو العمل مع شركة سرية تطبق التعلم الآلي لضغط بيانات مراقبة البنية التحتية السحابية. على مدار العام الماضي، كنت أبحث أيضاً في كيفية تصميم وبناء الذكاء الاصطناعي التوليدي ليكون جديراً بالثقة.

في رأيي، إن بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تركز على الثقة هو ربما أهم ما يمكن الحديث عنه اليوم في سياق التكنولوجيا والتأثير.

> هل يمكنك التوسع بالحديث عن بناء الذكاء الاصطناعي التوليدي من أجل الثقة؟ هل هذا ممكن؟

- الذكاء الاصطناعي التوليدي هو أداة قوية لتسريع حالات الاستخدام الإبداعية. بالنسبة للفرد، بدلاً من انتظار زميل لمراجعة خطاب، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي طرح اقتراحات مفيدة في ثوانٍ. بالنسبة للمؤسسة، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي تلخيص كميات هائلة من ملاحظات العملاء، والرد عليها برسالة مناسبة.

الثقة في عالم «التزييف العميق»

عادة ما تخلق أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي أنواع بيانات متعددة الوسائط، بما في ذلك النصوص والصور والفيديو. وفي الوقت الذي تعصف فيه «التزييفات العميقة» بمنصات التواصل الاجتماعي، فإن القدرة على الوثوق بأن الصورة أو الفيديو أصلي أمر مهم لمستهلك المحتوى. وهذا مهم بصفة خاصة خلال عام الانتخابات في الولايات المتحدة.

ترأستُ مؤخراً مشروعاً بحثياً يُركز على فهم مخاوف المستخدمين بشأن الوثوق في الذكاء الاصطناعي التوليدي.

الحل الأول الذي اعتقد مستخدمو الذكاء الاصطناعي التوليدي أنه سيساعدهم على الوثوق بالمخرجات بصورة أكبر هو إخطارهم عند مشاركة معلومات حساسة، والسماح لهم باختيار المعلومات التي يمكن لأداة الذكاء الاصطناعي التوليدي تخزينها.

يتوافق هذا مع ما سمعته أخيراً في مناسبة عامة من ميرا موراتي، مديرة التكنولوجيا في شركة «أوبن إيه آي»، عندما سُئلت عما إذا كان وجود علامة مائية على صورة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي التوليدي يوفر ثقة كافية للمستخدمين. أوضحت موراتي أن «أوبن إيه آي» كانت تدرس طريقة لتمكين البشر من تحديد مكونات ما أسمته «الصور الهجينة».

والصور الهجينة حقيقية جزئياً وصناعية جزئياً. تخيل صورة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي التوليدي لدولي بارتون على المريخ، مع تسمية المريخ بأنه اصطناعي ودولي بأنها أصيلة. سوف يؤدي ذلك إلى بناء الثقة لأنه يُقيم نوعاً من الحوكمة كي يثق المستخدمون بمقطع فيديو/صورة. أعتقد أن هذا النوع من المعلومات الشفافة هو أحد النُهُج لبناء الثقة مع المستخدمين. سيكون النهج الآخر هو التخلص من تصميمات الواجهة الملموسة التي تمنع المستخدمين من مشاركة المعلومات الحساسة، أو السماح لهم بتحديد البيانات المخزنة.

موثوقية الذكاء التوليدي

> إذن، هل يمكننا الوثوق بالذكاء الاصطناعي التوليدي اليوم؟

- نحن نقترب من ذلك. أشجّع أصدقائي وعائلتي على الاطلاع على سياسات خصوصية الذكاء الاصطناعي التوليدي، وبيانات الهلوسة لأي من منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي يستخدمونها. ومن السهل العثور عليها على موقع الويب الخاص بمورد الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ريادة «أبل»

تُعدّ شركة «أبل» من الأمثلة الجيدة لشركة نجحت في بناء الثقة في منتجاتها. كنت متحمسة لرؤية الإعلان الكبير لشركة «أبل» في المؤتمر العالمي للمطورين (WWDC) في يونيو (حزيران) الماضي. وفي هذا الخريف، سوف تطلق الشركة منتج «أبل إنتلچينس»، الذي يدمج الذكاء الاصطناعي التوليدي على أجهزة «آيفون»، و«آيباد»، و«ماك» للمستخدمين للمساعدة في الكتابة. لفت الإعلان الكثير من الانتباه لأن الذكاء الاصطناعي سيعالج البيانات داخل الأجهزة، بدلاً من المعالجة السحابية.

عندما عملت مع «أبل» أثناء وجودي في شركة «أكسنتشور»، حصلت على نظرة من وراء الكواليس حول كيفية عملها. يبدأ كل قرار تجاري وتقني في «أبل» من حماية خصوصية المستخدم - من دون مساومات أو أسئلة.

على سبيل المثال، في وقت ما صُمم المساعد «سيري - Siri» لعدم الوصول إلى عمليات البحث السابقة للمستخدم على خرائط «أبل». رغم أن ذلك يجعل «سيري - Siri» أكثر ارتباكاً بعض الشيء، فإن المستخدمين يعرفون أنه عند اختيار منتج من منتجات «أبل»، يمكنهم الوثوق بأن بياناتهم وسلوكياتهم لن يتم نقلها إلى تطبيق آخر لتحقيق الأرباح. لذا؛ فإن هذا الإعلان الجديد عن «أبل إنتلچينس» يُعدّ أمراً جللاً بالنسبة إلى مجتمع الذكاء الاصطناعي التوليدي، وأنا متحمسة لرؤية كيف يحرك محادثة الثقة إلى الأمام.

تحديات الذكاء الاصطناعي

> ما هي بعض التحديات التي يواجهها الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

- إلى جانب الثقة؟ زيادة سرعة المعالجة متعددة الوسائط، مع تصفية الهلوسات أو الأخطاء. والتخلي عن السمعة السيئة له بانه يسعى لاستبدال البشر.

> لماذا نتحدث عن استبدال الذكاء الاصطناعي للبشر؟

- يُدرك قادة شركات التكنولوجيا أنه توجد طريقتان للفوز في هذا المجال الجديد: سرعة التطوير وتجميع القدرات. لسوء الحظ، يتم أحياناً تجميع القدرات من خلال نشر الخوف، ولعب بعض كبار المديرين التنفيذيين لعبة الاستيلاء على السلطة من خلال نشر الأساطير حول مدى الدمار الذي يمكن أن يسببه الذكاء الاصطناعي على البشرية.

بصراحة، يذكرني هذا باختراع الإنترنت. لم يستطع أحد التنبؤ بمدى قوتها، لكن الجميع أدرك أنها كانت قفزة كبيرة للأمام في مجال مشاركة المعلومات. وبالمثل، قبل انفجار فقاعة «دوت كوم»، كان هناك حوار سخيف شامل حول كيف يمكن لغرف الدردشة تدمير النسيج الاجتماعي للبشرية.

في كل مرة أقوم بتسجيل الدخول إلى دردشة المراسلة «آي سي كيو - ICQ» (تطبيق مراسلة هاتفي)، يسألني عقلي الباطن عما إذا كنت أوافق على تدمير الأعراف الاجتماعية. ولكن هل فكّك «آي سي كيو - ICQ» حفلات أعياد الميلاد أو جدول أعمال المؤتمرات الصناعية؟ كلا، على الإطلاق. بالطريقة نفسها، لن يحل الذكاء الاصطناعي التوليدي محل البشر، وإنما سوف يفتح سبلاً لنكون أكثر إنسانية لا يمكننا تصورها من موقفنا الحالي.

* مؤسسة ورئيسة والمديرة التنفيذية لمنظمة «التحالف النسائي الاستثنائي»

- مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»



جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages
TT

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages

أثار التغيير الأخير في إرشادات البحث الصحي الوطنية بجنوب أفريقيا الذي صدر في مايو (أيار) 2024 موجة من الجدل الأخلاقي، إذ يبدو أنه يفتح الطريق أمام استخدام تقنية تحرير الجينوم لإنجاب أطفال معدلين وراثياً مما يجعل جنوب أفريقيا أول دولة تتبنى هذ ا التوجه بشكل علني.

القصّ الجيني

ويعود السبب في الخلاف الحاد حول تحرير الجينوم البشري الوراثي (الفصّ الجيني) إلى تأثيراته الاجتماعية وإمكانياته المتعلقة بالانتقاء الجيني، ويعدُّ هذا التوجه مثيراً للاستغراب نظراً للمخاطر العالية التي تحيط بهذه التقنية.

وقد لفتت الانتباه إلى أن جنوب أفريقيا بصدد تسهيل هذا النوع من الأبحاث، كما ذكرت كاتي هاسون المديرة المساعدة في مركز علم الوراثة والمجتمع المشاركة في تأليف مقالة نشرت في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مجلة The Conversation.

وكان عام 2018 شهد قضية عالم صيني قام بتعديل جينات أطفال باستخدام تقنية «كريسبر» CRISPR لحمايتهم من فيروس نقص المناعة البشرية، مما أثار استنكاراً عالمياً وانتقادات من العلماء والمجتمع الدولي الذين رأوا أن هذا الاستخدام غير مبرر. وانتقد البعض سرية الطريقة، في حين شدد آخرون على ضرورة توفير رقابة عامة صارمة حول هذه التقنية ذات الأثر الاجتماعي الكبير.

معايير جديدة

ومع ذلك يبدو أن جنوب أفريقيا قد عدلت توجيهاتها للأبحاث في الصحة لتشمل معايير محددة لأبحاث تحرير الجينوم الوراثي لكنها تفتقر إلى قواعد صارمة تتعلق بالموافقة المجتمعية رغم أن التوجيهات تنص على ضرورة تبرير البحث من الناحية العلمية والطبية مع وضع ضوابط أخلاقية صارمة وضمان السلامة والفعالية. إلا أن هذه المعايير ما زالت أقل تشدداً من توصيات منظمة الصحة العالمية.

* التوافق مع القانون. وتأتي هذه الخطوة وسط انقسام في القانون بجنوب أفريقيا حيث يحظر قانون الصحة الوطني لعام 2004 التلاعب بالمواد الوراثية في الأجنة لأغراض الاستنساخ البشري. ورغم أن القانون لا يذكر تقنيات تعديل الجينات الحديثة مثل «كريسبر» فإن نصوصه تشمل منع تعديل المادة الوراثية البشرية ما يُلقي بتساؤلات حول التوافق بين القانون والتوجيهات الأخلاقية.

* المخاوف الأخلاقية. ويثير هذا التطور مخاوف واسعة بما في ذلك تأثيرات تقنية كريسبر على النساء والآباء المستقبليين والأطفال والمجتمع والنظام الجيني البشري ككل. وأثيرت تساؤلات حول إمكانية أن تكون جنوب أفريقيا مهيأة لاستقطاب «سياحة علمية»، حيث قد تنجذب مختبرات علمية من دول أخرى للاستفادة من قوانينها الميسرة.

استخدام تقنية «كريسبر»

وفي سابقة هي الأولى من نوعها في العالم وافقت الجهات التنظيمية الطبية في المملكة المتحدة العام الماضي على علاج جيني لاضطرابين في الدم.

ويعد علاج مرض «فقر الدم المنجلي» و«بيتا ثلاسيميا» أول علاج يتم ترخيصه باستخدام أداة تحرير الجينات المعروفة باسم كريسبر. ويعد هذا تقدماً ثورياً لعلاج حالتين وراثيتين في الدم وكلاهما ناتج عن أخطاء في جين الهيموغلوبين، حيث ينتج الأشخاص المصابون بمرض فقر الدم المنجلي خلايا دم حمراء ذات شكل غير عادي يمكن أن تسبب مشكلات لأنها لا تعيش طويلاً مثل خلايا الدم السليمة، ويمكن أن تسد الأوعية الدموية مما يسبب الألم والالتهابات التي تهدد الحياة.

وفي حالة المصابين ببيتا ثلاسيميا فإنهم لا ينتجون ما يكفي من الهيموغلوبين الذي تستخدمه خلايا الدم الحمراء لحمل الأكسجين في جميع أنحاء الجسم، وغالباً ما يحتاج مرضى بيتا ثلاسيميا إلى نقل دم كل بضعة أسابيع طوال حياتهم

علاج واعد لاضطرابات الدم

الموافقة عليه أخيراً في المملكة المتحدة على تحرير الجينات باستخدام طريقة مطورة من تقنية «كريسبر - كاس 9» CRISPR - Cas 9 لعلاج مرض فقر الدم المنجلي ومرض بيتا ثلاسيميا، من خلال تعديل الحمض النووي «دي إن إيه» بدقة حيث يتم أخذ الخلايا الجذعية من نخاع العظم وهي الخلايا المكونة للدم في الجسم من دم المريض.

ويتم تحرير الجينات باستخدام مقصات «كريسبر» الجزيئية بإجراء قطع دقيقة في الحمض النووي لهذه الخلايا المستخرجة واستهداف الجين المعيب المسؤول عن إنتاج الهيموغلوبين المعيب. ويؤدي هذا إلى تعطيل «الجين - المشكلة» وإزالة مصدر الاضطراب بشكل فعال ثم يعاد إدخال الخلايا المعدلة إلى مجرى دم المريض. ومع اندماج هذه الخلايا الجذعية المعدلة في نخاع العظم تبدأ في إنتاج خلايا الدم الحمراء الصحية القادرة على العمل بشكل طبيعي حيث يصبح الجسم الآن قادراً على توليد الهيموغلوبين المناسب.

وقد أظهرت هذه العملية نتائج واعدة في التجارب السريرية فقد تم تخفيف الألم الشديد لدى جميع مرضى فقر الدم المنجلي تقريباً (28 من 29 مريضاً) ولم يعد 93 في المائة من مرضى ثلاسيميا بيتا (39 من 42 مريضاً) بحاجة إلى نقل الدم لمدة عام على الأقل. ويشعر الخبراء بالتفاؤل بأن هذا قد يوفرعلاجاً طويل الأمد وربما مدى الحياة.

ويقود البروفسور جوسو دي لا فوينتي من مؤسسة إمبريال كوليدج للرعاية الصحية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، التجارب في المملكة المتحدة لهذا العلاج لكل من البالغين والأطفال، ويصفه بأنه اختراق تحويلي مع وجود نحو 15 ألف شخص في المملكة المتحدة مصابين بمرض فقر الدم المنجلي ونحو ألف مصابين بالثلاسيميا، إذ يمكن أن يحسن «كاسجيفي» نوعية الحياة بشكل كبير، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يواجهون نطاق علاج محدود.

وتُعد «كريسبر - كاس 9» واحدة من الابتكارات الرائدة التي أحدثت تحولاً في الأبحاث الطبية والأدوية رغم أن استخدامها يثير جدلاً أخلاقياً، نظراً لاحتمالية تأثير تعديل الجينات على الأجيال المقبلة. وقد مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020 لجنيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه لمساهمتهما الأساسية في اكتشاف طريقة فعالة لتحرير الجينات، أي التدخل الدقيق الذي يسمح بإدخال التعديلات المطلوبة داخل الحمض النووي بطريقة بسيطة بكفاءة وسريعة واقتصادية.