الاختبارات الجينية... هل من الضروري إجراؤها لمرضى الكلى المزمن؟

اختبار الدم يساعد في اكتشاف إصابة الكلى الحادة (جامعة روكفلر)
اختبار الدم يساعد في اكتشاف إصابة الكلى الحادة (جامعة روكفلر)
TT

الاختبارات الجينية... هل من الضروري إجراؤها لمرضى الكلى المزمن؟

اختبار الدم يساعد في اكتشاف إصابة الكلى الحادة (جامعة روكفلر)
اختبار الدم يساعد في اكتشاف إصابة الكلى الحادة (جامعة روكفلر)

شددت مجموعة العمل، التي شكّلتها «المؤسسة الوطنية للكلى» في الولايات المتحدة، على أهمية الاختبارات الجينية في إدارة أمراض الكلى وتشخيصها، وتهدف توصيات المجموعة إلى تعزيز فهم مجتمع أمراض الكلى وتطبيق الاختبارات الجينية.

وتشمل الإجراءات الرئيسية التي حُدّدت، بناءَ فرق رعاية متخصصة في أمراض الكلى، وزيادة الوعي بين مقدمي الرعاية الصحية والمرضى والأسر، وتحسين التعليم بشأن الاختبارات الجينية. وينبغي أن يغطي هذا التعليم المجالات الرئيسية، مثل تحديد المرشحين للاختبار؛ لمعرفة من ومتى ولماذا يجري اختبار المريض أو أفراد الأسرة، وطريقة الاختبار التي سيجري استخدامها، وتفسير وعرض نتائج الاختبار بالتعاون مع المستشارين الوراثيين.

وقد نُشرت الدراسة في المجلة الأميركية لأمراض الكلى «American Journal of Kidney Diseases» في 19 يوليو (تموز) 2024، برئاسة الدكتور علي غرافي، رئيس قسم الطب في كلية «فاجيلوس» للأطباء والجراحين بجامعة كولومبيا، ومشاركة الدكتورة نورا فرانشيسكيني، أستاذة علم الأوبئة في جامعة نورث كارولاينا بالولايات المتحدة، وآخرين.

الاختبارات الجينية في مرض الكلى المزمن

يؤثر مرض الكلى المزمن فيما يقرب من 37 مليون فرد في الولايات المتحدة، وتُسهم العوامل الوراثية في 10 إلى 20 في المائة من حالات البالغين، وما يصل إلى 70 في المائة عند الأطفال، وعلى الرغم من هذا المكون الجيني المهم فإن الاختبارات الجينية في أمراض الكلى ليست شائعة جداً مقارنة بالاختبارات الجينية في المجالات الطبية الأخرى، بما في ذلك السرطان وطب الأطفال (اضطرابات النمو)، والتوليد (اختبارات ما قبل الولادة). ولمعالجة هذه الفجوة شكّلت «مؤسسة الكلى الوطنية» فريق عمل، لوضع توصيات لدمج الاختبارات الجينية في تشخيص مرض الكلى المزمن وإدارته.

أمراض السكري والكلى والقلب تتداخل إلى حد كبير (رويترز)

فوائد الاختبارات الجينية في تعديل العلاج

يمكن للاختبارات الجينية أن توضح السبب الكامن وراء أمراض الكلى، خصوصاً في الحالات التي تفشل فيها التقييمات السريرية التقليدية، على سبيل المثال فقد أظهرت الدراسة الجديدة أن الاختبارات الجينية يمكن أن تحدّد السبب النهائي فيما يقرب من 10 في المائة من الحالات، وتعيد تصنيف التشخيص في 20 في المائة من المرضى الذين يعانون من حالة وراثية محددة؛ إذ إن التشخيص الجيني يمكن أن يؤدي إلى تغييرات كبيرة في الإدارة السريرية.

ففي بعض الحالات قد يؤدي تحديد الاضطراب الوراثي إلى تجنّب استخدام العلاجات غير الضرورية، مثل العلاجات المثبطة للمناعة، بالإضافة إلى ذلك بالنسبة إلى بعض الحالات الوراثية، مثل: مرض «فابري» Fabry disease، ويُعرف أيضاً باسم مرض «أندرسون فابري»، وهو مرض وراثي نادر يمكن أن يؤثر في أجزاء كثيرة من الجسم، بما في ذلك الكلى والقلب والدماغ والجلد، ويُشخّص أحياناً باستخدام اختبار الدم الذي يقيس نشاط الإنزيم المسمى «ألفا غالاكتوزيداز» alpha - galactosidase لدى الشخص المصاب، لكن غالباً ما تُستخدم الاختبارات الجينية أيضاً في بعض الأحيان خصوصاً عند الإناث.

مَن يستفيد أكثر من الاختبارات الجينية؟

يمكن أن يؤدي تحديد الأساس الجيني لمرض الكلى المزمن إلى فحص أفراد الأسرة المعرّضين للخطر؛ ما يتيح التدخل المبكر واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المتبرعين المحتملين بالكلى، إذ تُعد الاختبارات الجينية ذات قيمة خاصة بالنسبة إلى المرضى الذين يعانون من أنواع معينة من أمراض الكلى مثل: «مرض الكلى الكيسي» cystic kidney disease (الذي يحدث عندما تتطوّر لدى كليتي الشخص أكياس مملوءة بالسوائل مع مرور الوقت)، أو «المتلازمة الكلوية» nephrotic syndrome (وهي مجموعة من الأعراض بسبب تلف الكلى، وهذا يشمل البروتين في البول وانخفاض مستويات الألبومين في الدم، وارتفاع نسبة الدهون في الدم، وتورّم الأرجل والقدمين)، والأفراد الذين يعانون من مرض الكلى في وقت مبكر، ومن لديهم تاريخ عائلي للإصابة بمرض الكلى المزمن، والمرضى الذين يعانون من اختلالات وظيفية متعددة في الأعضاء.

رسم توضيحي ثلاثي الأبعاد للكلى (بابليك دومين)

وقد يكون عائد تشخيص الاختبارات الجينية في هذه المجموعات أعلى بصفة ملحوظة، إذ يجري تحديد السبب في 15 إلى 20 في المائة من الحالات التي تكون فيها المسببات غير واضحة، من خلال الفحوصات السريرية القياسية.

وحسب قسم دراسات الجينوم السريرية في «مايو كلينك»، في نشرة 23 مارس (آذار) 2023، يقول اختصاصيو الطب الوراثي ومُستشارو الأمراض الوراثية إنه وعلى الرغم من إمكانية تقديم الاختبارات الجينية معلومات مهمة لتشخيص الاضطراب وعلاجه والوقاية منه، فإن هناك حدوداً. على سبيل المثال إذا كنت شخصاً يتمتع بصحة جيدة فإن النتيجة الإيجابية الناتجة عن الاختبارات الجينية لا تعني دائماً أنك ستُصاب بمرض.

على الجانب الآخر في بعض الحالات لا تضمن النتيجة السلبية عدم إصابتك باضطراب معين. وتُعد أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم والسمنة من عوامل الخطر الرئيسية، ومرض السكري وفرط ضغط الدم هما السببان الرئيسيان لأمراض الكلى المزمنة في جميع أنحاء العالم وفي معظم الدول العربية، وتشمل عوامل الخطر الأخرى التدخين وأمراض القلب والتاريخ العائلي للمرض والشيخوخة وبنية الكلى غير الطبيعية، كما يمكن أن يتسبّب التدخين في تلف الكلى وتفاقم تلفها.

متغيرات «APOL1» والمرضى الأميركيون من أصل أفريقي

ترتبط المتغيرات الجينية «APOL1» السائدة بين الأفراد المتحدرين من أصل أفريقي بزيادة خطر الإصابة بمرض الكلى المزمن، ومع ذلك وعلى الرغم من وجودها فيما يقرب من 13 في المائة من الأميركيين من أصل أفريقي، فإن أقلية فقط يُصابون بأمراض الكلى، وبالتالي لا يُوصى حالياً بإجراء اختبار روتيني لمتغيرات «APOL1» في غياب أعراض مرض الكلى المزمن.

فقد سلّطت دراسة نُشرت في مجلة «نتشر» (Nature Scientific Reports) في 14 فبراير (شباط) 2024، بمشاركة بريان ياسبان من قسم علم الوراثة البشرية، وسوزي سكيلز من قسم اكتشاف المناعة، وآخرين من جامعة جنوب سان فرنسيسكو في الولايات المتحدة الأميركية، الضوء على أهمية الخلفية الوراثية في التعبير عن الأنماط الظاهرية للمرض.

وتشير الدراسة إلى أن التعبير السطحي لمتغيرات «APOL1» أمر بالغ الأهمية لأمراضها في خلايا الكلى. كما توفر هذه النتائج نظرة ثاقبة للآليات الكامنة وراء مرض الكلى بوساطة «APOL1»، ويمكن أن تفيد الاستراتيجيات العلاجية المستقبلية.

الاتجاهات المستقبلية وتوعية المريض

مع تقدّم تقنيات الاختبارات الجينية قد تصبح معياراً في التقييم الأولي لأمراض الكلى؛ ما يوفّر التنميط الجيني الروتيني، إذ يجب إعلام المرضى الذين يعانون من مرض الكلى المزمن وعائلاتهم بالطبيعة الوراثية للمرض، ومدى توفر الاختبارات الجينية، ويجري تشجيعهم على مناقشة هذه الخيارات مع مقدمي الرعاية الصحية لديهم؛ للاستفادة من التشخيص المبكر وخطط العلاج المخصصة.

وتوفّر الاختبارات الجينية في مرض الكلى المزمن إمكانات كبيرة لتحسين التشخيص والعلاج ونتائج المرضى، وتهدف المبادئ التوجيهية التي وضعها الخبراء إلى مساعدة أطباء الكلى على دمج هذه الأداة في الممارسة السريرية، ما يضمن حصول المرضى الذين سيستفيدون أكثر من الرؤى الجينية على الاختبارات والرعاية المناسبة.


مقالات ذات صلة

السيطرة على السكر تُجنّبكم الخرف

يوميات الشرق فحص لقياس نسبة السكر في الدم (رويترز)

السيطرة على السكر تُجنّبكم الخرف

أظهرت دراسة أميركية أنّ ثمة طريقة يمكنها أن تحمي مرضى السكري من الإصابة بالخرف؛ خصوصاً بين كبار السنّ... فماذا في التفاصيل؟

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك علبة من دواء أوزمبيك (رويترز)

تؤدي إلى دخول المستشفى... عمليات احتيال «خطيرة» بطلها «أوزمبيك»

بهدف خسارة الوزن، قد يخسر العديد من الأشخاص المال أو ينتهي بهم الأمر في المستشفى.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فقدان حجم الدماغ علامة شائعة للمرض (جامعة إمبريال كوليدج لندن)

دواء للسكري يُبطئ تطوُّر ألزهايمر

أفادت دراسة بريطانية بأنّ دواء يُستخدم لعلاج السكري من النوع الثاني والسمنة، قد يُبطئ تطوُّر مرض ألزهايمر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك السعال المزمن قد يؤدّي إلى صعوبة العمل (جامعة يوتا)

السعال المزمن قد يكون وراثياً

أظهرت دراسة أجراها باحثون من جامعة «أوبسالا» في السويد أنّ السعال المزمن قد يكون ظاهرة وراثية... إليكم التفاصيل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك التهاب الدماغ الفيروسي يتسبب في حمى شديدة ويؤثر في كثير من الحالات على الدماغ (رويترز)

بشهر واحد... التهاب الدماغ الفيروسي يقتل 56 شخصاً في الهند

تسبب التهاب الدماغ الفيروسي في وفاة 56 شخصا على الأقل في ولاية جوجارات في غرب الهند ما دفع السلطات لتكثيف المراقبة للمرض الناجم عن عدوى فيروسية.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

«فريند» قلادة ذكية تستمع دوماً... أفضل صديق لك

«فريند» قلادة ذكية تستمع دوماً... أفضل صديق لك
TT

«فريند» قلادة ذكية تستمع دوماً... أفضل صديق لك

«فريند» قلادة ذكية تستمع دوماً... أفضل صديق لك

كان آفي شيفمان، المختص بتطوير التكنولوجيا، بحاجة إلى صديق عند شعوره بالعزلة أثناء ترحاله لوحده في اليابان. وكان منغمساً في عملية بناء «تاب»، وهو نوع جديد من الأجهزة التقنية القابلة للارتداء التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لإجراء محادثات معرفية، وشخصية أيضاً، مع مرتديها. وأثناء السفر، تحول مشروعه من روح العصر المتشبعة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى حالة عاطفية أكثر غموضاً... «لقد أردت أن يكون هناك شخص معي حقاً أثناء سفري»، كما يقول شيفمان.

«فريند» جهاز حوسبة شخصي

وهكذا تحول «تاب» Tab، الذي أُعلن عنه لأول مرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وبدعم تمويلي قدره 1.9 مليون دولار، إلى «فريند» Friend (صديق)، وهو رفيق ذكاء اصطناعي يعتقد شيفمان أنه يمكن أن يكون، كما يوضح الاسم، نوعاً جديداً من الأصدقاء.

«فريند» جهاز حوسبة شخصي جديد يعمل بنظام «تشات جي بي تي» ChatGPT ونماذج ذكاء اصطناعي أخرى، بمبلغ غير معلن من التمويل (وتبلغ قيمة مشروعه 50 مليون دولار).

قلادة الصُحبة

بعد نحو عام ونصف من التطوير وإعادة تموضع كبيرة إلى حد ما، تم إطلاق الجهاز رسمياً الثلاثاء الماضي. وسيباع الجهاز مقابل 99 دولاراً، وتشحن الدفعة الأولى بحلول يناير (كانون الثاني) 2025.

الجهاز نفسه مبسط قدر الإمكان. يقول شيفمان: «إنه في الأساس ميكروفون بلوتوث فاخر يعمل دائماً». وصُمم هذا الجهاز ليُلبس حول الرقبة مثل قلادة معلقة، وهو عبارة عن حجر أبيض مستدير بحجم كرة تنس الطاولة.

يشير الضوء المتوهج بالداخل إلى وقت تشغيله، والذي وفقاً لشيفمان، يكون مثالياً طوال الوقت. مع عمر بطارية يصل إلى 15 ساعة. ويسمع الجهاز كل ما يقوله مرتديه، وأي ضوضاء أخرى يكون بالقرب منها، ويستخدم الذكاء الاصطناعي لمعالجة كل ذلك.

وهو يقترن بالهاتف الذكي ولكنه لا يتطلب خدمة خلوية خاصة به، ولا يحتوي على تخزين داخلي. ويتم تشفير كل ما يسجله ودفعه إلى السحابة، ويمكن للمستخدمين الوصول إلى هذه البيانات أو تعديلها أو حذفها حسب الرغبة.

ميكروفون بلوتوث واقتران هاتفي

يمكن للمستخدمين التحدث إليه مباشرة عن طريق لمس الضوء الموجود على الجهاز، وسوف يستجيب الذكاء الاصطناعي على الفور عبر رسالة نصية تُرسل إلى هاتف المستخدم. كما يمكنه إرسال رسائل غير مُطالب بها بناءً على ما يسمعه وما تعلمه من خلال الاستماع إلى مرتديه بمرور الوقت. يقول شيفمان: «كلما تحدثت إليه أكثر، بنيت علاقة معه... وهذا هو الهدف الكامل للمنتج حقاً».

ويعتقد شيفمان أن «فريند» يقوم بما يفعله الصديق الحقيقي، لكن بواسطة الذكاء الاصطناعي: إنه يستمع إليك ويرد عليك ويشاركك بعض تجاربك ويستخدم هذا السياق لإثراء تفاعلاتك.

ويضيف: «عندما يكون لديك رفيق مجسد مثل هذا، فهو يستمع دائماً، ومن السهل التحدث إليه، وينتهي بك الأمر حقاً إلى القيام بأشياء معه. يمكنك مشاهدة فيلم معه أو لعب لعبة فيديو، وهو يستمع إلى كل ما يتم الحديث عنه؛ إنه يتدخل بشكل استباقي».

ملبوسات ذكية لكسر العزلة

تقدم منتجات الذكاء الاصطناعي الأخرى في السوق تجربة أكثر عملية، وغالباً ما تهدف إلى تحسين الإنتاجية. ويقوم جهاز آخر قابل للارتداء يعمل بالذكاء الاصطناعي تم الإعلان عنه أخيراً من «ليميتليس» Limitless بأداء مهمة مماثلة للاستماع إلى كل ما يسمعه مرتديه، ومعالجته بالكامل، والعمل كنوع من أنواع مساعدي الذاكرةmemory assistant.

ولا يهتم شيفمان بهذا النوع من المنجزات العملية جداً، على الأقل ليس بشكل مباشر. فهو يرى «فريند» كوسيلة لمواجهة بعض الشعور بالوحدة والعزلة الذي يشعر به الناس. ويقول: «لقد وجدت أن الأشخاص الذين يفهمونه ويحبون المنتج أكثر من غيرهم هم من الفتيات المراهقات وكبار السن – أي الأشخاص الذين لا تتوقع منهم أن يحبوا بعض أدوات الذكاء الاصطناعي على الأقل».

إن تقليل شعور الناس بالوحدة، وكسر عزلتهم، يمكن أن يكون له تأثيرات متتالية. «بمعنى ما، فإن وجود صديق مقرب قادر على منحك الاستقرار العاطفي والوضوح هو تعزيز أعمق للإنتاجية من أي نوع آخر من الأدوات التي يمكنني صنعها» كما يقول شيفمان.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».