خلايا تائية نادرة تتسبب بأمراض المناعة الذاتية

تقنية رصد جيني جديدة تكتشفها

الخلية التائية تؤمن مناعة الجسم ضد مسببات الامراض
الخلية التائية تؤمن مناعة الجسم ضد مسببات الامراض
TT

خلايا تائية نادرة تتسبب بأمراض المناعة الذاتية

الخلية التائية تؤمن مناعة الجسم ضد مسببات الامراض
الخلية التائية تؤمن مناعة الجسم ضد مسببات الامراض

اكتشفت دراسة حديثة عدة أنواع نادرة من «الخلايا التائية المساعدة» التي ترتبط بالاضطرابات المناعية مثل التصلب المتعدد والتهاب المفاصل الروماتويدي وحتى الربو.

وقد أصبحت هذه الاكتشافات ممكنة بفضل تقنية تم تطويرها حديثاً أطلق عليها اسم تقنية «ريبتيك» ReapTEC، التي حددت المعززات الجينية genetic enhancers في أنواع فرعية نادرة من الخلايا التائية المرتبطة باضطرابات مناعية محددة. ويمكن أن يمهد هذا البحث الطريق لعلاجات دوائية جديدة للأمراض المناعية.

ونشرت الدراسة بقيادة ياسوهيرو موراكاوا من قسم علم جينوم النظم الطبية كلية الدراسات العليا للطب جامعة كيوتو اليابان وآخرين، وعضوية راؤول جان بيير بونال من معهد علم الأورام الجزيئية ميلان إيطاليا، في مجلة «ساينس» SCIENCE في 5 يوليو (تموز) الجاري 2024.

اكتشاف خلايا تائية نادرة

الخلايا التائية المساعدة helper T cells، هي نوع من خلايا الدم البيضاء التي تشكل جزءاً كبيراً من الجهاز المناعي، وظيفتها التعرف على مسببات الأمراض وتنظيم الاستجابة المناعية ضدها. وقد تحدث العديد من الأمراض المناعية بسبب وظيفة الخلايا التائية غير الطبيعية، ففي أمراض المناعة الذاتية مثل التصلب المتعدد multiple sclerosis فإنها تهاجم عن طريق الخطأ أجزاء من الجسم كما لو كانت من مسببات الأمراض. أما في حالة الحساسية، فإن الخلايا التائية تتفاعل بشكل مبالغ فيه مع المواد غير الضارة الموجودة في البيئة مثل حبوب اللقاح أو غيرها من المواد. وقد أظهرت الدراسات الحديثة وجود أنواع نادرة ومتخصصة من الخلايا التائية قد تكون مرتبطة بأمراض مناعية.

وهناك مناطق من الحامض النووي (دي إن إيه) DNA تسمى «المعززات» enhancers داخل جميع الخلايا، بما في ذلك الخلايا التائية. وهذا الحامض النووي لا يرمز للبروتينات، بل بدلاً من ذلك يرمز لقطع صغيرة من الحامض النووي الريبي (آر إن إيه) (RNA) ويعزز التعبير عن الجينات الأخرى، وبالتالي تؤدي الاختلافات في الحامض النووي المعزز للخلايا التائية T cell enhancer DNA إلى اختلافات في التعبير الجيني، حيث يمكن أن يؤثر ذلك على كيفية عمل الخلايا التائية. وتصبح بعض المعززات ثنائية الاتجاه.

وتقنية «ريبتيك»، مطورة حديثاً وحاسمة في تحديد المعززات النشطة ثنائية الاتجاه ضمن هذه الأنواع النادرة من الخلايا التائية، إذ إن المعززات هي مناطق من الحامض النووي تنظم التعبير الجيني وترتبط بوظيفة الخلايا التائية والاستجابات المناعية.

المعززات الوراثية واضطرابات المناعة

وبعد تحليل نحو مليون خلية تائية بشرية وجد الباحثون عدة مجموعات من أنواع الخلايا التائية النادرة التي تمثل أقل من 5 بالمائة من المجموع، وقد ساعد تطبيق «ريبتيك» ReapTEC على هذه الخلايا إلى تحديد ما يقرب من 63 ألف مُحسِّن أو معزز نشط ثنائي الاتجاه bidirectional enhancers.

ولمعرفة ما إذا كان أي من هذه المعززات مرتبطاً بالأمراض المناعية، لجأوا إلى دراسات الارتباط على مستوى الجينوم (GWAS) genome - wide association studies التي كشفت عن العديد من المتغيرات الجينية التي تسمى تعدد أشكال النوكليوتيدات المفردة single - nucleotide polymorphisms (SNPs) والتي ترتبط بأمراض مناعية مختلفة.

ومن خلال الجمع بين تحليل «ريبتيك» ReapTEC ودراسات الارتباط على مستوى الجينوم (GWAS) حدد الباحثون 606 معززات تحتوي على أشكال متعددة النوكليوتيدات (SNPs) مرتبطة بـ18 مرضاً مختلفاً مناعياً.

وكانت المتغيرات الجينية للأمراض المرتبطة بالمناعة موجودة في الغالب داخل الحامض النووي المعزز ثنائي الاتجاه للخلايا التائية النادرة.

في المقابل لم تظهر المتغيرات الجينية للأمراض العصبية نمطاً مشابهاً ما يعني أن المعززات ثنائية الاتجاه في هذه الخلايا التائية النادرة ترتبط على وجه التحديد بالأمراض التي تنتقل عن طريق المناعة.

فهم الآليات الوراثية

يعزز البحث فهم الآليات الجينية الكامنة وراء الأمراض التي تنتقل عن طريق المناعة البشرية، ما قد يؤدي إلى استراتيجيات تشخيصية وعلاجية أفضل؛ لأن تحديد معززات محددة وجيناتها المستهدفة يوفر أهدافاً جديدة محتملة لتطوير الأدوية، مما قد يؤدي إلى علاجات أكثر فعالية للاضطرابات المناعية.

ويقول الدكتور ياسوهيرو موراكاوا إنه وفريقه قاموا بتطوير طريقة جينومية جديدة يمكن للباحثين في جميع أنحاء العالم استخدامها، وباستخدام هذه الطريقة اكتشفوا أنواعاً جديدة من الخلايا التائية المساعدة، بالإضافة إلى الجينات المرتبطة بالاضطرابات المناعية. ويأملون أن تؤدي هذه المعرفة إلى فهم أفضل للآليات الوراثية الكامنة وراء الأمراض التي تنتقل عن طريق المناعة البشرية.



تقنية مبتكرة تزيد طاقة «خلايا الوقود»

صورة الفريق البحثي (الشرق الأوسط)
صورة الفريق البحثي (الشرق الأوسط)
TT

تقنية مبتكرة تزيد طاقة «خلايا الوقود»

صورة الفريق البحثي (الشرق الأوسط)
صورة الفريق البحثي (الشرق الأوسط)

يعتبر استخدام مصادر طاقة بديلة أمراً حيوياً؛ نظراً للتحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه العالم الآن. ومن بين المصادر البديلة، يبرز الهيدروجين الأخضر وخلايا الوقود من الخيارات المبتكرة لتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة، كما أنهما خياران نظيفان ومستدامان يقللان من انبعاثات الغازات الدفيئة ويحسنان من جودة الهواء.

خلايا الوقود

ويعزز استخدام الهيدروجين الأخضر وخلايا الوقود من تنويع مصادر الطاقة، ما يقلل الآثار السلبية للتقلبات في أسعار الطاقة.

في هذا السياق، قدمت دراسة حديثة، أجراها باحثون من جامعة تويوهاشي اليابانية بمشاركة باحث مصري، تقنية مبتكرة لتحسين أداء خلايا الوقود من خلال استخدام أسلاك نانومترية مغلفة بالبوليمرات الموصلة للبروتونات.

يقول الباحث المصري، محمد عبد القدوس، الذي كان يعمل باحثاً في قسم هندسة المعلومات الكهربائية والإلكترونية بجامعة تويوهاشي اليابانية، وانتقل الآن إلى جامعة كولومبيا البريطانية في كندا: «تتألف خلايا الوقود من قطبين، أحدهما مزود بمحفز لأكسدة الهيدروجين (الوقود) وتحويله إلى بروتونات وإلكترونات، حيث يتم مرور الإلكترونات في دائرة خارجية للاستفادة منها كطاقة كهربية لتحريك السيارات والسفن والطائرات».

ويضيف عبد القدوس لـ«الشرق الأوسط»: «أما البروتونات فتمر خلال غشاء موصل للكهرباء لتتفاعل على الطرف الآخر من الخلية مع الأكسجين والإلكترونات، حيث يتم إنتاج الماء؛ وعليه فالهيدروجين وقود نظيف ليس له أي انبعاثات كربونية ضارة بالبيئة».

ويوضح: «خلية الوقود هي بمنزلة البديل القادم لمحرك الديزل الذي يشتغل بالبنزين، في حين تعمل خلايا الوقود بالهيدروجين».

وسعت الدراسة لـ«تطوير أغشية توصيل البروتونات لزيادة كفاءة الخلية وخفض سعرها للاقتراب أكثر من مرحلة الإنتاج بأعداد كبيرة وزيادة تطبيقاتها في الصناعة»، وفق عبد القدوس.

وأظهرت النتائج التي توصلت إليها الدراسة أن استخدام الأسلاك النانومترية كـ«جسور صغيرة» لتوصيل البروتونات بعد تغليفها بالبوليمرات يزيد من قدرة توصيل البروتونات بشكل كبير، ما يؤدي إلى زيادة كثافة التيار الكهربي والطاقة المولدة من الخلايا.

ويشدد عبد القدوس على أن هذه التقنية «تساعد في تحسين كفاءة أنظمة الطاقة النظيفة، وتطوير تكنولوجيا السيارات الكهربائية، كما يمكن تطبيقها في مجالات الطاقة المتجددة».

تعزيز الكفاءة

ومن المتوقع، ووفق نتائج الدراسة، أن تسهم هذه التقنية في تعزيز قدرة خلايا الوقود على المنافسة مع أنظمة توليد الطاقة التقليدية، وتعزيز استدامة ونظافة عمليات توليد الطاقة. كما يمكن أن تفتح الباب أمام تطوير تقنيات جديدة لتحسين كفاءة تحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية بشكل أكثر فعالية.

وشهد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي اختراع أول خلية وقود هيدروجينية في إنجلترا على يد السير ويليام روبرت جروف. إلا أن عدم وجود جدوى اقتصادية لاستخدامها آنذاك أدى لأن يظل هذا الابتكار حبيس الأدراج.

وقبل أن تعود خلايا الوقود إلى دائرة الضوء مجدداً في ستينات القرن العشرين، طورت شركة «جنرال إلكتريك» خلايا تعمل على توليد الطاقة الكهربائية اللازمة للاستخدام في سفينتي الفضاء الشهيرتين «جيمني» و«أبولو»، بالإضافة إلى توفير مياه نقية صالحة للشرب لرواد الفضاء.

وتعد خلايا الوقود الآن من بين التقنيات الفعالة في تحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية بكفاءة عالية، ما يسهم في تحسين كفاءة استخدام الطاقة... وهو ما يعلق عليه عبد القدوس: «تعكس نتائج هذه الدراسة تقدماً هاماً في مجال تكنولوجيا خلايا الوقود، وتعتبر خطوة مهمة نحو تحقيق أنظمة طاقة نظيفة ومستدامة»، مشدداً على أنه «يجب على الصناعة والباحثين الاهتمام بتطبيقات هذه التقنية الواعدة لتحقيق تحول حقيقي نحو استخدام الطاقة النظيفة في مختلف القطاعات».