الهجمات الإلكترونية في الفضاء يمكن أن تهدد الحياة على الأرض

ضعف الذكاء الاصطناعي أمام القراصنة

الهجمات الإلكترونية في الفضاء يمكن أن تهدد الحياة على الأرض
TT

الهجمات الإلكترونية في الفضاء يمكن أن تهدد الحياة على الأرض

الهجمات الإلكترونية في الفضاء يمكن أن تهدد الحياة على الأرض

إذا تم اختراق أنظمة الفضاء مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وإيقافها عن العمل، فسوف يعود جزء كبير من العالم على الفور إلى تقنيات الاتصالات والملاحة في الخمسينات.

النظم الفضائية مهدَّدة بالاختراق والتسلل

الأمن السيبراني الفضائي

ومع ذلك، فإن الأمن السيبراني في الفضاء غير مرئي إلى حد كبير للجمهور في وقت من التوترات الجيوسياسية المتزايدة. لقد حدثت هجمات إلكترونية على الأقمار الاصطناعية منذ الثمانينات، لكن الإنذار الذي أيقظ العالم انطلق قبل عامين فقط. إذ وقبل ساعة من غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022، اخترق عملاء حكومتها خدمات الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية لشركة «فياسات» Viasat لقطع الاتصالات وخلق حالة من الارتباك في أوكرانيا.

أنا أدرس الأخلاقيات والتقنيات الناشئة وأعمل مستشاراً للمجلس الوطني للفضاء في الولايات المتحدة. في السابع عشر من يونيو (حزيران) 2024، أصدرت مع زملائي في مجموعة الأخلاقيات والعلوم الناشئة في جامعة ولاية كاليفورنيا بوليتكنيك تقريراً ممولاً من مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية، لشرح مشكلة الهجمات الإلكترونية في الفضاء والمساعدة في توقع سيناريوهات جديدة ومفاجئة.

الفضاء والبشر

معظم الناس لا يدركون الدور الحاسم الذي تلعبه أنظمة الفضاء في حياتهم اليومية، ناهيك عن الصراعات العسكرية. على سبيل المثال، يستخدم نظام تحديد المواقع العالمي إشارات من الأقمار الاصطناعية. ويعد التوقيت الدقيق الذي يدعمه نظام تحديد المواقع العالمي ضرورياً في الخدمات المالية، حيث يجب التقاط كل التفاصيل - مثل وقت الدفع أو السحب - وتنسيقها بدقة. حتى إجراء مكالمة هاتفية يعتمد على التنسيق الدقيق للوقت في الشبكة.

إلى جانب ذلك، هناك الملاحة للطائرات والقوارب والسيارات والأشخاص، يعد نظام تحديد المواقع العالمي مهماً أيضاً لتنسيق أساطيل الشاحنات التي تنقل البضائع إلى المتاجر المحلية كل يوم.

إن الأقمار الاصطناعية المخصصة لمراقبة الأرض هي بمثابة «عيون في السماء» تتمتع بنقطة مراقبة فريدة تساعد في التنبؤ بالطقس، ومراقبة التغيرات البيئية، وتتبع الكوارث الطبيعية والاستجابة لها، وتعزيز غلة المحاصيل الزراعية، وإدارة استخدام الأراضي والمياه، ومراقبة تحركات القوات، وأكثر من ذلك بكثير.

إن فقدان هذه الخدمات الفضائية وغيرها قد يكون قاتلاً للأشخاص المعرّضين للكوارث الطبيعية، وتضرر المحاصيل الزراعية. كما يمكن أن يعرّض الاقتصاد العالمي والأمن لخطر جسيم.

عوامل مؤثرة

حددنا العديد من العوامل التي تساهم في التهديد المتزايد للهجمات السيبرانية الفضائية. على سبيل المثال، من المهم أن ندرك أن العالم في بداية سباق فضائي جديد. وبكل المقاييس، أصبح الفضاء أكثر ازدحاماً وأكثر تنافساً. تستعد كل من الدول القومية والشركات الخاصة، التي لا تخضع للتنظيم الكافي والتي تمتلك الآن معظم الأقمار الاصطناعية في المدار، للتنافس على الموارد ومواقع البحث.

نظراً لأن الفضاء بعيد جداً ويصعب الوصول إليه، فإذا أراد شخص ما مهاجمة نظام فضائي، فمن المرجح أن يحتاج إلى القيام بذلك من خلال هجوم سيبراني.

إن الأنظمة الفضائية تشكل أهدافاً جذابة بشكل خاص؛ لأن أجهزتها لا يمكن ترقيتها بسهولة بمجرد إطلاقها، ويتفاقم هنا انعدام الأمن بمرور الوقت. وباعتبارها أنظمة معقدة؛ فقد يكون لها سلاسل توريد طويلة، كما أن زيادة الروابط في السلسلة تزيد من فرصة التعرض للثغرات الأمنية.

كما تواجه المشروعات الفضائية الكبرى تحدياً يتمثل في مواكبة أفضل الممارسات على مدى العقد أو أكثر اللازم لبنائها.

الأرض في شرنقة من الحطام الفضائي

والمخاطر عالية بشكل غير عادي في الفضاء. فالنفايات المدارية تطير بسرعة تتراوح بين 6 و9 أميال في الثانية، ويمكنها بسهولة تدمير مركبة فضائية عند الاصطدام. ويمكنها أيضاً إنهاء برامج الفضاء في جميع أنحاء العالم بالنظر إلى «»متلازمة كيسلر» المفترضة التي يتم وفقها سجن الأرض في النهاية في شرنقة من الحطام. وترجّح هذه العواقب لصالح الهجمات السيبرانية الفضائية على الهجمات المادية لأن مشكلة الحطام من المرجح أيضاً أن تؤثر على المهاجم.

وعلاوة على ذلك، ونظراً للبنية التحتية والخدمات الفضائية الحرجة، مثل نظام تحديد المواقع العالمي؛ فإن الصراعات في الفضاء يمكن أن تشعل أو تضيف المزيد من الوقود إلى صراع على الأرض، حتى تلك التي تحدث في الفضاء الإلكتروني.

على سبيل المثال، حذّرت روسيا في عام 2022 من أن اختراق أحد أقمارها الاصطناعية سيُعدّ بمثابة إعلان حرب، وهو ما كان تصعيداً دراماتيكياً عن المعايير السابقة حول الحرب.

سيناريوهات أمن الفضاء الإلكتروني

إن خبراء الأمن الذين يدركون خطورة هذا التهديد الذي يشكّله أمن الفضاء الإلكتروني يواجهون تحدياً كبيراً. ففي المنتديات غير السرية على الأقل، لا يتم النظر إلا في سيناريوهين غير محددين بشكل كافٍ: شيء غامض حول اختراق الأقمار الاصطناعية وشيء غامض حول تشويش الإشارات أو التلاعب بها.

ولكن الفشل في تصور مجموعة كاملة من الاحتمالات يمكن أن يكون مدمراً للتخطيط الأمني، وخاصة ضد المتسللين الذين يشكّلون مجموعة متنوعة من الكيانات ذات الدوافع والأهداف المتنوعة.

وهذه المتغيرات حيوية لتحديدها لأنها تكشف عن أدلة حول الاستراتيجيات التي قد يجدها المدافعون الأكثر فاعلية في الاستجابة. وعلى سبيل المثال، قد يتطلب الهجوم الذي يشنّه متسلل برعاية الدولة نهجاً مختلفاً عن الهجوم الذي يشنّه متسلل إجرامي سعياً وراء المال أو من قِبل عميل فوضوي. وللمساعدة في حل هذه القطعة من لغز الأمن؛ يقدم تقريرنا تصنيفاً،- وهو: مصفوفة إيكاروس ICARUS التي تلتقط - هذه المتغيرات ويمكنها إنشاء أكثر من أربعة ملايين تركيبة فريدة من المتغيرات، والتي نسميها مطالبات السيناريو.

إن مصطلح ICARUS هو اختصار لـتعبير «تخيل الهجمات الإلكترونية لتوقع المخاطر الفريدة في الفضاء».

سيناريوهات تسلل رئيسية

فيما يلي 3 من السيناريوهات الـ42 التي أدرجناها في التقرير.

الطابعة ثلاثية الأبعاد يمكن أن تكون أو الطابعة الإضافية مورداً لا يقدر بثمن لإنشاء أجزاء بسرعة عند الطلب في المهام الفضائية.

يمكن للمتسلل الوصول إلى طابعة في محطة فضائية وإعادة برمجتها لعمل عيوب صغيرة داخل الأجزاء التي تطبعها. يمكن أن تكون بعض هذه المكونات المصممة، معدة لإفشال عمل أجزاء من أنظمة بالغة الأهمية.

إفساد بيانات مسبارات فضائية. يمكن للمتسلل إفساد البيانات من مسبار كوكبي لإظهار قراءات غير دقيقة للغلاف الجوي أو درجة الحرارة أو الماء. على سبيل المثال، يمكن للبيانات الفاسدة من مركبة المريخ أن تظهر بشكل خاطئ أن المنطقة بها جليد مائي كبير تحت السطح. سيتم إهدار أي مهمة لاحقة يتم إطلاقها لاستكشاف الموقع بشكل أكبر.

تسريب تسجيلات فضائية. في عام 1938، أثارت دراما إذاعية حول هجوم فضائي حالة من الذعر عندما لم يدرك العديد من المستمعين أنها كانت خيالية. وعلى نحو مماثل، قد يتمكن أحد القراصنة من الوصول إلى مصادر الاستماع لمشروع Messaging Extraterrestrial Intelligence (METI) وإدراج شيء يشبه لغة الكائنات الفضائية في نص المشروع. ومن الممكن أن يسرّبها بعد ذلك إلى وسائل الإعلام؛ ما قد يؤدي إلى إثارة الذعر في جميع أنحاء العالم وتحريك الأسواق المالية.

سيناريوهات متعددة. وتتضمن السيناريوهات الأخرى في تقريرنا أشياء مثل التهديدات الداخلية، وثغرات الذكاء الاصطناعي، والهجمات التي تتم تحت راية كاذبة، والإرهاب البيئي، وبرامج الفدية أثناء الإطلاق، فضلاً عن سيناريوهات أكثر بعداً حول تعدين الكويكبات، والمستعمرات خارج العالم، وقراصنة الفضاء.

كما أن صياغة سيناريوهات جديدة ومفاجئة يمكن أن تساعد في إحياء التهديد غير المرئي للهجمات الإلكترونية الفضائية، فضلاً عن تسليط الضوء على الفروق الدقيقة عبر سيناريوهات مختلفة قد تتطلب من خبراء متعددي التخصصات معالجتها معاً.

* أستاذ الفلسفة في جامعة ولاية كاليفورنيا بوليتكنيك. مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

النظم الفضائية مهدَّدة بالاختراق والتسلل


مقالات ذات صلة

صورة استثنائية لنجم يُحتضَر على بُعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض

يوميات الشرق يمرّ بالمرحلة الأخيرة من حياته قبل موته (إكس)

صورة استثنائية لنجم يُحتضَر على بُعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض

أظهرت أول صورة مقرَّبة لنجم يُعرَف باسم «WOH G64» إحاطته بالغاز والغبار، مُبيِّنة، أيضاً، اللحظات الأخيرة من حياته، حيث سيموت قريباً في انفجار ضخم...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مركبة الفضاء «ستارشيب» تظهر وهي تستعد للإطلاق من تكساس (رويترز)

«سبيس إكس» تستعد لإجراء اختبار سادس لصاروخ «ستارشيب» وسط توقعات بحضور ترمب

تجري «سبيس إكس» اختباراً سادساً لصاروخ «ستارشيب» العملاق، الثلاثاء، في الولايات المتحدة، في محاولة جديدة لاستعادة الطبقة الأولى منه عن طريق أذرع ميكانيكية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد جانب من الجلسة الافتتاحية لـ«منتدى دبي للمستقبل»... (الشرق الأوسط)

«منتدى دبي»: 7 تطورات رئيسية سيشهدها العالم في المستقبل

حدد نقاش المشاركين في «منتدى دبي للمستقبل - 2024» 7 تطورات رئيسية تمثل لحظة محورية للبشرية، منها العودة إلى القمر والطاقة الشمسية.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الاقتصاد جناح «مجموعة نيو للفضاء» في معرض «جيتكس» (إكس) play-circle 01:45

رئيس «الخدمات الجيومكانية» في «نيو للفضاء»: سنطلق تطبيقاً للخرائط الرقمية

تمضي السعودية نحو مساعيها في التنويع الاقتصادي عبر تطوير قطاعات جديدة ومستقبلية، يبرز من ضمنها قطاع الفضاء بوصفه أحد القطاعات التي يتسارع فيها التقدم.

مساعد الزياني (الرياض)
يوميات الشرق رواد الفضاء ماثيو دومينيك ومايكل بارات وجانيت إيبس يعقدون مؤتمراً صحافياً في مركز جونسون الفضائي في هيوستن (أ.ب)

بعد 8 أشهر في الفضاء... رواد «ناسا» يرفضون الإفصاح عن شخصية من أصيب منهم بالمرض

رفض 3 رواد فضاء تابعين لـ«ناسا» انتهت مهمة طويلة قاموا بها في محطة الفضاء الدولية بالمستشفى، الشهر الماضي، كَشْفَ مَن منهم كان مريضاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟
TT

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

ربما تتذكر وقتاً كنت فيه بحاجة إلى إجابة سريعة، لوصفة طبق للطعام، أو مشروع لتحسين بيتك.

من محرك «غوغل» إلى «جي بي تي»

قبل بضع سنوات، كانت غريزة معظم الناس الأولى هي البحث عن المعلومات على محرك «غوغل» للبحث، ومع ذلك، اليوم، مما كتب غاي يون تشونغ (*)، أصبح كثير من الناس أكثر ميلاً إلى استخدام «تشات جي بي تي (ChatGPT)»، أداة الذكاء الاصطناعي والمحادثة من شركة «أوبن إيه آي»، التي تغير الطريقة التي يبحث بها الناس عن المعلومات.

بدلاً من مجرد توفير قوائم بمواقع الويب، يُقدِّم «تشات جي بي تي» إجابات محادثة أكثر مباشرة.

مسألة الإبداع

ولكن هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» أن يفعل أكثر من مجرد الإجابة عن الأسئلة المباشرة؟ هل يمكنه بالفعل مساعدة الناس على أن يكونوا أكثر إبداعاً؟

إني أدرس التقنيات الجديدة وتفاعل المستهلكين مع وسائل التواصل الاجتماعي، وقد شرعت أنا وزميلي بيونغ لي في استكشاف هذا السؤال: هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» مساعدة الناس حقاً على حل المشكلات بشكل إبداعي، وهل يؤدي هذا بشكل أفضل من محركات البحث التقليدية مثل «غوغل»؟

عبر سلسلة من التجارب في دراسة نُشرت في مجلة «نتشر-السلوك البشري (Nature Human Behaviour)»، وجدنا أن «تشات جي بي تي» يعزز الإبداع، خصوصاً في المهام العملية اليومية.

وإليك ما تعلمناه عن كيفية تغيير هذه التقنية للطريقة التي يحلُّ بها الناس المشكلات، ويتبادلون بها الأفكار ويفكرون بشكل إبداعي.

«جي بي تي» مبدع

«تشات جي بي تي» والمهام الإبداعية. تخيل أنك تبحث عن فكرة هدية إبداعية لابنة أخت في سِنِّ المراهقة. في السابق، ربما كنت تبحث على «غوغل» عن «هدايا إبداعية للمراهقين»، ثم تتصفح المقالات حتى تجد شيئاً يناسبك.

الآن، إذا سألت «تشات جي بي تي»، فإنه يولِّد استجابةً مباشرةً بناءً على تحليله للأنماط عبر الويب. قد يقترح مشروعاً مخصصاً أو تجربةً فريدةً من نوعها، وصياغة الفكرة في الوقت الفعلي.

لاستكشاف ما إذا كان «تشات جي بي تي» يتفوق على «غوغل» في مهام التفكير الإبداعي، أجرينا 5 تجارب، تعامل فيها المشاركون مع مهام إبداعية مختلفة.

توليد الأفكار

على سبيل المثال، قمنا بتعيين المشاركين بشكل عشوائي، إما لاستخدام «تشات جي بي تي» للمساعدة، أو استخدام بحث «غوغل»، أو توليد الأفكار بأنفسهم.

بمجرد جمع الأفكار، قام الحكام الخارجيون، الذين لا يدركون الشروط المخصصة للمشاركين، بتقييم كل فكرة من حيث الإبداع. قمنا بوضع متوسط ل​​درجات الحكام؛ بهدف توفير تصنيف إبداعي عام.

كانت إحدى المهام تتضمَّن تبادل الأفكار حول طرق إعادة استخدام العناصر اليومية، مثل تحويل مضرب تنس قديم وخراطيم الحديقة إلى شيء جديد. وطُلبت مهمة أخرى من المشاركين تصميم طاولة طعام مبتكرة. وكان الهدف هو اختبار ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد الناس على التوصل إلى حلول أكثر إبداعاً، مقارنة باستخدام محرك بحث على الويب أو مجرد خيالهم.

نتائج لصالح الذكاء التوليدي

وكانت النتائج واضحة: صنف الحكام الأفكار التي تم إنشاؤها بمساعدة «تشات جي بي تي» على أنها أكثر إبداعاً من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام عمليات البحث على «غوغل» أو دون أي مساعدة. ومن المثير للاهتمام أن الأفكار التي تم إنشاؤها باستخدام «تشات جي بي تي» - حتى دون أي تعديل بشري - سجَّلت درجات أعلى في الإبداع من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام «غوغل».

وكانت إحدى النتائج البارزة هي قدرة «تشات جي بي تي» على توليد أفكار إبداعية تدريجياً: تلك التي تعمل على تحسين أو البناء على ما هو موجود بالفعل. وفي حين أن الأفكار الجذرية حقاً قد لا تزال تشكل تحدياً للذكاء الاصطناعي، فقد تفوَّق «تشات جي بي تي» في اقتراح نهج عملي ومبتكر. على سبيل المثال، في تجربة تصميم الألعاب، توصَّل المشاركون الذين يستخدمون «تشات جي بي تي» إلى تصميمات خيالية، مثل تحويل مروحة متبقية وكيس ورقي إلى مروحة تعمل بطاقة الرياح.

حدود الإبداع في الذكاء الاصطناعي

تكمن قوة «تشات جي بي تي» في قدرته على الجمع بين المفاهيم غير ذات الصلة في استجابة متماسكة.

وعلى عكس «غوغل»، الذي يتطلب من المستخدمين غربلة الروابط وتجميع المعلومات معاً. يقدم «تشات جي بي تي» إجابةً متكاملةً تساعد المستخدمين على التعبير عن الأفكار وصقلها بتنسيق مصقول. وهذا يجعل «تشات جي بي تي» واعداً بوصفه أداةً إبداعيةً، خصوصاً للمهام التي تربط بين الأفكار المتباينة أو تولد مفاهيم جديدة.

من المهم ملاحظة، مع ذلك، أن «تشات جي بي تي» لا يولِّد أفكاراً جديدة حقاً. إنه يتعرَّف على الأنماط اللغوية ويجمعها من بيانات التدريب الخاصة به، وبالتالي يولِّد مخرجات بتسلسلات أكثر احتمالية بناءً على تدريبه. إذا كنت تبحث عن طريقة لتحسين فكرة موجودة أو تكييفها بطريقة جديدة، فيمكن أن يكون «تشات جي بي تي» مورداً مفيداً. ومع ذلك، بالنسبة لشيء مبتكر، لا يزال الإبداع والخيال البشري ضروريَّين.

بالإضافة إلى ذلك، في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» توليد اقتراحات إبداعية، فإنها ليست عملية دائماً أو قابلة للتطوير دون مدخلات الخبراء. تتطلب خطوات مثل الفحص، وفحص الجدوى، والتحقق من الحقائق، والتحقق من السوق خبرة بشرية. ونظراً لأن استجابات «تشات جي بي تي» قد تعكس تحيزات في بيانات التدريب الخاصة بها، فيجب على الأشخاص توخي الحذر في السياقات الحساسة مثل تلك التي تنطوي على العرق أو الجنس.

كما اختبرنا ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد في المهام التي غالباً ما يُنظر إليها على أنها تتطلب التعاطف، مثل إعادة استخدام العناصر العزيزة على أحد الأحباء. ومن المدهش أن «تشات جي بي تي» عزَّز الإبداع حتى في هذه السيناريوهات، حيث أدى إلى توليد أفكار وجدها المستخدمون ذات صلة، ومدروسة.

وتتحدى هذه النتيجة الاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه المساعدة على المهام التي تحركها العواطف.

مستقبل الذكاء الاصطناعي والإبداع

مع ازدياد إمكانية الوصول إلى «تشات جي بي تي» وأدوات الذكاء الاصطناعي المماثلة، فإنها تفتح إمكانات جديدة للمهام الإبداعية. سواء في مكان العمل أو في المنزل، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في الشحذ الذهني وحل المشكلات وتعزيز المشروعات الإبداعية.

ومع ذلك، يشير بحثنا أيضاً إلى الحاجة إلى الحذر: في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» تعزيز الإبداع البشري، فإنه لا يحلُّ محلَّ القدرة البشرية الفريدة على التفكير الجذري حقاً خارج الإطار المألوف.

يمثل هذا التحول من البحث على «غوغل» إلى سؤال «تشات جي بي تي»، أكثرَ من مجرد طريقة جديدة للوصول إلى المعلومات. إنه يمثل تحولاً في كيفية تعاون الناس مع التكنولوجيا للتفكير والإبداع والابتكار.

* أستاذ مساعد في إدارة الأعمال بجامعة رايس الأميركية - مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً