حلول علمية لتعزيز استخدام مياه «الصرف الصحي» في الزراعة

تجري معالجة أقل من خُمسها عالمياً

يمكن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة (رويترز)
يمكن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة (رويترز)
TT
20

حلول علمية لتعزيز استخدام مياه «الصرف الصحي» في الزراعة

يمكن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة (رويترز)
يمكن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة (رويترز)

تشكل ندرة المياه مصدر قلق متزايد في مناطق مثل شمال وشرق أفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، ومن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم اختلالات توازن المياه، ما يؤدي إلى آثار اقتصادية واجتماعية كبيرة.

تعويض ندرة مياه الريوتقدّر الأمم المتحدة أنه بحلول 2030، لن يتمكن 1.6 مليار شخص من الحصول على مياه شرب آمنة، و2.8 مليار شخص من الوصول إلى خدمات الصرف الصحي الآمنة. ويتعرض القطاع الزراعي، الذي يستهلك 70 في المائة من مياه العالم، للخطر بشكل خاص، لكن دراسة دولية كشفت أن إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة بشكل مناسب لأغراض الري توفر حلاً واعداً يخفف بشكل كبير من ندرة مياه الري، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص المياه.

وينتج العالم سنوياً 400 كيلومتر مكعب من مياه الصرف الصحي، مع توقعات بزيادة قدرها 50 في المائة بحلول 2050 بسبب النمو السكاني والتحضر، لكن يتم تصريف أكثر من 80 في المائة من تلك المياه دون معالجة، ما يشكل تهديداً بيئياً وصحياً كبيراً، وفق الدراسة المنشورة بعدد يونيو (حزيران)، من دورية (Nature Reviews Earth & Environment).

وكشفت الدراسة التي أجراها باحثون من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وقبرص أنه في الوقت الحالي، تتم معالجة جزء صغير فقط (أقل من 20 في المائة) من مياه الصرف الصحي المنتجة عالمياً، وتتم إعادة استخدام جزء أصغر (2-15 في المائة) لأغراض الري.

وينبع هذا النقص في الاستخدام من المخاوف بشأن المخاطر الصحية والبيئية المحتملة المرتبطة بالمياه العادمة المعالجة بشكل غير مناسب وعدم التخلص من جميع البكتيريا والفيروسات، لكن الباحثين يؤكدون أن تقنيات المعالجة المتقدمة، إلى جانب المراقبة واللوائح القوية لجودة المياه، يمكن أن تعالج هذه المخاوف بشكل فعال.

حلول علميةوسلطت الدراسة الضوء على الحلول العلمية لتعزيز الاستخدام المستدام لمياه الصرف الصحي في الزراعة، مشيرة إلى نجاح الولايات المتحدة في معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي لتوفير إمدادات مياه مستقرة للإنتاج الزراعي، مع إمكانية انتشار هذا النموذج على نطاق واسع عالمياً.

ووفق الدراسة، تتمثل أبرز الحلول في الاستثمار في تقنيات معالجة المياه المتقدمة والمستدامة، مثل الأكسدة المتقدمة والترشيح الغشائي وتكنولوجيا النانو، لتحسين جودة المياه وكفاءتها.

وتستخدم الأكسدة المتقدمة مركبات مثل الأوزون لتفكيك الملوثات العضوية، بينما تعتمد تقنيات الترشيح الغشائي على أغشية دقيقة لفصل المواد الصلبة والسوائل. أما تقنيات النانو فتطور مواد وأدوات جديدة لمعالجة مياه الصرف الصحي. وحث الفريق على وضع أطر تنظيمية شاملة وضمان سلامة واستدامة أنظمة إعادة الاستخدام، وزيادة الوعي الاجتماعي لقبول مياه الصرف الصحي المعالجة.

وأكدت الدراسة أهمية الخطط الشاملة لإدارة المخاطر والمراقبة المستمرة لضمان الصحة البيئية والعامة، مع الحاجة إلى دراسات لتقييم البيئة الزراعية وجودة المياه.

يقول الدكتور محمد الحجري، رئيس وحدة الري والصرف بمركز بحوث الصحراء في مصر، إن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة غير متاح لجميع الدول بسبب تكلفتها المرتفعة، وقد تقتصر على الدول الغنية والبلدان التي تعاني من ندرة شديدة في المياه.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن أبرز المعوقات هو القبول الاجتماعي، حيث ترتبط مياه الصرف الصحي بصور سلبية في أذهان الناس، ما يصعّب قبول إعادة استخدامها، كما يوجد خوف من عدم نجاح تقنيات المعالجة في إزالة كافة العناصر والملوثات الضارة، مشيراً إلى أن بعض الدول تحظر استخدام هذه المياه في المحاصيل الغذائية.

وأشار إلى أنه يمكن تقليل تكلفة ومراحل معالجة مياه الصرف الصحي من خلال فصل المياه الرمادية، الناتجة عن الاستحمام والاستخدامات المنزلية الأخرى بعيداً عن صرف المراحيض، وبذلك تنخفض مراحل المعالجة وتقل التكلفة، ويمكن إعادة استخدامها بسهولة في الزراعة.

ونوه بأن مصر ودولاً أخرى تستخدم مياه الصرف الصحي المعالجة لري الحدائق والمسطحات الخضراء، لكنها لا تستخدمها في المحاصيل الغذائية.



السكر في طعام الأطفال: خطر خفي يهدد صحة الفم والنمو

السكر في طعام الأطفال: خطر خفي يهدد صحة الفم والنمو
TT
20

السكر في طعام الأطفال: خطر خفي يهدد صحة الفم والنمو

السكر في طعام الأطفال: خطر خفي يهدد صحة الفم والنمو

لم تعد التهديدات الصحية المرتبطة بالسكر قاصرة على البالغين فحسب، بل باتت تطال الفئات الأكثر هشاشة: الأطفال. ورغم الجهود التوعوية المتزايدة، فإن الواقع يكشف عن أزمة متفاقمة تهدد صحة الصغار، خصوصاً فيما يتعلق بصحة الفم والأسنان.

تقرير وفضيحة

في تقرير حديث نشرته «هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)»، ضمن برنامج «بانوراما»، يوم أمس (الثلاثاء)، سلط الضوء على فضيحة تتعلق بأكياس طعام الأطفال التجارية (baby food pouches) التي تُسوّق على أنها صحية، طبيعية، وخالية من الإضافات الضارة. لكن التحليل المخبري كشف عن نسب مرتفعة جداً من السكر في العديد من هذه المنتجات، لدرجة أن بعض الأكياس تحتوي على ما يعادل 5 ملاعق من السكر، أي ما يزيد أحياناً عن المشروبات الغازية.

والسكر ليس مجرد طعمٍ حلو يذوب على اللسان، بل هو مادة تتراكم آثارها في الجسد والعصب واللثاة... شيئاً فشيئاً. وتؤكد الدراسات أن أكثر من 75 في المائة من الأطفال والبالغين يستهلكون كميات من السكر تفوق ما توصي به الهيئات الصحية، دون وعي بخطورة ذلك.

خطر مضاعف على أسنان الأطفال

تعلق مؤسسة صحة الفم البريطانية، في تقريرها المنشور اليوم، على هذا الاكتشاف بقولها إن هذه المنتجات «تعزز تسوس الأسنان لدى الأطفال الرُضّع»، خصوصاً مع الاستخدام المتكرر وبقائها لفترات طويلة في الفم؛ ما يسمح للسكر بأن يتفاعل مع البكتيريا مسبباً إنتاج الأحماض التي تؤدي إلى تآكل مينا الأسنان. وهذا التأثير لا يقتصر على الأسنان اللبنية، بل قد يؤثر على صحة الفم والنمو السليم للطفل على المدى البعيد.

السكر كالتبغ: تهديد صامت؟

ربط بعض الخبراء بين أخطار السكر المزمن ومخاطر التبغ، من حيث الآثار التراكمية طويلة الأمد على الصحة العامة، فبينما يؤدي التبغ إلى أمراض القلب والرئة والسرطان، فإن السكر مرتبط بالسمنة، داء السكري، تسوس الأسنان، وأمراض القلب، بل إن البعض يدعو إلى وضع تحذيرات صحية على عبوات الأغذية عالية السكر، تماماً كما هو الحال مع علب السجائر.

وكان الخبراء دعوا في السابق إلى معاملـة السكر كما عومل التبغ، مشيرين إلى أن الإعلان عن المشروبات السكرية في برامج الأطفال يجب أن يُحظر، وأن تُرفع الضرائب على المنتجات السكرية. وأكدوا على دور أطباء الأسنان كخط الدفاع الأول، ليس فقط لعلاج آثار السكر، بل للوقاية منه بالتعليم والمشاركة المجتمعية الفاعلة.

هنا ويعلو صوت الباحث البريطاني تيموثي آيفز، صارخاً في مقال نُشر بـ«المجلة البريطانية لطب الأسنان» (British Dental Journal) في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، قائلاً: «اجعلوا السكر التبغ الجديد»!

غياب الرقابة والتوعية

رغم وجود توصيات من منظمات صحية عالمية بتحديد استهلاك السكر للأطفال، فإن كثيراً من المنتجات الغذائية المُعدة للصغار تتجاوز هذه التوصيات بشكل صريح. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى ثغرات تنظيمية، وغياب وعي الأهل بمضار السكر «الطبيعي» الموجود في الفاكهة المركزة أو العصائر. وقد لوحظ وجود مثل هذه الأطعمة الضارة في الأسواق العربية.

معدلات تسوس الأسنان لأطفال الخليج

تشير الدراسات الحديثة إلى أن معدلات تسوس الأسنان بين الأطفال في دول الخليج مرتفعة بشكل ملحوظ، ما يعكس تحدياً صحياً كبيراً في المنطقة. وهذه معدلات تسوس الأسنان لدى الأطفال في دول الخليج حسب آخر الدراسات:

* السعودية: أظهرت دراسة أن معدل انتشار تسوس الأسنان بين الأطفال في المدارس يصل إلى 93 في المائة، مما يجعلها من أعلى النسب عالمياً.

* الإمارات: أشارت دراسة إلى أن نسبة انتشار تسوس الأسنان بين الأطفال دون سن السادسة تبلغ 74.1 في المائة.

* الكويت: أفاد اختصاصي طب أسنان الأطفال بأن 79 في المائة من الأطفال في الكويت مصابون بتسوس الأسنان.

* قطر: أظهرت دراسات أن معدل انتشار تسوس الأسنان بين الأطفال القطريين يصل إلى 80.3 في المائة.

خطوات ونصائح

ينبغي على الجهات الصحية إصدار لوائح أكثر صرامة تلزم الشركات بالإفصاح الدقيق عن محتوى السكر في طعام الأطفال.

- على الأهل تجنُّب الاعتماد على الأطعمة الجاهزة للأطفال، خصوصاً الأكياس الجاذبة التي تُستهلك بسهولة دون رقابة.

- من المهم تعويد الأطفال منذ الصغر على المذاق الطبيعي للأطعمة دون إضافة محليات، ومراجعة طبيب الأسنان دورياً منذ ظهور أولى الأسنان.

- أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن قيام المكتب التنفيذي لوزراء صحة دول مجلس التعاون الخليجي بفرض ضرائب إضافية على السكر قد ساعد في التقليل من معدلات الإصابة بتسوُّس الأسنان لدى الأطفال، ويمكن تعميم هذه التجربة على كل الدول العربية.

السكر يشبه الوردة؛ يغرينا بجماله، لكن أشواكه تختبئ تحت البتلات. وإن لم نُحسن التعامل معه، فقد نُزهِر ألماً لا يُرى. ولذا علينا أن نحمي أطفالنا، لنحفظ ابتساماتنا، ولنصنع مستقبلاً أكثر صحة.