«تـشات جي بي تي - 4 أو» الجديد: المبالغة الإعلامية للذكاء الاصطناعي

يواجه مصاعب في الرياضيات والفيزياء وبارع في ترجمة اللغات

توظيف «تشات جيب بي تي» الجديد لحل المسائل العلمية
توظيف «تشات جيب بي تي» الجديد لحل المسائل العلمية
TT

«تـشات جي بي تي - 4 أو» الجديد: المبالغة الإعلامية للذكاء الاصطناعي

توظيف «تشات جيب بي تي» الجديد لحل المسائل العلمية
توظيف «تشات جيب بي تي» الجديد لحل المسائل العلمية

عندما كشفت شركة «أوبن إيه آي» عن أحدث إصدار من برنامج «تشات جي بي تي» الذي يحظى بشعبية كبيرة هذا الشهر، كان لهذا الإصدار صوت جديد يمتلك تقلبات وعواطف شبيهة بالإنسان. كما تضمن العرض التوضيحي على الإنترنت قيام الروبوت بتعليم طفل كيفية حل مسألة هندسية.

عرض توضيحي سيئ

ما أثار استيائي أن العرض التوضيحي كان بالأساس بمثابة طُعمٍ واستبدال (لمنتج غير حقيقي). صدر «تشات جي بي تي» الجديد من دون معظم خصائصه الجديدة، بما في ذلك الصوت المحسن (الذي قالت الشركة إنها أجّلته لإجراء إصلاحات). كما أن القدرة على استخدام كاميرا الفيديو الخاصة بالهاتف للحصول على تحليل في الوقت الحقيقي لشيء ما مثل مسألة رياضية ليست متاحة حتى الآن. في وسط هذا التأخير، قامت الشركة أيضاً بإلغاء تنشيط صوت «تشات جي بي تي» الذي قال البعض إنه بدا مثل صوت الممثلة «سكارليت جوهانسون»، بعد أن هددت باتخاذ إجراء قانوني، واستبدلته بصوت نسائي مختلف. في الوقت الحالي، ما تم نشره بالفعل في برنامج «شات جي بي تي» الجديد هو القدرة على تحميل الصور للروبوت لتحليلها. يمكن للمستخدمين عموماً توقع استجابات أسرع وأكثر وضوحاً. يستطيع الروبوت أيضا عمل ترجمات لغوية فورية في الوقت الحقيقي، ولكن «تشات جي بي تي» سوف يستجيب بصوته القديم المشابه لصوت الآلات.

تجربة الإصدار الجديد

مع ذلك، هذا هو برنامج الدردشة الرائد الذي أثر بشدة على صناعة التكنولوجيا، لذا كان الأمر يستحق المراجعة. بعد أن جربت برنامج الدردشة المسرَّع هذا لمدة أسبوعين، اختلطت لدي المشاعر. لقد برع في ترجمة اللغات، لكنه واجه صعوبات في الرياضيات والفيزياء. ومع ذلك، لم أر تحسناً ذا مغزى من النسخة الأخيرة، «شات جي بي تي - 4». بالتأكيد لن أسمح له بأن يدرس لطفلي. الواقع أن هذا التكتيك، الذي تعد فيه شركات الذكاء الاصطناعي بميزات جديدة جامحة، وتقدم منتجاً غير مكتمل، يتحول إلى اتجاه من المحتم أن يؤدي إلى إرباك وإحباط الناس.

تقنيات ذكية بأداء متدنٍ

كان جهاز (إيه آي بين Ai Pin) الذي يبلغ سعره 700 دولار، وهو عبارة عن دبوس ناطق من إنتاج شركة «هيومين - Humane» الناشئة، التي يمولها سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، قد تعرض لانتقادات عالمية بسبب ارتفاع حرارته في أثناء التشغيل وبثه الكثير من الهراء. كما أضافت شركة «ميتا» مؤخراً إلى تطبيقاتها برنامج الدردشة الآلي العامل بالذكاء الاصطناعي الذي كان أداؤه سيئاً في أغلب مهامه المعلنة، مثل البحث على شبكة الإنترنت عن تذاكر الطائرات. تطلق الشركات منتجات الذكاء الاصطناعي في حالة سابقة لأوانها، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها تريد من الناس استخدام التكنولوجيا لمساعدتهم على تعلم كيفية تحسينها. في الماضي، عندما كشفت الشركات عن منتجات تكنولوجية جديدة مثل الهواتف، كان ما يعرضونه علينا - ميزات مثل كاميرات جديدة وشاشات أكثر إشراقاً - هو ما كنا نحصل عليه فعلاً.

على المستهلكين التعامل بحذر

مع الذكاء الاصطناعي، تقدم الشركات نظرة مسبقة على المستقبل المحتمل، موضحة التقنيات التي يجري تطويرها والتي تعمل فقط في ظروف محدودة ومحكومة. قد يصل إلينا منتج ناضج يمكن الاعتماد عليه، أو قد لا يصل أبداً. والدرس الذي يتعين علينا تعلمه من كل ذلك هو أننا – بوصفنا مستهلكين - لا بد أن نقاوم هذه الضجة الإعلامية الفارغة، وأن نتبنى نهجاً بطيئاً حذراً في التعامل مع الذكاء الاصطناعي. يجب ألا ننفق الكثير من المال على أي تقنية غير مكتملة حتى نرى دليلاً على أن الأدوات المطروحة تعمل كما هو معلن عنها.

«تـشات جي بي تي - 4 أو»

الإصدار الجديد من «تشات جي بي تي»، والذي يسمى «تـشات جي بي تي - 4 أو» ChatGPT - 4o (وo هنا ترمز إلى الكلمة omni وتعني «المتعدد الجوانب»)، أصبح الآن متاحاً للتجربة على موقع «أوبن إيه آي» على الإنترنت وتطبيقها الخاص. يمكن للمستخدمين الذين لا يدفعون تقديم بعض الطلبات قبل انتهاء المهلة، ويمكن لأولئك الذين لديهم اشتراك شهري بقيمة 20 دولاراً أن يطرحوا على الروبوت عدداً أكبر من الأسئلة. قالت شركة «أوبن إيه آي» إن نهجها التكراري لتحديث «شات جي بي تي» سمح لها بجمع الملاحظات بغرض إجراء تحسينات. وقالت الشركة في بيان لها: «نعتقد أنه من المهم استعراض نماذجنا المتقدمة لإعطاء الناس لمحة عن قدراتهم ولمساعدتنا على فهم تطبيقاتهم في العالم الحقيقي».

أداء متفاوت في الهندسة والفيزياء

إليكم ما يجب معرفته عن أحدث إصدار من برنامج «شات جي بي تي».

في الهندسة والفيزياء، ولإظهار الحيل الجديدة لبرنامج «شات جي بي تي - 4 أو»، نشرت شركة «أوبن إيه آي» فيديو يظهر فيه سال خان، الرئيس التنفيذي لأكاديمية خان، وهي منظمة تعليمية غير ربحية، مع ابنه عمران. مع كاميرا فيديو موجهة إلى مسألة هندسية، تمكن «تشات جي بي تي» من التحدث مع عمران لحلها خطوة بخطوة. رغم أن ميزة تحليل الفيديو الخاصة ببرنامج «تشات جي بي تي» لم تصدر بعد، فإنني تمكنت من تحميل صور للمسائل الهندسية. قام «تشات جي بي تي» بحل بعض المسائل الأسهل منها بشكل صحيح، لكنه فشل في حل المزيد من المسائل الأصعب. في مسألة واحدة تتعلق بتقاطع المثلثات، والتي بحثت عنها على موقع التحضير لاختبار (امتحانات التلاميذ) «سات - SAT»، فهم الروبوت السؤال لكنه أعطى إجابة خاطئة. قام تايلور نغوين، مدرس الفيزياء بالمدرسة الثانوية في مقاطعة أورانج، بولاية كاليفورنيا، بتحميل مسألة فيزيائية تتعلق برجل يركب أرجوحة، التي عادة ما يتم تضمينها في اختبارات حساب التفاضل والتكامل المتقدمة. ارتكب «تشات جي بي تي» عدة أخطاء منطقية لإعطاء إجابة خاطئة، لكنه تمكن من تصحيح نفسه من خلال ملاحظات الأستاذ نغوين. وقال المدرس: «لقد تمكنت من تدريبه، لكنني مدرس. كيف يفترض بالطالب أن ينتقي (من البرنامج) هذه الأخطاء؟ إن التلاميذ يفترضون تلقائياً أن برنامج الدردشة الآلي على حق». لاحظتُ أن «تشات جي بي تي - 4 أو» نجح في بعض عمليات القسمة التي أجراها أسلافه بشكل غير صحيح، لذا هناك علامات على التحسن البطيء. ولكنه فشل أيضاً في مهمة حسابية أساسية كانت الإصدارات السابقة وغيرها من روبوتات الدردشة الأخرى، بما في ذلك «ميتا إيه آي» و«غوغل جيميني»، قد أخفقت فيها: وهي القدرة على العدّ.

براين تشين يستخدم البرنامج لترجمة لغة الماندرين الصينية

الاستدلال المنطقي

كما أبرزت شركة «أوبن إيه آي» أن «تشات جي بي تي» الجديد كان أفضل في الاستدلال المنطقي، أو استخدام المنطق للتوصل إلى ردود.

لذا فقد جربته خلال أحد الاختبارات المفضلة لدي: طلبت منه إنتاج لغز «أين والدو؟» Where’s Waldo? puzzle وعندما أظهر صورة لوالدو العملاق يقف وسط حشد من الناس، قلت إن المغزى من التجربة أنه من المفترض أن يكون من الصعب العثور عليه. ثم قام الروبوت بتوليد والدو أكبر من ذلك أيضاً. كما أجرى «سوباراو كامبهامباتي»، الأستاذ والباحث في الذكاء الاصطناعي بجامعة ولاية أريزونا، بعض الاختبارات على برنامج الدردشة، وقال إنه لا يرى تحسناً ملحوظاً في التفكير المنطقي مقارنة بالإصدار الأخير. وقد قدم هذا الأستاذ إلى برنامج «تشات جي بي تي» لغزاً يشمل عدداً من الكتل: إذا كانت الكتلة (ج) أعلى الكتلة (أ)، والكتلة (ب) موجودة بشكل منفصل على الطاولة، هل يمكنك إخباري كيف يمكنني صنع عمود من الكتل باستخدام الكتلة (أ) أعلى الكتلة (ب)، والكتلة (ب) أعلى الكتلة (ج)، ولكن من دون تحريك الكتلة (ج)؟ الجواب هو أنه من المستحيل ترتيب الكتل في ظل هذه الظروف، ولكن، كما هو الحال مع الإصدارات السابقة، توصل «تشات جي بي تي - 4 أو» باستمرار إلى حل يتضمن تحريك الكتلة (ج).

وقال كامبهامباتي إنه من خلال هذه الاختبارات وغيرها من اختبارات الاستدلال الأخرى، كان برنامج «شتات جي بي تي» قادراً أحياناً على الاستفادة من الملاحظات للحصول على الإجابة الصحيحة، وهو ما يتعارض مع كيفية عمل الذكاء الاصطناعي. وأضاف: «يمكنك تصحيح ذلك، ولكن عندما تفعل ذلك، فإنك تستخدم ذكاءك الخاص». أشارت شركة «أوبن إيه آي» إلى نتائج الاختبار التي أظهرت أن «تشات جي بي تي - 4 أو» سجل نحو نقطتين مئويتين أعلى في الإجابة عن أسئلة المعرفة العامة مقارنة بالإصدارات السابقة من «شات جي بي تي»، موضحة أن مهارات الاستدلال المنطقي قد تحسنت قليلاً.

ترجمة لغوية فورية

قالت شركة «أوبن إيه آي» أيضاً إن برنامج «تشات جي بي تي» الجديد يمكنه إجراء أي ترجمة فورية للغات في الوقت الحقيقي، ما قد يساعدك في التحدث مع شخص يتحدث لغة أجنبية. لقد اختبرتُ «تشات جي بي تي» مع لغة الماندرين واللغة الكانتونية، وأكدت أنه لا بأس به في ترجمة العبارات، مثل «أود حجز غرفة في فندق يوم الخميس المقبل»، و«أريد سريراً بحجم كبير». لكن اللهجات كانت متقطعة قليلاً. (ولأكون منصفاً، فإن لغتي الصينية الركيكة ليست أفضل كثيراً). وقالت شركة «أوبن إيه آي» إنها لا تزال تعمل على تحسين اللهجات. وقد برع «تشات جي بي تي - 4 أو» أيضا بوصفه محرراً. وعندما غذيته بالفقرات التي كتبتها، كانا سريعاً وفعالاً في إزالة الكلمات والعبارات المفرطة.

إن أداء برنامج «شات جي بي تي» الجيد مع الترجمة اللغوية يمنحني الثقة بأنها سوف تُصبح ميزة أكثر فائدة في المستقبل.

خلاصة القول

الشيء الرئيسي الذي حققته شركة «أوبن إيه آي» مع «تشات جي بي تي - 4 أو» هو جعل التكنولوجيا مجانية ليجربها الناس. مجاناً هو السعر المناسب: بما أننا نساعد في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه باستخدام بياناتنا في التحسين، فلا ينبغي أن ندفع في المقابل. إن أفضل ما في الذكاء الاصطناعي لم يأت بعد، وقد يكون يوماً ما مدرساً جيداً للرياضيات نود التحدث معه. ولكن يجب أن نصدق ذلك عندما نراه ونستمع إليه.

* خدمة «نيويورك تايمز».


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا يستعرض مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» أبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي المقبلة

مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» يكشف عن أبرز نزعات الذكاء الاصطناعي المقبلة

إطلاق أكبر مشروع للأمن الرقمي بتاريخ البشرية لمواجهة أكثر من 7000 هجمة في الثانية.

خلدون غسان سعيد (جدة)
الاقتصاد علم شركة «إنفيديا» على الحرم الجامعي في سانتا كلارا بكاليفورنيا (إ.ب.أ)

بالأرقام... كيف أصبحت «إنفيديا» الشركة الأكثر قيمة في العالم؟

حققت «إنفيديا» مرة أخرى نتائج ربع سنوية تجاوزت توقعات «وول ستريت».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شاشة تسجيل الوصول في مكتب «إنفيديا» في أوستن بتكساس (أ.ف.ب)

«إنفيديا» تتفوق على توقعات الأرباح مع ترقب المستثمرين للطلب على رقائق «بلاكويل» للذكاء الاصطناعي

أعلنت شركة «إنفيديا»، يوم الأربعاء، عن زيادة في أرباحها ومبيعاتها في الربع الثالث مع استمرار الطلب على رقائق الكمبيوتر المتخصصة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية
TT

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«تخيل أنك بحاجة إلى إجراء عملية جراحية في غضون بضع دقائق لأنك قد لا تنجو... لا يوجد جراحون في الجوار ولكن يوجد روبوت جراحي مستقل متاح يمكنه إجراء هذا الإجراء باحتمالية عالية جداً للنجاح، هل ستغتنم الفرصة؟» هذا ما أجابني به طالب ما بعد الدكتوراه بجامعة جونز هوبكنز عبر البريد الإلكتروني، لدى سؤالي عن التطوير الجديد.

تعليم الروبوت بمقاطع فيديو للجراحة

لأول مرة في التاريخ، تمكن كيم وزملاؤه من تعليم الذكاء الاصطناعي استخدام آلة جراحة آلية لأداء مهام جراحية دقيقة، من خلال جعلها تشاهد آلاف الساعات من الإجراءات الفعلية التي تحدث في ردهات جراحية حقيقية. ويقول فريق البحث إنه تطور رائد يتجاوز حدوداً طبية محددة ويفتح الطريق لعصر جديد في الرعاية الصحية.

وفقاً لورقتهم البحثية المنشورة حديثاً، يقول الباحثون إن الذكاء الاصطناعي تمكن من تحقيق مستوى أداء مماثل لجراحي البشر دون برمجة مسبقة.

جراحة بتوظيف الروبوت

تدريب على العروض بدلاً من البرمجة

وبدلاً من محاولة برمجة الروبوت بشق الأنفس للعمل -وهو ما تقول ورقة البحث إنه فشل دائماً في الماضي- قاموا بتدريب هذا الذكاء الاصطناعي من خلال شيء يسمى التعلم بالتقليد، وهو فرع من الذكاء الاصطناعي حيث تراقب الآلة وتكرر الأفعال البشرية. سمح هذا للذكاء الاصطناعي بتعلم التسلسلات المعقدة للأفعال المطلوبة لإكمال المهام الجراحية عن طريق تقسيمها إلى مكونات حركية. وتترجم هذه المكونات إلى أفعال أبسط -مثل زوايا المفاصل ومواضعها ومساراتها- والتي يسهل فهمها وتكرارها وتكييفها أثناء الجراحة.

توظيف روبوت «دافنشي» للتدريب

استخدم كيم وزملاؤه نظام دافنشي الجراحي كأيدٍ وعيون لهذا الذكاء الاصطناعي. ولكن قبل استخدام المنصة الروبوتية الراسخة (التي يستخدمها الجراحون حالياً لإجراء عمليات دقيقة محلياً وعن بُعد) لإثبات نجاح الذكاء الاصطناعي الجديد، قاموا أيضاً بتشغيل محاكاة افتراضية. وقد سمح هذا بتكرار أسرع وتحقق من السلامة قبل تطبيق الإجراءات التي تم تعلمها على الأجهزة الفعلية.

«كل ما نحتاجه هو إدخال الصورة، ثم يجد نظام الذكاء الاصطناعي هذا الإجراء الصحيح»، كما يقول كيم. كانت روبوتات دافنشي أيضاً مصدر مقاطع الفيديو التي حللها الذكاء الاصطناعي، باستخدام أكثر من 10000 تسجيل تم التقاطها بواسطة كاميرات المعصم أثناء العمليات الجراحية التي يقودها الإنسان.

تعلّم 3 مهام جراحية

وكان الهدف تعلم ثلاث مهام جراحية: التعامل مع إبرة جراحية وتحديد موضعها، ورفع الأنسجة والتلاعب بها بعناية، والخياطة -كلها مهام معقدة تتطلب تحكماً دقيقاً وحساساً للغاية.

مكنت مجموعة البيانات واسعة النطاق هذه الذكاء الاصطناعي من تعلم الاختلافات الدقيقة بين الإجراءات الجراحية المتشابهة، مثل شدة التوتر المناسب اللازم للتعامل مع الأنسجة دون التسبب في ضرر.

تعد مقاطع الفيديو التدريبية هذه جزءاً صغيراً جداً من مستودع واسع النطاق للبيانات الجراحية. مع ما يقرب من 7000 روبوت دافنشي قيد الاستخدام في جميع أنحاء العالم، هناك مكتبة ضخمة من العروض الجراحية للمراقبة والتعلم منها، والتي يستخدمها فريق البحث الآن لتوسيع ذخيرة الذكاء الاصطناعي الجراحية لدراسة جديدة لم تُنشر بعد.

«في عملنا المتابع، والذي سنصدره قريباً، ندرس ما إذا كانت هذه النماذج يمكن أن تعمل في الإجراءات الجراحية طويلة المدى التي تنطوي على هياكل تشريحية غير مرئية»، يكتب كيم، في إشارة إلى الإجراءات الجراحية المعقدة التي تتطلب التكيف مع حالة المريض في أي وقت معين، مثل إجراء عملية جراحية على جرح داخلي خطير.

التحقق من صحة النموذج المطور

أثناء التطوير، عمل الفريق عن كثب مع الجراحين الممارسين لتقييم أداء النموذج وتقديم ملاحظات حاسمة (خاصة فيما يتعلق بالتعامل الدقيق مع الأنسجة)، والتي قام الروبوت بدمجها في عملية التعلم الخاصة به.

أخيراً، للتحقق من صحة النموذج، استخدموا مجموعة بيانات منفصلة غير مدرجة في التدريب الأولي لإنشاء محاكاة افتراضية، ما يضمن قدرة الذكاء الاصطناعي على التكيف مع السيناريوهات الجراحية الجديدة وغير المرئية قبل الشروع في اختبارها في الإجراءات المادية. أكد هذا التحقق المتبادل قدرة الروبوت على التعميم بدلاً من مجرد حفظ الإجراءات، وهو أمر بالغ الأهمية بالطبع نظراً للعدد المجهول المحتمل الذي قد ينشأ في غرفة العمليات.

جراح آلي «ذو خبرة»

كل شيء سار بشكل جميل إذ تعلم نموذج الروبوت هذه المهام إلى مستوى الجراحين ذوي الخبرة. يقول أكسل كريغر، الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية في جامعة جونز هوبكنز والمؤلف الرئيسي للدراسة، في بيان عبر البريد الإلكتروني: «إنه لأمر سحري حقاً أن يكون لدينا هذا النموذج حيث كل ما نقوم به هو تلقيمه مدخلات الكاميرا، ويمكنه التنبؤ بالحركات الروبوتية اللازمة للجراحة». «نعتقد أن هذا يمثل خطوة مهمة إلى الأمام نحو أفق جديد في مجال الروبوتات الطبية».

تطوير رائد

إن أحد مفاتيح هذا النجاح هو استخدام الحركات النسبية بدلاً من التعليمات المطلقة. ففي نظام دافنشي قد لا تنتهي الأذرع الآلية إلى حيث هي مقصودة تماماً بسبب التناقضات الطفيفة في حركة المفصل التي تتراكم على مدار عدة حركات ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى أخطاء كبيرة -خاصة في بيئة حساسة مثل الجراحة. كان على الفريق إيجاد حل، لذا بدلاً من الاعتماد على هذه القياسات، قام بتدريب النموذج على التحرك بناءً على ما يلاحظه في الوقت الفعلي أثناء إجراء العملية.

لكن الابتكار الرئيسي هنا هو أن التعلم بالتقليد يزيل الحاجة إلى البرمجة اليدوية للحركات الفردية. قبل هذا الاختراق، كانت برمجة الروبوت للخياطة تتطلب ترميزاً يدوياً لكل حركة بالتفصيل. يقول كيم إن هذه الطريقة كانت أيضاً عرضة للخطأ وتشكل قيداً رئيسياً في تقدم الجراحة الروبوتية. إذ إنها حدت مما يمكن للروبوت فعله بسبب جهود التطوير، والافتقار إلى المرونة التي جعلت من الصعب للغاية على الروبوتات القيام بمهام جديدة.

ومع ذلك، يسمح التعلم بالتقليد للروبوت بالتكيف بسرعة مع أي شيء يمكن مشاهدته، والتعلم على غرار طالب الجراحة. «(نحن) نحتاج فقط إلى جمع بيانات التعلم التقليدي لإجراءات مختلفة، ويمكننا تدريب الروبوت على تعلمها في غضون يومين»، كما يقول كريغر. «هذا يسمح لنا بالتعجيل نحو هدف الاستقلالية مع تقليل الأخطاء الطبية وتحقيق جراحة أكثر دقة».

تقييم مدى النجاح

لقياس مدى نجاح الذكاء الاصطناعي، حدد الباحثون مقاييس الأداء الرئيسية، مثل الدقة في وضع الإبرة والاتساق في التلاعب بالأنسجة باستخدام مجموعة من البيئات الجراحية الوهمية المادية، والتي تضمنت محاكيات الأنسجة الاصطناعية والدمى الجراحية. وكانت النتائج مذهلة. يقول كريغر: «النموذج جيد جداً في تعلم الأشياء التي لم نعلمه إياها. على سبيل المثال، إذا أسقط الإبرة، فسوف يلتقطها تلقائياً ويستمر».

لا تعد هذه القدرة على التكيف مهمة فقط لمواصلة تعلم مهارات جديدة ولكنها أيضاً ضرورية للتعامل مع الأحداث غير المتوقعة في الجراحات الحية، مثل تمزق الشريان أو تغير العلامات الحيوية للمريض فجأة. بالإضافة إلى ذلك، أظهر النموذج كفاءة زمنية محسنة، ما أدى إلى تقليل وقت الانتهاء للمهام الجراحية القياسية مثل الخياطة بنحو 30 في المائة، وهو أمر واعد بشكل خاص للعمليات الحرجة من حيث الوقت.

ويتصور العلماء سيناريو حيث تساعد هذه الروبوتات الجراحين في المواقف عالية الضغط، وتعزيز قدراتهم وتقليل الخطأ البشري. سيؤثر جراحو الذكاء الاصطناعي المستقبليون بشكل كبير على توفر الرعاية الجراحية، مما يجعل التدخلات الطبية عالية الجودة متاحة لعدد أكبر.

اللوائح التنظيمية وأخلاقيات الطب

هناك أيضاً تحديات أخلاقية وتنظيمية يجب معالجتها قبل نشر مثل هذا الذكاء الاصطناعي في بيئات جراحية حقيقية دون إشراف بشري. فالقفزة نحو الروبوتات الجراحية المستقلة تثير مخاوف أخلاقية جديدة.

هناك قضية المساءلة: من سيكون مسؤولاً إذا حدثت مشكلة؟ الشركة التي صنعت الجراح الذكي؟ المهنيون الطبيون الذين يشرفون عليه (إذا كان هناك أي إشراف)؟ هناك أيضاً مسألة موافقة المريض، والتي ستتطلب تثقيف كل من الشخص الذي يخضع للجراحة والأشخاص المحيطين به حول ماهية هذا الذكاء الاصطناعي، وما الذي يمكنهم فعله بالضبط، وما هي المخاطر التي تشكلها الروبوتات مقارنة بالجراحين البشر.

يعترف كيم بأن المستقبل الآن في منطقة رمادية حيث يمكن للجميع مجرد التكهن بما يجب أن يحدث أو سيحدث. ستكون أيدي السلطات التنظيمية مشغولة، من معالجة المساءلة والمخاوف الأخلاقية عند السماح لجراحي الذكاء الاصطناعي بالعمل بشكل مستقل، إلى وضع معايير للحصول على موافقة مستنيرة من المرضى.

ولكن عند الاختيار بين إجراء عملية جراحية طارئة منقذة للحياة بواسطة جراح مستقل أو عدم تلقي العلاج لأن الجراح البشري غير متاح (مثلاً في مكان بعيد أو منطقة متخلفة)، يزعم كيم أن الخيار الأفضل واضح. يمكنني بسهولة أن أتخيل مستقبلاً قريباً حيث يبدأ الناس في اختيار روبوتات الذكاء الاصطناعي على نظرائهم من البشر - في ظل وجود دليل إحصائي على أن جراحي الذكاء الاصطناعي يعملون بأمان.

وبعيداً عن التحديات الأخلاقية والقانونية، هناك حاجة إلى المزيد من العمل لتمكين التنفيذ العملي. ستحتاج المستشفيات إلى الاستثمار في البنية الأساسية التي تدعم جراحة الروبوتات بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الأجهزة المادية والخبرة الفنية للتشغيل والصيانة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون تدريب الفرق الطبية على إدارة العملية أمراً بالغ الأهمية. فالأطباء سيحتاجون إلى فهم الآلة ومتى يكون التدخل ضرورياً، وفي النهاية تحويل الجراحين البشريين من المهام الجراحية المباشرة إلى أدوار تركز على الإشراف والسلامة.

جراحات بسيطة أولاً

على المستوى العملي، يتصور الباحثون تقدماً تدريجياً، بدءاً بجراحات أبسط وأقل خطورة مثل إصلاح الفتق والتقدم تدريجياً إلى عمليات أكثر تعقيداً. سيساعد النهج التدريجي في التحقق من موثوقية الروبوت مع معالجة المخاوف التنظيمية والأخلاقية بمرور الوقت، فضلاً عن مساعدة السكان على الثقة في الذكاء الاصطناعي لإجراء العمليات الحرجة للحياة.

يقول كريغر: «ما زلنا في المراحل الأولى من فهم ما يمكن أن تحققه هذه الآلات حقاً. الهدف النهائي هو الحصول على أنظمة جراحية مستقلة تماماً وموثوقة وقابلة للتكيف وقادرة على إجراء العمليات الجراحية التي تتطلب حالياً اختصاصياً مدرباً تدريباً عالياً».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً