حلول مبتكرة لمواجهة العواصف الترابية في الشرق الأوسط

رصد ارتفاع مستويات الغبار بالخليج العربي والعراق واليمن ومصر

زيادة تواتر وشدة العواصف الترابية في منطقة الشرق الأوسط (المعهد الملكي للتكنولوجيا في السويد)
زيادة تواتر وشدة العواصف الترابية في منطقة الشرق الأوسط (المعهد الملكي للتكنولوجيا في السويد)
TT

حلول مبتكرة لمواجهة العواصف الترابية في الشرق الأوسط

زيادة تواتر وشدة العواصف الترابية في منطقة الشرق الأوسط (المعهد الملكي للتكنولوجيا في السويد)
زيادة تواتر وشدة العواصف الترابية في منطقة الشرق الأوسط (المعهد الملكي للتكنولوجيا في السويد)

تتعرض منطقة الشرق الأوسط لزيادة تواتر وشدة العواصف الترابية في العقود الأخيرة، ما يؤثر سلباً على الزراعة والصحة العامة وجودة الهواء والبيئة والبنية التحتية. وتُفاقم التغيرات المناخية والأنشطة البشرية والجفاف المُطوّل هذه العواصف.

عواصف رملية

وكشفت دراسة دولية قادها باحثون في السويد، نشرت بعدد مايو (أيار) 2024، في دورية (Science of the Total Environment)، عن أن تغير المناخ يحول العواصف الترابية إلى تهديد متزايد على الصحة والاقتصاد في المنطقة. وأظهرت الدراسة أن المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات شمال العراق وعلى طول الحدود السورية العراقية تعاني من أعلى تركيز لمصادر الغبار وقلة الأمطار، ما يعكس زيادة حادة على مدى العشرين سنة الماضية.

ومن خلال تحليل بيانات الأربعين سنة الماضية، وجد الباحثون زيادة في مستويات الغبار في العراق واليمن وأجزاء من إيران ومصر والخليج العربي، وانخفاضاً ملحوظاً في هطول الأمطار بشمال العراق وسوريا وجنوب غربي إيران وجنوب تركيا. وتفاقمت تأثيرات المناخ الجاف والحار بسبب إزالة الغابات، وبناء السدود، والإفراط في الري، واستخراج المياه.

تقول الدكتورة زهرة كالانتاري من قسم علوم الهندسة البيئية في المعهد الملكي للتكنولوجيا في السويد، الباحثة الرئيسية للدراسة، إن تركيز الغبار بين نهري دجلة والفرات يعزى لعوامل طبيعية مثل المناخ الجاف والطبيعة الصحراوية، التي تخلق ظروفاً مواتية لتكوين الغبار. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك عوامل بشرية مساهمة مثل إزالة الغابات وتوسيع المناطق الزراعية والحضرية، وممارسات إدارة الموارد المائية السيئة، والحروب والصراعات العسكرية، ما أسهم في تدمير الغطاء النباتي وعدم استقرار التربة وانبعاثات الغبار».

وتشير كالانتاري إلى أن مستويات الغبار المرتفعة خاصة بين نهري دجلة والفرات تتسبب في خسائر اقتصادية واضطرابات اجتماعية، حيث تؤثر العواصف الترابية سلباً على الزراعة والأمن الغذائي، وتزيد من مخاطر الأمراض التنفسية. وتشمل القطاعات المتأثرة الزراعة والرعاية الصحية والنقل والسياحة والبناء.

حلول مبتكرة

واقترح الباحثون حلولاً مبتكرة تركز على السياسات والاستراتيجيات الشاملة لإدارة وتخفيف تأثير العواصف الترابية، تشمل الحفاظ على التربة والمياه، مثل إعادة التشجير والإدارة المستدامة للأراضي، وتبني تقنيات الري الفعّالة للحفاظ على رطوبة التربة وتقليل التآكل.

كما تشمل إنشاء أنظمة مراقبة متقدمة لتتبع مستويات الغبار وتحديد المصادر، وتحسين الإنذار المبكر والاستجابة الفعّالة، بالإضافة لحملات توعية عامة حول مخاطر العواصف الترابية وإشراك الجمهور في التدابير الاستباقية.

وأكد الباحثون أهمية التعاون الإقليمي والدولي لتنسيق الجهود وتنفيذ الحلول العابرة للحدود، وتطوير تدابير التكيف مع المناخ لزيادة الصمود أمام تأثيرات العواصف الترابية، مشددين على ضرورة تنظيم الأنشطة التي تساهم في انبعاثات الغبار، مثل التعدين واستخراج النفط والزراعة غير المستدامة، والاستثمار في البحث لتطوير حلول مبتكرة لإدارة مخاطر العواصف الترابية وتعزيز المعرفة والتكنولوجيا، مع إعطاء الأولوية للإدارة البيئية والإصلاحات السياسية لمعالجة الأسباب الجذرية للعواصف الترابية، مثل ندرة المياه والتصحر وتدهور الأراضي.

من جهته، يقول وحيد إمام، أستاذ العلوم البيئية بجامعة عين شمس في مصر، إن التغيرات المناخية تعد أحد أبرز أسباب تفاقم العواصف الترابية بالمنطقة، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة والجفاف إلى تفتت التربة وجعلها أكثر عرضة للانجراف بفعل الرياح.

وأضاف إمام لـ«الشرق الأوسط»، أن العواصف الترابية تتفاقم في مواسم معينة، خاصة في فصلي الربيع والصيف، نتيجة رياح الخماسين الجافة والحارة التي تهب من الجنوب الغربي، ما يؤدي لتشكل العواصف بسبب حركة الرمال والغبار.

وللتخفيف من حدة العواصف الترابية وآثارها، حثّ إمام على اتخاذ إجراءات ضرورية، منها زراعة الأراضي المكشوفة بالأشجار والنباتات لتثبيت التربة ومنع انجرافها، وإدارة الموارد المائية بشكل مستدام، والحد من إزالة الغابات.



علماء يرصدون أخيراً ثقباً أسود ذا «كتلة متوسطة»

أدلة على وجود ثقوب سوداء ذات كتلة متوسّطة في «أوميغا سنتوري» وهو أكبر تجمّع نجمي في درب التبانة (أ.ف.ب)
أدلة على وجود ثقوب سوداء ذات كتلة متوسّطة في «أوميغا سنتوري» وهو أكبر تجمّع نجمي في درب التبانة (أ.ف.ب)
TT

علماء يرصدون أخيراً ثقباً أسود ذا «كتلة متوسطة»

أدلة على وجود ثقوب سوداء ذات كتلة متوسّطة في «أوميغا سنتوري» وهو أكبر تجمّع نجمي في درب التبانة (أ.ف.ب)
أدلة على وجود ثقوب سوداء ذات كتلة متوسّطة في «أوميغا سنتوري» وهو أكبر تجمّع نجمي في درب التبانة (أ.ف.ب)

أعلن علماء فلك، أمس (الأربعاء)، أنّهم عثروا على أفضل دليل على وجود ثقوب سوداء ذات «كتلة متوسّطة» في أوميغا سنتوري، وهو أكبر تجمّع نجمي في درب التبانة، يبعد نحو 18 ألف سنة ضوئية من الأرض.

والكون غني بالثقوب السوداء التي يتميّز بعضها بكتلة ضخمة جداً ويقع وسط المجرات، فيما أخرى كتلتها خفيفة نشأت عقب تفكك نجم، لكنّ البحث عن ثقوب ذات «كتل متوسّطة» لم ينجح حتى اليوم.

وفي حديث إلى وكالة الصحافة الفرنسية، قال ماكسيميليان هابرلي، وهو طالب دكتوراه في معهد ماكس بلانك الألماني لعلم الفلك، إنّهم لاحظوا «شيئاً مثيراً للاهتمام» في وسط أوميغا سنتوري، الذي يضم نحو 10 ملايين نجم.

وكانت 7 نجوم تتحرك بسرعة كبيرة جداً مقارنة بأخرى، وهو ما كان يُفترض أن يُخرجها من التجمّع النجمي. لكن يبدو أنّها بقيت فيه بفضل جاذبية جسم كتلته ضخمة، لدرجة أنه كان غير مرئي.

مساحة كبيرة جداً

مكّنت حسابات تحاكي حركة النجوم السبعة من التوصّل إلى أنّ ثقباً أسود يقع وسط أوميغا سنتوري يتميّز بكتلة أكبر من تلك الخاصة بالشمس بـ8200 مرة.

ويناسب هذا الحجم بالضبط الثقوب السوداء المتوسطة. وتصل كتلة ما يسمى بالثقب الأسود النجمي إلى حجم يتخطى كتلة الشمس بـ150 مرة، بينما تتجاوز كتلة الثقب الأسود الضخم الكتلة الشمسية بـ100 ألف مرة. فعلى سبيل المثال، تزيد كتلة الرامي «A*» الموجود في وسط مجرة درب التبانة عن كتلة الشمس بـ4 مرات.

وأشار المعدّ الرئيسي للدراسة المنشورة في مجلة «نيتشر»، ماكسيميليان هابرلي، إلى أنّ هذه النتيجة تشير إلى وجود «مساحة كبيرة جداً» بين هذين النقيضين للثقوب السوداء المتوسطة، في ظل وجود عدد قليل جداً من الثقوب السوداء لتمثيلهما.

ومن المستحيل رصد الثقوب السوداء إلا بشكل غير مباشر، فحتى الضوء لا يمكنه تفادي قوة جاذبيتها. أما الثقوب «المتوسطة» فتتسم بسرّية أكبر لأنّها تمتص كمية قليلة من المادة المحيطة وينبعث منها تالياً ضوء أقل في تلك اللحظة.

وأمل هابرلي أن يضع هذا الاكتشاف نهاية لعقدين من الخلافات بين علماء الفلك بشأن ما إذا كان أوميغا سنتوري يضمّ ثقباً أسود متوسطاً.

ودرس الفريق بيانات من 20 عاماً تضمّ عمليات رصد لتلسكوب هابل، بهدف تحديد حركة 1.4 مليون نجم في أوميغا سنتوري. واستبعدوا الفرضيات التي تتحدّث عن ثقوب سوداء نجمية متعددة أو أنظمة نجمية ثنائية، بحسب هابرلي.

وأوضح أنّ تأكيداً نهائياً لوجود ثقب أسود متوسط يتطلب مراقبة مباشرة لحركة النجوم التي تدور حوله، الأمر الذي يستغرق مئات السنين.

دليل أفضل

قال عدد كبير من علماء الفلك الذين لم يشاركوا في الدراسة إنّ نتائج البحث الجديد هي أفضل دليل على وجود ثقوب سوداء متوسطة يتم التوصل إليه حتى اليوم.

وقالت عالمة الفيزياء الفلكية في جامعة برينستون، جيني غرين، عبر وكالة الصحافة الفرنسية: «إنّ هذه النتيجة تفتح الباب لمعرفة مدى شيوع مثل هذه الثقوب السوداء».

ويُفترض أن تتيح دراسة هذه الأجسام الغريبة فهم كيفية اكتساب الثقوب السوداء لكتلتها. وتشير إحدى النظريات إلى أنّ الثقوب السوداء تندمج معاً.

لكنّ هذه النظرية لا تفسّر ما اكتشفه تلسكوب جيمس ويب الفضائي من ثقوب سوداء هائلة حدثت بعد بضع مئات الملايين من السنين فقط من الانفجار الكبير، في العصور المبكرة للكون.

فالثقوب السوداء النجمية لم يُتَح لها الوقت الكافي للاندماج بأعداد كبيرة وتوليد هذه الكتل الكبيرة.

ويعلّق علماء الفلك كل آمالهم على الإطلاق المرتقب عام 2028 لـ«إيه أل تي» (Extremely large telescope)، وهو أكبر تلسكوب في العالم، لمحاولة اكتشاف مزيد عن الثقوب السوداء المتوسطة والضخمة.