«ساطعة بشكل مذهل وضخمة»... «جيمس ويب» يكتشف أبعد مجرة تُرصَد على الإطلاق

مجرة «JADES-GS-z14-0» تم تحديدها لتكون عند انزياح أحمر قدره 14.32 (+0.08/-0.20) مما يجعلها صاحبة الرقم القياسي الحالي لأكثر المجرات المعروفة نفوراً وهذا يتوافق مع وقت أقل من 300 مليون سنة بعد الانفجار الكبير (أ.ف.ب)
مجرة «JADES-GS-z14-0» تم تحديدها لتكون عند انزياح أحمر قدره 14.32 (+0.08/-0.20) مما يجعلها صاحبة الرقم القياسي الحالي لأكثر المجرات المعروفة نفوراً وهذا يتوافق مع وقت أقل من 300 مليون سنة بعد الانفجار الكبير (أ.ف.ب)
TT

«ساطعة بشكل مذهل وضخمة»... «جيمس ويب» يكتشف أبعد مجرة تُرصَد على الإطلاق

مجرة «JADES-GS-z14-0» تم تحديدها لتكون عند انزياح أحمر قدره 14.32 (+0.08/-0.20) مما يجعلها صاحبة الرقم القياسي الحالي لأكثر المجرات المعروفة نفوراً وهذا يتوافق مع وقت أقل من 300 مليون سنة بعد الانفجار الكبير (أ.ف.ب)
مجرة «JADES-GS-z14-0» تم تحديدها لتكون عند انزياح أحمر قدره 14.32 (+0.08/-0.20) مما يجعلها صاحبة الرقم القياسي الحالي لأكثر المجرات المعروفة نفوراً وهذا يتوافق مع وقت أقل من 300 مليون سنة بعد الانفجار الكبير (أ.ف.ب)

رصد تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي أبعد مجرة تُكتَشَف على الإطلاق، تشكّلت قبل نحو 290 مليون سنة فقط من الانفجار الكبير، وأذهل سطوعها فريق العلماء حول العالم الذين أعلنوا الاكتشاف (الخميس).

وأوضحت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أنّ هذه المجرة تتميّز بخصائص لها «تأثير كبير» في فهمنا لعصور الكون المبكرة.

والمجرة التي أُطلقت عليها تسمية «JADES-GS-z14-0»، ليست «من أنواع المجرات التي تنبأت بها النماذج النظرية وعمليات المحاكاة الحاسوبية في الكون الناشئ جداً»، وفقاً لبيان الباحثَين المشاركَين في هذا الاكتشاف؛ ستيفانو كارنياني وكيفن هينلاين.

وتساءلا: «كيف تمكّنت الطبيعة من إنشاء مثل هذه المجرة المضيئة والضخمة والكبيرة في أقل من 300 مليون سنة؟».

وقال هينلاين، من جامعة أريزونا في الولايات المتحدة، إنه «قفز» فرحاً عند تأكيد بُعد المجرة.

وتابع، في مقطع فيديو نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، «إذا كان الكون فيلماً مدته ساعتان، فإن تاريخ هذه المجرة يعود إلى أول دقيقتين ونصف الدقيقة».

وأشار إلى أنّ المجرة «غريبة جداً. فهي ساطعة بشكل كبير وضخمة جداً، وقد تحمل أدلة على وجود أكسجين، ونظراً إلى حجم المنطقة التي استكشفناها لرصدها، قد نكتشف مزيداً من المجرات».

وفي علم الفلك، يعني الرصد البعيد عودة بالزمن إلى الوراء. وعلى سبيل المثال، يستغرق ضوء الشمس 8 دقائق للوصول إلينا، فنراه إذاً كما كان قبل 8 دقائق. ومن خلال النظر إلى أبعد ما يمكن، يمكننا تالياً رصد أجرام كما كانت قبل مليارات السنين.

لكنّ الضوء المنبعث من الأجسام البعيدة جداً امتدّ حتى وصل إلينا، و«احمرّ» على طول الطريق، ومرّ في طول موجي غير مرئي للعين المجردة هو الأشعة تحت الحمراء.

وما يميّز «جيمس ويب» هو أنه يعمل فقط في الأشعة تحت الحمراء.

«عدد جنوني من الاكتشافات»

ومنذ إطلاق في ديسمبر (كانون الأول) 2021، رصد «جيمس ويب» مجرة تحمل تسمية «JADES-GS-z13-0»، أُعلن حتى اليوم أنها الأبعد على الإطلاق ويعود تاريخها إلى 320 مليون سنة بعد الانفجار الكبير.

لكنّ المجرة التي أُعلن عن رصدها (الخميس) جعلته يحطم رقمه القياسي.

واستغرق الضوء المنبعث من المجرة المُكتشفة حديثاً أكثر من 13.5 مليار سنة ليصل إلينا (الانفجار العظيم حدث قبل 13.8 مليار سنة).

لكن «الرقم القياسي لا يهم» وقد يُحَطَّم مرة جديدة، بحسب هينلاين الذي يعدّ أنّ «ما يهم هو أن الكون يبدو وكأنه يعجّ بالمجرات الساطعة جداً».

وأشار إلى أنّ المجرة المُكتَشَفة تحتوي على كمية كبيرة من النجوم، «وهو أمر مذهل نظراً إلى الوقت القصير» بين الانفجار الكبير ولحظة رصده.

وتثير آثار الأكسجين المكتشفة فضولاً مماثلاً لدى العلماء، لأنّ هذا الغاز «يستلزم أن تكون النجوم قد عاشت حياتها كاملةً ثم ماتت في انفجارات المستعرات الأعظم».

واكتُشفت المجرة للمرة الأولى في يناير (كانون الثاني) 2023 من خلال جهاز التصوير «نير كام (NIRCam)»، ولكن بفضل عمليات الرصد التي أُجريت بعد عام باستخدام أداة أخرى تابعة للتلسكوب هي مطياف «نيرسبيك (NIRSpec)»، تم تأكيد بُعدها.

ويبلغ عرض المجرة أكثر من 1600 سنة ضوئية، ويُرجَّح أن كتلته تتخطى كتلة الشمس بمئات ملايين المرات.

وقُدِّمَت مقالات تتمحور حول هذا الاكتشاف للنشر في مجلات علمية.

ويُعدّ تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي جوهرة تكنولوجية ابتكرتها تحديداً وكالتا الفضاء الأميركية والأوروبية، وهو متمركز على مسافة 1.5 مليون كيلومتر من الأرض، ويُستخدم لعمليات رصد يجريها علماء من مختلف أنحاء العالم.

وأشار هينلاين إلى أن «عدد الاكتشافات التي تمت في الكون الناشئ خلال عامين فقط، أي منذ أن بدأ التلسكوب يرسل بياناته العلمية، جنوني»، معرباً عن أمله في أن يستمر «جيمس ويب» في تقديم نتائج مماثلة للعقود المقبلة.


مقالات ذات صلة

هلاك محقق للبشرية... كوكب صخري يرسم صورة للمستقبل البعيد للحياة على الأرض

علوم «القزم الأبيض»... أول كوكب صخري يجري رصده وهو يدور حول نجم يشرف على نهايته (رويترز)

هلاك محقق للبشرية... كوكب صخري يرسم صورة للمستقبل البعيد للحياة على الأرض

يقدم أول كوكب صخري يجري رصده وهو يدور حول نجم يشرف على نهايته، ويسمى قزماً أبيض، لمحة عما قد يكون عليه كوكب الأرض بعد مليارات السنين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق رسم توضيحي للمسبار «تشانغ إيه - 5» الصيني (شبكة تلفزيون الصين الدولية)

عيّنات توثّق التاريخ البركاني للجانب البعيد من القمر

أعلن فريق من العلماء الصينيين عن تحليل ودراسة عينات قمرية جُمعت بواسطة مهمة «تشانغ إيه - 6»، وهي أول عينات تُحلَّل من الجانب البعيد للقمر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق سيبقى القمر الجديد في الفضاء من يوم 29 سبتمبر ولمدة شهرين تقريباً (إ.ب.أ)

علماء يتوقعون ظهور قمر ثانٍ حول الأرض خلال أيام

توقّعت مجموعة من العلماء ظهور قمر ثانٍ حول الأرض خلال أيام، مشيرة إلى أنه سيبقى لفترة وجيزة فقط.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الأقمار الاصطناعية الصينية تراوغ أقمار الرصد الأميركية

الأقمار الاصطناعية الصينية تراوغ أقمار الرصد الأميركية

يستكشف بحث أميركي جديد ما يعرفه الصينيون عن برنامج التجسس الأميركي

يوميات الشرق العلماء يقترحون أن قشرة الكوكب امتصت جزءاً كبيراً من الغلاف الجوي المفقود للمريخ (رويترز)

علماء يكشفون حقيقة ما حدث للغلاف الجوي المفقود للمريخ

عندما فقد المريخ غلافه الجوي قبل مليارات السنين، تحول من كوكب كان من الممكن أن يدعم الحياة إلى عالم صحراوي بارد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دراسة ألمانية تتعمق في فهم دور جينات ومستقبلات اكتشاف الروائح

دراسة ألمانية تتعمق في فهم دور جينات ومستقبلات اكتشاف الروائح
TT

دراسة ألمانية تتعمق في فهم دور جينات ومستقبلات اكتشاف الروائح

دراسة ألمانية تتعمق في فهم دور جينات ومستقبلات اكتشاف الروائح

في دراسة جديدة، تعمق باحثون ألمان في كيفية معالجة الدماغ للروائح، ووظيفة مستقبلات الرائحة، وهي عائلة جينية تشكل نحو 2 في المائة من الجينوم البشري. وأشرف على الدراسة بيتر مومبارتس رئيس وحدة أبحاث معهد ماكس بلانك لعلم الوراثة العصبية في فرانكفورت بألمانيا.

جينات مستقبلات الروائح

من المعلوم أن أنف الإنسان العاقل عبارة عن جهاز استشعار كيميائي متطور، فهو قادر على شم أي نوع من الجزيئات المتطايرة تقريباً حتى لو كانت بتركيزات منخفضة للغاية، كما أنه قادر على التمييز بين الجزيئات ذات الصلة التركيبية.

وتعتمد عملية التعرف على الروائح على تنوع «جينات مستقبلات الروائح» odorant receptor (OR) genes، التي اكتشفتها ليندا باك وزميلها ريتشارد أكسل في عام 1991، اللذان حصلا على جائزة نوبل مناصفة في الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) أو الطب عام 2004.

وتشكل جينات مستقبلات الروائح أكبر العائلات الجينية في الجينومات الثديية. وبعد مرور عقد من الزمان على اكتشافها قدمت التطورات في تسلسل الجينوم البشري مسودة أولى لمجموعة جينات مستقبلات الروائح البشرية.

وهي تتألف من نحو ألف تسلسل توجد في مجموعات متعددة منتشرة في مختلف أنحاء الجينوم. وأكثر من نصفها عبارة عن جينات زائفة) Pseudogenesالجينات الزائفة هي أجزاء غير وظيفية من الحمض النووي دي إن إيه DNA تشبه الجينات الوظيفية). وحتى وقت قريب لم يكن من الواضح دور الجينات في عملية الشم، إلا أن الباحثين بدأوا التعرف على المتغيرات الجينية التي قد توفر فرصة للربط بين النمط الجيني للشم والنمط الظاهري، أي البيئي، للشم.

تحديات فهم الرائحة

* كيف تعمل حاسة الشم؟ في الثدييات (اللبائن) الأرضية، مثل البشر، يتم إدراك الروائح كمواد كيميائية متطايرة تنتقل عبر الهواء، وتتفاعل مع المستقبلات في الخلايا العصبية الحسية الشمية الموجودة في الأنف. ثم ترسل هذه الخلايا العصبية إشارات كهربائية إلى البصلة الشمية في الدماغ، حيث تتم معالجة الإشارات وإرسالها إلى القشرة الشمية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من فهم أساسيات هذه العملية، لا يزال العلماء غير مدركين تماماً كيفية التعرف على الروائح المحددة؛ مثل رائحة الموز على سبيل المثال مع الأخذ في الاعتبار أن كل رائحة تتكون من مواد كيميائية متعددة وتتفاعل مع مستقبلات متعددة.

* كيف يتعرف الدماغ على الرائحة؟ وعلى الرغم من عقود من البحث تظل الأسئلة الرئيسية دون حل. على سبيل المثال كيف تتعرف أدمغتنا على الاختلافات المختلفة لروائح الموز رغم أنها تتكون من مواد كيميائية مختلفة؟ وكيف يمكن للجزيئات التي لا توجد حتى في الموز أن تحاكي رائحته؟

يشير عالم الأعصاب بيتر مومبارتس من وحدة أبحاث ماكس بلانك لعلم الوراثة العصبية في لقاء له مع دانييلا هيرشفيلد، أستاذة جامعة وزميلة صحافة العلوم في معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، نشر في مجلة «Knowable» في 4 سبتمبر (أيلول) الحالي 2024، إلى أنه في حين يعرف العلماء المكونات الرئيسية لنظام الشم، فإن فهم كيفية عمل هذه المكونات معاً لخلق إدراكات محددة للرائحة لا يزال بعيد المنال، بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم ما يعرفه الباحثون عن الشم يعتمد على دراسات أجريت على الفئران المعدلة وراثياً، والتي قد لا تترجم دائمًا بشكل مثالي للبشر بسبب الاختلافات في أنظمتهم الشمية.

الأساس الجيني للرائحة

* عدد جينات الرائحة: يحتوي جسم الإنسان على نحو 400 جين لمستقبلات الرائحة، بينما تمتلك الأنواع الأخرى عدداً أكبر بكثير. وعلى سبيل المثال وبالمقارنة بالكلاب يتضح الفارق، فالكلب لديه ثلاثة أضعاف هذا العدد من المستقبلات، بينما تمتلك الفيلة الأفريقية نحو 2000 جين وهو أكبر عدد معروف.

ومع ذلك، فإن عدد هذه الجينات لا يتوافق بالضرورة مع حاسة شم أقوى، إذ بإمكان الإنسان أن يميز نحو عشرة آلاف رائحة مختلفة.

ولا يزال الباحثون يحاولون فهم الأساس الجيني للاختلافات في حساسية الرائحة؛ مثل سبب امتلاك بعض الأشخاص - مثل خبراء العطور المحترفين (المعروفين باسم «الأنوف») - قدرات شمية عالية التدريب على الرغم من عدم وجود دليل واضح يربط هذا بالوراثة.

دور أوسع لمستقبلات الرائحة

ومن المثير للاهتمام أن جينات مستقبلات الرائحة لا توجد فقط في الأنف، إذ يتم التعبير عنها في أجزاء أخرى من الجسم، مثل البروستاتا والجسم السباتي Carotid body (الذي يساعد في تنظيم التنفس، وهو تجمع لمجموعة من المستقبلات الكيميائية وعدد من الخلايا الداعمة والموجودة على جانبي الرقبة).

وقد أظهر بحث مومبارتس أن أحد هذه المستقبلات الذي يدعى Olfr78 يلعب دوراً في نضج الخلايا التي تكتشف مستويات الأكسجين في الدم على الرغم من أن وظيفته الدقيقة لا تزال غير واضحة.

الشم و«كوفيد - 19»

كما شارك مومبارتس في دراسة تأثيرات فيروس «سارس - كوف - 2» على حاسة الشم، التي غالباً ما تُفقد مؤقتاً أو بشكل دائم لدى مرضى «كوفيد - 19». وتشير أبحاثه إلى أنه في حين أن الفيروس لا يصيب الخلايا العصبية الحسية الشمية بشكل مباشر، فإنه يستهدف الخلايا الداعمة في الظهارة الشمية) olfactory epitheliumالظهارة الشمية هي نسيج ظهاري متخصص داخل تجويف الأنف يشارك في الشم). وهذا ما يعطل الوظيفة الحسية الطبيعية ولا تزال الآليات الدقيقة وراء هذا التعطيل وعملية التعافي قيد التحقيق.

ألغاز الشم المستمرة

وعلى الرغم من النمو السريع لأبحاث الشم منذ اكتشاف جينات مستقبلات الرائحة في عام 1991، فإن العديد من الأسئلة الأساسية لا تزال دون إجابة، فلا يزال مومبارتس يلاحق الألغاز نفسها التي أثارت اهتمامه بهذا المجال، بما في ذلك كيفية اختيار الخلايا العصبية لجين مستقبل الرائحة لتنشيطه وكيف تجد المحاور من الخلايا العصبية الحسية الشمية أهدافها في الدماغ.

ومن أكثر الأشياء المثيرة في مسألة الشم هو أننا لا نرى إطلاقاً كيف تصل الروائح إلى داخل الأنف فنحن نشعر بها فقط ويحدث هذا في أجزاء من الثانية.

وتظل حاسة الشم مجالاً معقداً ومثيراً للاهتمام يحمل في طياته العديد من الاحتمالات غير المستغلة للاكتشاف، وربما في يوم من الأيام تطبيقات عملية للعلاجات الطبية. وحتى ذلك الحين تساهم أبحاث مومبارتس في فهم متزايد لمدى تأثير تركيبتنا الجينية على قدرتنا على إدراك العالم والتفاعل معه من خلال الشم.