كيف يتذكر أفضل حَفَظَة العالم الأحداث والأشياء؟

كيف يتذكر أفضل حَفَظَة العالم الأحداث والأشياء؟
TT

كيف يتذكر أفضل حَفَظَة العالم الأحداث والأشياء؟

كيف يتذكر أفضل حَفَظَة العالم الأحداث والأشياء؟

نحن نعيش اليوم في وقت لم تعد فيه عملية الحفظ شرطاً لمواصلة الحياة اليومية. هل تشعر بالقلق من نسيان عيد ميلاد شخص ما؟ فقط قم بعمل لكي يقوم جهاز إلكتروني بتذكيرك تلقائيا. هل نسيت الطريق إلى مطعم ذهبت إليه مرة واحدة فقط؟ أدخل الوجهة على نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس). وفي استطلاع عام 2023 أجراه موقع WhistleOut الأميركي وشمل 423 شخصاً فوق سن 16 عاماً، اعترف 21% منهم بكتابة «ما هو رقم هاتفي الخاص» في «غوغل».

درّب ذاكرتك

كاتي كيرمود

كاتي كيرمود Katie Kermode ليست واحدة من هؤلاء الناس، فقد فازت مطورة البرمجيات البريطانية هذه بكثير من مسابقات وبطولات الذاكرة، سواء في المملكة المتحدة أو على المستوى الدولي. واليوم، تم تصنيفها ضمن أفضل 100 شخص رياضي في مجال الذاكرة في العالم. وتواصل كيرمود استخدام التقنيات التي صقلتها في مسابقات الذاكرة في حياتها اليومية، مثل التقويمات الأسبوعية.

وقد كتبت أنيسة بورباساري هورتون عن بعض النصائح والممارسات التي تقدمها كيرمود حول كيفية تدريب عقلك على حفظ الأشياء، سواء كانت ذاكرتك قوية أم لا.

1. أنشئ «قصراً للذاكرة». عند القيام بأي تمرين لتدريب الذاكرة، تقوم كيرمود بإنشاء «قصر الذاكرة memory palace». وتوصي باختيار مبنى تعرفه جيداً، مثل منزلك أو مكان عملك، أو بدلاً من ذلك، يمكنك اختيار كائن معين.

تقول كيرمود: «هذا هو المكان الذي ستضع فيه ذكرياتك». إنها تعطي مثالاً لشخص يحاول حفظ أسماء جميع ملكات وملوك إنجلترا المختلفين. ولتذكر أسمائهم، تقترح تثبيتهم في موقع أو كائن مختلف. ثم توصي بتأليف قصة أو حكاية فريدة عن كل ملك أو ملكة وعن هذا الموقع أو الشيء. وبمجرد الانتهاء من ذلك، يمكنك القيام «برحلة» عبر كل من تلك المواقع أو الأشياء - والتي تمثل قصر الذاكرة الخاص بك.

تقول كيرمود: «إذا كانت مجرد أسماء، فهذا لا يعني أي شيء حقاً، ولكن إذا كان لكل منها مكان مختلف، فيمكنك إنشاء قصة كاملة وبيئة كاملة حول كل منها... لذلك، في كل مرة تتعلم فيها حقيقة جديدة، يكون لديك مكان لوضعها فيه، وهذا يساعدك على ترسيخ تلك الحقيقة الجديدة في مكان ما».

ربط الأرقام بالحروف

2. الاستفادة من المنظومات والارتباطات. الأسلوب الثاني الذي تستخدمه كيرمود هو إنشاء «مثيلات للأشياء التي كانت تريد أن تتذكرها». بالنسبة لأشياء مثل «الأرقام والبطاقات، إذا لم تكن شيئاً ملموساً وسهلاً، كان يجب أن يكون لدي نظام يحولها إلى أشخاص أو أشياء، أو شيء يمكنك تخيله بسهولة أكبر في مكان معين».

بالنسبة للأرقام، تستخدم كيرمود «النظام الرئيسي the major system» - وهو أسلوب ذاكري يحول الأرقام إلى أحرف، والعكس صحيح.

في حالات مثل حفظ أحداث التقويم، فإنها تختار شيئاً يبدو مشابهاً لليوم الذي يقع فيه حدث التقويم. على سبيل المثال، إذا كان لديها موعد مع طبيب الأسنان يوم الاثنين، فقد تختار «القمر» باعتباره الارتباط لأنه يبدو مشابهاً ليوم الاثنين. ثم تتخيل أنبوباً ضخماً من معجون الأسنان على القمر، أو طبيب أسنان يجري عملية جراحية لأسنان شخص ما على القمر.

تقول كيرمود إن الجمع بين إنشاء «رحلات» عبر «قصر الذاكرة» والاعتماد على نظام أو ارتباط، يميل إلى أن يكون ما يستخدمه رياضيو الذاكرة للتحضير للمنافسات. «هناك بعض الفروق الدقيقة والاختلافات بين المنافسين، ولكن في النهاية، إنها مزيج من تلك الأشياء».

ممارسة العادات الصحية

3. ممارسة النشاط البدني. أظهرت الأبحاث الحديثة أن ممارسة الرياضة والنشاط البدني يمكن أن يكون لها آثار إيجابية على الدماغ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالذاكرة.

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» مؤخراً مقالاً عن دراسة أجريت عام 2024 في مجلة مرض الزهايمر. قام الباحثون بفحص أدمغة 10000 فرد سليم تتراوح أعمارهم بين 18 و97 عاماً. واكتشفت الدراسة أن أولئك الذين مارسوا تمريناً معتدلاً لمدة 25 دقيقة على الأقل أربعة أيام في الأسبوع كان لديهم أدمغة أكبر من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك.

وكانت الاختلافات سائدة بشكل خاص في جوانب الدماغ المسؤولة عن التفكير والذاكرة. تقول كيرمود، التي تشير إلى أنها ليست خبيرة في الدماغ بأي حال من الأحوال، إنها تجد نفسها شخصياً أكثر يقظة إذا حاولت حفظ شيء ما بعد ممارسة الرياضة.

4. لا تهمل العادات الصحية بالإضافة إلى التمارين الرياضية، تقول كيرمود أيضاً إن النوم وتناول الطعام الصحي يمكن أن يكون لهما تأثير كبير على ذاكرتها. وتضيف: «إذا لم أنم جيداً وشاركت في مسابقة للذاكرة، فأنا أعلم أن أدائي سيكون سيئاً». وتتذكر الوقت الذي نامت فيه لفترة وجيزة خلال مسابقة الذاكرة، بعد يوم طويل من السفر واضطراب الرحلات الجوية الطويلة، ورأت أداءها يتأثر سلباً نتيجة لذلك.

متعة تدريب الذاكرة

5. اعتبر تدريب الذاكرة مسعى إبداعياً ممتعاً ومريحاً. وأخيراً، ترى كيرمود أن تدريب الذاكرة يجب ألا يشكل مجهودا متعبا، بل إنه يمكن أن يكون في الواقع تمريناً إبداعياً.

على سبيل المثال، تتطلب تقنية إنشاء «قصر الذاكرة» منك الانخراط في تمرين سرد القصص، الذي تعترف بأن بعضاً منه قد «يصبح مضحكاً للغاية، خاصة عندما تستخدم أشخاصاً تعرفهم». وفي حين أنها تعتقد أن معظم الناس اليوم لا يتمتعون بالصبر الكافي لحفظ الأشياء، إلا أنها تحثهم على التفكير بشكل مختلف: «إنه أمر مجزٍ حقاً عندما تفعل ذلك». وتقول: «يمكنك قضاء بعض الوقت وتذكر ما تتعلمه، وهو أمر مريح للغاية بطريقة ما... أعتقد أنه من المعيب علينا أننا لا نحفظ أي شيء على الإطلاق، إذ إن تلك القدرات لا تزال موجودة ونحتاج فقط إلى استخدامها».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً



دراسة ألمانية تتعمق في فهم دور جينات ومستقبلات اكتشاف الروائح

دراسة ألمانية تتعمق في فهم دور جينات ومستقبلات اكتشاف الروائح
TT

دراسة ألمانية تتعمق في فهم دور جينات ومستقبلات اكتشاف الروائح

دراسة ألمانية تتعمق في فهم دور جينات ومستقبلات اكتشاف الروائح

في دراسة جديدة، تعمق باحثون ألمان في كيفية معالجة الدماغ للروائح، ووظيفة مستقبلات الرائحة، وهي عائلة جينية تشكل نحو 2 في المائة من الجينوم البشري. وأشرف على الدراسة بيتر مومبارتس رئيس وحدة أبحاث معهد ماكس بلانك لعلم الوراثة العصبية في فرانكفورت بألمانيا.

جينات مستقبلات الروائح

من المعلوم أن أنف الإنسان العاقل عبارة عن جهاز استشعار كيميائي متطور، فهو قادر على شم أي نوع من الجزيئات المتطايرة تقريباً حتى لو كانت بتركيزات منخفضة للغاية، كما أنه قادر على التمييز بين الجزيئات ذات الصلة التركيبية.

وتعتمد عملية التعرف على الروائح على تنوع «جينات مستقبلات الروائح» odorant receptor (OR) genes، التي اكتشفتها ليندا باك وزميلها ريتشارد أكسل في عام 1991، اللذان حصلا على جائزة نوبل مناصفة في الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) أو الطب عام 2004.

وتشكل جينات مستقبلات الروائح أكبر العائلات الجينية في الجينومات الثديية. وبعد مرور عقد من الزمان على اكتشافها قدمت التطورات في تسلسل الجينوم البشري مسودة أولى لمجموعة جينات مستقبلات الروائح البشرية.

وهي تتألف من نحو ألف تسلسل توجد في مجموعات متعددة منتشرة في مختلف أنحاء الجينوم. وأكثر من نصفها عبارة عن جينات زائفة) Pseudogenesالجينات الزائفة هي أجزاء غير وظيفية من الحمض النووي دي إن إيه DNA تشبه الجينات الوظيفية). وحتى وقت قريب لم يكن من الواضح دور الجينات في عملية الشم، إلا أن الباحثين بدأوا التعرف على المتغيرات الجينية التي قد توفر فرصة للربط بين النمط الجيني للشم والنمط الظاهري، أي البيئي، للشم.

تحديات فهم الرائحة

* كيف تعمل حاسة الشم؟ في الثدييات (اللبائن) الأرضية، مثل البشر، يتم إدراك الروائح كمواد كيميائية متطايرة تنتقل عبر الهواء، وتتفاعل مع المستقبلات في الخلايا العصبية الحسية الشمية الموجودة في الأنف. ثم ترسل هذه الخلايا العصبية إشارات كهربائية إلى البصلة الشمية في الدماغ، حيث تتم معالجة الإشارات وإرسالها إلى القشرة الشمية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من فهم أساسيات هذه العملية، لا يزال العلماء غير مدركين تماماً كيفية التعرف على الروائح المحددة؛ مثل رائحة الموز على سبيل المثال مع الأخذ في الاعتبار أن كل رائحة تتكون من مواد كيميائية متعددة وتتفاعل مع مستقبلات متعددة.

* كيف يتعرف الدماغ على الرائحة؟ وعلى الرغم من عقود من البحث تظل الأسئلة الرئيسية دون حل. على سبيل المثال كيف تتعرف أدمغتنا على الاختلافات المختلفة لروائح الموز رغم أنها تتكون من مواد كيميائية مختلفة؟ وكيف يمكن للجزيئات التي لا توجد حتى في الموز أن تحاكي رائحته؟

يشير عالم الأعصاب بيتر مومبارتس من وحدة أبحاث ماكس بلانك لعلم الوراثة العصبية في لقاء له مع دانييلا هيرشفيلد، أستاذة جامعة وزميلة صحافة العلوم في معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، نشر في مجلة «Knowable» في 4 سبتمبر (أيلول) الحالي 2024، إلى أنه في حين يعرف العلماء المكونات الرئيسية لنظام الشم، فإن فهم كيفية عمل هذه المكونات معاً لخلق إدراكات محددة للرائحة لا يزال بعيد المنال، بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم ما يعرفه الباحثون عن الشم يعتمد على دراسات أجريت على الفئران المعدلة وراثياً، والتي قد لا تترجم دائمًا بشكل مثالي للبشر بسبب الاختلافات في أنظمتهم الشمية.

الأساس الجيني للرائحة

* عدد جينات الرائحة: يحتوي جسم الإنسان على نحو 400 جين لمستقبلات الرائحة، بينما تمتلك الأنواع الأخرى عدداً أكبر بكثير. وعلى سبيل المثال وبالمقارنة بالكلاب يتضح الفارق، فالكلب لديه ثلاثة أضعاف هذا العدد من المستقبلات، بينما تمتلك الفيلة الأفريقية نحو 2000 جين وهو أكبر عدد معروف.

ومع ذلك، فإن عدد هذه الجينات لا يتوافق بالضرورة مع حاسة شم أقوى، إذ بإمكان الإنسان أن يميز نحو عشرة آلاف رائحة مختلفة.

ولا يزال الباحثون يحاولون فهم الأساس الجيني للاختلافات في حساسية الرائحة؛ مثل سبب امتلاك بعض الأشخاص - مثل خبراء العطور المحترفين (المعروفين باسم «الأنوف») - قدرات شمية عالية التدريب على الرغم من عدم وجود دليل واضح يربط هذا بالوراثة.

دور أوسع لمستقبلات الرائحة

ومن المثير للاهتمام أن جينات مستقبلات الرائحة لا توجد فقط في الأنف، إذ يتم التعبير عنها في أجزاء أخرى من الجسم، مثل البروستاتا والجسم السباتي Carotid body (الذي يساعد في تنظيم التنفس، وهو تجمع لمجموعة من المستقبلات الكيميائية وعدد من الخلايا الداعمة والموجودة على جانبي الرقبة).

وقد أظهر بحث مومبارتس أن أحد هذه المستقبلات الذي يدعى Olfr78 يلعب دوراً في نضج الخلايا التي تكتشف مستويات الأكسجين في الدم على الرغم من أن وظيفته الدقيقة لا تزال غير واضحة.

الشم و«كوفيد - 19»

كما شارك مومبارتس في دراسة تأثيرات فيروس «سارس - كوف - 2» على حاسة الشم، التي غالباً ما تُفقد مؤقتاً أو بشكل دائم لدى مرضى «كوفيد - 19». وتشير أبحاثه إلى أنه في حين أن الفيروس لا يصيب الخلايا العصبية الحسية الشمية بشكل مباشر، فإنه يستهدف الخلايا الداعمة في الظهارة الشمية) olfactory epitheliumالظهارة الشمية هي نسيج ظهاري متخصص داخل تجويف الأنف يشارك في الشم). وهذا ما يعطل الوظيفة الحسية الطبيعية ولا تزال الآليات الدقيقة وراء هذا التعطيل وعملية التعافي قيد التحقيق.

ألغاز الشم المستمرة

وعلى الرغم من النمو السريع لأبحاث الشم منذ اكتشاف جينات مستقبلات الرائحة في عام 1991، فإن العديد من الأسئلة الأساسية لا تزال دون إجابة، فلا يزال مومبارتس يلاحق الألغاز نفسها التي أثارت اهتمامه بهذا المجال، بما في ذلك كيفية اختيار الخلايا العصبية لجين مستقبل الرائحة لتنشيطه وكيف تجد المحاور من الخلايا العصبية الحسية الشمية أهدافها في الدماغ.

ومن أكثر الأشياء المثيرة في مسألة الشم هو أننا لا نرى إطلاقاً كيف تصل الروائح إلى داخل الأنف فنحن نشعر بها فقط ويحدث هذا في أجزاء من الثانية.

وتظل حاسة الشم مجالاً معقداً ومثيراً للاهتمام يحمل في طياته العديد من الاحتمالات غير المستغلة للاكتشاف، وربما في يوم من الأيام تطبيقات عملية للعلاجات الطبية. وحتى ذلك الحين تساهم أبحاث مومبارتس في فهم متزايد لمدى تأثير تركيبتنا الجينية على قدرتنا على إدراك العالم والتفاعل معه من خلال الشم.