الذكاء الاصطناعي والتعليم... حقائق يحجبها التهويل الإعلامي

قدرته على توليد الأفكار تستحوذ على الخيال لكنها تزيد المخاوف من الأخطاء

الذكاء الاصطناعي والتعليم... حقائق يحجبها التهويل الإعلامي
TT

الذكاء الاصطناعي والتعليم... حقائق يحجبها التهويل الإعلامي

الذكاء الاصطناعي والتعليم... حقائق يحجبها التهويل الإعلامي

منذ الإصدار العام لمنصات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل «تشات جي بي تي» ChatGPT، و«جيمناي» Gemini، وعدد آخر لا يُحصى من النماذج الأخرى قبل أقل من عام، احتدم النقاش بين المعلمين حول قدرتها على تحويل التعلم وقلب معايير التدريس التقليدية.

إلهاب خيال الطلاب

وفي عرض تحليلي كتب ناثان شولتز، المدير التنفيذي في شركة «تشيغ انك» Chegg Inc في مجلة «فاست كومباني»، يقول إن قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي (ذ ا ت) على إنشاء المعلومات وتوليد الأفكار وتعزيز المعرفة بحرية وبشكل فوري - على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع - قد استحوذت على خيال الطلاب في جميع أنحاء العالم. ولم يكن هذا بالأمر المفاجئ.

وقد أظهرت دراسة حديثة أن ما يقرب من نصف طلاب الجامعات (49 في المائة) يستخدمون أدوات الكتابة الذكية للأغراض العامة مثل «جي بي تي». ومع ذلك، على الرغم من تحول الطلاب بشكل متزايد إلى تلك الأدوات، فإنهم يظلون متخوفين عندما يتعلّق الأمر باستخدامها في التعلم.

تخوف وعدم ثقة بالأفكار المولّدة

أظهر استطلاع عالمي حديث للطلاب أن 4 في المائة فقط من الطلاب الأميركيين قالوا إنهم يلجأون إلى أدوات (ذ ا ت) أولاً عندما يتعثرون في مفهوم أو مهمة ما. ويكمن أحد أسباب ذلك في عدم ثقة الطلاب بدقة المعلومات التي توفرها هذه الأدوات ونماذج اللغة الكبيرة التي تستخدمها. وما يثير القلق أن الاستطلاع العالمي للطلاب يُظهر أيضاً أن من بين 40 في المائة من الطلاب الجامعيين في جميع أنحاء العالم الذين استخدموا (ذ ا ت) في دراساتهم، يشعر 47 في المائة بالقلق بشأن تلقي معلومات غير دقيقة أو غير صحيحة.

تكنولوجيا ذكية تتخصص بموضوع محدد

إن بيئة التعليم تتطلب من الذكاء الاصطناعي نهجاً أكثر تركيزاً. يجب أن تتمثل الأولوية القصوى في إنشاء نظم موجهة لدراسة موضوع محدد خصيصاً، أي أدوات مدربة على المحتوى التعليمي لذلك الموضوع ومجموعات البيانات الكبيرة لتفاعلات الطلاب الفعلية معه. ويتم بعد ذلك ضبط تلك الأدوات الذكية بواسطة خبراء بشريين في ذلك الموضوع لضمان دقة جودة الإجابات.

ويرتبط هذا بطلب الطلاب، حيث يقول 59 في المائة من الطلاب الأميركيين إنهم يرغبون في رؤية أدوات (ذ ا ت) تتضمن الخبرة البشرية في توليد الإجابات. وبهذه الطريقة، يمكن تعميم الذكاء الاصطناعي في التعليم، وتقديم ما يتوقعه الطلاب ويستحقونه، أي مستوى من الدقة والتخصيص يساعدهم على تحقيق إتقان المواد عبر تنسيقات مختلفة.

تحديات الدراسات العلمية والمحاسبة

ويتجلى هذا التحدي بشكل خاص في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) ومواضيع الأعمال الكمية مثل التمويل والمحاسبة والاقتصاد.

في هذه المجالات، تكون نقاط القوة في توليد النص في «ذ ا ت» أقل فائدة، نظراً لوجود مساحة أقل للتفسيرات المتعددة ووجهات النظر الشخصية. وهنا تكون مسيرة الطلاب التعليمية الحقيقية دائماً فريدة من نوعها. وبالتالي، يجب أن تتطلع أدوات «ذ ا ت» التي تركز على التعليم أيضاً إلى تقديم محادثات حقيقية في اتجاهين تتحدى الطلاب من خلال اختبارات وتوصيات مصممة خصيصاً لاختبار فهمهم، والتعمق في المفاهيم لسد فجوات المعرفة الشخصية لديهم.

كما يعد دمج «الهندسة السريعة» طريقة أخرى لتعزيز التفسيرات المقدمة مع السياق المطلوب. فهنا يجب أن توجه أدوات «ذ ا ت» الطلاب إلى طرح المزيد من الأسئلة ذات الصلة منذ البداية. ففي الرياضيات، على سبيل المثال، فإن مجرد تقديم تلك الأدوات لإجابة ما دون ربطها بالمبادئ الأساسية ليس له قيمة تذكر.

التعلم الفردي يؤدي إلى التعلم المستقل

يتمتع الذكاء الاصطناعي أيضاً بالقدرة على استخدام تحليلات التعلم لإظهار كيفية تعلم كل طالب. ويمكن له أن يُعلمهم ما إذا كانوا يتعلمون في الأوقات المثالية من اليوم، وما إذا كانوا بحاجة إلى ممارسة المزيد من التدريب بدلاً من القراءة، أو إذا كانوا بحاجة إلى بناء مرونة التعلم للمضي قدماً وفهم المفاهيم الصعبة.

كما أنه يحمل إمكانية السماح للطلاب بمعرفة الوسائط التي تناسبهم بشكل أفضل، مثل النص أو الصوت أو الفيديو.

يجب أن يكون الهدف هو ترحيل الطلاب من تلقي المساعدة والتوجيه إلى التعلم المستقل المنظم ذاتياً، مع التحرر التدريجي من المسؤولية حتى يتمكن كل طالب من إتقان فن التعلم.

تجربة تعليمية شخصية

الهدف النهائي بطبيعة الحال هو الوصول إلى تجربة تعليمية شخصية تتناسب مع القدرات الفردية لكل طالب، واهتماماته، وأهدافه طويلة المدى. ولم تكن الحاجة إلى هذا النوع من الدعم أكبر من أي وقت مضى.

في عام 2021، لم يلتحق بالجامعات 62 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً. ومن بين أولئك الذين التحقوا، 33 في المائة لم يتخرجوا فيها قط. ويتعرض طلاب اليوم أيضاً لضغوط هائلة؛ في عام 2018، كانت هناك نسبة 43 في المائة من الطلاب بدوام كامل و81 في المائة من الطلاب بدوام جزئي يعملون أثناء الدراسة، في حين أن 22 في المائة من جميع الطلاب الجامعيين هم أيضاً آباء - وهو ما قد يفسّر سبب استخدام 7 في المائة من جميع الطلاب للموارد عبر الإنترنت مرة واحدة في الأسبوع أو أكثر للمساعدة في تعلمهم.

تعزيز معدلات الالتحاق بالجامعات

وهناك ضرورة واضحة لأنظمة دعم التعلم خارج قاعة المحاضرات التي تستجيب للاحتياجات والوضع المحدد لكل طالب. وإذا تمكن الذكاء الاصطناعي من المساعدة في تحقيق هذه الغاية، فسوف تتاح لنا فرصة هائلة لتحسين معدلات الالتحاق بالجامعات والتخرج فيها، وبالتالي التأثير بشكل إيجابي على الاقتصاد والمجتمع بشكل أوسع.

أظهرت إحدى الدراسات أن زيادة معدلات التخرج في الكليات التي يدرس فيها الطلاب لمدة عامين أو 4 أعوام، إلى 84 في المائة لفصل دراسي واحد فقط، من شأنه أن يزيد من دخل نصف مليون شخص بمقدار 19034 دولاراً سنوياً ويعزز عائدات الضرائب المحلية والولائية والفيدرالية بأكثر من 90 مليار دولار على مدار العام أثناء حياتهم.

شراكة مدرسية تقنية

لقد حان الوقت لإضفاء طابع رأسي (عمودي) على تطوير الذكاء الاصطناعي من خلال إنشاء أدوات يتم تدريبها واختبارها ومعايرتها باستخدام بيانات عالية الجودة خاصة بقطاع معين.

إذا تمكنت المدارس والجامعات من العمل في شراكة مع مطوري الذكاء الاصطناعي التعليمي لتقديم مثل هذه الأنظمة، فسوف نرفع جودة هذه الأدوات الذكية إلى مستوى جديد وأعلى بكثير. وعندما يحدث ذلك، سنكون قادرين على بناء نظام بيئي تعليمي أكثر عدالة، وأكثر فاعلية من حيث التكلفة، وأكثر دعماً للمتعلمين المكلفين بحل مشكلات الغد.

* خدمة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا يستعرض مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» أبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي المقبلة

مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» يكشف عن أبرز نزعات الذكاء الاصطناعي المقبلة

إطلاق أكبر مشروع للأمن الرقمي بتاريخ البشرية لمواجهة أكثر من 7000 هجمة في الثانية.

خلدون غسان سعيد (جدة)
الاقتصاد علم شركة «إنفيديا» على الحرم الجامعي في سانتا كلارا بكاليفورنيا (إ.ب.أ)

بالأرقام... كيف أصبحت «إنفيديا» الشركة الأكثر قيمة في العالم؟

حققت «إنفيديا» مرة أخرى نتائج ربع سنوية تجاوزت توقعات «وول ستريت».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شاشة تسجيل الوصول في مكتب «إنفيديا» في أوستن بتكساس (أ.ف.ب)

«إنفيديا» تتفوق على توقعات الأرباح مع ترقب المستثمرين للطلب على رقائق «بلاكويل» للذكاء الاصطناعي

أعلنت شركة «إنفيديا»، يوم الأربعاء، عن زيادة في أرباحها ومبيعاتها في الربع الثالث مع استمرار الطلب على رقائق الكمبيوتر المتخصصة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الذكاء الاصطناعي في علوم تقويم الأسنان

الذكاء الاصطناعي في علوم تقويم الأسنان
TT

الذكاء الاصطناعي في علوم تقويم الأسنان

الذكاء الاصطناعي في علوم تقويم الأسنان

تقويم الأسنان هو ذلك الفرع من فروع طب الأسنان الذي يهتم بتشخيص ومعالجة اعوجاج الأسنان وسوء الإطباق وعدم تناسق حجم الفك العلوي مع الفك السفلي. ويُعاني نحو 45 في المائة من المراهقين العرب من سوء الإطباق، وهم بحاجة إلى علاجات تقويم الأسنان لتحسين صحتهم الفموية وعلاج تلك المشكلات.

إمكانات الذكاء الاصطناعي

يمتلك الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة في مجال تقويم الأسنان، مع تطبيقات تتراوح من الكشف التلقائي عن المعالم التشريحية وتحليل القياسات الرأسية إلى التشخيص وتخطيط العلاج، وتقييم النمو والتطور، وتقييم نتائج العلاج.

> الكشف التلقائي عن المعالم التشريحية وتحليل القياسات الرأسية. أحد المجالات الأكثر شيوعاً لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تقويم الأسنان، هو الكشف التلقائي عن معالم القياسات الرأسية وتحليلها، وهي من أهم المؤشرات لتشخيص درجة سوء الإطباق أو اعوجاج الأسنان.ويتم إنشاء هذه القياسات بواسطة الذكاء الاصطناعي على الصور الشعاعية الثنائية والثلاثية الأبعاد (الأشعة المقطعية للفم والأسنان). وتُظهر الدراسات أن دقة هذه الأدوات تتنبأ بالنمو الهيكلي والسنوي العام لدى المرضى بنسبة تصل إلى 99 في المائة، مقارنة بنسبة 75 في المائة عند المراقبين البشر.

> تخطيط العلاج ودعم القرار السريري. التشخيص وتخطيط العلاج هما مكونات حاسمة في علاجات تقويم الأسنان، وينطويان على نظرة ذاتية وتعقيد كبير. وتساعد أنظمة دعم القرار السريري المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في تقليل هذه التحديات من خلال مساعدة الأطباء. وعلى سبيل المثال، فإن قرار خلع الأسنان هو قرار مهم في تقويم الأسنان ويمكن أن يختلف بين طبيب وطبيب. وأظهرت أنظمة دعم القرار المعتمدة على الشبكات العصبية الاصطناعية دقة عالية في تقدير قرارات خلع الأسنان، حيث بلغت دقتها 94 في المائة. يمكن استخدام هذه الأدوات أيضاً لتقييم احتياجات علاج تقويم الأسنان وتقدير نتائج العلاج.

تقييم التماثل الوجهي

> تقييم التماثل الوجهي والتنبؤ بموقع الأسنان المدفونة. تم تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي لتقييم التماثل الوجهي بدقة عالية قبل وبعد الجراحة الفكية باستخدام صور الأشعة المقطعية المخروطية (CBCT) للفم والأسنان، مما يوفر دقة تصل إلى 90 في المائة. وتساعد هذه النماذج أطباء تقويم الأسنان في الحصول على تقييم دقيق للحالة وتحليل التغيرات التي تحدث بعد الجراحة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بموقع واتجاه ووضع الأسنان المدفونة أو المطمورة، مثل الأنياب، مما يوفر لأطباء تقويم الأسنان تصوراً ثلاثي الأبعاد مفصلاً للحالة السريرية. ويساعد هذا التصور في صياغة خطة علاجية شاملة ومتكاملة تأخذ في الاعتبار جميع الجوانب المعقدة للحالة، مما يضمن تحقيق أفضل النتائج العلاجية للمرضى وتقليل المخاطر المحتملة.

ماسحات ضوئية وطابعات تجسيمية

> التطورات في تكنولوجيا الماسحات الضوئية وعضات التقويم الشفاف. أحدثت التطورات في الماسحات الضوئية داخل الفم وتكنولوجيا الطابعة الثلاثية الأبعاد (التجسيمية) الطريق لتطوير برمجيات التنبؤ بالذكاء الاصطناعي لعلاج تقويم الأسنان.

> توفر هذه الأدوات الرقمية لتخطيط العلاج نهجاً دقيقاً لعلاج تقويم الأسنان، حيث تسمح لأطباء تقويم الأسنان بمحاكاة وتحريك الأسنان بدقة أثناء العلاج.

يتم صنع عضات التقويم الشفاف حسب خطة العلاج لتضمن ابتسامة جذابة ووظيفة فم طبيعية، مما يساعد في تحسين النتائج وتوضيح العملية العلاجية للمرضى.

> تقييم مجرى الهواء باستخدام الذكاء الاصطناعي. تلعب البرمجيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي دوراً هاماً في تقييم مجرى الهواء في تقويم الأسنان. يمكن لهذه البرمجيات تحديد أنماط مجرى الهواء، وتحديد التباينات التشريحية، وحساب حجم مجرى الهواء.

وتستخدم البرمجيات الترميز اللوني لتوفير تصور سهل لمجرى الهواء وهياكله، مما يساعد في صياغة أجهزة وعلاجات لوقف التنفس خلال النوم، وهو أمر مهم للغاية لصحة المريض.

رئيس جمعية الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان في الشرق الأوسط.