الذكاء الاصطناعي يعزز قدرات الطائرات المسيّرة على مواجهة الكوارث

الرؤية الحاسوبية في النظم الذكية تتعرف تلقائياً على الصور

يمكن استخدام الطائرات بدون طيار لتقييم الأضرار بعد الكوارث (جامعة ميسوري)
يمكن استخدام الطائرات بدون طيار لتقييم الأضرار بعد الكوارث (جامعة ميسوري)
TT

الذكاء الاصطناعي يعزز قدرات الطائرات المسيّرة على مواجهة الكوارث

يمكن استخدام الطائرات بدون طيار لتقييم الأضرار بعد الكوارث (جامعة ميسوري)
يمكن استخدام الطائرات بدون طيار لتقييم الأضرار بعد الكوارث (جامعة ميسوري)

عند تعرض المجتمع للكوارث مثل الفيضانات والحرائق والزلازل، تطلب الحكومات في كثير من الأحيان من الهيئات المحلية إجراء تقييم سريع للأضرار، للحصول على صورة عامة حول الأماكن الأكثر تضرراً أو التي يصعب الوصول إليها. وهنا تكمن أهمية استخدام الطائرات دون طيار «الدرونز» في استجابة الكوارث، حيث تمكن البشر من جمع البيانات والصور الجوية بسرعة، لتقديم تقارير مفصلة عن الأضرار، ما يُسهّل تحديد المناطق التي تحتاج إلى الدعم بشكل أكبر.

وقد أثبت استخدام الطائرات دون طيار في تقييم الأضرار بعد الكوارث فاعليته في العديد من البلدان، حيث توفر هذه التكنولوجيا تقييماً دقيقاً للأضرار التي تلحق بالبنية التحتية والممتلكات بعد الكوارث الطبيعية.

الذكاء الاصطناعي يعزز قدرات الطائرات بدون طيار (جامعة ميسوري)

ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الطائرات دون طيار العالمي إلى 35.28 مليار دولار أميركي عام 2024، مع معدل نمو سنوي مركب يبلغ 13.90 في المائة، وأن تتجاوز السوق حاجز الـ67.64 مليار دولار بحلول عام 2029، وفقاً لأحدث تقارير شركة أبحاث «موردور إنتليجنس».

توظيف الذكاء الاصطناعي

وحالياً، تتطلب قيادة الطائرات دون طيار يدوياً مستوى عالياً من الوعي المكاني والزماني لتفادي العوائق في المحيط، مثل المباني والأشجار والجبال والجسور واللافتات. لكن التطورات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي قد تجعل الطائرات دون طيار أكثر استقلالية وتنوعاً. ويعكف باحثون من جامعة ميسوري الأميركية على مشروع لتزويد الطائرات دون طيار بقدرات الملاحة البصرية المستقلة، مستفيدين من تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما قد يغير طريقة عمل هذه الطائرات ويعزز قدراتها في مواجهة الكوارث الطبيعية.

ومن خلال مجموعة من أجهزة الاستشعار البصرية والخوارزميات التي تستند للذكاء الاصطناعي، يعكف الباحثون على تطوير برمجيات تسمح للطائرات دون طيار بالتحليق بمفردها، وإدراك بيئتها والتفاعل معها بشكل مستقل مع تحقيق أهداف أو غايات محددة، ويستمر المشروع لمدة عامين بدعم من مركز البحث والتطوير الهندسي التابع للجيش الأميركي.

يقول الدكتور كانابان بالانيابان أستاذ الهندسة الكهربائية وعلوم الكومبيوتر بجامعة ميسوري، أحد القائمين على المشروع: «تواجه الطائرات دون طيار تحديات كبيرة عند الاستجابة للكوارث الطبيعية، خاصة في المواقف التي تنقطع فيها إشارات الملاحة عبر نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو تُفقد، ويحدث هذا غالباً بسبب العوائق مثل البنية التحتية المتضررة أو عوائق التضاريس أو التدخل البشري».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «دون نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، لن تتمكن الطائرات دون طيار من التنقل بفاعلية وقد تهبط ببساطة أينما كانت، ما يعيق قدرتها على المساعدة في السيناريوهات الحرجة. ومع ذلك، تقدم تقنية الذكاء الاصطناعي حلاً من خلال تمكين الطائرات دون طيار من قيادة نفسها بشكل مستقل باستخدام المعالم البصرية».

وأوضح أنه من خلال الاستفادة من أجهزة الاستشعار البصرية والخوارزميات المتقدمة المدعومة بالتعلم العميق والتعلم الآلي، يمكن للطائرات دون طيار إدراك بيئتها والتفاعل معها بشكل مستقل، والتغلب على القيود التي يفرضها فقدان إشارة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وتضمن هذه القدرة أن الطائرات دون طيار يمكنها الاستمرار في العمل بفاعلية حتى في الظروف الصعبة بعد الكوارث الطبيعية.

في السنوات الأخيرة، سمحت التطورات في تكنولوجيا الاستشعار البصري مثل الكشف عن الضوء ومداه، والتصوير الحراري، للطائرات دون طيار، بأداء مهام محدودة المستوى مثل اكتشاف الأشياء والتعرف البصري. لكن عند دمجها مع خوارزميات الفريق المدعومة بالتعلم العميق والتعلم الآلي، وهي مجموعة فرعية من الذكاء الاصطناعي، يمكن للطائرات دون طيار أن تساعد في تطوير صور متقدمة ثلاثية الأبعاد أو رباعية الأبعاد لرسم الخرائط وتطبيقات المراقبة.

رسم خرائط المناطق المتضررة

ويشير بالانيابان إلى أن قدرات التصوير المتقدمة التي يسهلها الذكاء الاصطناعي تعزز بشكل كبير من فاعلية الطائرات دون طيار في رسم خرائط المناطق المتضررة من الكوارث ومراقبتها. ومع التقدم في تكنولوجيا الاستشعار البصري إلى جانب خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتطورة، يمكن للطائرات دون طيار أداء مهام مثل اكتشاف الأشياء والتعرف البصري بدقة وكفاءة أكبر، وتتيح هذه القدرات للطائرات دون طيار إنشاء صور ثلاثية أو رباعية الأبعاد عالية الجودة للمناطق المتضررة من الكوارث، ما يوفر رؤى لا تقدر بثمن لتطبيقات رسم الخرائط والمراقبة.

ويضيف: «بعد عاصفة شديدة أو كارثة طبيعية، يمكن للطائرات دون طيار المجهزة بتقنية التصوير المتقدمة، على سبيل المثال، التقاط بيانات مفصلة عن الأضرار التي لحقت بالمباني والجسور وشبكات الطرق وغيرها من البنية التحتية. ويمكن بعد ذلك استخدام هذه البيانات لإنشاء عمليات إعادة بناء شاملة ثلاثية الأبعاد للمنطقة المتضررة، ما يسمح للمستجيبين الأوائل والمسؤولين الحكوميين بتقييم مدى الضرر بسرعة ودقة».

ونوه بأن استخدام الطائرات دون طيار لتقييم الأضرار، يسمح لأطقم الإغاثة بتحديد مناطق الدمار بسرعة وتحديد أولويات جهود الإنقاذ والتعافي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للطائرات دون طيار المساعدة في إنشاء عمليات إعادة بناء تفصيلية ثلاثية الأبعاد للمناطق المتضررة من الكوارث، وتوفير معلومات قيمة للتخطيط الحضري، وإصلاح البنية التحتية، وتخصيص الموارد.

تقنيات متنوعة

يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في معالجة البيانات المرئية وبيانات الاستشعار الخاصة بالطائرات دون طيار، ما يسمح باتخاذ القرار في الوقت الفعلي.

وعبر معالجة الصور المتقدمة والشبكات العصبية، يمكن للطائرات دون طيار اكتشاف الأشياء وإجراء تتبع وتصنيف دقيق وتتبع الكائنات والتنقل بشكل مستقل. وتقوم الشبكات العصبية، وهي مجموعة فرعية من الذكاء الاصطناعي، بتحليل كميات هائلة من البيانات لتحديد الأنماط واتخاذ القرارات بشكل أسرع وأكثر دقة من البشر.

إضافة لذلك، فإن استخدام تقنية الرؤية الحاسوبية في الطائرات دون طيار يمكنها من مواجهة التحديات في مختلف الصناعات.

والرؤية الحاسوبية تقنية تستخدمها الذكاء الاصطناعي للتعرف تلقائياً على الصور ووصفها بدقة وكفاءة، استناداً لوصولها إلى حجم كبير من الصور وبيانات الفيديو التي يتم الحصول عليها أو إنشاؤها من الهواتف الذكية وكاميرات المرور وأنظمة الأمان والأجهزة الأخرى.

ومع القدرة على معالجة البيانات في الوقت الفعلي، واتخاذ القرارات المستقلة، والتطبيق متعدد الاستخدامات عبر القطاعات، يمكن أن تكون الطائرات دون طيار المجهزة بالذكاء الاصطناعي أداة أساسية للعديد من المهمات مثل البحث والإنقاذ والاستجابة للطوارئ والعمليات التجارية.



جينات سرطان الثدي... تهدّد صحة الرجال

جينات سرطان الثدي... تهدّد صحة الرجال
TT

جينات سرطان الثدي... تهدّد صحة الرجال

جينات سرطان الثدي... تهدّد صحة الرجال

عندما اكتشفت ماري كلير كينغ، أول جين على صلة بسرطان الثدي الوراثي عام 1990، تعيّن عليها اختيار اسم له. وبالفعل، استقرت على أربعة حروف «بي آر سي إيه» (BRCA)، وهو الاسم الذي حمل ثلاثة معانٍ مميزة. وجاء اختيار هذا الاسم تكريماً لجامعة «كاليفورنيا» ببيركلي؛ حيث كانت تعمل كينغ آنذاك. الأهم من ذلك، حمل الاسم إشارة إلى بول باروكا، الطبيب الفرنسي الذي عاش في القرن الـ19، والذي أقرّت أبحاثه وجود صلة بين التاريخ الصحي العائلي والإصابة بسرطان الثدي. كما حمل الاسم الجديد اختصاراً لمرض سرطان الثدي «breast cancer».

جينات سرطان الثدي

في غضون سنوات قليلة من اكتشاف كينغ «BRCA1»، جرى اكتشاف جين آخر «BRCA2». واليوم، نال هذان الجينان شهرة ربما تفوق أي جين آخر، وتعزّزت صورتهما عبر أبحاث كشفت عن تأثيرات هائلة لهما على خطر الإصابة بالسرطان. وأعقب ذلك إطلاق حملات توعية بخصوص الجينين.

وفي مقال رأي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عام 2013، كشفت الممثلة أنجلينا جولي خضوعها لعملية استئصال الثديين الوقائية، بسبب طفرة جين «BRCA» لديها، مما دفع الكثير من النساء إلى إجراء اختبارات حمض نووي.

وبالفعل، أصبح جينا «BRCA» على صلة وثيقة بالثديين، بقدر ما أصبحت الشرائط الوردية رمزاً دولياً لسرطان الثدي. ومع تحفيز المزيد من النساء نحو محاولة اكتشاف ما إذا كان لديهن طفرات «BRCA»، ساعد ذلك بدرجة هائلة في تقليص مخاطر الإصابة بسرطان الثدي الوراثي.

طفرات سرطانية

ومع ذلك، على مدار العقود الثلاثة منذ اكتشاف الجينين، تعلّم العلماء كذلك أن طفرات «BRCA» يمكن أن تسبّب الإصابة بالسرطان في المبايض والبنكرياس والبروستاتا. وفي الآونة الأخيرة، جرى الربط بين هذه الطفرات وظهور السرطان بأجزاء أخرى من الجسم، مثل: المريء، والمعدة، والجلد.

وتشير تقديرات إلى أن ما يصل إلى 60 في المائة من الرجال الذين لديهم تغيرات في جين «BRCA2»، يُصابون بسرطان البروستاتا. ومع ذلك، نجد أن الرجال أقل وعياً عن النساء بفكرة أن طفرات جين «BRCA» يمكن أن تؤثر فيهم.

وفي حديث دار بيني وبين كولين بريتشارد، بروفسور الطب المخبري وعلم الأمراض بجامعة «واشنطن»، قال: «إنها مشكلة تتعلّق بالصورة العامة»، مشيراً إلى أن الرجال الذين لديهم تاريخ عائلي من الإصابة بسرطان الثدي، ربما لا يدركون أن من الضروري خضوعهم للفحص. كما يفتقر الأطباء إلى الوعي اللازم بخصوص الرجال الذين يجب أن يخضعوا للفحص، وطبيعة الخطوات التي يجب اتخاذها عند اكتشاف طفرة.

واليوم، يعمل بريتشارد وباحثون آخرون على إعادة تسمية جين «BRCA»، والمتلازمة المرتبطة به، بهدف دفع المزيد من الرجال إلى إجراء الاختبار اللازم.

في العادة، تنتج جينات «BRCA» بروتينات تساعد في إصلاح الحمض النووي التالف في جميع أنحاء الجسم. ويجري تشخيص معظم الأشخاص الذين يحملون طفرات تضعف وظيفة الجين، بمتلازمة سرطان الثدي والمبيض الوراثي. (يعني وجود عرض سرطان الثدي والمبيض الوراثي، أن الشخص معرّض لخطر متزايد للإصابة بالسرطان، وليس أنه مصاب بالفعل بالمرض).

واللافت أنه لا يوجد رابط وراثي معروف فيما يتعلّق بمعظم حالات سرطان الثدي، ومع ذلك فإن أكثر من 60 في المائة من النساء المصابات بطفرة ضارة في «BRCA1» أو «BRCA2»، يتعرّضن للإصابة بسرطان الثدي، مقارنة بنحو 13 في المائة من السكان الإناث على نطاق أوسع.

سرطانا البروستاتا والبنكرياس

وبطبيعة الحال، يمكن أن يُصاب الرجال بسرطان الثدي كذلك، لكن يبقى ها الأمر نادر الحدوث، حتى بين حاملي طفرة «BRCA».

يُذكر أنه لم تتضح بعد الأهمية الكاملة للرابط بين طفرات «BRCA» وسرطاني البنكرياس والبروستاتا حتى وقت قريب فقط. ربما العقد الماضي، حسبما أفاد بريتشارد. وتبعاً للدراسات القائمة، ثمة تنوّع كبير في المخاطر المحددة الناجمة عن هذه الطفرات المتعلقة بالرجال. ومع ذلك، يبقى أمر واحد شديد الوضوح: الرجال الذين يحملون طفرات «BRCA» ليسوا أكثر عرضة للإصابة بسرطان البروستاتا فحسب، بل يواجهون كذلك خطر الإصابة بصور أكثر عدوانية من المرض.

وبحسب الإحصاءات، فإن نحو واحد من كل 400 شخص يحمل طفرة ضارة في «BRCA1» أو «BRCA2»، ونصفهم من الرجال. ومع ذلك، تبقى النساء أكثر احتمالاً بكثير لأن يتعرّضن لوجود طفرة؛ بمعدل يصل إلى 10 أضعاف، حسب إحدى الدراسات.

وتكشف الإحصاءات عن أن نصف الأميركيين فقط يخضعون لفحص جسدي سنوياً، ولا يدرك الأطباء دوماً ضرورة أن يوصوا بأن يخضع الرجال لاختبار «BRCA». ويبلّغ الكثير من الرجال الذين لا يخوضون اختبار طفرة «BRCA» عن إجرائهم الاختبار ذاته لبناتهم، وأظهرت دراسات أنهم يميلون إلى الشعور بالارتباك تجاه مخاطر إصابتهم بالسرطان أنفسهم. وبفضل حملات التوعية بخصوص جين «BRCA»، أقبلت الكثير من النساء على إجراء الاختبار. على سبيل المثال، في غضون الأسبوعين التاليين لظهور مقال أنجلينا جولي الذي انتشر على نطاق واسع، رصد الباحثون ارتفاعاً بنسبة 65% في معدلات إجراء اختبار «BRCA». وفي هذه الحالة، قد يخضع عدد من الأشخاص للاختبار أكثر من اللازم. ومع ذلك، فإنه بوجه عام، ساعد ارتفاع فحوصات السرطان والتدخلات الجراحية الاختيارية في تقليل معدلات الوفيات بسبب سرطان الثدي والمبيض.

التوعية بالمخاطر

ويمكن أن يؤدي نشر الوعي حول ارتباط الجينات بأنواع أخرى من السرطان إلى الأمر نفسه بين الرجال. وسعياً لتحقيق هذه الغاية، عبّر بريتشارد في تعليق له نشرته دورية «نيتشر» عام 2019، عن اعتقاده ضرورة إعادة تسمية سرطان الثدي والمبيض الوراثي «متلازمة كينغ»، تيمناً بماري كلير كينغ.

*«ذي أتلانتيك أونلاين»

- خدمات «تريبيون ميديا».