تغيرات جينية في خلايا الدماغ لدى المصابين بالفصام وكبار السن

تتسبب في ضعف الإدراك

تغيرات جينية في خلايا الدماغ لدى المصابين بالفصام وكبار السن
TT

تغيرات جينية في خلايا الدماغ لدى المصابين بالفصام وكبار السن

تغيرات جينية في خلايا الدماغ لدى المصابين بالفصام وكبار السن

اكتشف باحثون من معهد برود التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومستشفى ماكلين في الولايات المتحدة، مجموعة مماثلة بشكل لافت للنظر من التغيرات في نشاط الجينات في أنسجة المخ لدى الأشخاص المصابين بالفصام ومن كبار السن.

أساس مشترك لضعف الإدراك

وتشير هذه التغيرات إلى أساس بيولوجي مشترك للضعف الإدراكي الذي غالباً ما يظهر عند الأشخاص المصابين بالفصام وكبار السن.

وفي دراسة نُشرت في مجلة «نتشر (Nature)» في 6 مارس (آذار) الحالي يصف ستيف مكارول أحد كبار المؤلفين المشاركين في الدراسة وعضو معهد برود ومدير علم الأحياء العصبي الجينومي في مركز برود ستانلي لأبحاث الطب النفسي وأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد كيف قام الباحثون بتحليل التعبير الجيني لدى خلايا هاتين المجموعتين.

والتعبير الجيني هي العملية التي يجري من خلالها استخدام المعلومات الجينية لتوليد منتجات وظيفية داخل الخلية حيث تجري ترجمة هذه المعلومات من الحامض النووي إلى سلاسل من الأحماض الأمينية لتشكيل البروتينات.

وفي الدراسة دقق الباحثون في أنسجة المخ التي تحتوي على أكثر من مليون خلية فردية، بعد الوفاة، لدى 191 شخصاً، ووجدوا أنه لدى الأفراد المصابين بالفصام ولدى كبار السن غير المصابين بالفصام أيضاً، قلل نوعان من خلايا الدماغ وهي الخلايا النجمية والخلايا العصبية من قدرة ترجمة المعلومات من الحامض النووي إلى الأحماض الأمينية لتخليق البروتينات التي تدعم الوصلات بين الخلايا العصبية التي تسمى المشابك العصبية، مقارنة بالأشخاص الأصحاء أو الأصغر سناً.

التنسيق بين أنواع الخلايا

أطلق الفريق على هذه المجموعة المنسقة من التغييرات اسم برنامج الخلايا العصبية والخلايا النجمية (SNAP) Synaptic Neuron and Astrocyte Program. وحتى عند الشباب الأصحاء فإن التعبير عن جينات هذه المجموعة من الخلايا يزداد أو ينقص دائماً بطريقة منسقة في الخلايا العصبية والخلايا النجمية.

وإذا كان العلماء يركزون غالباً، وفي كثير من الأحيان، على الجينات التي يعبر عنها كل نوع من الخلايا من تلقاء نفسه، فان أنسجة المخ لكثير من الأشخاص لا تعمل بوصفها كيانات مستقلة، ولكن يوجد لديها تنسيق وثيق فيما بينها، حيث من المعروف أن الفصام يسبب الهلوسة والأوهام التي يمكن علاجها جزئياً على الأقل بالأدوية، ولكنه يسبب أيضاً تدهوراً إدراكياً منهكاً ليست له علاجات فعالة. وهو شائع في الشيخوخة أيضاً. وتشير النتائج الجديدة إلى أن التغيرات المعرفية في كلتا الحالتين قد تنطوي على تغيرات خلوية وجزيئية مماثلة في الدماغ.

تداعيات الفصام والشيخوخة

يعمل الدماغ إلى حد كبير لأن الخلايا العصبية تتصل مع الخلايا العصبية الأخرى في نقاط الاشتباك العصبي، حيث تمرر الإشارات إلى بعضها البعض. ويقوم الدماغ باستمرار بتكوين نقاط اشتباك عصبي جديدة، ويزيل المشابك القديمة.

ويعتقد العلماء أن المشابك العصبية الجديدة تساعد أدمغتنا على البقاء مرنة، وقد أظهرت الدراسات السابقة أن كثيراً من العوامل الوراثية المرتبطة بالفصام تنطوي على جينات تسهم في وظيفة المشابك العصبية. أما في الدراسة الجديدة فقد استخدم ستيف ماكارول وسابينا بيريتا المؤلفة المشاركة في الدراسة والأستاذة المشاركة من مركز موارد أنسجة الدماغ في كلية الطب بجامعة هارفارد التي قدمت أنسجة الدماغ للدراسة، تسلسل الحامض النووي الريبوزي (RNA) الذي يقيس التعبير الجيني في الخلايا الفردية لفهم كيفية اختلاف الدماغ بشكل طبيعي بين الأفراد بشكل أفضل.

وقام الباحثون بتحليل 1.2 مليون خلية من 94 شخصاً مصاباً بالفصام و97 شخصاً غير مصاب بالفصام، وظهر أن الجينات التي تشكل برنامج الخلايا العصبية والخلايا النجمية تضمنت كثيراً من عوامل الخطر التي جرى تحديدها مسبقاً لمرض انفصام الشخصية، وأن تلك الخلايا تشكل الضعف الوراثي لهذه الحالة. كما وجد الباحثون أيضاً أن برنامج الخلايا العصبية والخلايا النجمية يتباين بشكل كبير حتى بين الأشخاص غير المصابين بالفصام؛ ما يشير إلى أن هذا البرنامج يمكن أن يكون له دور في الاختلافات المعرفية لدى البشر الأصحاء.

وتشير النتائج إلى أن التغيرات المعرفية التي لوحظت في الفصام والشيخوخة قد تنطوي على تغيرات خلوية وجزيئية مماثلة في الدماغ، كما يشير تحديد جينات الخلايا العصبية والنجمية بما في ذلك الجينات المرتبطة سابقاً بخطر الفصام إلى الدور المحتمل لكل منها في تلك الحالة. وكان هناك تباين كبير في برنامج الخلايا العصبية والنجمية حتى بين الأفراد غير المصابين بالفصام مع كون العمر عاملاً مهماً، لكنه انخفض مع تقدم العمر لدى كثير من الأفراد الأكبر سناً؛ ما يشير إلى احتمال تورطه في الاختلافات المعرفية لدى الأفراد الأصحاء.

وأخيراً يهدف الباحثون إلى إجراء مزيد من التحقيق في برنامج الخلايا العصبية والنجمية في الحالات النفسية الأخرى؛ مثل «اضطراب الثنائي القطب» (bipolar disorder) والاكتئاب (depression)، بالإضافة إلى ذلك يخططون لاستكشاف وجود البرنامج في مناطق الدماغ الأخرى وتأثيرها على التعلم والمرونة المعرفية، وبشكل عام توفر الدراسة نظرة ثاقبة لتغيرات التعبير الجيني المنسقة في خلايا الدماغ المرتبطة بوظيفة التشابك العصبي، وتسليط الضوء على الأهداف العلاجية المحتملة لعلاج الإعاقات الإدراكية في الفصام والشيخوخة.



نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»
TT

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

توصَّل باحثون في «مركز علوم الحياة بجامعة» فيلنيوس في ليتوانيا، إلى اكتشاف طريقة جديدة رائدة في مجال البحث الجيني تسمح بإسكات (أو إيقاف عمل) جينات معينة دون إجراء قطع دائم للحمض النووي (دي إن إيه).

وتُقدِّم الدراسة مساراً جديداً محتملاً لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً يشبه الضغط على زر «إيقاف مؤقت» على التعليمات الجينية داخل الخلايا.

آلية عمل نظام «كريسبر» الجديد

اكتشف فريق البروفسور باتريك باوش من معهد الشراكة لتقنيات تحرير الجينوم بمركز العلوم الحياتية في جامعة فيلنيوس بليتوانيا، بالتعاون مع خبراء دوليين في البحث المنشور في مجلة «Nature Communications» في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، نظاماً جديداً مختلفاً للتعديل الجيني.

وعلى عكس نظام «كريسبر كاس9 (CRISPR-Cas9)»، المعروف الذي اشتهر بقدرته على قطع الحمض النووي (DNA)، يعمل نظام «كريسبر» من النوع «آي في إيه» (IV-A CRISPR) بشكل مختلف، حيث يستخدم مركباً موجهاً بالحمض النووي الريبي لإسكات الجينات دون انشقاق خيوط الحمض النووي «دي إن إيه (DNA)».

كما يستخدم النظام الجديد مركباً مؤثراً يجنِّد إنزيماً يُعرف باسم «دين جي (DinG)». ويعمل هذا الإنزيم عن طريق التحرك على طول خيط الحمض النووي (DNA)، وتسهيل إسكات الجينات من خلال عملية غير جراحية.

تقنية «كريسبر-كاس9» للقص الجيني

هي أداة تعمل كمقص جزيئي لقص تسلسلات معينة من الحمض النووي (دي إن إيه). وتستخدم الحمض النووي الريبي الموجه للعثور على الحمض النووي المستهدف. و«كاس9» هو البروتين الذي يقوم بالقص، وهذا ما يسمح للعلماء بتعديل الجينات عن طريق إضافة أو إزالة أو تغيير أجزاء من الحمض النووي، وهو ما قد يساعد على علاج الأمراض الوراثية، وتعزيز الأبحاث.

** آفاق جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي

بروتينات وحلقات

يستخدم نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» بروتينين مهمين، هما «Cas8»، و«Cas5» للعثور على بقع محددة على الحمض النووي (DNA). ويبحث هذان البروتينان عن تسلسل قصير من الحمض النووي بجوار المنطقة المستهدفة التي تتطابق مع دليل الحمض النووي الريبي. وبمجرد العثور عليه يبدآن في فك الحمض النووي وإنشاء هياكل تسمى حلقات «آر (R)».

وحلقات «آر» هي الأماكن التي يلتصق فيها الحمض النووي الريبي بخيط واحد من الحمض النووي (DNA)، وتعمل بوصفها إشارةً للنظام لبدء إيقاف أو إسكات الجين.

وكما أوضح البروفسور باوش، فإن «آر» في حلقة «R» تعني الحمض النووي الريبي. وهذه الهياكل أساسية لأنها تخبر النظام متى وأين يبدأ العمل. ولكي تكون حلقات «آر» مستقرةً وفعالةً يجب أن يتطابق الحمض النووي، ودليل الحمض النووي الريبي بشكل صحيح.

وظيفة إنزيم «دين جي»

يساعد إنزيم «DinG» نظام «كريسبر» على العمل بشكل أفضل من خلال فك خيوط الحمض النووي (DNA). وهذا يجعل من الأسهل على النظام التأثير على قسم أكبر من هذا الحمض النووي، ما يجعل عملية إسكات الجينات أكثر فعالية وتستمر لفترة أطول.

وأشار البروفسور باوش إلى أنه نظراً لأن إنزيم «DinG» يمكنه تغيير كيفية التعبير عن الجينات دون قطع الحمض النووي، فقد يؤدي ذلك إلى تطوير أدوات وراثية أكثر أماناً في المستقبل.

تطبيقات محتملة لتخفيف تلف الحمض النووي

يحمل الاكتشاف إمكانات هائلة لتحرير الجينوم والبحث في المستقبل، إذ يمكن أن تخفف الطبيعة غير القاطعة لهذه الطريقة من المخاطر المرتبطة بتلف الحمض النووي( DNA). وهو مصدر قلق عند توظيف تقنيات تحرير الجينات الحالية.

ومن خلال تمكين تعديل الجينات دون إحداث تغييرات دائمة في الحمض النووي( DNA) يمكن أن يكون هذا النهج الجديد مفيداً بشكل خاص في التطبيقات السريرية مثل العلاج الجيني للاضطرابات الوراثية. كما أن القدرة الفريدة لهذا النظام على عبور الحمض النووي دون إجراء قطع، أمر مثير للاهتمام لتطبيقات تحرير الجينات المتقدمة.

الدقة والسلامة

ويعتقد فريق البحث بأن هذه الطريقة يمكن أن تزوِّد العلماء وخبراء التكنولوجيا الحيوية بأدوات أكثر دقة لدراسة وظائف الجينات وتصحيح التشوهات الجينية بطريقة خاضعة للرقابة.

ويمثل الاكتشاف تقدماً كبيراً في مجال البحث الجيني؛ حيث يفتح نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» آفاقاً جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي، ويمكن أن تحدث هذه الطريقة ثورةً في كيفية دراسة الأمراض الوراثية وعلاجها، مع التركيز على الدقة والسلامة.