سجالات علمية حول معايير جديدة لتشخيص ألزهايمر

المؤشرات البيولوجية قد تحل محل الاختبارات السلوكية والمعرفية

سجالات علمية حول معايير جديدة لتشخيص ألزهايمر
TT

سجالات علمية حول معايير جديدة لتشخيص ألزهايمر

سجالات علمية حول معايير جديدة لتشخيص ألزهايمر

عادةً ما يتطلب تحديد ما إذا كان شخص ما مصاباً بمرض ألزهايمر، عملية تشخيصية موسعة.

التشخيص التقليدي الحالي

لتشخيص المرض يأخذ الطبيب التاريخ الطبي للمريض، ويناقش الأعراض، ويدير الاختبارات المعرفية اللفظية والبصرية. ثم قد يخضع المريض لفحص باشعة البوزيترون PET أو التصوير بالرنين المغناطيسي MRI أو البزل من النخاع الشوكي spinal tap، وهي اختبارات تكشف عن وجود بروتينين في الدماغ: لويحات الأميلويد amyloid plaques وتشابكات تاو au tangles، وكلاهما مرتبط بمرض ألزهايمر.

معايير تشخيص جديدة

لكن كل هذا يمكن أن يتغير إذا تم اعتماد المعايير الجديدة التي اقترحتها مجموعة العمل التابعة لجمعية ألزهايمر Alzheimer’s Association على نطاق واسع. ومن شأن توصياتها النهائية، المتوقعة في وقت لاحق من هذا العام، أن تعمل على تسريع التحول الجاري بالفعل: من تعريف المرض من خلال الأعراض والسلوك إلى تعريفه بيولوجياً بحتاً -باستخدام المؤشرات الحيوية، والمواد الموجودة في الجسم التي تشير إلى المرض.

اختبار الدم

تدعو مسودة المبادئ التوجيهية، المعايير المنقحة لتشخيص مرض ألزهايمر وتحديد مراحله، إلى اتّباع نهج أبسط.

وقد يعني ذلك إجراء فحص دم للإشارة إلى وجود الأميلويد، وهذه الاختبارات متاحة بالفعل في بعض العيادات ومكاتب الأطباء. وقال د.كليفورد آر جاك جونيور، رئيس مجموعة العمل والباحث في مرض ألزهايمر في «مايو كلينك»: «إن الشخص الذي لديه دليل بيولوجي على وجود الأميلويد في الدماغ مصاب بالمرض، سواء ظهرت عليه أعراض أم لا». وأضاف: «المرض موجود لسنوات قبل ظهور الأعراض... هذا هو العلم. إنه أمر لا يمكن دحضه».

ولا يوصي جاك وزملاؤه في اللجنة باختبار الأشخاص الذين ليست لديهم أعراض التدهور المعرفي. لكنَّ المتشككين يتوقعون أن هذا من المرجح أن يحدث رغم ذلك. وإذا كان الأمر كذلك، فإن نسبة كبيرة ستكون نتيجة اختبار الأميلويد إيجابية، وبالتالي سيتم تشخيص إصابتهم بمرض ألزهايمر.

أصحاء معرَّضون للإصابة بألزهايمر

وقد قدرت دراسة هولندية أُجريت عام 2015 أن أكثر من 10 في المائة من الأشخاص الذين يبلغون من العمر 50 عاماً من أولئك الطبيعيين معرفياً ستكون نتيجة اختبارهم إيجابية، وكذلك ما يقرب من 16 في المائة من الأشخاص الذين يبلغون من العمر 60 عاماً، و23 في المائة من الأشخاص الذين يبلغون من العمر 70 عاماً. إلا أن معظم هؤلاء الأفراد لن يصابوا بالخرف أبداً.

خلافات الخبراء حول النهج الجديد

ومع ذلك، لا يزال عدد من الخبراء والأطراف المهتمة غير مقتنعين بنهج التحول إلى المؤشرات الحيوية وحدها.

وقد وصفت الجمعية الأميركية لطب الشيخوخة المعايير المقترحة بأنها «سابقة لأوانها». كما لاحظت وجود نسبة عالية من أعضاء اللجنة من الذين تربطهم علاقات بالصناعات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية، الأمر الذي قد يخلق تضارباً محتملاً في المصالح.

وقال د.إريك فيديرا، طبيب الشيخوخة في جامعة كاليفورنيا، سان فرنسيسكو، ومؤلف مقال افتتاحي انتقادي حاد في مجلة الجمعية الأميركية لطب الشيخوخة: «إن هذا يمثل قفزة نوعية بما لا يقل عن 5 إلى 10 سنوا ت».

تبريرات المعايير الجديدة

لقد بذلت اللجنة هذا الجهد بعد خمس سنوات فقط من إصدار آخر المبادئ التوجيهية للتشخيص، لأن «حدثين كبيرين كانا يتطلبان المراجعة حقاً»، كما قال جاك. أولاً، أثبتت أفضل اختبارات الدم للأميلويد أنها دقيقة للغاية، وأقل تدخلاً من البزل النخاعي، وأقل تكلفة بكثير من فحوصات الدماغ. وبالإضافة إلى ذلك، حصل دواء أدوكانيوماب aducanumab واسمه التجاري (Aduhelm) وlecanemab واسمه التجاري (Leqembi)، وهما عقاران يزيلان الأميلويد من الدماغ، على موافقة الجهات الصحية التنظيمية، وإن لم يكن ذلك من دون جدل حاد. إذ أظهرت الدراسات أن الأدوية تتمتع بقدرة متواضعة ولكن ذات دلالة إحصائية على إبطاء تطور الأعراض على مدار 18 شهراً لدى المصابين بضعف إدراكي خفيف أو مرض ألزهايمر الخفيف. وتقوم شركة الأدوية «بيوجين» بسحب عقار أدوكانيوماب، ولكن هناك أدوية أخرى تعمل على تقليل الأميلويد في طور الإنتاج.

هل تكفي هذه التطورات لتبرير إمكانية تشخيص الأشخاص الأصحاء المصابين بمرض لا رجعة فيه، استناداً إلى اختبار الدم الذي يكشف عن الأميلويد؟ يقوم بعض الأطباء بالفعل بإرسال مثل هذه الطلبات، لاختبار الدم.

إن تشخيص مرض ألزهايمر قبل ظهور الأعراض يمكن أن يسمح للعلاجات التي لم يتم تطويرها بعد بمنع فقدان الذاكرة وتقليل القدرة على الحكم والاعتماد في نهاية المطاف الذي يسببه المرض. يُشخّص الأطباء بتشخيص الكثير من الأمراض، بما في ذلك مرضا السكري والسرطان، عن طريق إجراء اختبارات على الأشخاص الذين لا تظهر عليهم الأعراض. ولكن كم من أولئك الذين لديهم الأميلويد في الدماغ (معظمهم لديهم أيضاً رواسب تاو) سيصابون في النهاية بالخرف؟ قال جاك: «الإجابة، للأسف هي أن الأمر يعتمد على النتائج».

جينات الخرف

تابعت دراسة «مايو كلينك» للشيخوخة ما يقرب من 5000 من كبار السن ذوي القدرات المعرفية الطبيعية في إحدى مقاطعات ولاية مينيسوتا لمدة متوسطها 9.4 سنة. ووجدت معدلات عالية من الخرف بين أولئك الذين يحملون جين APOE4 الذي يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر.

بالنسبة إلى أولئك الذين يبلغون من العمر 65 عاماً ولديهم مستويات عالية من الأميلويد، وصل خطر الإصابة بالخرف مدى الحياة إلى 74 في المائة للنساء و62 في المائة للرجال.

لكنّ 15 في المائة إلى 25 في المائة فقط من الأشخاص يحملون هذا الجين، وفقاً للمعهد الوطني للشيخوخة.

ومن بين المشاركين الذين لم يفعلوا ذلك، كان كل من الرجال والنساء الذين يبلغون من العمر 65 عاماً معرَّضين لخطر الإصابة بالخرف مدى الحياة بنحو 55 في المائة مع مستويات عالية من الأميلويد، و36 في المائة بمستويات معتدلة. وقال جاك: «نظراً إلى ارتفاع معدلات الوفيات لدى كبار السن، فإن الكثيرين سيموتون قبل أن يصابوا بالخرف».

سجالات حول الأميلويد

وقال د.جيسون كارلاويش، طبيب الشيخوخة والمدير المشارك لمركز بنسلفانيا للذاكرة في فيلادلفيا، إنه يعد الأميلويد «عامل خطر، مثلما يعد التدخين عامل خطر للإصابة بالسرطان»، مضيفاً: «لكنني أعتقد أن الأدلة لا تزال غير كافية»، إذ ليس من الواضح والمقنع بعد أن الأميلويد وحده هو الذي يحدد مرض ألزهايمر.

قد توفر دراستان رئيسيتان حول الأدوية المخفضة للأميلويد لدى الأشخاص الأسوياء إدراكياً، والمتوقع الانتهاء منهما في عامي 2027 و2029، مثل هذا الدليل إذا تمكّنتا من إثبات أن إزالة الأميلويد يمنع أو يوقف أو يعكس التدهور المعرفي في تلك الفئة العمرية. وقال كارلاويش إن المبادئ التوجيهية المقترحة في الوقت الحالي «ليست جاهزة للممارسة السريرية». أما بالنسبة إلى مجموعة العمل، فإن نحو ثُلث الأعضاء الـ22 يعملون لدى شركات تعمل على تطوير الأدوية ووسائل التشخيص، حسبما تُظهر إفصاحاتهم.

ويكشف ثلث آخر تقريباً عن المنح أو العقود البحثية، أو الرسوم الاستشارية، أو الأتعاب، أو غيرها من المدفوعات من مصادر الصناعة. من جهته قال فيديرا إن هؤلاء «سوف يستفيدون بشكل مباشر من هذا التغيير». وأشار إلى تقديرات تشير إلى أن 40 مليون أميركي طبيعي معرفياً يمكن أن تكون نتيجة اختبارهم إيجابية للأميلويد، وتُشخَّص إصابتهم بمرض ألزهايمر وربما البدء في أنظمة دوائية خارج التصنيف، على الرغم من عدم وجود دليل حتى الآن على أن الأدوية فعالة في الأشخاص الذين لا يعانون أعراضاً.

وأضاف فيديرا: «هذه ليست أدوية حميدة. ستتعاطى هذه الأدوية لبقية حياتك - مثل الستاتين، ولكنها أكثر تكلفة وأكثر خطورة بكثير». يمكن أن يسبب Aducanumab وlecanemab نزيفاً في الدماغ وتقليص حجم الدماغ، وهي آثار جانبية شائعة.

* خدمة «نيويورك تايمز»

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

كيف تتغلب على مشاعر القلق؟

صحتك القلق قد يتسبب في مشكلات نفسية وجسدية للشخص (رويترز)

كيف تتغلب على مشاعر القلق؟

يسيطر القلق على أفكار كثير من الأشخاص، إذ يميل البعض إلى توقع حدوث الأحداث المروعة أو الكارثية في المستقبل ويعتقدون أن القلق قد يساعد على منع حدوثها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الحبوب تستهدف الأغنياء فقط نظراً لتكلفتها المرتفعة (رويترز)

مليارديرات يطوِّرون حبوباً لـ«إطالة عمر الأثرياء»

يعمل عدد من المليارديرات على تطوير حبوب لإطالة العمر، يقول الخبراء إنها تستهدف الأغنياء فقط، نظراً لتكلفتها المرتفعة المتوقعة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك ممرضة تقيس ضغط دم أحد الأشخاص داخل «مركز شرق آركنساس الصحي العائلي» في ليبانتو (أرشيفية - رويترز)

6 خطوات للحفاظ على ضغط دم آمن خلال الطقس البارد

مع دخول فصل الشتاء، وزيادة برودة الأجواء، ما التأثير الذي قد يخلفه هذا الجو على صحتنا؟ وهل له تأثير على ضغط الدم؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك صناديق من عقاري «أوزمبيك» و«ويغوفي» من إنتاج شركة «نوفو نورديسك» في صيدلية بلندن (رويترز)

دراسة تكشف ميزة جديدة لأدوية إنقاص الوزن مثل «أوزمبيك»: تحمي الكلى

أفادت دراسة جديدة بأن أدوية السمنة الشائعة، مثل «أوزمبيك»، قد تساعد أيضاً في حماية الكلى.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك صورة توضيحية لتشريح العين وتقنيات الحقن المستخدمة (الشرق الأوسط)

تقنيات حديثة لحقن الأدوية في شبكية العين

أظهرت إرشادات نُشرت لأول مرة في دراسة حديثة، فوائد فريدة من نوعها توفرها حقن الحيز فوق المشيميّة للمرضى الذين يعانون من مشكلات في شبكية العين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ما سبب زيادة ارتفاع جبل إيفرست سنوياً؟

ارتفاع جبل إيفرست يزداد سنوياً بنحو 2 مم (أ.ف.ب)
ارتفاع جبل إيفرست يزداد سنوياً بنحو 2 مم (أ.ف.ب)
TT

ما سبب زيادة ارتفاع جبل إيفرست سنوياً؟

ارتفاع جبل إيفرست يزداد سنوياً بنحو 2 مم (أ.ف.ب)
ارتفاع جبل إيفرست يزداد سنوياً بنحو 2 مم (أ.ف.ب)

من المعروف أن جبل إيفرست، وهو أعلى جبل على وجه الأرض، يزداد ارتفاعاً بنحو 2 مم سنوياً. إلا أن السبب وراء هذا الارتفاع المستمر حيّر العلماء لفترة طويلة.

وبحسب صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، فقد اعتقد الكثير من العلماء في السابق أن نمو الجبل يرجع إلى تحرك الصفائح التكتونية، على الرغم من أن هذه النظرية لم تفسر سبب ارتفاع قمة إيفرست بشكل غير طبيعي مقارنة بغيرها في النطاق، حيث يبلغ ارتفاعها نحو 250 متراً فوق أعلى قمة تالية في جبال الهيمالايا.

وتختلف القمم الثلاث التالية في الهيمالايا عن بعضها في الارتفاع بنحو 120 متراً فقط.

والآن وجد باحثون من جامعة لندن أن التأكّل في التربة الناجم عن شبكة نهر تبعد نحو 75 كيلومتراً عن إيفرست هو السبب في ارتفاعه السنوي.

وأوضح الباحثون في الدراسة التي نُشرت (الاثنين) في مجلة «نيتشر» أن هذا التأكّل حدث منذ اندماج نهر أرون القريب مع نهر كوسي المجاور من آلاف السنين. وقد خلق ذلك ظاهرة تسمى «الرفع»، والتي تحدث عندما يفقد جزء من قشرة الأرض كتلته، ثم «يطفو» إلى الأعلى بسبب الضغط الشديد أدناه.

وهذه العملية ليست سريعة؛ إذ يقدر العلماء أن جبل إيفرست نما بمقدار يتراوح بين 15 و50 متراً في الـ89 ألف عام الماضية.

وقال ماثيو فوكس، أحد المشاركين في الدراسة من جامعة لندن: «لطالما لاح للعلماء أن الجبل ينمو بنحو 2 مم سنوياً، والآن لدينا فهم أفضل لما يدفعه إلى ذلك».

ويجري نهر أرون حالياً إلى الشرق من جبل إيفرست، ويندمج في اتجاه مجرى النهر مع نهر كوسي. وعلى مدى آلاف السنين، نحت هذا الاندماج مضيقاً جرف مليارات الأطنان من التربة والرواسب وتسبب في تأكّلها.