الاستماع... لحركة العين

علماء أميركيون يرصدون إشارات سمعية ترتبط بها

الاستماع... لحركة العين
TT

الاستماع... لحركة العين

الاستماع... لحركة العين

رصد باحثون أميركيون إشارات سمعية تفسّر حركة العين... وقد يستخدمونها في تطوير تقنيات المساعدة السمعية

طبلة الأذن وحركة العين

تتحرّك طبلة الأذن مع كلّ حركة عين. ويسمح هذا الاتصال لجهاز السمع البشري بـ«الإنصات» للعينين، حسبما أفاد به باحثون في جامعة ديوك الأميركية. واليوم، يتنصّت الباحثون على هذه الإشارة لتكوين فهمٍ أفضل لكيفية وصل الدماغ لما يراه مع ما يسمعه. ونشر الفريق نتائج بحثه في دورية «بروسيدينغز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينس».

تبلغنا أذنانا بمصدر الصوت بناءً على توقيت وصوله (إلى الأذنين اليمنى واليسرى). ولكنّ التناسق بين المشهدين السمعي والبصري يتغيّر باستمرار. وتشرح جينيفر غروه، أستاذة في علم النفس وعلم الأعصاب بجامعة ديوك، في حديث لموقع «مجلة المهندسين الكهربائيين الأميركية»: «في كلّ مرّة نحرّك عينينا، نحثّ هذه الكاميرا على النظر في اتجاه جديد. ولكن هذا الفارق في توقيت الحركات لن يتغيّر إلّا في حال حرّكنا الرأس».

لتبيان كيف ينسّق الدماغ عمل الجهازين، وضع فريق غروه في الدراسة ميكروفونات صغيرة في قناة الأذن، وسجّلوا أصواتاً صغيرة في طبلة الأذن بينما كانوا يحثّون المشاركين في الدراسة على تتبّع إشارات بصرية بأعينهم. وكان الفريق نفسه قد تمكّن في جهود بحثية سابقة من إثبات وجود هذا الصوت. وأخيراً، أثبت الباحثون أنّ هذه الأصوات تتألّف من مكوّنات أفقية وعمودية تتوافق بدقّة مع شكل حركة العين.

ونجح الباحثون أيضاً في استخدام هذا التوافق للتنبؤ بالاتجاه الذي ستنظر فيه العين بعد إنتاج الصوت المحيط بدقّة. لا يمكن استخدام هذه التقنية في المواقع الأكثر ضجيجاً، ولكنّ اكتساب فهمٍ أفضل للآليات الكامنة خلف هذه الإشارات السمعية قد يؤدّي إلى تقدّم في تقنيات المساعدة السمعية.

التجسّس على الدماغ

عندما يرسل الدماغ إشارة إلى العين لحثّها على الحركة باتجاه معيّن، يرسل في الوقت نفسه نسخة من تلك الإشارة إلى الأذنين، فيما يشبه «بطاقة بلاغ»، على حدّ وصف غروه. ويحصل هذا التنسيق في مواقع أخرى لإبقاء الدماغ على اطلاع بحركة الجسم، كالتعرّف على صوت خطواتنا مثلاً. ويحصل هذا النوع من المعالجة في الدماغ، إلّا أنّ بحث غروه يُظهر أنّ تلك المعلومات المرتبطة بالبصر تكون موجودة في معالجة الصوت في وقتٍ أبكر مما كان فريق البحث يعتقد. وتضيف غروه: «إننا نستخدم هذا الميكروفون للتجسّس على الدماغ».

وتعتقد أستاذة علم الأعصاب أنّ عضلات الأذن الوسطى والخلايا الشعرية في الأذن الداخلية تشارك في نقل هذه الإشارة إلى نقطة أولية في مسار الجهاز السمعي تؤثّر هياكل الأذن على أجزاء مختلفة من السمع. ولهذا السبب، عندما حاول العلماء معرفة المزيد عن آليات الإرسال، اعتقدت غروه أنّ باستطاعتهم تطوير اختبارات سمعية أكثر دقّة.

أدوات مطورة للمساعدة السمعية

يواجه مطوّرو أدوات المساعدة السمعية صعوبة في تحسين التقنية التي تحدّد مصدر الصوت، على اعتبار أنّ الأجهزة تُصمم عادة لتضخيم جميع الأصوات بالتساوي. يسبب هذا الأمر إحباطاً للمستخدمين خصوصاً عندما يكونون في أماكن كثيرة الضجيج. على سبيل المثال، تضخّم أدوات المساعدة السمعية المتوفرة اليوم الضجيج الصادر عن جهاز التكييف بنفس مستوى تضخيمها لصوت الشخص. ولكنّ الإشارات البصرية قد تساعد في توجيه أدوات المساعدة السمعية لحلّ هذه المشكلة.

يقول سونيل بوريا، باحث في «مركز ماساتشوستس للعين والأذن» وأستاذ مساعد في كلية هارفرد للطبّ من جهته: «إذا كان باستطاعتكم إخبار أداة المساعدة السمعية بأنّكم تنظرون إلى شخص معيّن، فقد تتمكّنون من تعديل خوارزميتها لتركّز على ذاك الشخص». ويلفت بوريا إلى قدرة «استثنائية» قد تتمكّن هذه الدراسة أخيراً من تطبيقها في هذا النوع من التقنية، ولو أنّه سيتوجب على غروه وزملائها التوصّل إلى الآليات المنخرطة فيها أوّلاً.

ويشدّد كريستوفر قيصر، أستاذ علم الأعصاب في جامعة بيلفيلد الألمانية، على ضرورة معرفة ما إذا كانت هذه الإشارة تؤثر على السلوكيات السمعية قبل تطبيق نتائج هذه الدراسة في أجهزة سمعية «ذكية». لم يجد قيصر أي تداخل مع السمع في بحثه في التذبذبات المرتبطة بحركة العين، إلّا أنّه لفت إلى أنّ هذا الأمر لا ينفي وجود التأثيرات في وظائف سمعية أكثر تعقيداً، كتحديد مصدر الصوت.

وأخيراً تحتاج هذه التطبيقات إلى المزيد من البحث العلمي، ولكنّ غروه ترى أنّ النتائج الحالية «تسلّط الضوء على أهمية القدرة على الربط بين ما نراه وما نسمعه».



دراسة: قردة «بهيات الشعر» تمنح بعضها بعضاً أسماء مثل البشر

قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)
قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)
TT

دراسة: قردة «بهيات الشعر» تمنح بعضها بعضاً أسماء مثل البشر

قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)
قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)

يُعدّ منح الأسماء بين كائنات من الجنس نفسه مؤشراً إلى تطوّر كبير، وقد تمت ملاحظته في السابق لدى البشر وأنواع من الدلافين والفيلة الأفريقية فقط، لكنّ دراسة نُشرت، الخميس، في مجلة «ساينس» المرموقة، بيّنت أنّ القردة التي تُطلق عليها تسمية «بهيات الشعر» تنتمي أيضاً إلى هذه المجموعة المحدودة من الحيوانات.

وأظهرت الدراسة، التي أجراها فريق من الجامعة العبرية في القدس، أنّ هذه الرئيسيات الصغيرة تطلق صرخات عالية بنبرة حادة لمنح «ألقاب صوتية» لأنفسها.

وقال المعد الرئيسي للدراسة ديفيد عمر، في حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن مهتمون جداً بالسلوك الاجتماعي لاعتقادنا بأنّه هو ما يجعلنا كبشر كائنات مميزة مقارنة بالحيوانات الأخرى».

وأضاف: «نحن لا نركض بسرعة ولا نطير ولا نتفوق في أي شيء غير قدراتنا الاجتماعية، وبأنّ كل إنجازاتنا مجتمعية».

ورأى أنّ «بهيات الشعر» مثالية لدراسة تطور السلوك الاجتماعي واللغة لدى البشر؛ لأنّها تتمتع بخصائص مماثلة للبشر. وتعيش هذه القرود ضمن مجموعات عائلية صغيرة أحادية الزوج مؤلفة من ستة إلى ثمانية قرود تتولى معاً تربية صغارها.

وسجل الباحثون محادثات بين قردين من نوع «بهي الشعر» يفصل بينهما حاجز بصري، بالإضافة إلى التفاعلات بينهما ونظام حاسوبي يبث تسجيلات. وكان تحليل صرخاتهما ممكناً بفضل التقدم المُحرَز في مجال التعلم الآلي والقوة التي تتمتع بها الحوسبة.

ووجد الباحثون أنّ هذه القردة تستخدم صرخات عالية النبرة لمخاطبة بعضها بعضاً. وكانت هذه الرئيسيات قادرة بشكل ملحوظ على معرفة ما إذا كانت الصرخات موجهة إليها، وأظهرت إمكانية أكبر في الردّ عند مناداتها باسمها.

«تطور متقارب»

والقرود العشرة التي خضعت للاختبار متحدرة من ثلاث عائلات مختلفة. وأظهر الباحثون أنّ القردة المنتمية إلى المجموعة العائلية نفسها استخدمت خصائص صوتية متشابهة لأسماء مختلفة، تشبه إلى حد كبير اللهجات أو اللكنات عند البشر.

واعتمدت قرود أخرى بالغة انضمت إلى مجموعة من دون أن تكون مرتبطة بها مباشرة، الرموز الصوتية نفسها، مما يشير إلى إمكانية أن تتعلمها من قرود أخرى. ويعزو ديفيد عمر اكتساب القرود للمؤشرات الصوتية إلى «تطور متقارب»؛ أي إنها طوّرت سمات مماثلة خلال الاستجابة لتحديات بيئية مماثلة.

ويُعدّ منح الأسماء مسألة مهمة جداً لـ«بهي الشعر»، للحفاظ على الروابط الاجتماعية وتماسك المجموعة في الغابات الاستوائية الكثيفة في أميركا الجنوبية، حيث تكون الرؤية محدودة جداً.

أما مسألة متى وكيف بدأ البشر في الكلام، فهي موضع نقاش، ولكن حتى وقت قريب رفض عدد كبير من العلماء فكرة أنّ الرئيسيات توفّر عناصر للإجابات.

ويقول ديفيد عمر: «لا يزال بإمكاننا أن نتعلم الكثير من الرئيسيات غير البشرية بشأن تطور اللغة عند البشر». في المستقبل، يمكن أن تشكّل إحدى طرق البحث المضي قدماً في استخدام الذكاء الاصطناعي، لفك تشفير محتوى محادثات «بهيات الشعر» بشكل أفضل.