نظارات واقع افتراضي للفئران

لاستكشاف أدمغتها وفهم المشكلات العصبية

نظارات واقع افتراضي للفئران
TT

نظارات واقع افتراضي للفئران

نظارات واقع افتراضي للفئران

هل رأيتم فأراً يرتدي نظاًرات واقع افتراضي؟! الهدف من هذه الفكرة هو جعل الفأر يرى كلّ شيء، ولا شكّ في أنّ الباحثين سيحبّون تطبيقها بإطلاق فأر في ملعب واسع واستكشاف نشاط دماغه. وتعتمد عملية الاستكشاف هذه على ليزر، ومجاهر، وغيرها من الأجهزة الثقيلة على رأس هذا المخلوق الصغير.

استكشاف عمل الدماغ

طوّر باحثون في جامعة نورث ويسترن وسيلة للالتفاف حول الواقع الافتراضي قبل 17 عاماً. حينها، وضعوا الفأر أمام شاشة تعرض عالماً اصطناعياً ليستكشفه بينما هو يجري على ما تشبه آلة الجري ورأسه مثبّت بإحكام تحت مجهر. ولكنّ المشكلة في تلك الطريقة كانت أنّ الفأر كان يستطيع رؤية الأعداد وأجهزة من المختبر، الأمر الذي أثّر سلباً على التجربة الافتراضية. ومن هنا، وُلدت فكرة النظارات المصغّرة التي تحدّث عنها الفريق البحثي في دراسة جديدة نُشرت أخيراً في دورية «نيورون».

يشرح البروفسور دانيال دومبيك، الفيزيائي الذي قاد الدراسة، أنّ الجزء الأصعب من تصغير النظاًرة كان في صناعة عدسة تغطّي مجال الفأر البصري.

وتملك عين الفأر مجال رؤية 140 درجة، أي مجموع ما تغطيه عينا الإنسان مجتمعتين؛ ويعمل هذا المسح أفقياً وعمودياً نظراً لتداخل مجالات الرؤية لدى الحيوان، وبالتالي، يمتلك عمقاً إدراكياً إلى الأمام والخلف والأعلى -يسمح له برصد نسرٍ يحوم فوق رأسه.

ويشرح دومبيك في حديث نقلته مجلة المهندسين الكهربائيين الأميركية أنّ استكشافات الدماغ التي جرت خلال الرحلات الافتراضية القصيرة كشفت نقاطاً عدّة تنطبق أيضاً على الدماغ البشري، الذي يشبه دماغ الفئران إلى حدٍّ بعيد.

وأضاف البروفسور: «لقد استطعنا معرفة أنّ القوارض تملك «خلايا مكانية» في دماغها تشتعل (تنشط) في مواقع معيّنة في الغرفة. إذا سرتم في أنحاء الغرفة الآن، سيشتعل نشاط خلايا مختلفة في مواقع مختلفة -إنّها أشبه بخريطة داخل دماغكم. عندما تفكّرون لاحقاً في المكان الذي كنتم فيه، تشتعل هذه الخلايا مجدّداً. لقد عرفنا هذه الأمور من القوارض».

يقدّم التشابه الكبير بين دماغ البشر ودماغ القوارض مكاسب كثيرة. فإذا استطعنا تبيان كيفية إدراك الدماغ للعالم الافتراضي، سنتمكّن من تطوير واجهة دماغ - آلة أفضل. وقد يتمكّن الأطباء أيضاً من استخدام هذا النوع من الأدلّة لتشخيص وعلاج الأمراض العصبية.

تُمنح حيوانات البحث دائماً فرصة اللعب على آلة ما، كالعجلة البسيطة التي يجري عليها فأر الهامستر. ولكنّ بعض الباحثين شكّكوا في قيمة هذا النوع من التجارب على اعتبار أنّ الحيوانات الأسيرة تتصرّف بطريقة غير طبيعية لأنّها معزولة عن أجواء ذات مظهر طبيعي. وفي عام 2014 أخضع علماء هذه النظريةَ للدراسة بوضع عجلات تمرين في العراء، ووجدوا أنّ القوارض –وحتّى الضفدع– أظهرت حماسة للجري عليها.

خطر تفسير السلوك

إذن، هل تستمتع الفئران بجامعة «نورث ويسترن» بمغامراتها الافتراضية؟ يقول دومبيك: «نعم، أعتقد أنّها تفعل. بعد منحها خيار الجري على آلة أو الحصول على مكافأة حلوة، اختارت الفئران الجري. وبعد إلباسها هذه النظارات، بدأت القوارض فوراً بالجري واستكشاف البيئة من حولها».

ولكنّ المشكلة الوحيدة التي تواجه دراسة سلوك الفئران هي خطر سوء تفسير ما تشعر وتفكّر به. ففي خطاب تولّيه رئاسة جامعة ستانفورد عام 1974، هاجم الفيزيائي الشهير ريتشارد فاينمان علماء النفس لاستنتاجهم الحاسم أنّ الفئران تمكّنت من حلّ المتاهة باستخدام التصوّر المكاني حصراً، على الرغم من أنّ الدراسة أظهرت أنّها استخدمت أيضاً وسائل حسيّة، وتحديداً الشعور بالأرضية تحت أقدامها.

ويوافق دومبيك على هذه الفكرة، قائلاً: «هذه هي الطريقة التي يُقارب بها فيزيائي مثلي مشكلة كهذه. يجب أن نعرف كلّ المتغيّرات، وإذا كنا لا نستطيع التحكّم بها، يجب على الأقلّ أن نحيّدها عن الاختبار. الأمر نفسه ينطبق على جهاز الشمّ: لقد صممنا تجارب بواقع بصري وشمّي في نفس الوقت، إذ قدّمنا المكافآت على السلوك بناءً على وضع حسّي واحد دون الآخر. ركّزت الفئران على الوضع الحسي الذي يقدّم المكافآت وتعاملت مع الوضع الآخر على أنّه عامل مشتّت». يمكننا أن نسمّي هذا الوضع «الرؤية الشمية» لدى الفئران.

وشرح الفيزيائي: «وضعنا مخروطاً على أنف الفأر وضخخنا عبره هواءً مزجنا فيه روائح مختلفة بطريقة سريعة ومضبوطة حرصاً منّا على أن ترى العينان ما يشمّه الأنف. وأثبتنا أنّ الفئران تمكّنت من التحرّك بالاعتماد على الإشارات الشميّة وحدها، الأمر الذي لا يستطيع البشر فعله». وكشف دومبيك أنّ الباحثين اليوم يعملون على نظام يطبق هذا العمل باستخدام نظارات واقع افتراضي تعيد إنتاج المحيط الحقيقي بأقرب طريقة ممكنة. ويختم دومبيك: «الأمر ليس مفصّلاً كما في فيلم (ذا ماتريكس)، ولكنّه جيّد بما يكفي للاستكشاف».



بيل غيتس: الذكاء الاصطناعي الفائق سيتطلب بعض الوعي الذاتي

بيل غيتس: الذكاء الاصطناعي الفائق سيتطلب بعض الوعي الذاتي
TT

بيل غيتس: الذكاء الاصطناعي الفائق سيتطلب بعض الوعي الذاتي

بيل غيتس: الذكاء الاصطناعي الفائق سيتطلب بعض الوعي الذاتي

لقد منحني إعداد التقارير والكتابة عن الذكاء الاصطناعي تقديراً جديداً تماماً لمدى روعة أدمغتنا البشرية

«ما وراء المعرفة»

أود أن أشير إلى حديث قبل عدة أيام لبيل غيتس قال فيه إن «ما وراء المعرفة (metacognition)» تمثل الجبهة التالية للذكاء الاصطناعي.

(مصطلح «Metacognition» - إدراك الإدراك، أو ما وراء المعرفة، مجال دراسة كيفية إدراك المعرفة المحصلة. يُعرف عادة بـ«المعرفة حول المعرفة». الإدراك الذاتي يأخذ أشكالاً مختلفة، مثل معرفة متى وكيفية تطبيق «استراتيجيات مختلفة للتعلم أو حل المشاكل»، وفقاً لـ«ويكيبيديا» - المحرر)

الافتقار إلى الأبعاد الفكرية

وفي حين أن النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) تُعتبر مثيرة للإعجاب، فإنها تفتقر إلى أبعاد الفكر الكاملة التي نعتبرها نحن البشر أمراً مفروغا منه. وقد طرح بيل غيتس مؤسس «مايكروسوفت» هذه الفكرة الأسبوع الماضي في برنامج Next Big Idea Club.

** رابط الفيديو باللغة الانجليزية

«إدراك الإدراك»

وفي حديثه للمضيف روفوس غريسكوم، تحدَّث غيتس مطولاً عن «ما وراء المعرفة»، الذي يشير إلى نظام يمكنه التفكير في تفكيره الخاص. عرَّف غيتس مصطلح «ما وراء المعرفة» بأنه القدرة على «التفكير في مشكلة بالمعنى الواسع والتراجع... والقول: حسناً، ما مدى أهمية الإجابة عن هذا السؤال؟ كيف يمكنني التحقق من إجابتي، وما الأدوات الخارجية التي ستساعدني في ذلك؟».

وأضاف أن «الاستراتيجية المعرفية» الشاملة للنظم الموجودة مثل «جي بي تي - 4» (GPT - 4) أو «لاما» (Llama) لا تزال تفتقر إلى التطور. وقال إنها «مجرد توليد من خلال الحساب المستمر لكل رمز وتسلسل، ومن المذهل أن هذا يؤدي عمله على الإطلاق».

وتابع أن النظام «لا يتراجع مثل الإنسان ويفكر مثل: حسناً، سأكتب هذه الدراسة، وهذا ما أريد تغطيته. حسناً، سأضع بعض النص هنا، وهذا ما أريد فعله للملخص».

التفكير بشكل أكثر ذكاء

يعتقد غيتس أن الطريقة التي يتبعها باحثو الذكاء الاصطناعي لتحسين أداء هذه النماذج اللغوية الكبيرة (أي تضخيم بيانات التدريب وقوة الحوسبة) لن تؤدي إلا إلى بضع قفزات كبيرة أخرى إلى الأمام. بعد ذلك، سيتعين على باحثي الذكاء الاصطناعي استخدام استراتيجيات ما وراء المعرفة لتعليم نماذج الذكاء الاصطناعي كيفية التفكير بشكل أكثر ذكاءً... وليس بجدية أكبر.

عبقرية مشوشة

وقال غيتس إن أبحاث ما وراء المعرفة قد تكون المفتاح لإصلاح المشكلة الأكثر إرباكاً التي تواجه النماذج هذه؛ وهي موثوقيتها ودقتها. «هذه التكنولوجيا... سوف تصل إلى مستويات فوق طاقة البشر». وقال: «لم نصل إلى هناك حتى الآن، بسبب قيود مدى الموثوقية».

وأضاف أن «كثيراً من الأعمال الجديدة يضيف مستوى مما وراء المعرفة، الذي، إذا تم تنفيذه بشكل صحيح، سيؤدي إلى إيجاد الحلول للطبيعة المشوشة لهذه التوجهات العبقرية».

* النشرة الإخبارية الأسبوعية لمجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»