في عام 2016، صدّقت «إدارة الغذاء والدواء الأميركية» (FDA) على استخدام أطقم الأسنان الاصطناعية «المطبوعة» بواسطة تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، الأمر الذي مهّد الطريق أمام أطباء الأسنان لصناعة مجموعة من الهياكل؛ مثل الأسنان الاصطناعية وتقويم الأسنان وأطقم الأسنان القابلة للإزالة، بكبسة زر في العيادة.
وفي ظل التقدم الهائل بهذا المجال، أصبح الأمر لا يقتصر على الأسنان، وبات بمقدور الأطباء صناعة أجزاء تعويضية يمكن زرعها في جسم الإنسان، فضلاً عن إمكانية ترميم الجماجم أيضاً.
وتتركز استخدامات الطباعة ثلاثية الأبعاد في المجال الطبي في دورين أساسيين؛ أولهما طباعة مجسم للجزء المصاب بالمرض ليتحول لمجسم ملموس؛ ما يسهّل تشخيص الأمراض الأكثر تعقيداً، وثانياً صناعة الأجهزة التعويضية والأطراف الصناعية، واستبدال العظام التالفة وصناعة المفاصل.
ولعل أهم ما يميز الطباعة ثلاثية الأبعاد هو دقتها الفائقة، إذ تقوم بمحاكاة أي نموذج ثلاثي الأبعاد أو مجسم، مكونة مجسماً صورة طبق الأصل، استناداً لتصوير مقطعي بالأشعة السينية للجزء المراد طباعته، عبر طباعة طبقات رقيقة بعضها فوق بعض، بدقة عالية للغاية تحاكي الأعضاء البشرية.
عظام وأربطة وأوتار
وفي أحدث خطوة بهذا المجال، تمكن باحثون سويسريون لأول مرة من طباعة يد آلية تحتوي على عظام وأربطة وأوتار مصنوعة من بوليمرات مختلفة دفعة واحدة، ونُشرت النتائج قبل أيام بدورية «نيتشر».
وتتقدم الطباعة ثلاثية الأبعاد بسرعة، كما اتسع نطاق المواد التي يمكن استخدامها بشكل كبير. وبينما كانت التكنولوجيا في السابق مقتصرة على المواد البلاستيكية سريعة المعالجة، أصبحت الآن مناسبة للمواد البلاستيكية بطيئة المعالجة أيضاً، وهي أنواع من البلاستيك المرن تتمتع بخصائص تجعلها أكثر متانة وقوة. وأصبح استخدام مثل هذه البوليمرات ممكناً بفضل التقنية الجديدة التي طوّرها الباحثون. ونتيجة لذلك، يستطيع الباحثون الآن الطباعة ثلاثية الأبعاد لروبوتات معقدة وأكثر متانة.
وتعمل هذه التقنية الجديدة أيضاً على تسهيل الجمع بين المواد الناعمة والمرنة والصلبة، ويمكن للباحثين أيضاً استخدامها لإنشاء هياكل وأجزاء دقيقة ذات تجاويف حسب الرغبة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، يقول الباحث الرئيسي للدراسة بالمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ، الدكتور توماس بوشنر: «طريقتنا الجديدة تعتمد على طباعة المواد بخصائص مُحسنة، تجعل الهياكل المطبوعة أكثر مقاومة للأشعة فوق البنفسجية والتعرض للرطوبة. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر المواد الناعمة لدينا تباطؤاً أقل (أكثر مرونة)، وبالتالي فهي أكثر ملاءمة للتطبيقات الروبوتية».
وأضاف: «قمنا بطباعة مجموعات من مواد مختلفة، ما أدى إلى إنشاء هياكل وظيفية كاملة في عملية واحدة... أظهرنا ذلك من خلال طباعة يد المحاكاة الحيوية، والروبوت الذي يحرك ويمسك، والمضخة المستوحاة من قلب الإنسان».
وعن أهمية النتائج، تابع: «الآن قادرون على طباعة الأنظمة المعقدة التي تعمل بكامل طاقتها دون تجميع. المواد التي يمكننا طباعتها الآن لا تتحلل عند تعرضها للبيئات اليومية (أشعة الشمس والطقس). والدقة العالية وخصائص المواد المناسبة والعمر الطويل تجعل النماذج الجديدة المطبوعة مفيدة جداً للتطبيقات البحثية والتجارية، ويمكننا حالياً البدء بإنتاج الأجزاء الوظيفية للروبوتات والغرسات الطبية والكثير من الصناعات الأخرى».
بصيلات شعر ثلاثية الأبعاد
في السياق ذاته، نجح فريق بمعهد رينسيلار للعلوم التطبيقية بجامعة رينسيلار الأميركية، في طباعة بصيلات شعر ثلاثية الأبعاد في أنسجة الجلد البشرية المزروعة في المختبر. وابتكر الباحثون الجلد الذي يحمل بصيلات الشعر باستخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد التي تم تكييفها للطباعة على المستوى الخلوي.
وهذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الباحثون هذه التكنولوجيا لطباعة بصيلات الشعر، التي تلعب دوراً مهماً في شفاء الجلد ووظيفته، ونُشرت النتائج قبل أيام في دورية «ساينس أدفانسيز». ويبدأ العلماء بالسماح لعينات من خلايا الجلد والبصيلات بالانقسام والتكاثر في المختبر، حتى يتوفر ما يكفي من الخلايا القابلة للطباعة. بعد ذلك، يقوم الباحثون بخلط كل نوع من الخلايا مع البروتينات والمواد الأخرى لإنشاء «الحبر الحيوي» الذي تستخدمه الطابعة ثلاثية الأبعاد. وباستخدام إبرة رفيعة للغاية لترسيب «الحبر الحيوي»، تقوم الطابعة ببناء الجلد طبقة بعد طبقة، مع إنشاء قنوات لترسيب خلايا الشعر أيضاً.
وبمرور الوقت، تهاجر خلايا الجلد إلى هذه القنوات المحيطة بخلايا الشعر، ما يعكس بنية البصيلات الموجودة في الجلد الحقيقي. ووفق الفريق، فإن هذه النتائج لها تطبيقات محتملة في الطب التجديدي واختبار الأدوية، حيث تُعد بصيلات الشعر أيضاً نقطة دخول للأدوية الموضعية ومستحضرات التجميل، ما يجعلها جزءاً مهماً من الاختبارات الجلدية.
حالياً، يبلغ عُمر هذه الأنسجة من أسبوعين لـ3 أسابيع، وهو ليس وقتاً كافياً لنمو أعمدة الشعر. ويهدف العمل المستقبلي لفريق البحث إلى تمديد تلك الفترة؛ ما يسمح لبصيلات الشعر بالنضج بشكل أكبر، وتمهيد الطريق لاستخدامها في اختبار الأدوية وترقيع الجلد.