ماذا يحدث للبشر إذا تجاوزت درجات الحرارة العالمية مستويات قياسية؟

وسط تفاقم تحديات التغيرات المناخية

خريطة ترصد المناطق التي قد تواجه حرارة شديدة إذا استمر ارتفاع حرارة الكوكب في الارتفاع 1 (جامعة ولاية بنسلفانيا)
خريطة ترصد المناطق التي قد تواجه حرارة شديدة إذا استمر ارتفاع حرارة الكوكب في الارتفاع 1 (جامعة ولاية بنسلفانيا)
TT

ماذا يحدث للبشر إذا تجاوزت درجات الحرارة العالمية مستويات قياسية؟

خريطة ترصد المناطق التي قد تواجه حرارة شديدة إذا استمر ارتفاع حرارة الكوكب في الارتفاع 1 (جامعة ولاية بنسلفانيا)
خريطة ترصد المناطق التي قد تواجه حرارة شديدة إذا استمر ارتفاع حرارة الكوكب في الارتفاع 1 (جامعة ولاية بنسلفانيا)

في الوقت الذي يجري فيه الحديث بشكل مستمر عن التأثيرات المتصاعدة للتغيرات المناخية على كوكب الأرض، برزت بقوة التهديدات التي يشكلها الارتفاع المستمر في درجات الحرارة على صحة البشر.

ومنذ بداية الثورة الصناعية، عندما بدأ البشر في حرق الوقود في الآلات والمصانع، ارتفعت درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم بنحو درجة واحدة مئوية. وفي عام 2015، وقّعت 196 دولة على اتفاقية باريس التي تهدف إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.

وحذر فريق من العلماء من أميركا وفرنسا، أعدوا بحثاً متعدد التخصصات حول التأثيرات المتوقعة للتغيرات المناخية، من أنه إذا زادت درجات الحرارة العالمية بمقدار درجة مئوية واحدة أو أكثر من المستويات الحالية، فسيتعرض مليارات الأشخاص كل عام للحرارة والرطوبة الشديدتين لدرجة أنهم لن يتمكنوا من تبريد أنفسهم بشكل طبيعي.

تأثيرات التغيرات المناخية تتصاعد على كوكب الأرض 22

وأشار الباحثون، في دراستهم المنشورة في العدد الأخير من دورية «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة»، في أكتوبر (تشرين الأول)، إلى أن ارتفاع درجة حرارة الكوكب بما يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة سيكون مدمراً بشكل كبير لصحة الإنسان في جميع أنحاء الكوكب.

ووفق العلماء، لا يستطيع البشر تحمل سوى مجموعات معينة من الحرارة والرطوبة قبل أن تبدأ أجسادهم في المرور بمشكلات صحية مرتبطة بالحرارة، مثل ضربة الشمس أو النوبة القلبية. وبينما يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم، يمكن دفع مليارات الأشخاص إلى ما هو أبعد من هذه الحدود.السيناريو الأسوأ

وقام فريق الباحثين بوضع نموذج لزيادات درجات الحرارة العالمية تتراوح بين 1.5 درجة مئوية و4 درجات مئوية، وهو السيناريو الأسوأ، حيث يبدأ الاحترار في التسارع، بهدف تحديد مناطق الكوكب التي قد يؤدي فيها الاحترار إلى مستويات حرارة ورطوبة تتجاوز الحدود البشرية للتحمل. وقال الباحث المشارك في الدراسة، دبليو. لاري كيني، أستاذ علم وظائف الأعضاء وعلم الحركة في جامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية: «لفهم مدى تعقيد مشكلة مثل تغير المناخ وتأثيراتها في صحة الإنسان، فإنك بحاجة إلى خبراء متخصصين في الصحة العامة وتغير المناخ معاً»، مضيفاً «أن التعاون بين العلماء في تخصصات متعددة هو الطريقة الوحيدة لفهم تأثيرات البيئة على حياة الناس، والبدء في تطوير حلول للمشكلات التي يجب علينا جميعاً مواجهتها معاً».

وتشير نتائج الدراسة إلى أنه إذا زادت درجات الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، فإن سكان باكستان ووادي نهر السند البالغ عددهم 2.2 مليار نسمة، ومليار شخص يعيشون في شرق الصين، و800 مليون نسمة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، سيتضررون بشدة، وسيعيشون ساعات طويلة من الحرارة التي تتجاوز قدرة الإنسان على التحمل.

تأثيرات التغيرات المناخية تتصاعد على كوكب الأرض

وستشهد هذه المناطق في المقام الأول موجات حر عالية الرطوبة. ويمكن أن تكون موجات الحر ذات الرطوبة العالية أكثر خطورة؛ لأن الهواء لا يستطيع امتصاص الرطوبة الزائدة؛ ما يحد من تبخر العرق من الأجسام البشرية والرطوبة من بعض البنى التحتية.

وقال الباحثون إن ما يثير القلق هو أن هذه المناطق تقع أيضاً في دول ذات دخل منخفض إلى متوسط؛ لذلك قد لا يتمكن الكثير من الأشخاص المتضررين من الوصول إلى تكييف الهواء أو أي وسيلة فعالة للتخفيف من الآثار الصحية السلبية للحرارة.

وخلص الباحثون إلى أنه إذا استمر ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى 3 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، فإن مستويات الحرارة والرطوبة التي تتجاوز قدرة الإنسان على التحمل ستبدأ في التأثير على الساحل الشرقي ووسط الولايات المتحدة، من فلوريدا إلى نيويورك، ومن هيوستن إلى شيكاغو، وستشهد أميركا الجنوبية وأستراليا أيضاً حرارة شديدة عند هذا المستوى من الاحترار.

ومع ذلك، حذر الباحثون من أن هذه الأنواع من النماذج لا تأخذ في الاعتبار في كثير من الأحيان أسوأ الأحداث الجوية وأكثرها غرابة.

ووفق الباحثين، فإنه إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع فسوف نعيش في عالم تتدهور فيه المحاصيل، ويحاول الملايين أو المليارات من الناس الهجرة؛ لأن مناطقهم الأصلية غير صالحة للسكن.

تأثيرات متعددة

يتفق الدكتور السيد صبري، خبير التغيُّرات المناخية والتنمية المستدامة في مصر مع نتائج الدراسة، مؤكداً أنه من خلال متابعة الأحداث المناخية خلال السنوات الماضية من فيضانات وموجات حر شديدة وكوارث طبيعية وتدهور في المحاصيل الزراعية، فإن ما تتنبأ به عمليات النمذجة في المستقبل غالباً ما يكون أسوأ من التوقعات.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ له تأثيرات متعددة على البشر تتراوح بين التسبب في الأمراض، وتصل إلى الوفاة نتيجة الظواهر الجوية المتطرفة التي تزداد تواتراً مثل موجات الحر والعواصف والفيضانات.

وأوضح أن الأمم المتحدة توقعت أن يؤدي تغير المناخ في الفترة من عام 2030 إلى 2050، إلى نحو 250 حالة وفاة كل عام بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري الناجم عن ضربات الشمس، ناهيك عن تأثيرات الحرارة أيضاً على الصحة العقلية.

وأشار إلى أن الطقس المتطرف يقود لمزيد من الفيضانات والكوارث الأخرى التي يمكن أن تؤدي إلى تلوث مياه الشرب بفضلات الماشية ومياه الصرف الصحي والمواد الكيميائية، عبر إتلاف آبار المياه الصالحة للشرب، أو تلوث المياه الجوفية، وهذا يشكل خطراً كبيراً على صحة البشر.

ومن التأثيرات أيضاً، وفق صبري، كثرة تعرض السكان للعواصف الترابية التي تزيد من معدلات أمراض الجهاز التنفسي، ناهيك عن تأثيراتها على الزراعة والمحاصيل، ما يقود إلى نقص في الغذاء، وما ينجم عنه من أمراض سوء التغذية.

وحذر صبري من أن تأثيرات التغيرات المناخية مثل ارتفاع درجات الحرارة وهطول الأمطار الغزيرة والفيضانات تؤثر أيضاً على سلوكية الحشرات مثل البعوض، وتزيد من معدلات الأمراض المنقولة بواسطة البعوض مثل الملاريا.

ونوه بأن هناك فئات ستكون معرضة للخطر أكثر من غيرها، وهي كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة، والحوامل والأطفال.

وعن أبرز إجراءات التكيف، حث صبري الحكومات على ضرورة تفعيل نظام الإنذار المبكر وهو إجراء تكيفي لتغير المناخ، باستخدام أنظمة الاتصال المتكاملة لمساعدة المجتمعات على الاستعداد للأحداث الخطرة المتعلقة بالمناخ، والتدريب الجيد عليها، وتنبيه المواطنين قبل وقوع الأحداث المناخية المتطرفة مثل العواصف وموجات الحر بوقت كافٍ للاستعداد لها، وإنقاذ الأرواح.



في زمن السياحة الفضائية... مخاطر صحية خارج عالمنا حتى للزيارات القصيرة

الذهاب إلى الفضاء يغيرك (ناسا)
الذهاب إلى الفضاء يغيرك (ناسا)
TT

في زمن السياحة الفضائية... مخاطر صحية خارج عالمنا حتى للزيارات القصيرة

الذهاب إلى الفضاء يغيرك (ناسا)
الذهاب إلى الفضاء يغيرك (ناسا)

مع الحديث عن السياحة الفضائية، يقال إن الذهاب إلى الفضاء يغيرك، والفكرة هي أن الناس يحصلون على منظور جديد عن رؤية عالمنا من الأعلى يطلق عليه تأثير النظرة العامة.

لكن مشروعاً جديداً يقدم أدلة حول كيفية تغيير رحلات الفضاء لأجسامنا أيضاً، إذ قام «Space Omics»، والأطلس الطبي (SOMA) بقياس التأثيرات، وفق تقرير نشره موقع «ساينس نيوز إكسبلورز».

ودرس الباحثون تأثيرات رحلات الفضاء على الصحة منذ فجر عصر الفضاء. وبحثوا في تأثيرات انعدام الوزن، والإشعاع الفضائي، وغيرهما من الظروف خارج هذا العالم، عندما انطلق الناس إلى مدار أرضي منخفض، وقضوا أحياناً أشهراً هناك.

وتشمل المشكلات المعروفة تفتت العظام، وزيادة خطر الإصابة بالسرطان، ولكن ظهرت علامات ضعف البصر وهبوط في أنواع معينة من أنسجة المخ، وقد تضعف المناعة، وتتغير المفاتيح التي تشغل الجينات.

ما لم يكن دائماً واضحاً ما قد يتغير على المستوى الجزيئي. وأعرب «سوما» عن أمله في معرفة ذلك.

تظهر النتائج الأولية التي توصّل إليها «سوما» على شكل سلسلة من 30 ورقة بحثية، تم نشرها في 11 يونيو (حزيران) في مجلة «نايتشر» التي تشكّل بالفعل أكبر قاعدة بيانات منشورة في مجال طب الفضاء وبيولوجيا الفضاء.

ويجب أن يخضع رواد الفضاء المحترفون العاملون لدى وكالات الفضاء الحكومية لاختبارات صارمة للكشف عن المشكلات الصحية المحتملة، ولهذا السبب تعدّ بيانات «سوما» مهمة جداً، خصوصاً مع وجود تحول كبير في رحلات الفضاء مع ظهور السياحة الفضائية التجارية.

الفضاء يغيّر الحمض النووي

ولعل أشهر دراسة طبية حيوية طويلة الأمد أجرتها وكالة «ناسا» شملت توائم متماثلة.

ووفق الدراسة تدَّرب كل من سكوت ومارك كيلي بوصفهما رائدَي فضاء، وأمضى سكوت 340 يوماً في محطة الفضاء الدولية، بعد ذلك، نظر الباحثون في كيفية تأثير ذلك في وظائف الأعضاء، والتعبير الجيني، والجهاز المناعي، والتفكير العقلي. ولفهم أي تغييرات بشكل أفضل، قاموا بمقارنة هذه الميزات بتلك الموجودة في مارك، التوأم الذي بقي على الأرض.

إحدى النتائج الرائعة هي أن السفر إلى الفضاء أدى إلى إطالة التيلوميرات الخاصة بسكوت، وهي أجزاء قصيرة من الأحماض النووية المتكررة موجودة في نهايات الحمض النووي الخاص بنا، وهي تعمل نوعاً ما مثل الغطاء الموجود على رباط الحذاء، وتحمي خيوط الحمض النووي لدينا. ومع انقسام الخلايا، تقصر التيلوميرات، وهذا التغيير مرتبط عموماً بالشيخوخة.

فهل إقامة سكوت في الفضاء جعلت جسده يبدو أصغر سناً؟ لا، في الواقع، قد يؤدي تغيير التيلومير إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان.

ماذا وجد «سوما»؟

تظهر بيانات «سوما» أنه حتى بضعة أيام في الفضاء يمكن أن تؤدي إلى تغييرات جينية. في الواقع، لم تختلف التغييرات قصيرة المدى كثيراً عن تلك التي شوهدت خلال المهمات الأطول.

كما هي الحال مع سكوت كيلي، أصبحت التيلوميرات الخاصة بطاقم «Inspiration4» أطول خلال رحلتهم.

وقالت إيليا أوفيربي من جامعة أوستن في تكساس، وتدرس التأثيرات الصحية لرحلات الفضاء: «على الرغم من بقائهم هناك لمدة 3 أيام فقط، فإننا في الواقع مازلنا قادرين على رؤية التأثير الدراماتيكي جداً»، وبمجرد عودتهم إلى الأرض، عادت أطوال غطاء الحمض النووي الخاصة بهم إلى وضعها الطبيعي.

كما اتبعت عديد من التغيرات الجزيئية الأخرى أنماطاً مشابهة لتلك الموجودة في دراسة التوائم. ويبدو أنها تتحرك في أثناء الرحلات الفضائية، بغض النظر عن طولها. ثم عادوا إلى حد كبير إلى خط الأساس بمجرد عودة المسافرين إلى الأرض.

ماذا تعني هذه البيانات لصحة رائد الفضاء؟

هذا ليس واضحاً، خاصة عند التفكير في الفترات الزمنية الطويلة لمهمة المريخ، أو الإقامة في قاعدة قمرية. والعدد الإجمالي للأشخاص الذين يذهبون إلى الفضاء لا يزال صغيراً. ففي نهاية المطاف، تحمل كل مهمة خاصة جديدة طاقماً مكوناً من 4 أفراد فقط.

ومع ذلك، تعتزم «أوفربي» وفريقها أن يصبح «سوما» مركزاً للبيانات الصحية في المهمات التجارية والحكومية المأهولة.