توجهات علمية للبحث عن مؤشرات جديدة للسمنة

مؤشر كتلة الجسم يفقد مركزه كأداة تشخيصية رئيسية

توجهات علمية للبحث عن مؤشرات جديدة للسمنة
TT

توجهات علمية للبحث عن مؤشرات جديدة للسمنة

توجهات علمية للبحث عن مؤشرات جديدة للسمنة

مع ارتفاع معدلات البدانة عالمياً بثلاث مرات خلال الـ50 عاماً الماضية، وظهور موجة من الأدوية الحديثة لفقدان الوزن التي تجتاح السوق الآن، لا يزال مؤشر كتلة الجسم (BMI) العالي يسيطر بوصفه معياراً رئيسياً لعلاج البدانة والسمنة. ويرى الخبراء أن الطلب المتزايد على هذه الأدوية، سيزيد من الاعتماد على هذا المؤشر بوصفه أداة تشخيصية منفردة.

إلا أن المشكلة هي أن الحالة الصحية للفرد لا يمكن تحديدها بمقاييس الطول والوزن فقط.

البحث عن مؤشرات جديدة

يُستخدم مؤشر كتلة الجسم الذي يُحسب بقسمة الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر، منذ عدة عقود، معياراً دولياً لتحديد الأوزان الصحية؛ إذ يعد بديلاً لنسبة الدهون في الجسم. والأرقام الأعلى للمؤشر يمكن أن تشير إلى زيادة في مخاطر الأمراض الأيضية والوفاة. وهناك الآن توجهات متزايدة للبحث عن مؤشرات أخرى غير كتلة الجسم عند تشخيص وعلاج السمنة، التي تعترف منظمة الصحة العالمية بأنها مرض مزمن. فقد دعت الجمعية الطبية الأميركية (AMA) في يونيو (حزيران) الماضي 2023 إلى استخدام مزيد من المقاييس المتعلقة بالوزن، إضافة إلى مؤشر كتلة الجسم؛ بسبب عيوبه وتاريخه المحير.

وتقول سوزان يانوفسكي، المديرة المشاركة لمكتب أبحاث البدانة في المعهد الوطني لأمراض السكري والجهاز الهضمي والكلوي في الولايات المتحدة، في بحثها المنشور في مجلة «نتشر» في 11 أكتوبر (تشرين أول) الحالي 2023، إن مؤشر كتلة الجسم يترافق مع مخاطر الوفاة على مستوى السكان؛ إذ تكون المخاطر مرتفعة في الطرف السفلي من نطاق مؤشر كتلة الجسم، حيث يُعتبر الشخص نحيفاً، وتنخفض تلك المخاطر في المنتصف، ولكنها ترتفع تدريجيّاً مرة أخرى في الطرف العلوي من المؤشر، حيث تقع فئات الزيادة في الوزن والبدانة، وقد تم تثبيت الحدود بين هذه الفئات من قبل منظمة الصحة العالمية في عام 1993.

ويعد مؤشر كتلة الجسم مقياساً نسبيّاً لتحديد مخاطر الصحة، فقد وجدت دراسة نُشرت في يوليو (تموز) الماضي 2023 من قبل أيوش فيساري، وشوكو سيتاجوتشي، الباحِثَيْن في الطب الباطني والصحة العامة في منطقة مدينة نيويورك بالولايات المتحدة، المنشورة في مجلة Public Library of Science (PLOS) أن مخاطر الوفاة للبالغين في فئة الزيادة في الوزن (حسب المؤشر)، كانت مماثلة للأشخاص ذوي الأوزان الصحية، وهو ما يتماشى مع تحليلات سابقة.

قياس غير مثالي للدهون

ليس هناك شك في أن الكميات الكبيرة من الدهون يمكن أن تضر بالأعضاء، وتزيد من مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك النوبات القلبية والسكتة الدماغية والسكري، ومقاومة الإنسولين، وأمراض الكبد الدهنية، غير الكحول، وتخلق فوضى في الصحة العقلية والبدنية والوظيفية.

وتأتي المشكلة عند استخدام مؤشر كتلة الجسم وسيلةً بديلةً لقياس كمية الدهون في الجسم، حيث يمكن أن يحمل شخصان بمؤشر كتلة الجسم نفسه كميات مختلفة من الدهون. وفي المؤشر المُعطى يميل الكبار إلى أن يكون لديهم مزيد من الدهون، وقليل من العضلات، مقارنة بالشبان، كما تختلف العلاقات بين مؤشر كتلة الجسم، وكتلة الدهون والصحة أيضاً بين الجنسين. فعلى سبيل المثال، تميل النساء إلى أن يكون لديهن مزيد من الدهون في الجسم مقارنة بالرجال عند مؤشر كتلة الجسم نفسه، ومع ذلك يبدو أن التوزيع في النساء -في الواقع- أفضل من الناحية الصحية، وفقاً لفرنسيسكو لوبيز- خيميني (طبيب قلب وباحث في السمنة في عيادة «مايو كلينيك» في روتشستر مينيسوتا بالولايات المتحدة)، حيث عادة ما تكون الدهون عندهن في منطقة الأرداف والوركين والفخذين، بينما تتراكم الدهون في بطون الرجال، والتي عادة ما ترتبط بنتائج صحية سيئة.

معايير تشخيصية أخرى

شاركت فاطمة كودي، من جامعة ستانفورد، في لجنة تضم نحو 60 من اختصاصيي السمنة من جميع أنحاء العالم، تم جمعهم من قبل مجلة «لانسيت» للسكري والغدد، ومعهد السكري والغدد والسمنة، في Kings Health Partners في لندن؛ لوضع معايير تشخيصية من خلال دراسة كل جهاز حيوي رئيسي لفهم كيفية تأثير الوزن على الصحة. كما شارك آريا شارما الذي كان آنذاك المدير الطبي لعيادة السمنة في مستشفى «رويال ألكسندر» في إدمونتون كندا، في إنشاء نظام يتألف من 5 خطوات، يأخذ في الاعتبار الصحة البدنية والعقلية والوظيفية، بالإضافة إلى مؤشر كتلة الجسم، والذي يُسمى «نظام إدمونتون لمراحل السمنة (EOSS)»، ونُشر في عام 2009. ووفقه سيكون الشخص الذي يعاني كثيراً من الحالات المتعلقة بالوزن، مثل صعوبة التحرك، وأمراض القلب، والقلق المتعلق بالسمنة، في مرحلة أعلى من شخص آخر لديه مؤشر كتلة الجسم نفسه، ولكن مع أقل مشكلات صحية أو أقل خطورة. وقد تم دمج نظام إدمونتون لمراحل السمنة في الدليل السريري الكندي للسمنة للبالغين في عام 2020، وفي نهاية العام الماضي 2022 تم إصدار نسخ في تشيلي وآيرلندا، والآن يعتبر الدليل الشامل الأول للعناية بالسمنة في تشيلي، وفقاً ليوديث برايس كونتريراس، اختصاصية التغذية السريرية في عيادة «ميدز» في سانتياغو التي كانت المطورة الرئيسية للدليل.



«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟
TT

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

ربما تتذكر وقتاً كنت فيه بحاجة إلى إجابة سريعة، لوصفة طبق للطعام، أو مشروع لتحسين بيتك.

من محرك «غوغل» إلى «جي بي تي»

قبل بضع سنوات، كانت غريزة معظم الناس الأولى هي البحث عن المعلومات على محرك «غوغل» للبحث، ومع ذلك، اليوم، مما كتب غاي يون تشونغ (*)، أصبح كثير من الناس أكثر ميلاً إلى استخدام «تشات جي بي تي (ChatGPT)»، أداة الذكاء الاصطناعي والمحادثة من شركة «أوبن إيه آي»، التي تغير الطريقة التي يبحث بها الناس عن المعلومات.

بدلاً من مجرد توفير قوائم بمواقع الويب، يُقدِّم «تشات جي بي تي» إجابات محادثة أكثر مباشرة.

مسألة الإبداع

ولكن هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» أن يفعل أكثر من مجرد الإجابة عن الأسئلة المباشرة؟ هل يمكنه بالفعل مساعدة الناس على أن يكونوا أكثر إبداعاً؟

إني أدرس التقنيات الجديدة وتفاعل المستهلكين مع وسائل التواصل الاجتماعي، وقد شرعت أنا وزميلي بيونغ لي في استكشاف هذا السؤال: هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» مساعدة الناس حقاً على حل المشكلات بشكل إبداعي، وهل يؤدي هذا بشكل أفضل من محركات البحث التقليدية مثل «غوغل»؟

عبر سلسلة من التجارب في دراسة نُشرت في مجلة «نتشر-السلوك البشري (Nature Human Behaviour)»، وجدنا أن «تشات جي بي تي» يعزز الإبداع، خصوصاً في المهام العملية اليومية.

وإليك ما تعلمناه عن كيفية تغيير هذه التقنية للطريقة التي يحلُّ بها الناس المشكلات، ويتبادلون بها الأفكار ويفكرون بشكل إبداعي.

«جي بي تي» مبدع

«تشات جي بي تي» والمهام الإبداعية. تخيل أنك تبحث عن فكرة هدية إبداعية لابنة أخت في سِنِّ المراهقة. في السابق، ربما كنت تبحث على «غوغل» عن «هدايا إبداعية للمراهقين»، ثم تتصفح المقالات حتى تجد شيئاً يناسبك.

الآن، إذا سألت «تشات جي بي تي»، فإنه يولِّد استجابةً مباشرةً بناءً على تحليله للأنماط عبر الويب. قد يقترح مشروعاً مخصصاً أو تجربةً فريدةً من نوعها، وصياغة الفكرة في الوقت الفعلي.

لاستكشاف ما إذا كان «تشات جي بي تي» يتفوق على «غوغل» في مهام التفكير الإبداعي، أجرينا 5 تجارب، تعامل فيها المشاركون مع مهام إبداعية مختلفة.

توليد الأفكار

على سبيل المثال، قمنا بتعيين المشاركين بشكل عشوائي، إما لاستخدام «تشات جي بي تي» للمساعدة، أو استخدام بحث «غوغل»، أو توليد الأفكار بأنفسهم.

بمجرد جمع الأفكار، قام الحكام الخارجيون، الذين لا يدركون الشروط المخصصة للمشاركين، بتقييم كل فكرة من حيث الإبداع. قمنا بوضع متوسط ل​​درجات الحكام؛ بهدف توفير تصنيف إبداعي عام.

كانت إحدى المهام تتضمَّن تبادل الأفكار حول طرق إعادة استخدام العناصر اليومية، مثل تحويل مضرب تنس قديم وخراطيم الحديقة إلى شيء جديد. وطُلبت مهمة أخرى من المشاركين تصميم طاولة طعام مبتكرة. وكان الهدف هو اختبار ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد الناس على التوصل إلى حلول أكثر إبداعاً، مقارنة باستخدام محرك بحث على الويب أو مجرد خيالهم.

نتائج لصالح الذكاء التوليدي

وكانت النتائج واضحة: صنف الحكام الأفكار التي تم إنشاؤها بمساعدة «تشات جي بي تي» على أنها أكثر إبداعاً من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام عمليات البحث على «غوغل» أو دون أي مساعدة. ومن المثير للاهتمام أن الأفكار التي تم إنشاؤها باستخدام «تشات جي بي تي» - حتى دون أي تعديل بشري - سجَّلت درجات أعلى في الإبداع من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام «غوغل».

وكانت إحدى النتائج البارزة هي قدرة «تشات جي بي تي» على توليد أفكار إبداعية تدريجياً: تلك التي تعمل على تحسين أو البناء على ما هو موجود بالفعل. وفي حين أن الأفكار الجذرية حقاً قد لا تزال تشكل تحدياً للذكاء الاصطناعي، فقد تفوَّق «تشات جي بي تي» في اقتراح نهج عملي ومبتكر. على سبيل المثال، في تجربة تصميم الألعاب، توصَّل المشاركون الذين يستخدمون «تشات جي بي تي» إلى تصميمات خيالية، مثل تحويل مروحة متبقية وكيس ورقي إلى مروحة تعمل بطاقة الرياح.

حدود الإبداع في الذكاء الاصطناعي

تكمن قوة «تشات جي بي تي» في قدرته على الجمع بين المفاهيم غير ذات الصلة في استجابة متماسكة.

وعلى عكس «غوغل»، الذي يتطلب من المستخدمين غربلة الروابط وتجميع المعلومات معاً. يقدم «تشات جي بي تي» إجابةً متكاملةً تساعد المستخدمين على التعبير عن الأفكار وصقلها بتنسيق مصقول. وهذا يجعل «تشات جي بي تي» واعداً بوصفه أداةً إبداعيةً، خصوصاً للمهام التي تربط بين الأفكار المتباينة أو تولد مفاهيم جديدة.

من المهم ملاحظة، مع ذلك، أن «تشات جي بي تي» لا يولِّد أفكاراً جديدة حقاً. إنه يتعرَّف على الأنماط اللغوية ويجمعها من بيانات التدريب الخاصة به، وبالتالي يولِّد مخرجات بتسلسلات أكثر احتمالية بناءً على تدريبه. إذا كنت تبحث عن طريقة لتحسين فكرة موجودة أو تكييفها بطريقة جديدة، فيمكن أن يكون «تشات جي بي تي» مورداً مفيداً. ومع ذلك، بالنسبة لشيء مبتكر، لا يزال الإبداع والخيال البشري ضروريَّين.

بالإضافة إلى ذلك، في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» توليد اقتراحات إبداعية، فإنها ليست عملية دائماً أو قابلة للتطوير دون مدخلات الخبراء. تتطلب خطوات مثل الفحص، وفحص الجدوى، والتحقق من الحقائق، والتحقق من السوق خبرة بشرية. ونظراً لأن استجابات «تشات جي بي تي» قد تعكس تحيزات في بيانات التدريب الخاصة بها، فيجب على الأشخاص توخي الحذر في السياقات الحساسة مثل تلك التي تنطوي على العرق أو الجنس.

كما اختبرنا ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد في المهام التي غالباً ما يُنظر إليها على أنها تتطلب التعاطف، مثل إعادة استخدام العناصر العزيزة على أحد الأحباء. ومن المدهش أن «تشات جي بي تي» عزَّز الإبداع حتى في هذه السيناريوهات، حيث أدى إلى توليد أفكار وجدها المستخدمون ذات صلة، ومدروسة.

وتتحدى هذه النتيجة الاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه المساعدة على المهام التي تحركها العواطف.

مستقبل الذكاء الاصطناعي والإبداع

مع ازدياد إمكانية الوصول إلى «تشات جي بي تي» وأدوات الذكاء الاصطناعي المماثلة، فإنها تفتح إمكانات جديدة للمهام الإبداعية. سواء في مكان العمل أو في المنزل، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في الشحذ الذهني وحل المشكلات وتعزيز المشروعات الإبداعية.

ومع ذلك، يشير بحثنا أيضاً إلى الحاجة إلى الحذر: في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» تعزيز الإبداع البشري، فإنه لا يحلُّ محلَّ القدرة البشرية الفريدة على التفكير الجذري حقاً خارج الإطار المألوف.

يمثل هذا التحول من البحث على «غوغل» إلى سؤال «تشات جي بي تي»، أكثرَ من مجرد طريقة جديدة للوصول إلى المعلومات. إنه يمثل تحولاً في كيفية تعاون الناس مع التكنولوجيا للتفكير والإبداع والابتكار.

* أستاذ مساعد في إدارة الأعمال بجامعة رايس الأميركية - مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً