هل يرث الإنسان «تحيزات» الذكاء الاصطناعي؟

مخاوف من تأثيراتها السلبية البالغة على القرارات البشرية

تستخدم العديد من المجالات الآن أدوات الذكاء الاصطناعي لدعم القرارات البشرية
تستخدم العديد من المجالات الآن أدوات الذكاء الاصطناعي لدعم القرارات البشرية
TT

هل يرث الإنسان «تحيزات» الذكاء الاصطناعي؟

تستخدم العديد من المجالات الآن أدوات الذكاء الاصطناعي لدعم القرارات البشرية
تستخدم العديد من المجالات الآن أدوات الذكاء الاصطناعي لدعم القرارات البشرية

رفعت النتائج المذهلة التي حققتها أنظمة الذكاء الاصطناعي مؤخراً، وقدرتها على الدخول في حوارات ممتدة مع البشر، من سقف توقعاتنا للأدوار التي يمكن أن تلعبها في حياتنا في المستقبل القريب. ويقوم كثير من المجالات المهنية الآن بتطبيق أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لدعم عملية صنع القرار لدى المتخصصين، وتقليل الأخطاء المحتمل ارتكابها. ومع ذلك، ينبغي معرفة أن هذه التكنولوجيا لا تخلو من المخاطر؛ بسبب احتمالات «التحيز» التي بدأت تظهر ضمن نتائجها يوماً بعد آخر.

أخطاء تولِّد أخطاء

يجب الأخذ في الاعتبار أن البيانات المستخدمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي تعكس قرارات بشرية؛ فإذا كانت هذه البيانات تتضمن أنماطاً من الأخطاء المنهجية، فسوف تتعلم خوارزميات الذكاء الاصطناعي هذه الأخطاء وتعيد إنتاجها مجدداً.

ويشير كثير من الأدلة العلمية، بالفعل، إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ترث التحيزات البشرية. غير أن الجديد علميّاً هو ما توصلت إليه نتائج الدراسة المنشورة في دورية «ساينتفيك روبوتس» في 3 أكتوبر (تشرين الأول)، من أن التأثير المعاكس قد يحدث، أي أن البشر أيضاً يرثون تحيزات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعني أن تلك التقنيات لن ترث تحيزاتها من البيانات البشرية فحسب، بل يمكن للبشر أن يرثوا تلك التحيزات مجدداً، وبالتالي زيادة خطر الوقوع في حلقة مفرغة لا تنتهي.

وتقول الباحثة الأولى المشاركة في الدراسة، لوسيا فيسنتي، من قسم علم النفس بجامعة ديوستو الإسبانية: «هناك قلق كبير بشأن احتمال قيام الذكاء الاصطناعي بنشر تلك التحيزات في القرارات البشرية». وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن لمجموعات البيانات المستخدمة لتدريب هذه النماذج أن تخفي أنماطاً من الأخطاء المنهجية وأوجه عدم المساواة، بحيث يتعلم الذكاء الاصطناعي، في كثير من الأحيان، الأخطاء البشرية ويعيد إنتاجها، كما يمكن للبشر توليد تلك التحيزات حتى بعد مرور بعض الوقت على انتهاء التفاعل مع هذه النظم».

وفي سلسلة تجارب ثلاث أجراها باحثو الدراسة، أجرى متطوعون تشخيصاً طبيّاً (أظهر خطأ منهجيّاً) بمساعدة نظام ذكاء اصطناعي متحيز، في حين لم تحصل مجموعة أخرى ضابطة على أي مساعدة. لقد كانت مهمة التشخيص الطبي بواسطة الذكاء الاصطناعي وهمية. كانت الإعدادات بأكملها عبارة عن محاكاة لتجنب التدخل عند الحاجة لذلك.

وكشفت النتائج أن الأطباء ارتكبوا بمساعدة النماذج التقنية المتحيزة، الأخطاء نفسها التي ارتكبها الذكاء الاصطناعي، في حين لم ترتكب المجموعة الضابطة هذه الأخطاء، وهو ما يعني أن توصيات الذكاء الاصطناعي أثرت على قرارات الأطباء.

تحيز موروث

ومع ذلك، تبقى النتيجة الأكثر أهمية أنه بعد انتهاء عمليات التفاعل مع نظام الذكاء الاصطناعي، استمر هؤلاء الأطباء في محاكاة خطئه المنهجي، حتى عندما تحولوا إلى أداء مهمة التشخيص دون مساعدته. بمعنى آخر، إن الأطباء الذين تلقوا المساعدة أولاً من الذكاء الاصطناعي المتحيز كرروا تحيزهم في سياق آخر جديد من دون هذا الدعم، وبالتالي أظهروا ما يطلق عليه علميّاً «تحيزاً موروثاً». في حين لم تتم ملاحظة هذا التأثير بالنسبة لأطباء المجموعة الضابطة، الذين قاموا بالمهمة دون مساعدة الذكاء الاصطناعي منذ البداية.

وتقول الباحثة المشاركة في الدراسة، الدكتورة هيلينا ماتوتي، من قسم علم النفس بجامعة ديوستو الإسبانية: «توضح هذه النتائج أن المعلومات المتحيزة بواسطة نموذج الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون لها تأثير سلبي دائم على القرارات البشرية». وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي لن يرث تحيزاته من البيانات البشرية فحسب، بل يمكن للأشخاص أن يرثوا تلك التحيزات منه، وهو ما ينذر بخطر وقوع البشر في فخ حلقة خطيرة من الأخطاء الممنهجة».

ويشير اكتشاف إمكانية توريث تأثير تحيزات الذكاء الاصطناعي إلى الحاجة لمزيد من الأبحاث النفسية ودراسات متعددة التخصصات حول عمليات التفاعل بين الذكاء الاصطناعي والإنسان. علاوة على ذلك، هناك حاجة إلى التنظيم القائم على الأدلة العلمية؛ لضمان «الوصول إلى تقنيات ذكاء اصطناعي عادلة وأخلاقية»، مع الأخذ في الاعتبار الجوانب النفسية للأنشطة التي ترتكز على التعاون بينه وبين البشر، وليس الميزات التقنية له فقط.

وعن إمكانية تفادي تلك الأخطاء، قالت ماتوتي: «من الضروري تحقيق فهم أفضل لكيفية بناء نماذج الذكاء الاصطناعي للتوقعات والنتائج، والأهم من ذلك نشر المستويات الفعلية لكل من الدقة والأخطاء في تلك النماذج».

وهو ما علقت عليه فيسنتي بالقول: «يمكن لزيادة المعرفة بأخطاء الذكاء الاصطناعي أن تقلل من ثقة الناس المفرطة في تلك النماذج، وربما يمكنهم اكتشاف تحيزاته ومواجهتها مبكراً». وأضافت: «يجب أن يحصل المتخصصون الذين يتعاونون مع الذكاء الاصطناعي على التدريب والوقت اللازمين لاكتشاف أخطائه، وكذلك التقييم الصحيح للنتائج والإجراءات المتولدة عنه عندما يكونون في شك منها».

وتفضل فيسنتي بدلاً من تنبيه البشر للأخطاء المحتملة للذكاء الاصطناعي أن «يتم تنفيذ تلك المهام من قِبل البشر، مع تنبيه نظم الذكاء الاصطناعي للأخطاء المحتملة، ومن ثم تدريبه على تلافيها».



في زمن السياحة الفضائية... مخاطر صحية خارج عالمنا حتى للزيارات القصيرة

الذهاب إلى الفضاء يغيرك (ناسا)
الذهاب إلى الفضاء يغيرك (ناسا)
TT

في زمن السياحة الفضائية... مخاطر صحية خارج عالمنا حتى للزيارات القصيرة

الذهاب إلى الفضاء يغيرك (ناسا)
الذهاب إلى الفضاء يغيرك (ناسا)

مع الحديث عن السياحة الفضائية، يقال إن الذهاب إلى الفضاء يغيرك، والفكرة هي أن الناس يحصلون على منظور جديد عن رؤية عالمنا من الأعلى يطلق عليه تأثير النظرة العامة.

لكن مشروعاً جديداً يقدم أدلة حول كيفية تغيير رحلات الفضاء لأجسامنا أيضاً، إذ قام «Space Omics»، والأطلس الطبي (SOMA) بقياس التأثيرات، وفق تقرير نشره موقع «ساينس نيوز إكسبلورز».

ودرس الباحثون تأثيرات رحلات الفضاء على الصحة منذ فجر عصر الفضاء. وبحثوا في تأثيرات انعدام الوزن، والإشعاع الفضائي، وغيرهما من الظروف خارج هذا العالم، عندما انطلق الناس إلى مدار أرضي منخفض، وقضوا أحياناً أشهراً هناك.

وتشمل المشكلات المعروفة تفتت العظام، وزيادة خطر الإصابة بالسرطان، ولكن ظهرت علامات ضعف البصر وهبوط في أنواع معينة من أنسجة المخ، وقد تضعف المناعة، وتتغير المفاتيح التي تشغل الجينات.

ما لم يكن دائماً واضحاً ما قد يتغير على المستوى الجزيئي. وأعرب «سوما» عن أمله في معرفة ذلك.

تظهر النتائج الأولية التي توصّل إليها «سوما» على شكل سلسلة من 30 ورقة بحثية، تم نشرها في 11 يونيو (حزيران) في مجلة «نايتشر» التي تشكّل بالفعل أكبر قاعدة بيانات منشورة في مجال طب الفضاء وبيولوجيا الفضاء.

ويجب أن يخضع رواد الفضاء المحترفون العاملون لدى وكالات الفضاء الحكومية لاختبارات صارمة للكشف عن المشكلات الصحية المحتملة، ولهذا السبب تعدّ بيانات «سوما» مهمة جداً، خصوصاً مع وجود تحول كبير في رحلات الفضاء مع ظهور السياحة الفضائية التجارية.

الفضاء يغيّر الحمض النووي

ولعل أشهر دراسة طبية حيوية طويلة الأمد أجرتها وكالة «ناسا» شملت توائم متماثلة.

ووفق الدراسة تدَّرب كل من سكوت ومارك كيلي بوصفهما رائدَي فضاء، وأمضى سكوت 340 يوماً في محطة الفضاء الدولية، بعد ذلك، نظر الباحثون في كيفية تأثير ذلك في وظائف الأعضاء، والتعبير الجيني، والجهاز المناعي، والتفكير العقلي. ولفهم أي تغييرات بشكل أفضل، قاموا بمقارنة هذه الميزات بتلك الموجودة في مارك، التوأم الذي بقي على الأرض.

إحدى النتائج الرائعة هي أن السفر إلى الفضاء أدى إلى إطالة التيلوميرات الخاصة بسكوت، وهي أجزاء قصيرة من الأحماض النووية المتكررة موجودة في نهايات الحمض النووي الخاص بنا، وهي تعمل نوعاً ما مثل الغطاء الموجود على رباط الحذاء، وتحمي خيوط الحمض النووي لدينا. ومع انقسام الخلايا، تقصر التيلوميرات، وهذا التغيير مرتبط عموماً بالشيخوخة.

فهل إقامة سكوت في الفضاء جعلت جسده يبدو أصغر سناً؟ لا، في الواقع، قد يؤدي تغيير التيلومير إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان.

ماذا وجد «سوما»؟

تظهر بيانات «سوما» أنه حتى بضعة أيام في الفضاء يمكن أن تؤدي إلى تغييرات جينية. في الواقع، لم تختلف التغييرات قصيرة المدى كثيراً عن تلك التي شوهدت خلال المهمات الأطول.

كما هي الحال مع سكوت كيلي، أصبحت التيلوميرات الخاصة بطاقم «Inspiration4» أطول خلال رحلتهم.

وقالت إيليا أوفيربي من جامعة أوستن في تكساس، وتدرس التأثيرات الصحية لرحلات الفضاء: «على الرغم من بقائهم هناك لمدة 3 أيام فقط، فإننا في الواقع مازلنا قادرين على رؤية التأثير الدراماتيكي جداً»، وبمجرد عودتهم إلى الأرض، عادت أطوال غطاء الحمض النووي الخاصة بهم إلى وضعها الطبيعي.

كما اتبعت عديد من التغيرات الجزيئية الأخرى أنماطاً مشابهة لتلك الموجودة في دراسة التوائم. ويبدو أنها تتحرك في أثناء الرحلات الفضائية، بغض النظر عن طولها. ثم عادوا إلى حد كبير إلى خط الأساس بمجرد عودة المسافرين إلى الأرض.

ماذا تعني هذه البيانات لصحة رائد الفضاء؟

هذا ليس واضحاً، خاصة عند التفكير في الفترات الزمنية الطويلة لمهمة المريخ، أو الإقامة في قاعدة قمرية. والعدد الإجمالي للأشخاص الذين يذهبون إلى الفضاء لا يزال صغيراً. ففي نهاية المطاف، تحمل كل مهمة خاصة جديدة طاقماً مكوناً من 4 أفراد فقط.

ومع ذلك، تعتزم «أوفربي» وفريقها أن يصبح «سوما» مركزاً للبيانات الصحية في المهمات التجارية والحكومية المأهولة.