بكتيريا معوية تحفز التهاب المفاصل الروماتويدي قبل ظهور أعراضه

باحثو «مايو كلينيك» يرصدون العلاقة بينهما

بكتيريا معوية تحفز التهاب المفاصل الروماتويدي قبل ظهور أعراضه
TT

بكتيريا معوية تحفز التهاب المفاصل الروماتويدي قبل ظهور أعراضه

بكتيريا معوية تحفز التهاب المفاصل الروماتويدي قبل ظهور أعراضه

رغم أن البكتيريا الموجودة في الأمعاء مفيدة في هضم الطعام ومكافحة العدوى، فإن الباحثين يشتبهون منذ فترة طويلة في أنها تلعب دوراً أساسياً في تحفيز التهاب المفاصل الروماتويدي.

وفي دراسة نشرت نتائجها في مجلة «ساينس أدفانسيز» (Science Advances)، اكتشف باحثو «مايو كلينيك» وجود صلة بين وفرة من بكتيريا معينة في الأمعاء وبين إثارة الاستجابة (رد الفعل) المناعية ضد أنسجة الشخص الحامل لتلك البكتيريا. كما وجدوا أيضاً أن هذا يحدث حتى قبل ظهور الأعراض السريرية لالتهاب المفاصل الروماتويدي.

الميكروبيوم المعوي مفتاح فهم المشاكل الصحية

تقول الدكتورة فينا تانيجا، مؤلفة الدراسة، وكبيرة الباحثين واختصاصية المناعة في «مايو كلينيك»: «مع تقدمنا في السن، تتغير بكتيريا الأمعاء ومنتجاتها الثانوية، ما يؤثر على جهاز المناعة لدينا». وأضافت: «إن هناك صلة معروفة بين الاختلالات في بكتيريا الأمعاء والشيخوخة والتهاب المفاصل الروماتويدي، ولكن من الصعب إثبات هذه العلاقة عند البشر».

ويسلط هذا البحث الضوء على العلاقة المعقدة بين ميكروبات الأمعاء والتهاب المفاصل الروماتويدي. وتوضح تانيجا أن من الصعب تحديد ما إذا كانت الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء هي سبب المرض لدى المرضى؛ لأن استجابة المناعة الذاتية تسبق ظهور الأعراض السريرية لدى المرضى، لمدة تتراوح بين سنة و10 سنوات.

وتضيف الباحثة: «قد يحمل الميكروبيوم المعوي المفتاح لفهم الشيخوخة الصحية، وكيفية تجنب الأمراض المزمنة، وقد يؤدي إلى التشخيص والعلاج المبكر».

بكتيريا معوية تسبب التهاب المفاصل

وباستخدام نموذج التجارب ما قبل السريرية -أي التجارب داخل المختبر وليس على المرضى- أعلن الباحثون أن بكتيريا الأمعاء (Eggerthella lenta) تسبب استجابة مناعية ذاتية قبل ظهور الأعراض السريرية لالتهاب المفاصل الروماتويدي (rheumatoid arthritis). وفي هذه الاستجابة، ينتج الجهاز المناعي أجساماً مضادة ذاتية، تستهدف وتهاجم عن طريق الخطأ أنسجة وخلايا الجسم، بدلاً من مهاجمتها للبكتيريا أو الفيروسات الغريبة التي تغزو الجسم.

ويقلل هذا الميكروب نفسه أيضاً من الأحماض الأمينية، مثل: الأرجينين، والسيترولين، ومستقلبات التربتوفان، إلى مستويات أكثر تشابهاً مع تلك الموجودة لدى كبار السن، الذين يعانون نتيجة ذلك من تدهور تدريجي في جهاز المناعة لديهم، بسبب الشيخوخة.

بالإضافة إلى النتائج التي توصلوا إليها، لاحظ الباحثون وجود صلة بين هذه البكتيريا (Eggerthella lenta)، والمستويات الأعلى من هذه الأجسام المضادة الذاتية لدى المريضات المصابات بالتهاب المفاصل الروماتويدي؛ مما يسلط الضوء على أهمية مراعاة العوامل الخاصة بالجنس في المرض.

المنتجات الأيضية للبكتيريا المعوية علامة على شدة المرض

ووفقاً لـ«ويكيبيديا» الإنجليزية، فإن هذه البكتيريا هي نوع من البكتيريا اللاهوائية إيجابية الغرام، التي تشكل جزءاً من الميكروبيوم البشري. وقد تم العثور عليها في الجهاز الهضمي البشري، والجهاز التناسلي الأنثوي، والبروستاتا لدى الذكور. ويمكنها في بعض الأحيان أن تسبب المرض عن طريق الانتشار إلى مناطق أخرى، ما يتسبب في حدوث التهابات مجرى الدم، وخراجات الكبد، والتهاب المهبل الجرثومي، والتهاب السحايا.

مؤشر حيوي لعامل خطر

إن التهاب المفاصل الروماتويدي له استعداد وراثي؛ لذلك فإن كثيراً من المعرّضين للخطر قد لا يعرفون ما إذا كانوا معرضين لخطر الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي الحاد، ومن ثم قد يساعد هذا المؤشر الحيوي في تشخيص التهاب المفاصل الروماتويدي الحاد، وتقييم تطوره.

ويشير البحث إلى أنه يمكن للأطباء استخدام قياسات المنتجات الأيضية الثانوية من بكتيريا الأمعاء بوصفها علامة على شدة المرض.

وفي الحالات العائلية، وللأشخاص الذين لديهم جينات معرضة للإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي، يقول الباحثون: «إن التسلسل الجيني للبكتيريا، ودراسة الأجسام المضادة الذاتية، والمستقلبات (نواتج التمثيل الغذائي) -خصوصاً عند الإناث الأصحاء- قد يساعد في التنبؤ باحتمالية إصابتهم بالتهاب المفاصل الروماتويدي».

توجهات مستقبلية

وفيما يتعلق بالاتجاهات المستقبلية، فإن الباحثين يخططون للعمل على كيفية استخدام الأطباء لبكتيريا (Eggerthella lenta) في تشخيصاتهم، خصوصاً عند النساء، وسوف يدرسون ما إذا كان استهدافها باستخدام المضادات الحيوية أو جينات ومستقلبات معينة، يمكن أن يؤثر على المناعة الذاتية قبل السريرية في التهاب المفاصل الروماتويدي. كما أنهم يستكشفون تأثيرات هذه البكتيريا على الشيخوخة.


مقالات ذات صلة

لماذا يعاود حب الشباب الظهور بعد العلاج؟

يوميات الشرق تتعرض النساء لضغوط مجتمعية أكبر بسبب مشكلات تتعلق ببشرتهن (رويترز)

لماذا يعاود حب الشباب الظهور بعد العلاج؟

توصلت دراسة جديدة أجراها باحثون في مستشفى ماساتشوستس العام ببريغهام في الولايات المتحدة إلى استراتيجيات لتقليل تكرار ظهور حب الشباب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك تفشي سلالة جديدة من «نوروفيروس» في الولايات المتحدة

تفشي سلالة جديدة من «نوروفيروس» في الولايات المتحدة

ما تحتاج إلى معرفته حول أحدث الأرقام وما يمكنك القيام به لحماية نفسك من الفيروس.

مايكل غروثوس (واشنطن)
صحتك إجبار الآباء لأطفالهم على إنهاء وجباتهم قد يؤدي إلى تأجيج أزمة السمنة (رويترز)

خبراء يحذرون من إجبار الأطفال على إنهاء وجباتهم

حذر خبراء التغذية من أن إجبار الآباء لأطفالهم على إنهاء وجباتهم قد يؤدي إلى تأجيج أزمة السمنة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك رجل يعاني من زيادة في الوزن (رويترز)

تقرير عالمي يدعو للتوصل إلى تعريف جديد للسمنة

أكد تقرير جديد صادر عن خبراء عالميين الحاجة إلى التوصل لتعريف جديد «أكثر دقة» للسمنة، ولـ«إصلاح جذري» لكيفية تشخيص هذه المشكلة الصحية في جميع أنحاء العالم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك سر السعادة في العمل التركيز على التقدم بدلاً من الكمال مما يؤدي إلى تحقيق قدر أكبر من الرضا (رويترز)

نصائح للتغلب على الهوس بتحقيق الكمال

نصحت الدكتورة في مركز جامعة بوسطن لدراسات الاضطرابات والقلق، إلين هندريكسن، بضرورة التمييز بين السعي إلى الكمال والشعور الدائم بعدم الرضا عن النفس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟

هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟
TT

هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟

هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟

ربما يكون أهم عنصر في علم الأحياء يمكننا فهمه هو خلايا أجسامنا. وإن حدث واستطاع العلماء التنبؤ بسهولة بكيفية تأثير طفرة جينية أو فيروس أو عقار أو أي شيء مؤثر آخر على الخلية، وبالتالي جميع الأنسجة والأعضاء التي تخدمها، فإن بوسعهم اكتشاف لقاحات وأدوية جديدة بسرعة، كما كتب ماتيو وونغ*.

صعوبة نمذجة الخلايا الحية

وصف كثير من علماء الأحياء الخلوية هذا التوجه أخيراً بأنه «الكأس المقدسة» التي يرومون نيلها في مجالهم منذ فترة طويلة. لكن الخلايا البشرية هي أيضاً من بين أصعب الأشياء التي يمكن دراستها.

تتكون أجسامنا من عشرات التريليونات من الخلايا المتفاعلة، ولكل منها آلياتها الداخلية المعقدة. ولكن العلماء لا يستطيعون الاقتراب من إعادة تكرار هذا العالم في المختبر، وقد واجهوا صعوبة في القيام بذلك باستخدام أجهزة الكومبيوتر أيضاً.

الذكاء الاصطناعي التوليدي للبيولوجيا

قد يتغير هذا، ففي العقود الأخيرة، جمع العلماء كميات هائلة من الحمض النووي وبيانات التصوير المجهري من الخلايا البشرية، والآن لديهم أداة (الذكاء الاصطناعي التوليدي) التي قد تعطي معنى لكل هذه المعلومات.

لذا وبقدر ما يمكن لبرنامج الدردشة الآلي تمييز الأسلوب، وربما حتى المعنى من مجلدات ضخمة من اللغة المكتوبة التي يستخدمها بعد ذلك لبناء نصوص تماثل ما يقدمه الإنسان، يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي من الناحية النظرية على كميات هائلة من البيانات البيولوجية، لاستخراج معلومات أساسية عن الخلايا أو حتى الكائنات الحية بأكملها.

ولا يزال البحث في مراحله المبكرة، وقد لا تتحقق «الخلايا الافتراضية» الكاملة التي يقودها الذكاء الاصطناعي أبداً. لكن علماء الأحياء أحرزوا بالفعل تقدماً كبيراً باستخدام التكنولوجيا لدراسة المكونات الأساسية لأجسامنا، وربما تغيير طبيعة هذه الدراسة أيضاً.

وكما هي الحال في كثير من المجالات العلمية الأخرى، يتم التحول من القدرة على التفسير إلى القدرة على التنبؤ، ويحلُّ «الإيمان الخوارزمي» محل الاكتشاف البشري.

عالم غامض ومتغير

إن دراسة الخلية البشرية أمر صعب. فهناك عشرات المليارات منها في الجسم، وتشكل شبكة هائلة ومعقدة تحكم كل مرض وعملية أيضية. وكل خلية في هذه الدائرة هي في حد ذاتها نتاج تفاعل كثيف ومعقد، بالقدر نفسه بين الجينات والبروتينات، وغيرها من أجزاء الآلات البيولوجية الصغيرة للغاية.

إن فهمنا لهذا العالم غامض ومتغير باستمرار. فقبل بضع سنوات فقط، كان العلماء يعتقدون أن هناك بضع مئات فقط من «أنواع الخلايا المميزة»، ولكن التقنيات الجديدة كشفت عن الآلاف، (وهذه ليست سوى البداية).

إن إجراء التجارب في هذا المجال المجهري قد يكون نوعاً من التخمين؛ وحتى النجاح غالباً ما يكون مربكاً. فقد كان يُعتقد أن الأدوية التي تشبه عقار «أوزيمبيك» تعمل على الأمعاء -على سبيل المثال- ولكن قد يتبين أنها أدوية للدماغ، مثلما تم تطوير عقار «فياغرا» في البداية لعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية، ثم تحول لعلاج ضعف الانتصاب.

* «ذا أتلانتيك أونلاين»، خدمات «تريبيون ميديا».