لغز «كوفيد طويل الأمد»... تحليلات واكتشافات

أعراضه عذاب يومي لنحو 65 مليون شخص حول العالم

لغز «كوفيد طويل الأمد»... تحليلات واكتشافات
TT

لغز «كوفيد طويل الأمد»... تحليلات واكتشافات

لغز «كوفيد طويل الأمد»... تحليلات واكتشافات

«كوفيد» يؤثر على الدماغ والقلب والرئتين والأمعاء والمفاصل... أحياناً

في وقتٍ واحد وأحياناً بشكلٍ متقطّع وأحياناً بشكلٍ تسلسلي

في يونيو (حزيران) 2022، خلال محادثة بين ليزا ساندرز؛ طبيبة الأمراض الباطنية في جامعة «يال»، وصديقتها إريكا سباتز؛ طبيبة القلب، ذكرت الأخيرة أنّها ومجموعة من الأطبّاء يفكّرون في افتتاح عيادة خاصّة لمرضى «كوفيد طويل الأمد» في «يال»، وأنّهم يبحثون عن طبيب باطني لإدارتها.

تأثيرات «كوفيد» المدمرة

ولكنّ المشكلة وفق سباتز هي في العدد، فمنذ الجائحة تلتقي وزملاؤها في قسمي الرئة والأعصاب، بمرضى «كوفيد طويل الأمد» في «يال»، ولكن بشكلٍ متعجل وطارئ، حتّى إنّ بعض الأطبّاء باتوا مغلوبين بعدد المرضى الذين يطلبون المساعدة إلى درجة أنّهم يواجهون صعوبة في تحديد مواعيد وعلاج مرضاهم الذين أتوا بمشكلات أخرى مثل سرطان الرئة، والربو، وأمراض القلب، والخرف. يعيش مرضى «كوفيد طويل الأمد» عامّة في تعاسة منذ زمن؛ لأنّ المرض يؤثّر على الدماغ، والقلب، والرئتين، والأمعاء، والمفاصل – أحياناً في وقتٍ واحد، وأحياناً بشكلٍ متقطّع، وأحياناً بشكلٍ تسلسلي - فيتنقّلون من اختصاصيّ إلى آخر. والمشكلة أن لا أحد منهم قادر على الاستماع لمعاناتهم الكاملة، أو يملك الخبرة لحلّ جميع شكاواهم: الألم غير المحدّد، والإرهاق الدائم، ونتائج الفحوصات المحيّرة، وعلاجات المرّة الواحدة. وقالت ساندرز إنّه «يوجد أشخاص لم يستطيعوا إخبار قصّتهم لأحد سوى للشريك أو الوالدة لسنوات، وهؤلاء هم كابوس كلّ طبيب».

«كوفيد طويل الأمد» يهدد كل النظام الطبي

يغيب عن هذا الجدل 65 مليون شخص حول العالم لا تزال الجائحة بالنسبة إليهم عذاباً يومياً حقيقياً، ولا توجد حتّى اليوم دراسات تقدّم إجابات مؤكدة ووافية عن ماهية «كوفيد طويل الأمد» وكيف يمكن علاجه، لذا؛ فإنّ هؤلاء النّاس بحاجةٍ إلى الوضوح من شخص يكرّس نفسه للاهتمام بهم.

اقترحت سباتز وزملاؤها نموذجاً بديلاً: عيادةٌ يرأسها طبيب باطني يخصّص ساعة كاملة للاستماع لكلّ مريض، على أن يكون مسؤولاً عن وضع خطّة للعلاج، والتواصل باستمرار مع فريق الرعاية الصحية الأولية المهتم بالمريض، وإحالته إلى مختصين عند الحاجة. ولكنّ الفكرة لم تكن باهرة؛ لأنّ العيادة قد لا تحصل على براءة اختراع، ولا أرباح مالية، ولا جوائز.

عندما سمعت ساندرز الفكرة من صديقتها، شعرت بالحماس؛ لأنّ الاستماع إلى المرضى الذين يعانون من مشكلات معقّدة وحلّها هوايتها المفضّلة واهتمامها الأوّل اللذين بُنيت عليهما مهنتها.

تدرّس ساندرز الطبّ الباطني في جامعة «يال»، وتكتب عموداً شهرياً بعنوان «تشخيص» في مجلّة «نيويورك تايمز» كان مصدر إلهام للسلسلة التلفزيونية الشهيرة «هاوس». علاوة على ذلك؛ وضعت الطبيبة كتابين حول التشخيص الطبي، وظهرت في سلسلة وثائقية على منصّة «نتفليكس» بعنوان: «تشخيص» عام 2019.

لغز «كوفيد»

وجدت ساندرز في اقتراح عيادة «كوفيد» ضالّتها التي كانت تبحث عنها.

ولكنّ عملها هناك وضعها في قلب المجهول بالتزامن مع بدء العلماء التوصل إلى بعض الاكتشافات؛ ففي مايو (أيّار) 2022، نشر عالم المناعة أكيكو إواساكي، من جامعة «يال» أيضاً، مع زملائه تقريراً في دورية «نيتشر ميديسين» ضمّ «كوفيد طويل الأمد» إلى عائلة «متلازمة ما بعد العدوى الحادّة (post-acute-infection syndromes)».

وتعاني نسبة صغيرة من الأشخاص الذين اجتازوا الإصابة بفيروسات شائعة (مثل إيبولا، وحمّى الضنك، وشلل الأطفال، والإنفلونزا، وإبشتاين - بار) لسنوات، من عوارض شبيهة بتلك التي يعانيها مرضى «كوفيد طويل الأمد»، كالتعب الشديد، وتشوش الدماغ، وآلام المفاصل، والالتهاب، والدوار، والنوم المتقطّع، واضطرابات المزاج. ينطبق الأمر نفسه على الذين أصيبوا بطفيلية «الجياردية (giardia)».

ويشير تقرير إواساكي إلى أنّ هذه العوارض ليست حقيقية فحسب؛ بل إمراضية أيضاً؛ لأنّ شكل نشاطها في الجسم والسبب وراءها والآليات التي تدعمها على المستوى الخلوي متشابهة. وإذا استطاع العلماء التوصّل إلى سبب تحوّل الأمراض المعدية الشائعة إلى أمراض مزمنة لدى أشخاص دون غيرهم، فقد يتمكّنون من تطوير علاجات تستهدف الأسباب الرئيسية بدلاً من العوارض. وعدّ إواساكي أنّ «كوفيد طويل الأمد» يقدّم للعلم فرصةً لوضع تعريف لنشأة المرض المزمن الذي يلي العدوى، وبالتالي مساعدة ملايين النّاس.

يلتقي التقرير المنشور في دورية «نيتشر ميديسين» مع اهتمام ساندرز بالحالات المجهولة؛ فقد أوضحت الطبيبة الباطنية أنّ «أشخاصاً كثراً يعانون من أمراض لا نملك أسماء لها، وبالطبع لا توجد فحوصات لها».

صعوبة تعريف المرض الطويل

ولكنّ حتّى ساندرز نفسها لم تكن مستعدّة للعمل في ظروف شحّ المعلومات التي يملكها العلماء والأطبّاء عن «كوفيد طويل الأمد»؛ إذ لا يوجد اختبار دم للمرض، ويعجز المسؤولون الصحيون حتّى اليوم عن تعريفه، وتصفه «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها» بـ«العلامات والعوارض والحالات التي تستمرّ بعض الإصابة بعدوى (كوفيد19) حادّة».

ويشير تعريف «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها» إلى أنّ المرضى يعانون من «كوفيد طويل الأمد» إذا استمرّت العوارض لأربعة أسابيع على الأقلّ بعد العدوى الأصلية.

من جهتها، تعتمد منظّمة الصحة العالمية التعريف نفسه، ولكن بإطار زمني مختلف، حيث إنّها تعدّ مريض «كوفيد طويل الأمد» هو من تبدأ عوارضه أو تستمر بعد 3 أشهر من الإصابة الأصلية. تعدّ ساندرز أنّ هذا الفرق مهمّ؛ لأنّها تريد تعريف المرضى الذين يعانون فعلاً من «كوفيد طويل الأمد»، وليس أولئك الذين يحتاجون إلى وقتٍ أطول للتعافي من مرضهم الأصلي، ولهذا السبب، تستخدم تعريف منظّمة الصحة العالمية في العيادة.

راكم «كوفيد طويل الأمد» ما يشبه موسوعة من العوارض؛ إذ تصف ورقةٌ بحثية نشرها موقع «إي كلينيكال ميديسين» أكثر من 200 عارض مختلف للمرض.

عندما يتكلّم المرضى عن حالهم في الآونة الأخيرة، يبدو عليهم كأن الشياطين تسكنهم. فقد قالت ساندرز إنّ واحدة من مرضاها تستطيع في أيّام؛ السير 700 خطوة من سيّارتها إلى باب مكتبها، وأحياناً لا تستطيع، وإن مريضاً آخر تحوّل طنين أذنيه المزعج إلى صمم. وتشرح الطبيبة الباطنية أنّ «النّاس يأتون بعوارض غريبة، كالارتجاف الداخلي، ويقولون إنّ داخلهم يرتعش. هذا الأمر لا ينطبق على شخصٍ واحد، بل على كثيرين».

تقف أسباب عدّة خلف الأعراض الأكثر شيوعاً لـ«كوفيد طويل الأمد»... على سبيل المثال، يشير التشوش الدماغي إلى فشل الذاكرة والإدراك وفقدان القدرة على التركيز. قد يعود هذا الأمر في جزءٍ منه إلى «متلازمة التعب المزمن»، التي تتشارك كثيراً من العوارض مع أمراض الباع الطويل مثل «كوفيد». وقد يكون العارض ناتجاً عن مرض آخر مثل فقر الدم المنجلي، أو السكري، أو ألزهايمر، أو ربّما تأثيرٍ جانبي لأحد الأدوية، أو ربّما للتقدّم في السن، أو انقطاع الطمث، أو التوتّر، أو حتّى نقص النوم.

علاوةً على ذلك، أصبح مصطلح «متلازمة التعب المزمن» شائعاً لوصف إرهاق العمل، وإرهاق الجائحة، والملل، والشعور بعدم الرضا، أو حتّى وصف تأثير السهر لوقتٍ متأخّر.

تعتمد ساندرز اليوم، وأكثر من أيّ وقتٍ مضى، على التفاصيل التي يقدّمها المرضى لوضع تشخيصها؛ أي إنّ الأمر أشبه بعملية حذف وتخفيض، ولهذا السبب «تعلّمت أن تصمت وتنصت».

أسباب «كوفيد طويل الأمد»

يتحوّل «كوفيد19» إلى «كوفيد طويل الأمد» لدى نحو 10 في المائة من الحالات، ولا يزال العلماء يجهلون السبب. ترجّح الأدلّة المتنامية أنّ الفيروس، أو جزءاً منه، يبقى في «خزانات» في أنسجة الأعضاء لوقتٍ طويل، مما يعني أنّ الفيروس نفسه قد يكون السبب خلف العوارض، أو أنّه يحفّز استجابة مناعية ذاتية كما يفعل فيروس «إبشتاين - بار».

ويعتقد العلماء أيضاً أنّ «كوفيد19» قد يعمد إلى تنشيط فيروسات أخرى نائمة لعقود في الجسم ويوقظها للتسبّب في العوارض. وقد يكون السبب في بعض الالتهابات. فقد كشف إواساكي عن أنّ «فئران التجارب في المختبر التي عانت من إصابة طفيفة بـ(كوفيد19) أصيبت أيضاً بالتهاب طفيف في الرئتين تزامن مع ضرر كبير في الدماغ».

وقد لا تكون الأسباب أو المحفّزات النظرية حصرية؛ بل متسلسلة ومتضاربة وحتّى فردية؛ لأنّ «كوفيد طويل الأمد» قد يعبّر عن نفسه بطريقة مختلفة وفق بيئة كلّ مضيف. ولكن حتّى ينجح الباحثون في تطوير علاجات مستهدفة، فعلى ساندرز أن تكتشف وتكتب وصفات وتقترح حلولاً غير معقّدة وموجودة.

تتشارك العيادة حالياً مقرّها مع فريق معالجة الجروح في «يال»؛ أي إنّ مرضاها يتشاركون غرفة الانتظار مع أشخاص يتعافون من الإصابات، ولكن من المفترض أن تنتقل إلى مكان جديد أكبر في أكتوبر (تشرين الأوّل) المقبل.

* مجلّة «نيويورك ماغازين» - «خدمات تريبيون ميديا»



«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية
TT

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«تخيل أنك بحاجة إلى إجراء عملية جراحية في غضون بضع دقائق لأنك قد لا تنجو... لا يوجد جراحون في الجوار ولكن يوجد روبوت جراحي مستقل متاح يمكنه إجراء هذا الإجراء باحتمالية عالية جداً للنجاح، هل ستغتنم الفرصة؟» هذا ما أجابني به طالب ما بعد الدكتوراه بجامعة جونز هوبكنز عبر البريد الإلكتروني، لدى سؤالي عن التطوير الجديد.

تعليم الروبوت بمقاطع فيديو للجراحة

لأول مرة في التاريخ، تمكن كيم وزملاؤه من تعليم الذكاء الاصطناعي استخدام آلة جراحة آلية لأداء مهام جراحية دقيقة، من خلال جعلها تشاهد آلاف الساعات من الإجراءات الفعلية التي تحدث في ردهات جراحية حقيقية. ويقول فريق البحث إنه تطور رائد يتجاوز حدوداً طبية محددة ويفتح الطريق لعصر جديد في الرعاية الصحية.

وفقاً لورقتهم البحثية المنشورة حديثاً، يقول الباحثون إن الذكاء الاصطناعي تمكن من تحقيق مستوى أداء مماثل لجراحي البشر دون برمجة مسبقة.

جراحة بتوظيف الروبوت

تدريب على العروض بدلاً من البرمجة

وبدلاً من محاولة برمجة الروبوت بشق الأنفس للعمل -وهو ما تقول ورقة البحث إنه فشل دائماً في الماضي- قاموا بتدريب هذا الذكاء الاصطناعي من خلال شيء يسمى التعلم بالتقليد، وهو فرع من الذكاء الاصطناعي حيث تراقب الآلة وتكرر الأفعال البشرية. سمح هذا للذكاء الاصطناعي بتعلم التسلسلات المعقدة للأفعال المطلوبة لإكمال المهام الجراحية عن طريق تقسيمها إلى مكونات حركية. وتترجم هذه المكونات إلى أفعال أبسط -مثل زوايا المفاصل ومواضعها ومساراتها- والتي يسهل فهمها وتكرارها وتكييفها أثناء الجراحة.

توظيف روبوت «دافنشي» للتدريب

استخدم كيم وزملاؤه نظام دافنشي الجراحي كأيدٍ وعيون لهذا الذكاء الاصطناعي. ولكن قبل استخدام المنصة الروبوتية الراسخة (التي يستخدمها الجراحون حالياً لإجراء عمليات دقيقة محلياً وعن بُعد) لإثبات نجاح الذكاء الاصطناعي الجديد، قاموا أيضاً بتشغيل محاكاة افتراضية. وقد سمح هذا بتكرار أسرع وتحقق من السلامة قبل تطبيق الإجراءات التي تم تعلمها على الأجهزة الفعلية.

«كل ما نحتاجه هو إدخال الصورة، ثم يجد نظام الذكاء الاصطناعي هذا الإجراء الصحيح»، كما يقول كيم. كانت روبوتات دافنشي أيضاً مصدر مقاطع الفيديو التي حللها الذكاء الاصطناعي، باستخدام أكثر من 10000 تسجيل تم التقاطها بواسطة كاميرات المعصم أثناء العمليات الجراحية التي يقودها الإنسان.

تعلّم 3 مهام جراحية

وكان الهدف تعلم ثلاث مهام جراحية: التعامل مع إبرة جراحية وتحديد موضعها، ورفع الأنسجة والتلاعب بها بعناية، والخياطة -كلها مهام معقدة تتطلب تحكماً دقيقاً وحساساً للغاية.

مكنت مجموعة البيانات واسعة النطاق هذه الذكاء الاصطناعي من تعلم الاختلافات الدقيقة بين الإجراءات الجراحية المتشابهة، مثل شدة التوتر المناسب اللازم للتعامل مع الأنسجة دون التسبب في ضرر.

تعد مقاطع الفيديو التدريبية هذه جزءاً صغيراً جداً من مستودع واسع النطاق للبيانات الجراحية. مع ما يقرب من 7000 روبوت دافنشي قيد الاستخدام في جميع أنحاء العالم، هناك مكتبة ضخمة من العروض الجراحية للمراقبة والتعلم منها، والتي يستخدمها فريق البحث الآن لتوسيع ذخيرة الذكاء الاصطناعي الجراحية لدراسة جديدة لم تُنشر بعد.

«في عملنا المتابع، والذي سنصدره قريباً، ندرس ما إذا كانت هذه النماذج يمكن أن تعمل في الإجراءات الجراحية طويلة المدى التي تنطوي على هياكل تشريحية غير مرئية»، يكتب كيم، في إشارة إلى الإجراءات الجراحية المعقدة التي تتطلب التكيف مع حالة المريض في أي وقت معين، مثل إجراء عملية جراحية على جرح داخلي خطير.

التحقق من صحة النموذج المطور

أثناء التطوير، عمل الفريق عن كثب مع الجراحين الممارسين لتقييم أداء النموذج وتقديم ملاحظات حاسمة (خاصة فيما يتعلق بالتعامل الدقيق مع الأنسجة)، والتي قام الروبوت بدمجها في عملية التعلم الخاصة به.

أخيراً، للتحقق من صحة النموذج، استخدموا مجموعة بيانات منفصلة غير مدرجة في التدريب الأولي لإنشاء محاكاة افتراضية، ما يضمن قدرة الذكاء الاصطناعي على التكيف مع السيناريوهات الجراحية الجديدة وغير المرئية قبل الشروع في اختبارها في الإجراءات المادية. أكد هذا التحقق المتبادل قدرة الروبوت على التعميم بدلاً من مجرد حفظ الإجراءات، وهو أمر بالغ الأهمية بالطبع نظراً للعدد المجهول المحتمل الذي قد ينشأ في غرفة العمليات.

جراح آلي «ذو خبرة»

كل شيء سار بشكل جميل إذ تعلم نموذج الروبوت هذه المهام إلى مستوى الجراحين ذوي الخبرة. يقول أكسل كريغر، الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية في جامعة جونز هوبكنز والمؤلف الرئيسي للدراسة، في بيان عبر البريد الإلكتروني: «إنه لأمر سحري حقاً أن يكون لدينا هذا النموذج حيث كل ما نقوم به هو تلقيمه مدخلات الكاميرا، ويمكنه التنبؤ بالحركات الروبوتية اللازمة للجراحة». «نعتقد أن هذا يمثل خطوة مهمة إلى الأمام نحو أفق جديد في مجال الروبوتات الطبية».

تطوير رائد

إن أحد مفاتيح هذا النجاح هو استخدام الحركات النسبية بدلاً من التعليمات المطلقة. ففي نظام دافنشي قد لا تنتهي الأذرع الآلية إلى حيث هي مقصودة تماماً بسبب التناقضات الطفيفة في حركة المفصل التي تتراكم على مدار عدة حركات ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى أخطاء كبيرة -خاصة في بيئة حساسة مثل الجراحة. كان على الفريق إيجاد حل، لذا بدلاً من الاعتماد على هذه القياسات، قام بتدريب النموذج على التحرك بناءً على ما يلاحظه في الوقت الفعلي أثناء إجراء العملية.

لكن الابتكار الرئيسي هنا هو أن التعلم بالتقليد يزيل الحاجة إلى البرمجة اليدوية للحركات الفردية. قبل هذا الاختراق، كانت برمجة الروبوت للخياطة تتطلب ترميزاً يدوياً لكل حركة بالتفصيل. يقول كيم إن هذه الطريقة كانت أيضاً عرضة للخطأ وتشكل قيداً رئيسياً في تقدم الجراحة الروبوتية. إذ إنها حدت مما يمكن للروبوت فعله بسبب جهود التطوير، والافتقار إلى المرونة التي جعلت من الصعب للغاية على الروبوتات القيام بمهام جديدة.

ومع ذلك، يسمح التعلم بالتقليد للروبوت بالتكيف بسرعة مع أي شيء يمكن مشاهدته، والتعلم على غرار طالب الجراحة. «(نحن) نحتاج فقط إلى جمع بيانات التعلم التقليدي لإجراءات مختلفة، ويمكننا تدريب الروبوت على تعلمها في غضون يومين»، كما يقول كريغر. «هذا يسمح لنا بالتعجيل نحو هدف الاستقلالية مع تقليل الأخطاء الطبية وتحقيق جراحة أكثر دقة».

تقييم مدى النجاح

لقياس مدى نجاح الذكاء الاصطناعي، حدد الباحثون مقاييس الأداء الرئيسية، مثل الدقة في وضع الإبرة والاتساق في التلاعب بالأنسجة باستخدام مجموعة من البيئات الجراحية الوهمية المادية، والتي تضمنت محاكيات الأنسجة الاصطناعية والدمى الجراحية. وكانت النتائج مذهلة. يقول كريغر: «النموذج جيد جداً في تعلم الأشياء التي لم نعلمه إياها. على سبيل المثال، إذا أسقط الإبرة، فسوف يلتقطها تلقائياً ويستمر».

لا تعد هذه القدرة على التكيف مهمة فقط لمواصلة تعلم مهارات جديدة ولكنها أيضاً ضرورية للتعامل مع الأحداث غير المتوقعة في الجراحات الحية، مثل تمزق الشريان أو تغير العلامات الحيوية للمريض فجأة. بالإضافة إلى ذلك، أظهر النموذج كفاءة زمنية محسنة، ما أدى إلى تقليل وقت الانتهاء للمهام الجراحية القياسية مثل الخياطة بنحو 30 في المائة، وهو أمر واعد بشكل خاص للعمليات الحرجة من حيث الوقت.

ويتصور العلماء سيناريو حيث تساعد هذه الروبوتات الجراحين في المواقف عالية الضغط، وتعزيز قدراتهم وتقليل الخطأ البشري. سيؤثر جراحو الذكاء الاصطناعي المستقبليون بشكل كبير على توفر الرعاية الجراحية، مما يجعل التدخلات الطبية عالية الجودة متاحة لعدد أكبر.

اللوائح التنظيمية وأخلاقيات الطب

هناك أيضاً تحديات أخلاقية وتنظيمية يجب معالجتها قبل نشر مثل هذا الذكاء الاصطناعي في بيئات جراحية حقيقية دون إشراف بشري. فالقفزة نحو الروبوتات الجراحية المستقلة تثير مخاوف أخلاقية جديدة.

هناك قضية المساءلة: من سيكون مسؤولاً إذا حدثت مشكلة؟ الشركة التي صنعت الجراح الذكي؟ المهنيون الطبيون الذين يشرفون عليه (إذا كان هناك أي إشراف)؟ هناك أيضاً مسألة موافقة المريض، والتي ستتطلب تثقيف كل من الشخص الذي يخضع للجراحة والأشخاص المحيطين به حول ماهية هذا الذكاء الاصطناعي، وما الذي يمكنهم فعله بالضبط، وما هي المخاطر التي تشكلها الروبوتات مقارنة بالجراحين البشر.

يعترف كيم بأن المستقبل الآن في منطقة رمادية حيث يمكن للجميع مجرد التكهن بما يجب أن يحدث أو سيحدث. ستكون أيدي السلطات التنظيمية مشغولة، من معالجة المساءلة والمخاوف الأخلاقية عند السماح لجراحي الذكاء الاصطناعي بالعمل بشكل مستقل، إلى وضع معايير للحصول على موافقة مستنيرة من المرضى.

ولكن عند الاختيار بين إجراء عملية جراحية طارئة منقذة للحياة بواسطة جراح مستقل أو عدم تلقي العلاج لأن الجراح البشري غير متاح (مثلاً في مكان بعيد أو منطقة متخلفة)، يزعم كيم أن الخيار الأفضل واضح. يمكنني بسهولة أن أتخيل مستقبلاً قريباً حيث يبدأ الناس في اختيار روبوتات الذكاء الاصطناعي على نظرائهم من البشر - في ظل وجود دليل إحصائي على أن جراحي الذكاء الاصطناعي يعملون بأمان.

وبعيداً عن التحديات الأخلاقية والقانونية، هناك حاجة إلى المزيد من العمل لتمكين التنفيذ العملي. ستحتاج المستشفيات إلى الاستثمار في البنية الأساسية التي تدعم جراحة الروبوتات بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الأجهزة المادية والخبرة الفنية للتشغيل والصيانة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون تدريب الفرق الطبية على إدارة العملية أمراً بالغ الأهمية. فالأطباء سيحتاجون إلى فهم الآلة ومتى يكون التدخل ضرورياً، وفي النهاية تحويل الجراحين البشريين من المهام الجراحية المباشرة إلى أدوار تركز على الإشراف والسلامة.

جراحات بسيطة أولاً

على المستوى العملي، يتصور الباحثون تقدماً تدريجياً، بدءاً بجراحات أبسط وأقل خطورة مثل إصلاح الفتق والتقدم تدريجياً إلى عمليات أكثر تعقيداً. سيساعد النهج التدريجي في التحقق من موثوقية الروبوت مع معالجة المخاوف التنظيمية والأخلاقية بمرور الوقت، فضلاً عن مساعدة السكان على الثقة في الذكاء الاصطناعي لإجراء العمليات الحرجة للحياة.

يقول كريغر: «ما زلنا في المراحل الأولى من فهم ما يمكن أن تحققه هذه الآلات حقاً. الهدف النهائي هو الحصول على أنظمة جراحية مستقلة تماماً وموثوقة وقابلة للتكيف وقادرة على إجراء العمليات الجراحية التي تتطلب حالياً اختصاصياً مدرباً تدريباً عالياً».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً