سطح ثلاثي الأبعاد يجمع بين اللمس والتقنية

تصميم بأجهزة استشعار طرية تقلّد العضلات والأعصاب

سطح  ثلاثي الابعاد متغير الشكل (جامعة كولارادو)
سطح ثلاثي الابعاد متغير الشكل (جامعة كولارادو)
TT

سطح ثلاثي الأبعاد يجمع بين اللمس والتقنية

سطح  ثلاثي الابعاد متغير الشكل (جامعة كولارادو)
سطح ثلاثي الابعاد متغير الشكل (جامعة كولارادو)

بدأ الأمر بابتكار أعضاء طريّة ومحاكية للأجهزة الطبية والروبوتات الجراحية، ولكنّه سرعان ما تطوّر إلى سطحٍ ثلاثي الأبعاد... حسّاس للمس ومتغيّر الشكل.

هذا الجهاز المتعدّد الوظائف، الذي طوّره باحثون في جامعة كولورادو بولدر الأميركية و«معهد ماكس بلانك» الألماني للأنظمة الذكية، يوازي اللعبة اللوحية حجماً، ويستطيع ابتكار أشكال نافرة، ويتيح التلاعب بالأشياء المتحرّكة على سطحه.

سطوح «مجسمة»

يقول مارك رينتشلر، عالم روبوتيات في جامعة كولورادو بولدر: «بدأ مبدأ ابتكار السطح ثلاثي الأبعاد بصفته محاولةً لاستنساخ الجسم البشري، ليس على المستوى الحيوي؛ بل من منظور الاستشعار والاستجابة». وهذا يعني تصميم نظام بمحرّكات وأجهزة استشعار طرية تقلّد العضلات والأعصاب في الجسم، وهيكل داعم يمثّل الهيكل العظمي.

وجاءت النتيجة على شكل سطح يضمّ شبكة (10 في 10 بوصات) من الوحدات الخلوية الفردية المزوّدة بمحرك عالي السرعة والاستشعار والتحكّم. يبلغ مقاس الخلية الواحدة 6 في 6 سنتيمترات، وبارتفاع 1.4 سنتيمتر، وتضمّ محرّكات وأجهزة استشعار ليّنة، وإلكترونيات داعمة، ويتصل النظام بكومبيوتر صغير للحوسبة. ونُشرت تفاصيل هذا الابتكار الجديد بدورية «نيتشر كوميونكيشنز» في يوليو (تمّوز) الماضي.

ظهرت «عضلات» الجهاز الليّنة في ابتكار سابق لإيلين راملي التي صمّمت محرّكات السكونيات الكهربائية الهيدروليكية ذاتية الشفاء. يشرح رينتشلر أنّ «هذه المحرّكات تستخدم شرائح بوليمر بسيطة لحبس الزيت داخلها. تُقفل هذه المحرّكات بشكل محكم بفعل التيّار الكهربائي الذي يمرّ عير المكوّنات».

تحتوي كلّ خليّة في هذا السطح اللمسي الحسّاس على مجموعة من محرّكات السكونيات الكهربائية الهيدروليكية ذاتية الشفاء، واستخدم فريق رينتشلر تصميماً معدّلاً قابلاً للطيّ منها. يدفع الضغط الفردي لغرف الزيت المجموعة بكاملها إلى التضخّم والتقلص في الحجم.

بالإضافة إلى الطراوة، تتميّز محرّكات السكونيات الكهربائية بنسبة استجابة سريعة (50 هرتز)، وتتحوّل بالشكل الكافي لتحريك الأجسام الصلبة والسوائل في كامل السطح. ويتمتّع السطح بحساسية لتغيّر الشكل. ويشرح رينتشلر أنّ قدراً ضئيلاً جدّاً من القوّة يُرصد على السطح.

استشعار مغناطيسي

استخدم الباحثون أجهزة استشعار مغناطيسية طرية مصنوعة من السيليكون لتوليد الاستشعار والاستجابة للمحفّز الخارجي ولتأمين تحكّم دائري مقفل بالمحرّك. يقول رينتشلر إنّ فريقه وضع أجهزة الاستشعار مباشرةً على طبقة السطح، مما منح النظام القدرة على رصد تغيّر شكل السطح والمحفّز الخارجي، وما زوّد السطح أيضاً ببصمة صغيرة وأتاح له تأدية حركات متنوعة مع المستخدم وأشياء أخرى.

صحيحٌ أنّ الأسطح متغيّرة الشكل ليست بالابتكار الجديد، ولكنّ هذا النظام مختلف عن الجميع في صغره وسرعته وهدوئه وطراوته، وحتّى حاجاته الطاقوية منخفضة. ويضيف رينتشلر في حديث نشرته «مجلة المهندسين الكهربائيين الأميركيين» أنّ السطح تواصلي وليس نقاطاً منفردة، «مما يمكّننا من استخدامه في بعض الأشياء غير المألوفة».

وهو يبدو متفائلاً بقدرته وفريقه على ضغط حجم الجهاز أكثر في المستقبل، مشيراً إلى أنّ «الأمر يعتمد فقط على تصغير حجم المحرّك. ومع استمرار تطوّر الإلكترونيات، فسنتمكّن من تقليص حجمها».

تفتح تعدّدية استخدامات الجهاز الباب واسعاً على كثير من التطبيقات؛ من وسائط الإلكترونيات الاستهلاكية، إلى كثير من التطبيقات الصناعية والتجارية الأخرى، كالعمليات التي تحتاج إلى التعامل مع مواد حسّاسة أو سامّة. ويرى رينتشلر احتمالات لاستخدام الجهاز في صناعة الألعاب الإلكترونية لتأمين تفاعل لمسي في بيئات الواقعَين؛ المعزز والافتراضي.

وتوجد طبعاً التطبيقات الطبية. فقد عدّ رينتشلر أنّ «هذا النوع من الاستشعار قد يساعد على ابتكار بعض أنواع المحاكاة الجراحية المثيرة للاهتمام لطلاب التدريب الطبي أو لتطوير أجهزة طبية في عالم الروبوتيات». قد يسهّل الاختراع الجديد مثلاً استخدام أجهزة متغيرة الشكل في الأجسام الحيوانية؛ حتّى الحصول على الأذونات المطلوبة للاستخدام البشري.

أمّا فيما يتعلّق بصناعة أعضاء محاكية؛ أي النقطة التي بدأ منها المشروع، فيقول رينتشلر إنّ «لدى الفريق بعض الأفكار في هذا المجال»، لافتاً إلى أنّ مختبره يبحث حالياً ابتكار جزء محاك لجزء من الجهاز الهضمي؛ ربّما القولون، لاختبار الروبوتيات الجراحية.



الكشف عن العوامل الوراثية المرتبطة بـ«الانزلاق الغضروفي»

 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
TT

الكشف عن العوامل الوراثية المرتبطة بـ«الانزلاق الغضروفي»

 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)

سلطت دراسة حديثة الضوء على التقدم الكبير في فهم الأسس الجينية للانزلاق الغضروفي القطني، ووجدت 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي، بالإضافة إلى 23 منطقة كانت حُددت سابقاً.

كما توفر الدراسة رؤى جديدة بشأن كيفية تأثير هذه المناطق على بنية القرص الموجود بين الفقرات (القرص الفقري)، والالتهاب، ووظيفة الأعصاب. وتتعلق النتائج الرئيسية بالجينات المرتبطة بالأعصاب، والتي تعزز فهمنا كيفية تسبب الانزلاق الغضروفي في ألم طويل الأمد وتجارب ألم متفاوتة.

الجينات و«الانزلاق الغضروفي»

يعدّ الانزلاق الغضروفي القطني أحد أكثر التغيرات البنيوية شيوعاً في أسفل الظهر، والسبب الأكثر شيوعاً لألم العصب الوركي في الساق، وقد حُقق في عوامل الخطر الوراثية للانزلاق الغضروفي في دراسة دولية قادتها مجموعة بحثية من فلندا.

وحللت الدراسة، التي نُشرت في مجلة «Nature Communications» يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، برئاسة يوهانس كيتونين، من وحدة أبحاث الصحة السكانية بكلية الطب والمركز الحيوي في جامعة أولو، البيانات الجينية والصحية لنحو 830 ألف مشارك من بنوك حيوية قوية، مثل «البنك الحيوي الفلندي والإستوني» و«البنك الحيوي البريطاني»، وقيّمت دور مجموعات البيانات الكبيرة في الكشف عن العلاقات الجينية المعقدة. وكان لاكتشاف 5 مناطق جينومية جديدة مرتبطة بحالات أكثر شدة تتطلب الجراحة أهمية كبيرة للتأكيد على إمكانية تصميم التدخلات الطبية.

وحددت الدراسة، بالإضافة إلى ذلك، ارتباطات جديدة بالقرب من الجينات المرتبطة بالجهاز العصبي ووظيفة الأعصاب. وقد أدت النتائج المتعلقة بوظائف الجهاز العصبي إلى زيادة فهمنا العلاقة بين الانزلاق الغضروفي العرضي والألم المنتشر.

جينات الاستعداد الوراثي

وقال فيلي سالو، الباحث في جامعة أولو والمحلل الرئيسي في الدراسة، إنهم وجدوا جينات الاستعداد الوراثي التي يمكنها تفسير إطالة الألم جزئياً وكذلك الاختلافات التي لوحظت سريرياً في الألم الذي يعانيه المرضى.

وهذا ما يساعد في تطوير أساليب إدارة الألم لمرضى الانزلاق الغضروفي الذين يعانون آلاماً شديدة، وبالتالي تحسين نوعية حياتهم، كما يقول المختص في الطب الطبيعي الذي شارك في البحث، جوهاني ماتا، من وحدة أبحاث العلوم الصحية والتكنولوجيا بكلية الطب في جامعة أولو بفنلندا.

و«الانزلاق الغضروفي القطني» هو إصابة للغضروف بين فقرتين من العمود الفقري، وعادة ما يحدث بسبب الإجهاد المفرط أو صدمة للعمود الفقري، ويعدّ من أكثر التغيرات البنيوية شيوعاً في أسفل الظهر، كما أنه السبب الأكثر شيوعاً لـ«الألم المنتشر» الذي يسمى «عرق النسا»؛ إذ يحدث «الألم المنتشر» بسبب تهيج الأعصاب الذي يحدث بسبب ضيق العصب الناجم عن الانزلاق، وخصوصاً بسبب زيادة العوامل الالتهابية في منطقة الانزلاق الغضروفي.

والانزلاق الغضروفي شائع جداً حتى لدى الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض. ويزداد تكراره مع تقدم العمر، ويسبب أعراضاً لبعض الأشخاص فقط عندما يهيج العصب؛ فالعوامل المرتبطة بتطور الانزلاق الغضروفي معروفة نسبياً، لكن التحقيق في خلفيتها الوراثية لم يحظ باهتمام كبير.

التنبؤ بالإعاقة والألم بعد الجراحة

ووفقاً لدراسة نُشرت في 7 فبراير (شباط) 2024 بمجلة «JAMA»، وقادها بيورنار بيرج، من «مركز صحة الجهاز العضلي الهيكلي الذكي» بكلية العلوم الصحية في جامعة أوسلو النرويجية، فقد طور بيرج وزملاؤه نماذج التنبؤ بالإعاقة والألم بعد 12 شهراً من جراحة الانزلاق الغضروفي القطني، وأكدوا صحة هذه النماذج.

كما أكدت الدراسة على إمكانات التعلم الآلي في تعزيز عملية اتخاذ القرار السريري وإرشاد المرضى فيما يتعلق بنتائج جراحة الانزلاق الغضروفي القطني، فقد استخدم البحث مجموعة بيانات شاملة من السجل النرويجي لجراحة العمود الفقري، وحلل أكثر من 22 ألفاً و700 حالة لتطوير نماذج التنبؤ بالإعاقة والألم بعد الجراحة.

واكتشف الباحثون أن معدلات عدم نجاح العلاج كانت على النحو التالي: 33 في المائة للحالات التي قيست باستخدام «مؤشر أوزويستري للإعاقة (ODI)»، و27 في المائة للحالات التي قيست باستخدام «مقياس التصنيف العددي (NRS)» لألم الظهر، و31 في المائة للحالات التي قيست باستخدام المقياس نفسه؛ أي «مقياس التصنيف العددي لألم الساق».

وهذا يشير إلى أن نسبة كبيرة من المرضى لم يحققوا نتائج ناجحة في تقليل الإعاقة أو تخفيف الألم بعد جراحة الانزلاق الغضروفي القطني.

دعم التشخيصات

و«مؤشر أوزويستري للإعاقة Oswestry Disability Index (ODI)» مشتق من استبيان لآلام أسفل الظهر يستخدمه الأطباء والباحثون لقياس الإعاقة الناجمة عن آلام أسفل الظهر ونوعية الحياة. و«أوزويستري» مدينة تاريخية في شروبشاير بإنجلترا.

أما «مقياس التقييم الرقمي (NRS) Numeric Rating Scale» فيقيس مستوى الألم من 0 إلى 10 (حيث يشير 0 إلى عدم وجود ألم، و10 إلى ألم شديد).

ويشير استخدام البيانات قبل الجراحة بوصفها متنبئات إلى أنه يمكن دمج هذه النماذج في سير العمل السريري عبر أنظمة السجلات الطبية الإلكترونية، مما يدعم «التشخيصات الشخصية» ويساعد في اتخاذ القرارات المشتركة للجراحة.

ويؤكد المؤلفون على الحاجة إلى مزيد من التحقق الخارجي بسجلات جراحة العمود الفقري الأخرى؛ لتوسيع نطاق التطبيق. كما يمثل هذا التطور خطوة مهمة نحو الطب الدقيق في جراحة العمود الفقري، مما قد يحسن نتائج المرضى ويحسن التخطيط الجراحي.