كشف خبراء من «وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)»، بالتعاون مع باحثين من جامعة ستانفورد، النقاب عن مستكشف الكهوف الآلي الاستثنائي «ريتش بوت (ReachBot)».
يتّسم هذا الروبوت بالصغر والخفّة، ويضمّ 4 أذرعٍ طويلة مزوّدة بمقابض قابلة للسحب، تتيح له التحرّك والعمل في محيطه بمرونة مثيرة للإعجاب. وبفضل تصميمه الفريد وقدراته المبتكرة، يحمل «ريتش بوب» وعوداً كبيرة لاستكشاف كهوف المريخ وغيرها من الأجسام الفضائية.
يتألّف النموذج التجريبي الحالي من «ريتش بوت» من هيكلٍ أساسي و4 مفاصل دوّارة تفصل بينها مسافات متساوية، كما النقاط الهندسية في رباعي الأوجه. يضمّ كلّ مفصل ذراعاً قابلة للسحب مجهّزة بآلية للقبض في طرفها. ومع أنّ النسخة النهائية ستعتمد غالباً على ذراعٍ مجهرية، فقد ظهر النموذج الحالي وهو يستخدم شريط قياس لاستعراض عمله في مقطعٍ مصوّر نشرته أخيراً جامعة ستانفورد.
الروبوت يزحف على الجدران لاستكشاف الكهوف
لاستكشاف الكهوف المريخية، يثبّت «ريتش بوت» نفسه على جدران الكهف باستخدام 3 مقابض، ويمدّ الذراع الرابعة بالاتجاه الذي يريده للإمساك بسطحٍ ما. وبتقصير هذه الذراع ومدّ الثلاث الأخريات في الوقت نفسه، يستطيع الروبوت سحب نفسه بالاتجاه المطلوب. استفاد باحثو ستانفورد و«ناسا» من الجاذبية الخفيفة على كوكب المريخ واستخدموا مواد أقلّ لصنع الروبوت؛ الأمر الذي من شأنه أن يقلّل القوى المعاكسة لحركاته، ويجعل منه وسيلةً بسيطة وغير مكلفة لاستكشاف كهوف المريخ.
يشعر العلماء بانجذاب كبير لاستكشاف كهوف المرّيخ للبحث عن أدلّة على وجود حياة أخرى حالية أو ماضية خارج كوكب الأرض. ويُعدّ سطح المريخ بيئة غير صالحة للحياة بسبب درجة الحرارة شديدة البرودة، وغياب المياه، والتعرّض للإشعاعات الكونية، إلّا إنّ كهوفه قد تشكّل ملجأً محتملاً. اليوم، وبفضل حجم «ريتش بوت» الصغير وأسلوبه المبتكر في الاستكشاف، أصبحت البعثات المستقبلية إلى هذه الكهوف أكثر جدوى، وقد تساهم في الكشف عن مخلوقات حيّة أو آثار حياة.
ولكنّ تعدّد استخدامات ومهارات «ريتش بوت» ليس محصوراً في كوكب المريخ؛ حيث إنّ قدراتها الفريدة تجعله مناسباً لاستكشاف أجسام كونية متنوعة في النظام الشمسي؛ مثل الكواكب، والأقمار، والكويكبات ذات التركيبات الصخرية والجاذبية المنخفضة. بمعنى آخر؛ قد يستطيع العلماء إرسال هذا الروبوت إلى القمر وما بعده، وحتّى لصيانة محطّة «البوابة القمرية» عندما تكون خالية من البعثات البشرية.
يُعدّ روبوت «ناسا» الجديد تطوّراً مثيراً في عالم الاستكشاف الفضائي؛ لأنّه يفتح الباب على احتمالات جديدة لفهم ألغاز الفضاء. ومع انطلاقه في رحلته إلى كهوف المريخ وما بعدها، لا شكّ في أنّ «ريتش بوت» سيكون له تأثيرٌ كبير في عالم الروبوتات والاستكشاف الفضائي.
الذكاء الاصطناعي يدوّن كتاباً لفيلسوف وهمي... حول التلاعب الفكري المعاصر
اخترع أندريا كولاميديتشي - وهو ناشر إيطالي - فيلسوفاً، وقدّمه بوصفه مؤلفاً، ودون كتاباً، أُنتج سراً بمساعدة الذكاء الاصطناعي، يتناول مسائل التلاعب بالواقع في العصر الرقمي، كما كتبت إفرات ليفني(*).
خدعة أم «تجربة فلسفية»؟
خُدع الناس. وتناثرت اتهامات بالكذب وسوء الأخلاق وحتى عدم الشرعية.
لكن الرجل الذي يقف وراءه، أي كولاميديتشي، يُصرّ على أنها لم تكن خدعة؛ بل وصفها بأنها «تجربة فلسفية»، قائلاً إنها تُساعد في إظهار كيف سيُدمّر الذكاء الاصطناعي «قدرتنا على التفكير ببطء ولكن حتماً».
غلاف الكتاب الذي يباع في متاجر «أمازون»
كتاب بقلم فيلسوف وهمي
وأنتج كولاميديتشي Colamedici بتوظيفه أداتين للذكاء الاصطناعي، كتاب «حٌكْم التنويم المغناطيسي: ترامب، ماسك، وهندسة معمارية الواقع» (Hypnocracy: Trump Musk, and the Architecture of Reality)، وهو نصوص مثيرة للجدل يُزعم أنها من تأليف جيانوي شون، الفيلسوف الوهمي.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، طبعت مطبعة كولاميديتشي 70 نسخة من طبعة إيطالية يُزعم أنه ترجمها. ومع ذلك، سرعان ما حظي الكتاب باهتمام واسع، حيث غطته وسائل إعلام في ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، كما استشهد به مشاهير التكنولوجيا.
أصحاب النفوذ التكنولوجي «ينومون الجمهور»
يصف كتاب «حكم التنويم المغناطيسي» كيف يستخدم أصحاب النفوذ التكنولوجيا لتشكيل الإدراك من خلال «روايات منومة»، ما يضع الجمهور في حالة من الغيبوبة الجماعية التي قد تتفاقم بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
جاء نشر الكتاب في الوقت الذي تكافح فيه المدارس والشركات والحكومات ومستخدمو الإنترنت حول العالم لإيجاد طريقة لاستخدام - أو عدم استخدام - أدوات الذكاء الاصطناعي، التي أتاحتها شركات التكنولوجيا العملاقة والشركات الناشئة على نطاق واسع.
مخاطر «اللامبالاة المعرفية»
ومع ذلك، تبيّن أن الكتاب كان أيضاً دليلاً على صحة فكرته، حيث تأثر به القراء غير المدركين. وقال كولاميديتشي إن الكتاب يهدف إلى إبراز مخاطر «اللامبالاة المعرفية» التي قد تتطور إذا ما فُوِّض التفكير للآلات، وإذا لم يُنمِّ الناس إدراكهم. وأضاف: «حاولتُ ابتكار أداء، تجربة تتجاوز مجرد الكتاب».
فن «تحفيز» الذكاء الاصطناعي
يُدرِّس كولاميديتشي ما يُسمِّيه «فن التحفيز»، أو كيفية طرح أسئلة ذكية على الذكاء الاصطناعي وإعطائه تعليمات عملية، في المعهد الأوروبي للتصميم بروما. وقال إنه كثيراً ما يرى استجابتين متطرفتين، وإن كانتا متعارضتين، لأدوات مثل «جي بي تي»، حيث يرغب العديد من الطلاب في الاعتماد عليها حصرياً، ويعتقد العديد من المعلمين أن الذكاء الاصطناعي خاطئ بطبيعته.
وبدلاً من ذلك، يُحاول كولاميديتشي تعليم المستخدمين كيفية التمييز بين الحقيقة والتلفيق، وكيفية التعامل مع الأدوات بشكل مُنتج.
الكتاب نتاج لصقل الأفكار
وأكد أن الكتاب امتداد لهذا الجهد. وقال إن أدوات الذكاء الاصطناعي التي استخدمها ساعدته في صقل الأفكار، بينما اقترحت الأدلة (الحقيقية والمُختلقة) حول المؤلف المُزيَّف (على الإنترنت وفي الكتاب)، عمداً مشاكل مُحتملة لحثّ القراء على طرح الأسئلة.
على سبيل المثال، يتناول الفصل الأول تأليفاً وهمياً، ويتضمن الكتاب إشارات غامضة إلى الثقافة الإيطالية، من غير المرجح أن تكون صادرة عن فيلسوف شاب من هونغ كونغ، ما ساعد في النهاية على إرشاد أحد المراجعين إلى المؤلف الحقيقي الذي يعمل مترجماً.
الإعلام يكتشف زيف الكتاب
وقد اكتشفت سابينا ميناردي، المحررة في صحيفة «ليسبريسو» الإيطالية، الأدلة، وكشفت عن زيف جيانوي شون في أوائل أبريل (نيسان) الماضي.
كما أن بعض الذين تبنوا الكتاب في البداية يرفضونه الآن ويتساءلون عما إذا كان كولاميديتشي قد تصرف بشكل غير أخلاقي أو خالف قانوناً للاتحاد الأوروبي بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي.
وكتبت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية عن «قضية جيانوي شون»، موضحة أن «المشكلة» في مقابلتها السابقة مع الفيلسوف من هونغ كونغ هي أنه «غير موجود». وتراجعت صحيفة «إل باييس» الإسبانية عن تقريرٍ حول الكتاب، واستبدلت به ملاحظة جاء فيها: «لم يُشر الكتاب إلى مشاركة الذكاء الاصطناعي في تأليف النص، وهو ما يُمثل انتهاكاً لقانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي الجديد».
قوانين استخدام الذكاء الاصطناعي
وتنص المادة 50 من هذا القانون على أنه إذا استخدم شخص ما نظام ذكاء اصطناعي لتوليد نصوص لأغراض «إعلام الجمهور بمسائل ذات مصلحة عامة»، فيجب (مع استثناءات محدودة) الإفصاح عن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، وفقاً لنوح فيلدمان، أستاذ القانون بجامعة هارفارد والمستشار لشركات التكنولوجيا. وأضاف: «يبدو أن هذا البند، في ظاهره، يشمل مؤلف الكتاب، وربما أي شخص يعيد نشر محتواه... لن يدخل القانون حيز التنفيذ حتى أغسطس (آب) 2026، ولكن من الشائع في الاتحاد الأوروبي أن يرغب الأفراد والمؤسسات في اتباع القوانين التي تبدو جيدة أخلاقياً حتى عندما لا تكون مطبقة تقنياً بعد».
وقال جوناثان زيتراين، أستاذ القانون وعلوم الحاسوب بجامعة هارفارد، إنه يميل أكثر إلى وصف كتاب كولاميديتشي بأنه «عمل فني أدائي، أو ببساطة تسويق، يتضمن استخدام اسم مستعار».
إظهار مخاطر الأدوات الذكية
يشعر كولاميديتشي بخيبة أمل لأن بعض المؤيدين الأوائل للتجربة شجبوا ذلك. لكنه يخطط لمواصلة استخدام الذكاء الاصطناعي لإظهار المخاطر الحقيقية التي يثيرها. وقال: «هذه هي اللحظة المناسبة. نحن نُخاطر بالإدراك. إما أن نستخدمه أو نفقده». وأضاف أنه يُخطط لتكليف جيانوي شون - الذي يصفه بأنه مجموعة من البشر والذكاء الاصطناعي - بتدريس دورة تدريبية حول الذكاء الاصطناعي الخريف المقبل.