حياة أوبنهايمر جسَّدت صراع العلم مع المسؤولية الأخلاقية

قائدو التطوّرات الثورية في العالم يتحمّلون مسؤولية معالجة مخاطرها على المجتمعات

حياة أوبنهايمر جسَّدت صراع العلم مع المسؤولية الأخلاقية
TT

حياة أوبنهايمر جسَّدت صراع العلم مع المسؤولية الأخلاقية

حياة أوبنهايمر جسَّدت صراع العلم مع المسؤولية الأخلاقية

عاش ج. روبرت أوبنهايمر، أبو القنبلة الذريّة، لسنوات في صراعٍ بين علمه وإملاء ضميره، حيث إنّه عبّر علناً عن قلقه من القنبلة الهيدروجينية وسباق التسلّح النووي. وأنهى أوبنهايمر، الذي يعود اليوم إلى الواجهة في فيلم عالمي يحكي سيرته، حياته العملية على مذبح سياسات الحرب الباردة. لحسن الحظّ، شعر خبراء ذرّيّون مبكرون آخرون، من بينهم علماء جامعة شيكاغو الذين أنتجوا أوّل تفاعلٍ تسلسلي نووي، بواجبهم في المساعدة في منع سوء توظيف علوم الذرة. وفهم هؤلاء العلماء أمراً، يجب على روّاد اليوم في ميادين الذكاء الاصطناعي والهندسة الجينية إدراكه، وهو أنّ الأشخاص الذين يقودون التطوّرات الثورية في العالم يتحمّلون مسؤولية مساعدة المجتمع في معالجة مخاطرها.

 

ملصق عن فيلم أوبنهايمر (أبو القنبلة الذرية)

* هل يمكننا هندسة نباتات وحيوانات مقاومة للعناصر المفترسة، من دون زعزعة توازن الطبيعة؟ وهل من الأخلاقي تصحيح اعتلالات مفترضة لدى البشر؟

أخلاقيات العلم

في مختبرات جامعية أو تابعة لشركات ربحية، يعمل الباحثون اليوم على تطوير تقنيات تثير أسئلة أخلاقية جديّة. هل يمكننا هندسة نباتات وحيوانات مقاومة للعناصر المفترسة، من دون زعزعة توازن الطبيعة؟ هل يجوز الترخيص لبراءات اختراع على الأشكال الحيّة؟ هل من الأخلاقي تصحيح اعتلالات مفترضة لدى البشر؟ هل يجب السماح للآلات باتخاذ قرارات مصيرية –مثلاً، بين استخدام القوّة للردّ على تهديد أو شنّ ضربة نووية انتقامية؟

ترك علماء الذرة من شيكاغو وغيرها من المؤسسات خلفهم نموذجاً عن السلوك المسؤول للعلم، نموذجاً قابلاً للتطبيق اليوم بقدر ما كان قابلاً للتطبيق في أيّام أوبنهايمر.

بدأ السباق نحو القنبلة الذريّة في مختبر «ميت لاب» التابع لجامعة شيكاغو، حيث حدث أوّل انشطار نووي مهندَسٌ ذاتيُّ الاستدامة في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 1942، اجتمع العلماء في ذلك الوقت فيما عُرفت بـ«القرية الذريّة»، ومن بينهم عالم الفيزياء المجري ليو زيلارد، الذي ساعد قبل بضع سنوات من ذلك، في إقناع ألبرت أينشتاين بتحذير الرئيس فرانكلين روزفلت من قرب تطوير سلاح جبار، ومن أنّ علماء هتلر يعلمون بهذا الأمر أيضاً.

وكانت «رسالة أينشتاين - زيلارد» الشهيرة، التي وضعت الولايات المتحدة على مسار «مشروع مانهاتن» المعروف، أوّل خطوة عظيمة باتجاه المسؤولية العلمية في العصر النووي. يقول الدرس الأوّل المستقى في «مختبر ميت»: «المعرفة العلمية، متى ما اكتُسبت، لا تمكن إعادتها من حيث أتت». عندما استشعر زيلارد وزملاؤه أنّ اكتشافات الفيزياء النووية الأخيرة قد تُغيّر العالم، كان عليهم أن يُطْلعوا قادة الديمقراطية على الأمر.

في ذلك الوقت، شغل القرية الذريّة في جامعة شيكاغو مزيج من العلماء الاستثنائيين كالفيزيائي جون سيمبسون، وكانوا مجموعة من الأميركيين اليافعين. وضمّت المجموعة أيضاً عدداً من المهاجرين اليهود، كزيلارد، والفيزيائي الألماني جايمس فرانك، وعالم الفيزياء الحيوية الروسي - الألماني يوجين رابينوفيتش، الذين عاشوا تجارب عزّزت حساسيتهم تجاه البعد الأخلاقي للعلم قبل مغادرة أوروبا. في الحقيقة، حظي فرانك بتجربة أولية في مجال إخضاع العلم للسياسة؛ فبينما كان لا يزال عالماً يافعاً في ألمانيا مع بداية الحرب العالمية الأولى، تطوّع في جيش القيصر وكان ضابطاً في الوحدة التي أدخلت غاز الكلورين لأوّل مرّة إلى ساحة المعركة. وقد انتقد صديقه، عالم الفيزياء البارز والمرشح لجائزة نوبل نيلز بور، في ذلك الوقت قراره قبول الدور الذي ندم عليه فرانك بشدّة لاحقاً.

وبحلول عام 1943 تحوّل العمل الأساسي في تطوير القنبلة النووية إلى مواقع «أوك ريدج»، في تينيسي؛ وهانفورد في واشنطن؛ ولوس آموس في نيو مكسيكو. أمّا العلماء الذين بقوا في «ميت لاب»، في جامعة شيكاغو، فقد حظوا بالوقت لهيكلة قرارات حول استخدام التقنية النووية لما تبقّى من الحرب العالمية الثانية وفي فترة ما بعد الحرب.

دروس الاكتشافات العلمية

أمّا الدرس الثاني من «ميت لاب»، فقد كانت أن الاكتشاف العلمي لا رجعة فيه ولكنّ تأثيراته قابلة للتنظيم. عام 1965، نشرت المؤرخة أليس كيمبل سميث كتاب «خطر وأمل: حركة العلماء في أميركا، 1945 - 1947»، الذي ارتكز على مواد أرشيفية ومقابلات سردت النقاشات الحادّة والغاضبة التي دارت بين العلماء في تلك الفترة. وأخيراً، وضع علماء «ميت لاب» أهدافاً نبيلة وعملية: لقد أرادوا منح اليابانيين لمحة عن قوّة القنبلة الذريّة وفرصة للاستسلام قبل استخدامها ضدّهم، بالإضافة إلى تحرير العلم من أغلال السريّة الرسمية، وتجنّب سباق التسلّح، وتأسيس مؤسسات دولية لحوكمة التقنية الذرية.

يشدّد الدرس الثالث التي خرج به المختبر على أنّ القرارات المهمّة المتعلّقة بتطبيقات التقنية الجديدة يجب أن يتّخذها مدنيّون في مسار ديمقراطي شفّاف. بدأ علماء شيكاغو الذريّون في منتصف الأربعينات نقل مخاوفهم إلى قادة «مشروع مانهاتن»، ومن ثمّ إلى المسؤولين الرسميين.

ألبرت أينشتاين شارك في «مشروع مانهاتن» لإنتاج القنبلة الذرية

فضّلت البيروقراطية العسكرية آنذاك إبقاء الأمور في الظلّ، ولكنّ العلماء واجهوها في كلّ خطوة. فقد قاد زيلارد، وفرانك، ورابينوفيتش، وسيمبسون إلى جانب عددٍ هائلٍ من زملائهم، جهوداً لتثقيف السياسيين وإطلاع الرأي العام على المخاطر النووية. كما أسّس هؤلاء جمعيات عدّة، أوّلاها كانت «علماء شيكاغو الذريّون»، ونظّموا المحاضرات، وكتبوا مقالات الرأي، وأطلقوا منشورات أبرزها «نشرة العلماء الذريين» التي حرّرها علماء «ميت لاب» ونشرتها جامعة «شيكاغو». عملوا أيضاً إلى جانب علماء آخرين من مواقع «مشروع مانهاتن» على تنظيم الدعم للانتقال إلى تنفيذ قانون الطاقة الذرية، الذي أسّس وكالة مستقلّة من المدنيين خاضعة لمحاسبة الرئيس والكونغرس للإشراف على تطوير واستخدام علوم الذرة. استمرّت جهودهم حتّى الحرب الباردة ونظّموا حملات ناجحة لمنع التجارب النووية، ولتطبيق مواثيق منع الانتشار واتفاقات ضبط الأسلحة.

 

* أبحاث القطاع الخاص تلغي حقّ الرأي العام بالمشاركة في اتخاذ القرارات الأخلاقية حول تطبيقات المعرفة العلمية والتقنية

مخاوف أبحاث القطاع الخاص

في القرن الحادي والعشرين، تتولّى مختبرات خاصة والأقسام التنفيذية في شركات تجارية اتخاذ قرارات كثيرة حول تطوير واستخدام التقنيات الجديدة بعيداً عن أنظار الرأي العام. وكما السرية العسكرية التي كانت مكروهة من علماء «ميت لاب»، تعيق مِلكية القطاع الخاص للقرار، التعاون والتدفّق الحرّ للمعرفة اللذين يعتمد عليهما التقدّم العلمي. كما أنّ إضفاء طابع الخصوصية على اتخاذ هذه القرارات يلغي حقّ الرأي العام في المشاركة عبر المسار الديمقراطي في اتخاذ القرارات الأخلاقية حول تطبيقات المعرفة العلمية والتقنية، أي نوع القرارات الذي أعطى «ميت لاب» الحقّ للنّاس في اتخاذها.

في أغسطس (آب) 1945، تسببت قنبلتان ذريّتان في الموت السريع والمحتَم لما يتراوح بين 150 و220 ألف شخص في مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين. بعد بضعة أشهر، خلال اجتماع في البيت الأبيض، قال أوبنهايمر لهاري ترومان: «سيّدي الرئيس، يداي ملطّختان بالدماء». ولكنّ ترومان ذكّر عالم الفيزياء بأنّ قرار رمي القنبلتين كان قراره وحده. لم يبرّئ علماءُ الذرّة الذين ساهموا في صناعة القنبلة أنفسَهم قط من الحادثة، ولكنّ النظام الذي رعوه والنموذج الذي وضعوه للعلم المسؤول، ساعدا في عدم تكرار استخدام السلاح النووي مرّة أخرى حتّى يومنا هذا، وعلينا الاستفادة من الدروس التي تعلّموها.

* «ذي أتلانتيك أونلاين» - خدمات «تريبيون ميديا»

 

 

 



تركت خلفها رائدين عالقين في الفضاء... المركبة «ستارلاينر» تعود إلى الأرض

TT

تركت خلفها رائدين عالقين في الفضاء... المركبة «ستارلاينر» تعود إلى الأرض

في هذه الصورة المأخوذة من مقطع فيديو قدمته وكالة «ناسا» تتخلص كبسولة «ستارلاينر» الفارغة من درعها الحرارية من الأسفل قبل أن تهبط في ميدان تجارب الصواريخ وايت ساندز في نيو مكسيكو (أ.ب)
في هذه الصورة المأخوذة من مقطع فيديو قدمته وكالة «ناسا» تتخلص كبسولة «ستارلاينر» الفارغة من درعها الحرارية من الأسفل قبل أن تهبط في ميدان تجارب الصواريخ وايت ساندز في نيو مكسيكو (أ.ب)

عادت مركبة «ستارلاينر» المصنعة من شركة «بوينغ» إلى الأرض بنجاح اليوم (السبت)، لكن من دون رائدَي الفضاء اللذين نقلتهما إلى محطة الفضاء الدولية بسبب مخاطر عالية لهذه المهمة وفق تقديرات وكالة الفضاء الأميركية (ناسا).

وهبطت الكبسولة بهدوء عند الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش على قاعدة «وايت ساندز» الفضائية في نيو مكسيكو، في جنوب غربي الولايات المتحدة، وجرى إبطاء هبوطها بواسطة مظلات ووسائد هوائية.

وكانت المركبة غادرت محطة الفضاء الدولية قبل نحو ست ساعات، وفق لقطات بثتها وكالة «ناسا» بالفيديو.

وتحدثت الطواقم الموجودة على الأرض عن سماع فرقعة قوية أثناء انطلاق المركبة بسرعة تفوق سرعة الصوت خلال الليل على حرارة 3000 درجة فهرنهايت (نحو 1650 درجة مئوية) أثناء عودتها إلى الغلاف الجوي.

وبعدما تضررت سمعة «بوينغ» بقوة جراء مشكلات كثيرة واجهتها أخيراً مع طائراتها، تلقت شركة الطيران الأميركية العملاقة ضربة جديدة في يونيو (حزيران) عند اكتشاف فشل في نظام الدفع النفاث وتسرب للهيليوم في الكبسولة عند إطلاق باكورة رحلاتها المأهولة.

ورغم محاولات الشركة المصنعة إقناع «ناسا» بسلامة المركبة، فضلت وكالة الفضاء الأميركية إعادة بوتش ويلمور وسوني وليامز عبر مركبة مصنعة من شركة «سبايس إكس» المنافسة لـ«بوينغ»، وكبسولة «كرو دراغون» التابعة لها.

ولن يعود رائدا الفضاء قبل فبراير (شباط) المقبل، ما يعني أن إقامتهما في محطة الفضاء الدولية ستزيد عن ثمانية أشهر، في حين كان من المقرر في البداية أن تمتد... ثمانية أيام.

وقال رئيس برنامج رحلات الفضاء المأهولة التجارية في وكالة «ناسا» ستيف ستيتش للصحافيين هذا الأسبوع، إنه على الرغم من اليقين المعلن لدى شركة «بوينغ» بشأن توقعاتها، فإن وكالة الفضاء «لم تكن مرتاحة» للمضي قدماً في مشروع «ستارلاينر»، وذلك «بسبب الضبابية بشأن النموذج» المستخدم في المهمة.

ومن شأن رحلة العودة التي أنجزتها «بوينغ» السبت من دون مشكلات، أن تساعد الشركة الأميركية على توجيه رسائل طمأنة بشأن مركبتها والحصول على موافقات جديدة لتسيير مهام مأهولة.

رائدا الفضاء بوتش ويلمور وسوني ويليام أصبحا أول اثنين يحلقان بالمركبة «ستارلاينر» (رويترز)

«فهم أفضل»

أثناء رحلة العودة، راقبت الفرق الأرضية مختلف جوانب أداء «ستارلاينر»، خصوصاً أجهزة الدفع الخاصة بها، والتي واجهت مشكلات في السابق.

وقال ستيف ستيتش إنه بمجرد تأكيد عودة «ستارلاينر»، فإنه «سيكون لدينا فهم أفضل للموعد الذي يمكننا فيه التصديق على استخدام المركبة واستئناف المهمات الجوية».

وقبل عشر سنوات، طلبت وكالة الفضاء الأميركية من «بوينغ» تصنيع مركبة «ستارلاينر» الفضائية، تزامناً مع طلبها تصنيع مركبة أخرى من شركة «سبايس إكس».

مركبة «ستارلاينر» الفضائية تبتعد عن محطة الفضاء الدولية (أ.ف.ب)

وقد شددت وكالة الفضاء الأميركية منذ ذاك الحين مراراً على هدفها المتمثل في حيازة مركبتين لنقل رواد الفضاء، حتى لا تجد نفسها عاجزة في حالة فشل إحداهما. لكن «سبايس إكس» التابعة للملياردير إيلون ماسك تفوقت إلى حد كبير على «بوينغ»، وهي تنقل وحدها رواد فضاء لحساب «ناسا» منذ أربع سنوات.

وتشكل أول رحلة مأهولة لمركبة «ستارلاينر»، التي تأخر تسييرها سنوات بسبب نكسات أثناء تطويرها، الاختبار الأخير قبل إطلاق مهام منتظمة.