تسخير ميكروبات الأمعاء لرفض المواد السامة

باحثون استخدموها في إنتاج «بروبيوتيك» علاجي

الباحثون نجحوا في تصميم «البروبيوتيك» الجديد (جامعة بنسلفانيا)
الباحثون نجحوا في تصميم «البروبيوتيك» الجديد (جامعة بنسلفانيا)
TT

تسخير ميكروبات الأمعاء لرفض المواد السامة

الباحثون نجحوا في تصميم «البروبيوتيك» الجديد (جامعة بنسلفانيا)
الباحثون نجحوا في تصميم «البروبيوتيك» الجديد (جامعة بنسلفانيا)

يقترح بحث جديد أجراه فريق بحثي من جامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية، وعُرض في 18 يونيو (حزيران) الماضي، في الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية لعلم الأحياء الدقيقة، أنه يمكن تسخير الميكروبات الموجودة في الأمعاء البشرية، لمنع أو حتى إزالة امتصاص المواد السامة، مثل الزئبق، ومساعدة الجسم على امتصاص المعادن المفيدة، مثل الحديد، وهو أمر بالغ الأهمية لخلايا الدم الحمراء.

تقول دانييلا بيتانكورت أنزولا، طالبة الدراسات العليا في جامعة ولاية بنسلفانيا، التي قادت الدراسة الجديدة في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة، إن «الزئبق مثير للقلق بشكل خاص، وهو سم عصبي يمكن أن يؤدي إلى العمى وتلف الأعضاء، وحتى الموت في حالة عدم علاجه، وتتعرض النساء الحوامل بشكل خاص للتسمم بالزئبق، وقد يؤدي التعرض قبل الولادة إلى العمى والنوبات وتلف الدماغ».

ويحدث معظم التعرض للزئبق من خلال الأسماك أو المحار، ولكن يمكن أن يظهر في أماكن أخرى أيضاً، حيث يتراكم في الكائنات الحية، مثل النباتات والأسماك، ونحن نأكل تلك الأشياء، وهي تتراكم فينا.

وخلال الدراسة الجديدة، قامت أنزولا وزملاؤها أولاً بتحليل آلاف الجينومات من بكتيريا الأمعاء، مع التركيز على المحددات الجينية المرتبطة بالقدرة على التفاعل مع المعادن. وقالت إنه من المعروف أن الكثير من الجينات مرتبطة بمقاومة المعادن، لكنّ المجموعة ركزت على تلك التي مكّنت البكتيريا من امتصاص الزئبق وإبقائه خارج القناة الهضمية.

ولفهم كيفية عمل هذه الجينات وتأثيرها على المضيف، استخدم الفريق التسلسل الميتاجينومي لدراسة كيفية استجابة ميكروبات الإنسان والفأر للتعرض للزئبق، وأخيراً، استخدم الباحثون تلك الأفكار لتطوير «بروبيوتيك» مصمم خصيصاً لإزالة السموم من نوع ضار من الزئبق يوجد غالباً في النظام الغذائي البشري.

وصُمِّم «البروبيوتيك» عن طريق إدخال جينات من بكتيريا (عصوية ضارية Bacillus megaterium)، المعروفة بمقاومتها العالية لميثيل الزئبق، في سلالات بكتيريا (ملبّنة مجبنة Lacticaseibacillus)، وهو جنس من بكتيريا حمض اللاكتيك. تقول إنزولا: «بروبيوتيك مثالي، لأنه يمكن أن يعيش في القناة الهضمية، لكنه لا يستعمر الجسم، فهو يلتقط الزئبق داخل القناة الهضمية، ثم يخرج». وتوضح أن المجموعة البحثية بدأت دراسات تجريبية على الفئران المعرّضة للزئبق، وتشير النتائج المبكرة إلى أن تلك الفئران التي تلقت البروبيوتيك كانت أفضل من تلك التي لم تحصل عليه.

وتضيف: «المجموعة تركز في الوقت الحالي على فهم كيفية تفاعل ميكروبات الأمعاء مع الزئبق، لكنهم يخططون للتحقيق في معادن أخرى أيضاً، وهدفنا النهائي هو تطوير التدخلات العلاجية التي يمكن أن تساعد في تقليل مستويات المعادن الخطرة، مثل الزئبق، وتعزيز امتصاص تلك التي يحتاج إليها جسم الإنسان، فنحن نحن مهتمون بدراسة كيفية تفاعل المجتمع الميكروبي بأكمله مع المعادن المختلفة».


مقالات ذات صلة

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

ما تأثير تناول المغنيسيوم الغذائي بالعموم، أو أقراص مكملات المغنيسيوم، على النوم؟

د. حسن محمد صندقجي

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages
TT

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages

أثار التغيير الأخير في إرشادات البحث الصحي الوطنية بجنوب أفريقيا الذي صدر في مايو (أيار) 2024 موجة من الجدل الأخلاقي، إذ يبدو أنه يفتح الطريق أمام استخدام تقنية تحرير الجينوم لإنجاب أطفال معدلين وراثياً مما يجعل جنوب أفريقيا أول دولة تتبنى هذ ا التوجه بشكل علني.

القصّ الجيني

ويعود السبب في الخلاف الحاد حول تحرير الجينوم البشري الوراثي (الفصّ الجيني) إلى تأثيراته الاجتماعية وإمكانياته المتعلقة بالانتقاء الجيني، ويعدُّ هذا التوجه مثيراً للاستغراب نظراً للمخاطر العالية التي تحيط بهذه التقنية.

وقد لفتت الانتباه إلى أن جنوب أفريقيا بصدد تسهيل هذا النوع من الأبحاث، كما ذكرت كاتي هاسون المديرة المساعدة في مركز علم الوراثة والمجتمع المشاركة في تأليف مقالة نشرت في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مجلة The Conversation.

وكان عام 2018 شهد قضية عالم صيني قام بتعديل جينات أطفال باستخدام تقنية «كريسبر» CRISPR لحمايتهم من فيروس نقص المناعة البشرية، مما أثار استنكاراً عالمياً وانتقادات من العلماء والمجتمع الدولي الذين رأوا أن هذا الاستخدام غير مبرر. وانتقد البعض سرية الطريقة، في حين شدد آخرون على ضرورة توفير رقابة عامة صارمة حول هذه التقنية ذات الأثر الاجتماعي الكبير.

معايير جديدة

ومع ذلك يبدو أن جنوب أفريقيا قد عدلت توجيهاتها للأبحاث في الصحة لتشمل معايير محددة لأبحاث تحرير الجينوم الوراثي لكنها تفتقر إلى قواعد صارمة تتعلق بالموافقة المجتمعية رغم أن التوجيهات تنص على ضرورة تبرير البحث من الناحية العلمية والطبية مع وضع ضوابط أخلاقية صارمة وضمان السلامة والفعالية. إلا أن هذه المعايير ما زالت أقل تشدداً من توصيات منظمة الصحة العالمية.

* التوافق مع القانون. وتأتي هذه الخطوة وسط انقسام في القانون بجنوب أفريقيا حيث يحظر قانون الصحة الوطني لعام 2004 التلاعب بالمواد الوراثية في الأجنة لأغراض الاستنساخ البشري. ورغم أن القانون لا يذكر تقنيات تعديل الجينات الحديثة مثل «كريسبر» فإن نصوصه تشمل منع تعديل المادة الوراثية البشرية ما يُلقي بتساؤلات حول التوافق بين القانون والتوجيهات الأخلاقية.

* المخاوف الأخلاقية. ويثير هذا التطور مخاوف واسعة بما في ذلك تأثيرات تقنية كريسبر على النساء والآباء المستقبليين والأطفال والمجتمع والنظام الجيني البشري ككل. وأثيرت تساؤلات حول إمكانية أن تكون جنوب أفريقيا مهيأة لاستقطاب «سياحة علمية»، حيث قد تنجذب مختبرات علمية من دول أخرى للاستفادة من قوانينها الميسرة.

استخدام تقنية «كريسبر»

وفي سابقة هي الأولى من نوعها في العالم وافقت الجهات التنظيمية الطبية في المملكة المتحدة العام الماضي على علاج جيني لاضطرابين في الدم.

ويعد علاج مرض «فقر الدم المنجلي» و«بيتا ثلاسيميا» أول علاج يتم ترخيصه باستخدام أداة تحرير الجينات المعروفة باسم كريسبر. ويعد هذا تقدماً ثورياً لعلاج حالتين وراثيتين في الدم وكلاهما ناتج عن أخطاء في جين الهيموغلوبين، حيث ينتج الأشخاص المصابون بمرض فقر الدم المنجلي خلايا دم حمراء ذات شكل غير عادي يمكن أن تسبب مشكلات لأنها لا تعيش طويلاً مثل خلايا الدم السليمة، ويمكن أن تسد الأوعية الدموية مما يسبب الألم والالتهابات التي تهدد الحياة.

وفي حالة المصابين ببيتا ثلاسيميا فإنهم لا ينتجون ما يكفي من الهيموغلوبين الذي تستخدمه خلايا الدم الحمراء لحمل الأكسجين في جميع أنحاء الجسم، وغالباً ما يحتاج مرضى بيتا ثلاسيميا إلى نقل دم كل بضعة أسابيع طوال حياتهم

علاج واعد لاضطرابات الدم

الموافقة عليه أخيراً في المملكة المتحدة على تحرير الجينات باستخدام طريقة مطورة من تقنية «كريسبر - كاس 9» CRISPR - Cas 9 لعلاج مرض فقر الدم المنجلي ومرض بيتا ثلاسيميا، من خلال تعديل الحمض النووي «دي إن إيه» بدقة حيث يتم أخذ الخلايا الجذعية من نخاع العظم وهي الخلايا المكونة للدم في الجسم من دم المريض.

ويتم تحرير الجينات باستخدام مقصات «كريسبر» الجزيئية بإجراء قطع دقيقة في الحمض النووي لهذه الخلايا المستخرجة واستهداف الجين المعيب المسؤول عن إنتاج الهيموغلوبين المعيب. ويؤدي هذا إلى تعطيل «الجين - المشكلة» وإزالة مصدر الاضطراب بشكل فعال ثم يعاد إدخال الخلايا المعدلة إلى مجرى دم المريض. ومع اندماج هذه الخلايا الجذعية المعدلة في نخاع العظم تبدأ في إنتاج خلايا الدم الحمراء الصحية القادرة على العمل بشكل طبيعي حيث يصبح الجسم الآن قادراً على توليد الهيموغلوبين المناسب.

وقد أظهرت هذه العملية نتائج واعدة في التجارب السريرية فقد تم تخفيف الألم الشديد لدى جميع مرضى فقر الدم المنجلي تقريباً (28 من 29 مريضاً) ولم يعد 93 في المائة من مرضى ثلاسيميا بيتا (39 من 42 مريضاً) بحاجة إلى نقل الدم لمدة عام على الأقل. ويشعر الخبراء بالتفاؤل بأن هذا قد يوفرعلاجاً طويل الأمد وربما مدى الحياة.

ويقود البروفسور جوسو دي لا فوينتي من مؤسسة إمبريال كوليدج للرعاية الصحية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، التجارب في المملكة المتحدة لهذا العلاج لكل من البالغين والأطفال، ويصفه بأنه اختراق تحويلي مع وجود نحو 15 ألف شخص في المملكة المتحدة مصابين بمرض فقر الدم المنجلي ونحو ألف مصابين بالثلاسيميا، إذ يمكن أن يحسن «كاسجيفي» نوعية الحياة بشكل كبير، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يواجهون نطاق علاج محدود.

وتُعد «كريسبر - كاس 9» واحدة من الابتكارات الرائدة التي أحدثت تحولاً في الأبحاث الطبية والأدوية رغم أن استخدامها يثير جدلاً أخلاقياً، نظراً لاحتمالية تأثير تعديل الجينات على الأجيال المقبلة. وقد مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020 لجنيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه لمساهمتهما الأساسية في اكتشاف طريقة فعالة لتحرير الجينات، أي التدخل الدقيق الذي يسمح بإدخال التعديلات المطلوبة داخل الحمض النووي بطريقة بسيطة بكفاءة وسريعة واقتصادية.