يُحال الصاروخ الأوروبي الشهير «أريان 5» على التقاعد بعد 27 عاماً في الخدمة، ويأتي خروجه منها في مرحلة يعاني فيها قطاع الفضاء في أوروبا فراغاً، إذ باتت القارة شبه محرومة من بلوغ الفضاء بإمكاناتها الخاصة المستقلة في انتظار بدء العمل بصاروخ «أريان 6»، بينما تحتدم المنافسة عالمياً في هذا المجال.
وسينقل صاروخ «أريان 5» في مهمة فضائية هي الـ117 والأخيرة له ومرتقبة الجمعة بين الساعة 21:26 و22:01 بتوقيت غرينتش من كورو في غويانا الفرنسية، قمراً اصطناعياً فرنسياً للاتصالات العسكرية (سيراكوز 4 ب) وقمراً اصطناعياً ألمانياً تجريبياً.
وتقول مديرة مركز غويانا الفضائي ماري آن كلير، في حديث لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إنّ عملية الإطلاق الأخيرة للصاروخ «مصحوبة بعواطف» لفرق المركز الذي عمل صاروخه لثلاثة عقود. فخلال عبور القاعدة الفضائية الأوروبية الضخمة، تأثر زملاؤها أمام المبنى المخصص لـ«أريان 5» الذي كان فارغاً.
وعرف صاروخ «أريان 5» بدايات صعبة، إذ انفجر عقب إقلاعه في أول مهمة له سنة 1996، وواجه فشلاً آخر سنة 2002.
ويقول إرفيه جيليبير الذي كان آنذاك مهندساً للصاروخ إنّ الحادثة كانت «صادمة لنا». كما يوضح المدير التقني الحالي لشركة «أريان غروب» أن «الأمر احتاج عامين للعودة إلى المهمات الفضائية».
ودخل صاروخ «أريان 5» بعد الحادثة عصره الذهبي الذي تكلّل بسلسلة من النجاحات. ويقول جيليبير إنّ الفشل في إطلاق الصاروخ كان له «وقع إيجابي يتمثل في إبقائنا متيقظين بصورة تامة في شأن عمليات الإطلاق».
تمجيد جيمس ويب
واكتسب الصاروخ سمعة جيدة لناحية الموثوقية لدرجة أنّ «ناسا» اعتمدته لإرسال تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي بلغت تكلفته عشرة مليارات دولار. وعقب عملية الإطلاق هذه التي نُفّذت يوم عيد الميلاد سنة 2021 بات الصاروخ الذي أُرسل فيه مسبار روزيتا الفضائي إلى مذنب 67 بي/تشوريوموف جيراسيمنكو (2004) ومستكشف أقمار المشتري الجليدية إلى المشتري في أبريل (نيسان)2023، يحظى بمكانة كبيرة.
ومن الناحية التجارية، كان الصاروخ «عنصراً تقدمياً في المجال الفضائي في أوروبا»، على ما يؤكد مدير النقل الفضائي لوكالة الفضاء الأوروبية دانيال نوينشفاندر.
وشاركت اثنتا عشرة دولة في تصنيع الصاروخ الثقيل الذي حلّ مكان «أريان 4» مع قدرة إطلاق مضاعفة عنه، وهي ميزة تنافسية مكّنت أوروبا من ترسيخ نفسها في سوق الأقمار الاصطناعية للاتصالات.
وقال نوينشفاندر إن «أوروبا استفادت أيضاً من (فترة راحة) من الولايات المتحدة، إذ احتكر مكوك فضائي أميركي موارد كثيرة».
وتابع: «نشهد راهناً وضعاً معاكساً»، إذ تجد أوروبا نفسها محرومة تقريباً من الوصول المستقل إلى الفضاء،
ويعود سبب ذلك إلى التوقف المفاجئ لاستخدام صواريخ سويوز الروسية عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ما خفّض من نشاط قاعدة كورو التي شهدت ستّ عمليات إطلاق فقط عام 2022 مقارنة بـ15 عملية مماثلة خلال السنة الفائتة.
وما فاقم الوضع سوءاً هو فشل الإطلاق التجاري الأول لصاروخ «فيغا سي» الإيطالي في ديسمبر (كانون الأول) 2022 والتأخيرات التراكمية لمستقبل «أريان 6». وبعد الجمعة، لن يبقى سوى عملية إطلاق واحدة لـ«فيغا» مُرتقبة في ديسمبر (أيلول)، وعودة مُحتملة لبرنامج «فيغا-سي» في نهاية العام.
وهذا يعني أشهراً عدة من الفراغ بانتظار تولّي «أريان 6» زمام الأمور نهاية عام 2023 في أحسن الأحوال.
«ليست مرحلة سهلة»
وصُمّم «أريان 6»، وهو أكثر قوة وتنافسية من «أريان 5» وبلغت تكلفته نصف ما أنفق على سلفه «أريان 5»، لمواجهة المنافسة الشرسة في سوق الصواريخ بفعل هيمنة شركة «سبايس إكس» الأميركية التي تنفذ أكثر من عملية إطلاق واحدة في الأسبوع.
وتعيّن على وكالة الفضاء الأوروبية اللجوء إلى الشركة المملوكة لإيلون ماسك لإطلاق مهمتها العلمية «إقليدس»، وهي غير متأكدة من ضمان التوسّع الاستراتيجي لمسبار غاليليو، وهو نظام الملاحة التابع للاتحاد الأوروبي.
وأكد رئيس «أريان سبايس» ستيفان إسرائيل خلال اجتماع لفريق «أريان 6» الذي يواجه ضغطاً لإنجاز عملية الإقلاع في أسرع وقت ممكن: «إنها ليست مرحلة سهلة، لكنّ ذلك لن يستمر».
وبحلول ذلك الوقت، تتعامل الفرق في كورو مع مشاكلها بصبر، على قول مديرة مركز غويانا الفضائي التي تتوقع انخفاضاً في عدد الموظفين بنحو 190 شخصاً من أصل 1600.
وتتم الاستفادة من مرحلة الاستراحة من أجل تنفيذ خطة لتجديد القاعدة ورفع المساحات الخضراء فيها. وتجرى اختبارات تأهيل «أريان 6» على قدم وساق، ففي غضون أسبوعين، سيتم تشغيل محرك «فولكان» على منصة الإطلاق، وهي مرحلة مهمة مُنتَظَرة بفارغ الصبر.