استخدام الفحم لإنتاج ماء نقي صديق للبيئة

باحثو «كاوست» يطورون جهازاً لتحلية المياه بالطاقة الشمسية

استخدام الفحم لإنتاج ماء نقي صديق للبيئة
TT

استخدام الفحم لإنتاج ماء نقي صديق للبيئة

استخدام الفحم لإنتاج ماء نقي صديق للبيئة

وجد باحثون أنه يمكن استخدام كتل مضغوطة من مسحوق الفحم أساساً لعمليات تنقية المياه بالطاقة الشمسية، وبمعزل عن شبكات توزيع الكهرباء. ويعكف بعض الشركاء التجاريين حالياً على تطوير هذه التقنية بغية إنتاج مياه الشرب على نطاق تجريبي.

مواد داكنة

تتركز أبحاث البروفسور أندريا فراتالوشي، أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوبية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) على المواد داكنة اللون التي تمتصُّ أشعة الشمس بقدرة فائقة، وتلعب دوراً مهماً في عمليات تحلية مياه البحر.

وفي خلال دراسة فراتالوشي التحديات الاقتصادية التي تواجه مساعي إنهاء توظيف الفحم في توليد الطاقة، عثر على فكرة جديدة لاستخدام الفحم.

يتذكر فراتالوشي تلك اللحظة بقوله: «هنا، التقت الفكرتان معاً، لماذا لا نستخدم الفحم لخلق مسار اقتصادي جديد في مجال تحلية المياه؟».

من هذا المنطلق، شرع فراتالوشي وفريقه البحثي في دراسة الاستعانة بكتل من مسحوق الفحم المضغوط (CCP)، وهي مادة ذات مسام متناهية الدقة تَنتُج من تحويل مسحوق الفحم إلى كتل بفعل الضغط الشديد. ومرَّر الفريق أليافاً قطنية خلال هذه المادة لتيسير عملية مرور المياه داخل ثنايا الكتل الفحمية وتدفقها من خلالها.

ثم وضع الفريق كتلة من هذه المادة فوق إناء مملوء بالمياه المالحة لتُلامس الألياف القطنية الماء. وعند تعرّض مسحوق الفحم المضغوط للتسخين بفعل أشعة الشمس، بدأ الماء يتدفق عبر الجهاز ويتبخر من خلال سطحه الساخن. بعدها، جمع مُكثِّفٌ مُثبَّتٌ فوق الجهاز المياهَ النقية الناتجة.

أما الملح الذي بقي عالقاً داخل كتلة مسحوق الفحم المضغوط فيمكن شطفه بواسطة مياه البحر.

تقول الدكتورة مارسيلا بونيفاتزي التي أجرت أبحاث ما بعد الدكتوراه في مختبر فراتالوشي: «يتوفر مسحوق الفحم المضغوط في الطبيعة، وهو مادة منخفضة التكلفة فضلاً عن خفة وزنه وتنوّع فوائده، وقابلية التوسع الكبير في استخداماته التصنيعية. لقد نجح الجهاز في إنتاج المياه العذبة بتكلفة لا تزيد على ثلث تكلفة أحدث التقنيات الحالية في مجال تحلية المياه بالطاقة الشمسية».

الاستخدام التجاري

ومن جانبه يوضح الدكتور فاليريو ماتزوني، الذي شارك أيضًا في ابتكار الجهاز خلال عمله في إطار أبحاث ما بعد الدكتوراه، أن الجهاز قادر على توفير المياه العذبة لمن يواجهون نقصاً في المياه نتيجة عجز التدابير الاقتصادية، الذين يبلغ عددهم 1.6 مليار إنسان حول العالم.

ويضيف ماتزوني: «تؤكِّد التقارير الواردة من منظمة الأمم المتحدة، أن إتاحة المياه لأغراض الإنتاج الزراعي، حتى إذا كان ذلك لمجرّد الري التكميلي لحديقة خضراوات أو محاصيل مزروعة على نطاق صغير، يجعل من الزراعة وسيلة للبقاء على قيد الحياة، وليس مجرّد نشاط موثوق لكسب العيش».

وتشير حسابات الفريق إلى أن «إقامة نظام لتحلية المياه باستخدام مسحوق الفحم المضغوط على مساحة تبلغ 16 متراً مربعاً، ستوفّر ما يكفي من المياه لتلبية احتياجات الشرب والطهي وري الخضراوات، لأسرة عادية مكونة من أربعة أفراد».

وفي الوقت الحاليّ، يتعاون الباحثون مع شريك تجاري، وهو شركة «بيرا» PERA التي يقع مقرها في هولندا، لإنتاج مثل هذا الجهاز وطرحه بالأسواق. تقول بونيفاتزي: «تسعى شركة (بيرا) إلى إقامة مشروع تجريبي لتحلية المياه منخفضة الملوحة في البرازيل، ليكون حلاً نهائياً يضمن الوفاء؛ ليس فقط باحتياجات مياه الشرب والطهي، ولكن كذلك بمتطلبات إنتاج الأغذية الأساسية، ما سيعود بالفائدة على ملايين البشر في منطقة شمال شرق البرازيل التي تتصف بالمناخ شبه الجاف».



الطائرات المُسيّرة... ابتكارات متعددة لتحسين جهود مكافحة الأمراض

الطائرات المُسيرة أداة فعالة لمكافحة الأمراض المنقولة بواسطة البعوض (برنامج البعوض العالمي)
الطائرات المُسيرة أداة فعالة لمكافحة الأمراض المنقولة بواسطة البعوض (برنامج البعوض العالمي)
TT

الطائرات المُسيّرة... ابتكارات متعددة لتحسين جهود مكافحة الأمراض

الطائرات المُسيرة أداة فعالة لمكافحة الأمراض المنقولة بواسطة البعوض (برنامج البعوض العالمي)
الطائرات المُسيرة أداة فعالة لمكافحة الأمراض المنقولة بواسطة البعوض (برنامج البعوض العالمي)

يتنامى دور الطائرات المُسيّرة «الدرونز» في عديد من المجالات، من بينها مجال الصحة العامة ومكافحة الأمراض، حيث تقدم هذه التكنولوجيا حلولاً مبتكرة للوصول إلى المناطق النائية، وتُسهم في تقليل انتشار المرض.

ويمثّل استخدام الطائرات المُسيّرة في مكافحة الأمراض المنقولة بواسطة البعوض تطوراً مهماً في الصحة العامة؛ حيث يجمع بين التكنولوجيا الحديثة والفاعلية في السيطرة على انتشار الأمراض، وحماية صحة الإنسان.

وفي السنوات الأخيرة، استُخدمت الطائرات المُسيّرة لمكافحة الملاريا وحمى الضنك وفيروس زيكا، عبر إطلاق ذكور البعوض العقيمة في المناطق المستهدفة، وتُحلّق الطائرات المزوّدة بصندوق مليء بالبعوض العقيم فوق هذه المناطق، وتطلق الحشرات التي تتزاوج مع الإناث، ما يقلّل من النسل، وهي وسيلة فعّالة وآمنة لتقليل تجمّعات البعوض الناقل للأمراض.

وعلى مدى الأعوام الخمسين الماضية زاد انتشار الأمراض الفيروسية المنقولة بواسطة البعوض، مثل حمى الضنك وزيكا، وتُعدّ بعوضة «الزاعجة المصرية» ناقلاً رئيسياً لهذه الأمراض، وانتشارها تزايَد بسبب التحضر وتغيّر المناخ، ما أطال موسم انتقال الأمراض.

الطائرات المُسيرة يمكنها إطلاق البعوض بشكل آلي (برنامج البعوض العالمي)

ويعيش حوالي 53 في المائة من سكان العالم في مناطق مناسبة لانتقال حمى الضنك، خصوصاً في آسيا وأفريقيا والأميركتين، ما يؤثر على أكثر من 100 دولة.

ولمكافحة حمى الضنك، استخدم باحثون في برنامج البعوض العالمي (WMP) بأستراليا نهجاً مبتكراً، ينطوي على نشر بكتيريا «ولباشيا» في البعوض، التي تمنع انتقال الفيروسات، لكن تطبيق هذه الاستراتيجية على نطاق واسع كان يمثّل تحدياً، بسبب الجهد والوقت، والقدرة على استخدام الطرق اليدوية التقليدية.

نظام آلي

ولإجراء هذه العملية بدقة وأمان طوّر الباحثون ببرنامج البعوض العالمي نظاماً آلياً لنقل البعوض باستخدام الطائرات المُسيّرة، قادراً على حمل 160 ألف بعوضة بالغة، ونُشرت النتائج بعدد 31 يوليو (تموز) 2024 من دورية «Science Robotics».

ويمكن للنظام الآلي إطلاق البعوض في مجموعات صغيرة، كما أنه مزوّد بنظام تحكّم يحافظ على البعوض في حالة تخدير وصحة جيدة حتى يتم إطلاقه في مجموعات من 150 بعوضة.

وفي أول تجربة ميدانية في جزر فيجي جنوب المحيط الهادي وجد الفريق أن الإطلاق الجوي أدّى لتوزيع متساوٍ للبعوض مقارنةً بالطرق التقليدية الأرضية، وفي التجربة الثانية في فيجي انتقلت عدوى «ولباشيا» من البعوض المصاب إلى البعوض البرّي، علاوةً على ذلك نُفّذت هذه العملية عن بُعد بأمان وكفاءة.

يقول الباحث الرئيسي للفريق في برنامج البعوض العالمي، الدكتور جيريمي جيلز، إن استخدام الطائرات المُسيّرة لإطلاق البعوض يحمل العديد من المزايا، أبرزها القدرة على تغطية مناطق واسعة، وبكفاءة أكبر من الطرق اليدوية الأرضية، ما يعزّز فاعلية هذا التدخل.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الطائرات تقلّل من الحاجة إلى استخدام فِرق أرضية كبيرة لنشر البعوض؛ لأنها تتم عن بُعد، ومن ثم تنخفض مخاطر السلامة المرتبطة بالوصول للمناطق الوعرة أو غير الآمنة».

وأشار إلى أن الآلية الجديدة لتوزيع البعوض التي نفّذها الفريق في فيجي يمكن أن تُساهم بشكل كبير في تحسين هذا النهج، ما يُساهم في تعزيز جهود مكافحة حمى الضنك، والأمراض الأخرى المنقولة بواسطة البعوض على نطاق عالمي.

مهام متعددة

ولا يقتصر دور الطائرات المُسيّرة على إطلاق البعوض بشكل آلي، حيث استخدمت خلال السنوات الأخيرة في مهام عدة، منها جمع البيانات حول توزيع وأماكن وجود البعوض، ما يساعد في توجيه جهود المكافحة بشكل أكثر دقةً.

واستُخدمت الطائرات المسيّرة أيضاً لمراقبة البيئات التي يصعب الوصول إليها، مثل المستنقعات والغابات الكثيفة حيث يتكاثر البعوض، ليس ذلك فحسب، بل استُخدمت لتحديد مواقع تكاثر البعوض، من خلال التصوير الجوي وتقنيات التصوير الحراري، في تجارب أُجرِيت في زنجبار وتنزانيا، وهذه البيانات تساعد في استهداف المناطق التي تحتاج إلى تدخل عاجل، سواءً من خلال رشّ المبيدات الحشرية، أو إزالة مواقع المياه الراكدة التي تشكّل بيئة مناسبة لتكاثر البعوض الناقل للأمراض.

كما استعانت بلدان عدة، منها كندا والولايات المتحدة وروسيا، بالطائرات المُسيّرة كذلك في توزيع المبيدات الحشرية بكفاءة على مساحات واسعة، بما في ذلك المناطق التي يصعب الوصول إليها بوسائل أخرى، مثل المستنقعات والمياه الراكدة، وهذه الطريقة تضمن توزيعاً أكثر دقة، ما يقلّل الاستخدام المفرط للمبيدات، ويحُدّ من تأثيرها البيئي السلبي.

ووفق الباحثين، فإن ما يميّز الطائرات المُسيّرة أنها تتيح التدخل السريع في المناطق المتضررة من تفشّي الأمراض، ما يساعد في السيطرة على الوضع بشكل أسرع، وبتكلفة أقل من الطرق التقليدية.