تقنية جديدة لمراقبة الأعصاب خلال جراحات العمود الفقري تتجاوز «المعايير الذهبية» الحالية

بإمكانها اكتشاف أي تلف محتمل بالأعصاب وتصحيحه في الوقت الفعلي

صورة مقطعية للتقنية المستخدمة (الشرق الأوسط)
صورة مقطعية للتقنية المستخدمة (الشرق الأوسط)
TT

تقنية جديدة لمراقبة الأعصاب خلال جراحات العمود الفقري تتجاوز «المعايير الذهبية» الحالية

صورة مقطعية للتقنية المستخدمة (الشرق الأوسط)
صورة مقطعية للتقنية المستخدمة (الشرق الأوسط)

تعدّ جراحة الأعصاب من أشد الجراحات تعقيداً لضرورة دقتها. ولكن؛ ماذا لو كان بإمكان الجراح أن يجري أي عملية جراحية للجهاز العصبي وهو على ثقة كاملة بإمكانية اكتشاف أي ضرر محتمل للأعصاب، وتصحيحه في الوقت الحقيقي خلال العملية؟ هذه هي الفرضية الأساسية لدراسة جديدة رائدة من «مستشفى هيوستن ميثوديست»، يمكن أن تحدث ثورة في طريقة مراقبة جراحات العمود الفقري، فهي بإمكانها أن تكتشف أي تلف محتمل في الأعصاب وتصحيحه في الوقت الفعلي.

وتسلط الدراسة الضوء على مراقبة النشاط العصبي لـ«الجهد المُسْتَحَثّ عبر البطن (transabdominal motor evoked potential - MEP)»، وهي تقنية جديدة تقيس النشاط الكهربائي في الأعصاب والعضلات الطرفية، عن طريق تحفيز الجانب السفلي من الحبل الشوكي بشكل مباشر، وتجاوز الدماغ وتأثيرات التخدير العام.

ويقول الدكتور قمران سيفي، المحقق الرئيسي للدراسة ورئيس «كرسي جيمس وكارول والتر لجراحة العمود الفقري» في «مستشفى هيوستن ميثوديست»: «في جراحات العمود الفقري، خصوصاً تلك التي تشمل أسفل الظهر، هنالك خطر كبير للتأثير على الأعصاب المهمة للحركة، وبالتالي على جودة حياة المريض بشكل عام. والهدف الرئيسي من هذه الجراحات هو علاج آلام العمود الفقري والاختلالات الوظيفية التي يعاني منها المريض، باستخدام أكثر الطرق أماناً. ولتحقيق هذه الغاية، فمن الضروري استخدام طريقة موثوقة لمراقبة سلامة أعصاب المريض، خصوصاً في أثناء جراحات العمود الفقري المعقدة».

في عام 2022، كان «هيوستن ميثوديست» أول مستشفى معروف وذي تاريخ جراحي عريق يتبنى تقنية «الجهد المستحث عبر البطن» الجديدة لجراحة «العمود الفقري القطني العجزي (lumbosacral spine surgery)». وفي الآونة الأخيرة، نشر المستشفى أول دراسة رُوجعت من قبل نظراء في المجال الطبي، تقارن هذه التقنية بالنهج القياسي لـ«الجهد المستحث عبر الجمجمة (transcranial MEP)».

ويوضح الدكتور سيفي أن هنالك قيوداً لمراقبة النشاط العصبي عبر الجمجمة للعمود الفقري القطني، ويعود ذلك إلى الإيجابيات والسلبيات الكاذبة المتأثرة بالتخدير وضغط الدم... وعوامل أخرى خاصة بالمريض. ويشرح الدكتور سيفي أن القراءات الإيجابية الخاطئة قد تؤدي إلى تدخلات جراحية إضافية غير ضرورية، وإطالة وقت العملية، وزيادة تعرض المريض للتخدير. وفي المقابل، قد تؤدي النتائج السلبية الكاذبة إلى تلف الأعصاب غير المكتشف حتى بعد الجراحة.

لذا بحث سيفي وزملاؤه في «هيوستن ميثوديست» في إيجاد طريقة أكثر موثوقية تتجاوز الدماغ، وتحفز الجانب السفلي من النخاع الشوكي بشكل مباشر. ووجدوا أن مقاربة مراقبة النشاط العصبي لـ«الجهد المستحث عبر البطن» تجنبهم آثار التخدير والعوامل الجهازية الأخرى، التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي.

وأكد أن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تقارن بشكل مباشر بين تقنيتي مراقبة الأعصاب في جراحة العمود الفقري. وتشير النتائج إلى أن «تقنية الجهد المستحث عبر البطن»، يمكن أن تؤسس لمعيار جديد للرعاية في جراحة العمود الفقري القطني العجزي، مما يوفر حلاً أكثر دقة وفاعلية للمراقبة في أثناء الجراحة.

ووجدت الدراسة، التي راقبت 220 مريضاً خضعوا لجراحة اندماج العمود الفقري باستخدام تقنيتَي «مراقبة الأعصاب عبر الجمجمة» و«عبر البطن»، وأشرف عليها فريق مكون من 8 جراحين للعمود الفقري، و5 أطباء معتمدين في مجال علم وظائف الأعصاب، و7 أطباء أعصاب، أن «مراقبة النشاط العصبي عبر البطن» أعلى موثوقية بدرجة كبيرة.

وتضمنت نتائج الدراسة المخرجات الرئيسية التالية: موثوقية خط الأساس: حيث حقق «الجهد المستحث عبر البطن» موثوقية بنسبة 99.6 في المائة في تنشيط العضلات الأساسية، مقارنة بـ89.8 في المائة لـ«الجهد المستحث عبر الجمجمة». والإيجابيات الكاذبة: كان معدل الإيجابيات الكاذبة لـ«تقنية الجهد المستحث عبر البطن» 1.4 في المائة فقط، وهو أقل بكثير من الـ11 في المائة التي لوحظت مع «الجهد المستحث عبر الجمجمة». والإيجابيات الحقيقية: اكتشف النهج الذي اعتمد «الجهد المستحث عبر البطن» 3 إيجابيات حقيقية، كانت قد فاتتها مقاربة «الجهد المستحث عبر الجمجمة». والجودة والدقة: خلال 40 اختباراً عشوائياً، كانت جودة ودقة البيانات المقدمة بواسطة «الجهد المستحث عبر البطن» مطابقة، أو تجاوزت تلك المقدمة من مقاربة «الجهد المستحث عبر الجمجمة».

ويقول الدكتور سيفي، الذي يعزو نجاح الدراسة إلى التعاون الوثيق ومتعدد التخصصات في «مستشفى هيوستن ميثوديست»: «عبر تعزيز موثوقية ودقة المراقبة خلال الجراحة، فإن هذه التقنية الجديدة لديها القدرة على تقليل المخاطر الجراحية وتحسين نتائج المرضى، مما يمثل تقدماً كبيراً في مجال جراحة العمود الفقري».

ويخطط الفريق لإجراء مزيد من الدراسات المستقبلية لتعزيز هذه النتائج، واستكشاف تطبيقات إضافية إلى جانب «تقنية الجهد المستحث عبر البطن» في أنواع مختلفة من جراحات العمود الفقري. ويأمل الدكتور سيفي وأعضاء الفريق أن تؤدي هذه الجهود إلى تبني هذه التقنية على نطاق واسع؛ الأمر الذي سيؤدي إلى رفع المعايير العالمية للرعاية الجراحية.


مقالات ذات صلة

السمنة... تحديات صحية وحلول مبتكرة

صحتك السمنة... تحديات صحية وحلول مبتكرة

السمنة... تحديات صحية وحلول مبتكرة

تُعد السمنة من أبرز التحديات الصحية في العصر الحديث، حيث تتزايد معدلاتها بشكل ملحوظ في جميع أنحاء العالم، وتلقي بتأثيراتها السلبية على الصحة العامة.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (الخبر - المنطقة الشرقية)
صحتك فوائد ألعاب المحاكاة في تنمية مهارات الأطفال الصغار

فوائد ألعاب المحاكاة في تنمية مهارات الأطفال الصغار

مع بدء العام الدراسي، سلط العلماء في جامعة فلوريدا أتلانتيك، الضوء على أهمية ألعاب المحاكاة في تنمية مهارات الطفل الإبداعية والفكرية في مرحلة ما قبل الدراسة.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك عضلات جسمك تؤلمك... 9 أسباب قد تغيب عنك

عضلات جسمك تؤلمك... 9 أسباب قد تغيب عنك

عند استخدام لغة الأرقام، فإن حالات آلام العضلات تمثل مشكلة صحية واسعة الانتشار.

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك الملوثات الكيميائية مصدر قلق متزايد على صحة القلب

الملوثات الكيميائية مصدر قلق متزايد على صحة القلب

عادة ما يثير الاتصال بالمواد الكيميائية السامة، والتلوث الناجم عنها، المخاوف بخصوص الإصابة بالسرطان أو مشكلات عصبية.

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساتشوستس الأميركية)
صحتك نصحت خبيرة التغذية الأشخاص بعدم وزن أنفسهم يومياً (د.ب.أ)

لفقدان الوزن بفاعلية... تجنَّب هذه العادات الخمس

كشفت اختصاصية تغذية أميركية عن 5 عادات سيئة يجب التخلص منها أثناء محاولة إنقاص الوزن.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

دراسة جديدة تحذّر من ارتفاع الإصابة بسرطان الأمعاء تحت سن 50 عاماً

استهلاك كميات كبيرة من الأطعمة فائقة المعالجة يرتبط بزيادة خطر الإصابة بعديد من أنواع السرطان (أرشيفية - رويترز)
استهلاك كميات كبيرة من الأطعمة فائقة المعالجة يرتبط بزيادة خطر الإصابة بعديد من أنواع السرطان (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة جديدة تحذّر من ارتفاع الإصابة بسرطان الأمعاء تحت سن 50 عاماً

استهلاك كميات كبيرة من الأطعمة فائقة المعالجة يرتبط بزيادة خطر الإصابة بعديد من أنواع السرطان (أرشيفية - رويترز)
استهلاك كميات كبيرة من الأطعمة فائقة المعالجة يرتبط بزيادة خطر الإصابة بعديد من أنواع السرطان (أرشيفية - رويترز)

يعتقد أحد أطباء الأورام في ولاية كارولاينا الشمالية أن الارتفاع المذهل في حالات الإصابة بالسرطان بين الأشخاص الذين تقلّ أعمارهم عن 50 عاماً يرجع إلى الاعتماد المفرط على الوجبات السريعة بين الأجيال الأصغر سناً.

يقول اختصاصي الأورام في جامعة «ديوك»، الدكتور نيكولاس ديفيتو، إن جميع مرضاه الأصغر سناً لديهم مثل هذا النظام الغذائي، وهو يغيّر «ميكروبيوم الأمعاء»، مما يجعلنا عرضة للإصابة بالسرطان. ويضيف: «بينما تتراجع معدلات بعض أنواع السرطان، فإن عديداً من سرطانات الجهاز الهضمي آخذ في الارتفاع بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً».

ويتابع: «الأمر الأكثر إثارة للقلق، خصوصاً في سرطان القناة الصفراوية وسرطان المعدة، يزداد المعدل مع كل جيل أصغر سناً. ظهرت الأطعمة شديدة المعالجة، بما في ذلك الوجبات الجاهزة والوجبات الخفيفة المعبّأة والمشروبات الغازية والحبوب ومجموعة من العناصر الأخرى، بوصفها سبباً محتملاً لسرطانات الجهاز الهضمي».

وجد عدد من الدراسات أن استهلاك كميات كبيرة من الأطعمة فائقة المعالجة (UPFs)؛ مثل: الوجبات السريعة، ورقائق البطاطس المنكّهة، والمشروبات المحلاة بالسكر، يرتبط بزيادة خطر الإصابة بعديد من أنواع السرطان، بما في ذلك سرطان القولون والمستقيم وسرطان الثدي وسرطان البنكرياس. وترتبط الأطعمة فائقة المعالجة بأكثر من 30 حالة صحية، بما في ذلك السمنة، التي تزيد أيضاً من خطر الإصابة بالسرطان بشكل كبير. كما وجدت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة «ميلانو» أن السمنة تُسهم في ارتفاع معدلات الوفيات بسرطان الأمعاء في المملكة المتحدة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و49 عاماً.

العلاقة بين صحة الأمعاء والسرطان

على الرغم من أن السرطان يُقبَل عموماً بوصفه مرضاً ناجماً عن خصائص وراثية وعوامل بيئية، فقد أظهرت الدراسات الأخيرة أن ميكروبيوم الأمعاء ومستقلباته قد تشكّل ما يقرب من 20 في المائة من حالات السرطان. ويلعب نظامنا الغذائي دوراً كبيراً في هذا، خصوصاً إذا اعتمدنا على الأطعمة فائقة المعالجة؛ مثل: رقائق البطاطس، والوجبات الخفيفة، والأطعمة السريعة التي لا قيمة غذائية منها.

تتضمّن إحدى النظريات التي تشرح دور الأمعاء في خطر الإصابة بالسرطان الارتباط بجهاز المناعة لدينا.

وتقول اختصاصية الأورام الدكتورة فرانكي جاكسون سبنس: «تعيش نسبة كبيرة من خلايا المناعة لدينا في الأمعاء؛ نحو 70 في المائة. لذا، إذا لم يكن الميكروبيوم في أفضل حالاته، ولم تجرِ تغذيته بجميع أنواع المواد الكيميائية الجيدة المختلفة من النباتات، فمن المحتمل أن جهاز المناعة لدينا لا يعمل في أفضل حالاته، وهو عامل خطر للإصابة بالسرطان».

يمكن أن تؤدي صحة الأمعاء السيئة أيضاً إلى زيادة الالتهاب واختلال التوازن في ميكروبات الأمعاء، والمعروفة باسم «خلل التوازن الجرثومي».

وتضيف جاكسون سبنس: «إذا لم يكن لديك ميكروبيوم معوي صحي، فإن بطانة الأمعاء لا تعمل بصورة مثالية، وبالتالي قد تكون أكثر عرضة للتهيّج من مسببات الأمراض الخارجية؛ الالتهاب هو مجرد جهاز المناعة لديك».

لكن خطر الإصابة بالسرطان مرتبط أيضاً بأسلوب الحياة. إذا نظرت إلى شخص يتناول نظاماً غذائياً يحتوي على نسبة عالية من «UPFs» - يستهلك الشخص العادي في المملكة المتحدة أكثر من 50 في المائة من نظامه الغذائي منها - فإنه عادة ما ينخرط في سلوكيات أقل صحية أخرى.

تقول الدكتورة جاكسون سبنس: «من المرجح أن تكون مصاباً بالسمنة، وهو ما نعرفه أيضاً أنه عامل خطر للإصابة بالسرطان».

وترتبط عوامل أخرى متعلقة بأسلوب الحياة؛ مثل: التدخين، وشرب الكحول، وعدم ممارسة الرياضة بشكل كافٍ، وعيش حياة مرهقة، وعدم الحصول على قسط كافٍ من النوم؛ بارتفاع خطر الإصابة بالسرطان.