التصلب العصبي المتعدد: أعراض خفية متجاهَلة تظهر في العقد الثالث

بدأ وصفه خلال القرن الـ14 وبقي دون علاج حتى «الـ20»

الخلايا الطبيعية والخلايا المصابة بالتصلب المتعدد
الخلايا الطبيعية والخلايا المصابة بالتصلب المتعدد
TT
20

التصلب العصبي المتعدد: أعراض خفية متجاهَلة تظهر في العقد الثالث

الخلايا الطبيعية والخلايا المصابة بالتصلب المتعدد
الخلايا الطبيعية والخلايا المصابة بالتصلب المتعدد

يؤثر مرض التصلب المتعدد (Multiple sclerosis ) على الجهاز العصبي المركزي، الذي يتحكم بطريقة تفكيرنا وتعلمنا وحركتنا ومشاعرنا. ورغم التقدم الكبير في علاجه، فإن الحد من الضرر الذي يمكن أن يسببه يعتمد على اكتشافه مبكراً.

ويقول الدكتور عبد الرحمن الشاكي، طبيب الأعصاب والمتخصص في المرض بمستشفى «هيوستن ميثوديست» الأميركية، إنه «من أمراض التهابات المناعة الذاتية؛ إذ يهاجم الجهاز المناعي للجسم - وخاصة أنواعاً معينة من خلايا الدم البيضاء - عن طريق الخطأ ويدمر غمد الحماية (المايلين)، التي تعد الغطاء الواقي الذي يحيط بالألياف العصبية في الجهاز العصبي المركزي».

وبحسب الدكتور الشاكي، يشير اسم التصلب المتعدد إلى النسيج الندبي أو الآفات التي تنتج من هجوم الجهاز المناعي على المايلين، وهو الغلاف الواقي الذي يغطي الألياف العصبية. ويعاني الأشخاص المصابون بهذه الحالة آفاتٍ متعددة يمكن أن تحدث في العصب البصري، والذي يلتهب مما يجعل الرؤية بعين واحدة أقل وضوحاً أو ضبابية، ومؤلمة عند تحريك الأعين من جانب إلى آخر. أو في الدماغ، حيث يواجه المرضى تحديات في التركيز وتعدد المهام والذاكرة، مضيفاً: «إذا كانت الآفات تؤثر على المخيخ - جزء من الدماغ الذي ينظم التنسيق والتوازن - فقد يواجه المرضى صعوبة في الحفاظ على التوازن أو قد يعانون الرعاشات».

وتابع: «يمكن أن تحدث هذه الآفات في الحبل الشوكي الذي تتسم أعراضه بالضعف؛ مما يؤدي إلى صعوبة في المشي وفي التنسيق بين اليدين وربما فقدان الإحساس أو التنميل في الأطراف»، عاداً «صعوبة التحكم بالأمعاء أو المثانة، أو الإمساك المزمن والحاجة إلى التبول بشكل عاجل ومتكرر، من المشاكل الشائعة لدى مرضى التصلب العصبي المتعدد».

وينوّه الدكتور الشاكي إلى أن هذا المرض «يظهر بشكل فريد في كل فرد، مع عدم وجود مريضين اثنين يعانون أعراضاً متطابقة أو من التطور المرضي نفسه»، موضحاً أن «تباين الحالة يعتمد على عوامل عدة، كتوقيت التشخيص وبدء العلاج. ويمكن أن يتراوح تأثير المرض من الأعراض العرضية التي قد تتحول أعراضاً أكثر استمراراً، قد تستمر مدى الحياة».

د. عبد الرحمن الشاكي طبيب الأعصاب بمستشفى «هيوستن ميثوديست»
د. عبد الرحمن الشاكي طبيب الأعصاب بمستشفى «هيوستن ميثوديست»

ووفقاً للطبيب المتخصص، ينقسم «التصلب العصبي المتعدد الانتكاس»، وهو المسار الأكثر شيوعاً للمرض، إلى مراحل مختلفة. وتتميز المرحلة الأولى (ما قبل السريرية أو الصامتة)، بعلامات خفية قد يلاحظها الأفراد، ولكن لا ترتبط على الفور بالمرض بسبب طبيعتها الغامضة. ويقول: «خلال هذه المرحلة المبكرة، التي يمكن أن تستمر من ثلاث إلى خمس سنوات، لا تكون الأعراض محددة عادةً، وقد تظهر كتغيرات في الحالة المزاجية، مثل الاكتئاب أو القلق أو التعب».

وتُعرف المرحلة التالية باسم «المتلازمة المعزولة سريرياً» (clinically isolated syndrome)، والتي تمثل بداية أعراض أكثر وضوحاً للمرض، ويضيف الدكتور عبد الرحمن: «قد يعاني فيها الأفراد من أول الأعراض الملحوظة، مثل التهاب العصب البصري أو فقدان الرؤية، أو تغيرات حسية مثل الخدر، أو الضعف الذي قد يؤثر على جانب واحد فقط من الجسم أو من الصدر أو الخصر إلى الأسفل»، لافتاً إلى أن هذه الأعراض «تتماشى بشكل أكبر مع العلامات الكلاسيكية للمرض، وغالباً ما تحتاج إلى مزيد من الاستقصاء والتشخيص».

وبحسب الدكتور الشاكي، يعاني معظم الأشخاص المصابين به من الأعراض المميزة الأولى في العشرينات أو الثلاثينات من عمرهم، وقد يعاني البعض أعراضاً طفيفة وغير مفسّرة بشكل متقطع لسنوات قبل أن يتم تشخيصهم في الأربعينات والخمسينات من العمر، مشيراً إلى أن هذه الحالة يمكن أن تحدث أيضاً عند الأطفال، على الرغم من أن أقل من 5 في المائة من الأشخاص المصابين به تظهر عليهم الأعراض الأولى قبل سن 16 عاماً، وفقاً للجمعية الوطنية لمرض التصلب المتعدد.

وتطرق إلى دراسات عدة تظهر أن الأشخاص في المرحلة ما قبل السريرية يراجعون الأطباء، والمتخصصين الفرعيين بسبب التعب، أو التغيرات النفسية والمزاجية أو المشاكل الهضمية، قبل أن يحصلوا على تشخيص بالمرض، وقد يتأخر الأشخاص أيضاً في الحصول على الرعاية بسبب طبيعته، مضيفاً: «يمكن أن تختلف الأعراض بشكل كبير بين الأفراد، والكثير من الأشخاص قد يعودون إلى حالتهم الصحية الطبيعية بعد الانتكاسات المبكرة؛ الأمر الذي غالباً ما يؤخر الأفراد في طلب المشورة الطبية، وبالتالي تأخر التشخيص الذي قد يمتد لسنوات عدة».

ويعود أول وصف للمرض إلى القرن الرابع عشر، ولم يكن هناك علاج مثبت يمكن أن يغير مساره حتى القرن العشرين. وفي عام 1993، وافقت إدارة الغذاء والدواء على الدواء الأول، إنترفيرون بيتا-1ب (IFNbeta-1b). وعلى الرغم من كونه ثورياً آنذاك، فإن فاعليته بلغت 30 إلى 35 في المائة فقط. ومنذ عام 2011، تطورت أدويته، وبلغت اليوم نحو 24 دواءً لعلاجه، أكثر من 50 في المائة منها تمت الموافقة على استخدامها بعد عام 2017، وفقاً للدكتور عبد الرحمن، الذي يقول إن بعض الأدوية المتوفرة الآن يمكن أن تمنع تكون آفات الجديدة بدقة تتراوح بين 95 و99 في المائة.

وعلى الرغم من مساعدتها على منع ظهور أعراض جديدة، فإن الدكتور الشاكي، يرى التحدي أو المشكلة تكمن في عدم قدرة الأدوية على عكس المرض؛ ولهذا السبب فإن الحصول على الرعاية فوراً بعد ملاحظة العلامات الأولى له يعد أمراً بالغ الأهمية للعلاج والنتائج، مختتماً بالقول: «إذا أُصبتم بالمرض مبكراً، وبدأتم في تناول دواء جيد، فيمكنكم أن تنعموا بحياة جيدة لبقية حياتكم، لكن إن تم اكتشافه في مرحلة متأخرة، لن يكون هنالك الكثير مما يمكن فعله لعكس الضرر الناجم عن الآفات».


مقالات ذات صلة

عادات يومية بسيطة لصحة دماغك

صحتك هناك بعض العادات الأساسية التي يجب عليك تضمينها في روتينك اليومي لدعم صحة الدماغ (د.ب.أ)

عادات يومية بسيطة لصحة دماغك

العناية بالدماغ أمر بالغ الأهمية، فهو مركز التحكم في الجسم، والمسؤول عن صيانته بشكل عام؛ لذا يجب عليك دمج هذه العادات البسيطة في روتينك اليومي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا تتعاون «أبل» مع خبراء طبيين لإنتاج محتوى موثوق داخل التطبيق يثري تجربة المستخدم ويوجه سلوكه الصحي (شاترستوك)

«أبل» تستعد لإطلاق «الطبيب الافتراضي» في 2026

المدرب الصحي الذكي يعتمد على الذكاء الاصطناعي ويقدم توصيات شخصية عبر تطبيق «Health» ويجمع بين التتبع الصحي والخصوصية والمحتوى الطبي المتخصص.

نسيم رمضان (لندن)
علوم «مقياس حسابي بسيط»… يرصد أمراض القلب

«مقياس حسابي بسيط»… يرصد أمراض القلب

ازدياد عدد نبضات القلب اليومي لكل خطوة... سيئ

مات ريتشل (نيويورك)
صحتك الغرسة الجديدة (أ.ب)

غرسة دماغية تترجم الأفكار إلى كلام مسموع بشكل فوري

أعلن باحثون أميركيون -أمس الاثنين- أن جهازاً معززاً بالذكاء الاصطناعي زُرع في دماغ امرأة مشلولة، مكَّنها من ترجمة أفكارها إلى كلام بصورة فورية تقريباً.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق تغيير الوقت على ساعة الموقد في قصر باكنغهام في لندن (أ.ب)

لماذا قد يجعلك «تأخير الساعة» فظاً وسريع الانفعال؟

في الأولى فجر 30 مارس، جرى تقديم الساعة إلى الثانية صباحاً. وعلى ما يبدو، ستكون آثار ذلك أبعد من مجرد فقدان ساعة من النوم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

عادات يومية بسيطة لصحة دماغك

هناك بعض العادات الأساسية التي يجب عليك تضمينها في روتينك اليومي لدعم صحة الدماغ (د.ب.أ)
هناك بعض العادات الأساسية التي يجب عليك تضمينها في روتينك اليومي لدعم صحة الدماغ (د.ب.أ)
TT
20

عادات يومية بسيطة لصحة دماغك

هناك بعض العادات الأساسية التي يجب عليك تضمينها في روتينك اليومي لدعم صحة الدماغ (د.ب.أ)
هناك بعض العادات الأساسية التي يجب عليك تضمينها في روتينك اليومي لدعم صحة الدماغ (د.ب.أ)

العناية بالدماغ أمر بالغ الأهمية، فهو مركز التحكم في الجسم، والمسؤول عن صيانته عموماً؛ لذا يجب عليك دمج هذه العادات البسيطة في روتينك اليومي، للحد من خطر التدهور المعرفي.

يوصف الدماغ بأنه مركز قيادة الجسم؛ لأنه يتحكم في كل شيء من التنفس إلى تحمل الألم، وحتى الهضم؛ لذا من المهم الحفاظ على صحته؛ لأنها تؤثر على جودة الحياة عموماً.

هناك بعض العادات الأساسية التي يجب عليك تضمينها في روتينك اليومي لدعم صحة الدماغ؛ بل ولتعزيز الصحة العامة.

احصل على قسط كافٍ من النوم

النوم ضروري للحفاظ على جميع أعضاء الجسم، بما في ذلك الدماغ، والنوم 7 ساعات على الأقل كل ليلة يسمح لدماغك بترسيخ ذكرياتك، واستعادة نشاطك لليوم التالي.

حافظ على رطوبة جسمك

شرب الماء ضروري لجميع أعضاء الجسم للعمل بصورة أمثل. ننصحك بالمحافظة على رطوبة جسمك طوال اليوم للحفاظ على وظائفك الإدراكية والتركيز؛ لأن الجفاف يمكن أن يؤثر على الانتباه والذاكرة والمزاج.

ممارسة الرياضة يومياً

احرص على ممارسة تمارين معتدلة الشدة بشكل يومي، مثل المشي السريع، أو ركوب الدراجات، أو السباحة، لتحسين تدفق الدم، وتعزيز الوظائف الإدراكية، وتعزيز المرونة العصبية.

التأمل واليقظة

خصص من 10 إلى 15 دقيقة يومياً لممارسة التأمل أو التنفس العميق، لتقليل التوتر، وتحسين التركيز، وتعزيز القدرة الإدراكية.

نظام غذائي متوازن

لا يمكن التشديد بما فيه الكفاية على أهمية اتباع نظام غذائي متوازن؛ حيث يجب التركيز على تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة الكاملة الغنية بالعناصر الغذائية، بما في ذلك الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة والبروتينات قليلة الدهون والدهون الصحية، لدعم صحة الدماغ والوظائف الإدراكية.

تحفيز الدماغ

من المهم أن تتحدى عقلك بانتظام، من خلال المشاركة في أنشطة محفزة للعقل، مثل القراءة، أو حل الألغاز، أو تعلم مهارة جديدة، لتعزيز المرونة العصبية.

التواصل الاجتماعي

من المهم جداً تعزيز العلاقات مع العائلة والأصدقاء، وتخصيص وقت للأنشطة الاجتماعية لدعم الصحة النفسية، والصحة المعرفية، ووظائف الدماغ عموماً.