العشبة الليمونية... فوائد صحية مُحتملة

مكوناتها قد تساعد في علاج آلام المفاصل وجروح السكري

العشبة الليمونية... فوائد صحية مُحتملة
TT

العشبة الليمونية... فوائد صحية مُحتملة

العشبة الليمونية... فوائد صحية مُحتملة

تضفي العشبة الليمونية Lemongrass (الإذْخِر)، ذات الرائحة المنعشة والنكهة الفريدة، إضافة عطرية ذات طعم حامضي خفيف، على وصفات أطباق الأطعمة من مناطق مختلفة في العالم.

وثمة عدة أصناف منها باختلاف مناطق العالم التي تنتشر فيها، ويجمعها الاسم العلمي سيمبوبوغون Cymbopogon، أي الإذْخِر. والشائع منها هو نوع «الليمونية» والمعرف علمياً باسم سيمبوبوغون سيتراتوس Cymbopogon citratus.

العشبة الليمونية

والعشبة الليمونية الشائعة، من النباتات السريعة النمو. وهي بالأصل تنمو من كتلة كثيفة وصلبة لبصيلة الجذور، ليمتد منها ساق تخرج منها أوراق طويلة ورفيعة (بعرض حوالي 1 سم)، وبلون أخضر زاه، وذات حواف حادة. ليصل عرض العشبة حوالي متر وطولها كذلك، وربما أكثر.

وفي دراسة برتغالية حديثة سيأتي الحديث عنها، قال الباحثون: «من المحتمل أن يكون منشأ عشبة الليمون من الهند أو سريلانكا. ويتم زراعتها في الوقت الحاضر في المناطق الرطبة الاستوائية وشبه الاستوائية في أميركا الشمالية والجنوبية وأوروبا وشمال أفريقيا وشبه القارة الهندية وأستراليا. وهي معروفة بكثير من الأسماء الشائعة المختلفة أينما تم استخدامها».

وتبرر رائحة الحمضيات الجذابة لهذا النبات، استخدامه في صناعة مستحضرات التجميل وفي تطوير العطور. وفي بلدان أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، يتم استخدام أوراق وسيقان عشبة الليمون بوصفها عامل نكهة للطهي في الكاري والحساء والمأكولات البحرية والدواجن. كما تستخدم الأوراق على نطاق واسع في شاي الأعشاب، بصفتها عنصرا بنكهة الليمون، وكذلك في المشروبات الشعبية الأخرى.

ولذا لا يقتصر استخدام أوراق وسيقان، وحتى بذور، بعض أصنافها على تلك الإضافات لطهي الأطعمة والمشروبات الساخنة والباردة، بل ونتيجة لاختلاف تركيزات مكوناتها، ثمة أصناف منها تستخدم بالدرجة الأولى في استخلاص الزيوت العطرية لصناعة العطور، وكذلك في الاستخدامات الطبية لدى كثير من شعوب العالم.

استخدامات طبية

ولقرون عدة مضت، استخدمت عشبة الليمون في أنواع من طب الشعوب المختلفة، للتعامل مع حالات صحية عدة. ومن تلك الحالات التي يُقترح استخدامها فيها: تهدئة آلام المعدة ومشاكل الجهاز الهضمي الأخرى، بما في ذلك التشنجات والقيء. وكذلك في تخفيف أعراض مجموعة متنوعة من الأمراض الشائعة لدى البعض، مثل القلق ونزلات البرد الشائعة والحمى والالتهاب والأرق. كما يتم وضع زيت عشبة الليمون على الجلد لعلاج الصداع وآلام العضلات والعظام. وبوصف ذلك علاجا عطريا، يتم استنشاق مستخلص زيت عشبة الليمون لعلاج آلام العضلات أو الالتهابات أو نزلات البرد أو أعراض الإنفلونزا.

وهذه الفوائد الصحية «المفترضة» للعشبة الليمونية، مبنية على الفوائد الصحية المحتملة لعدد من الزيوت الأساسية العطرية المتوفرة فيها، وعلى توفر عدد آخر من المواد الكيميائية النباتية والمعادن والفيتامينات، المعروفة بخصائصها المضادة للأكسدة والوقاية من الأمراض.

وخلال العقود الماضية، تضمنت عدة دراسات علمية وإكلينيكية البحث في هذه الفوائد الصحية والعلاجية «المحتملة». وملخص البحوث الطبية حول زيت عشبة الليمون يدور حول «احتمالات» امتلاكها خصائص مضادة للفطريات، ومضادة للبكتيريا، ومضادة للفيروسات، ومضادة لعمليات الالتهابات، ومضادة للسرطان، ومضادة للأكسدة، وكذلك خفض ارتفاع ضغط الدم وخفض ارتفاعات الكولسترول والدهون والتحكم في سكر الدم. ولكن لا تزال حتى اليوم تعد لدى الأوساط الطبية «محتملة فائدة»، وذلك بانتظار تضافر نتائج دراسات طبية واسعة عليها.

علاج المفاصل وجروح السكري

وضمن عدد 14 أغسطس (آب) الماضي من مجلة «رابطة التغذية الأميركية» (J Am Nutr Assoc)، عرض باحثون دوليون دراستهم بعنوان «الجوانب الغذائية... الملف الكيميائي... تقنيات استخلاص زيت عشبة الليمون العطري وفوائده الفسيولوجية».

وأفاد فريق باحثين من جامعة جنوب تكساس وجامعة أدلفي بنيويورك في الولايات المتحدة، إضافة لباحثين من جامعة سنتوريون ومن المعهد الشرقي للعلوم والتكنولوجيا في الهند، بأن «عشبة الليمون تحتوي على مجموعة متنوعة من المواد المعروفة بخصائصها المضادة للأكسدة، والواقية من الأمراض، بما في ذلك الزيوت الأساسية والمركبات الكيميائية والمعادن والفيتامينات». وقالوا: «لقد ثبت أن زيت عشبة الليمون العطري يخفف من مرض السكري ويسرع شفاء الجروح. علاوة على ذلك، فإن الزيوت الأساسية الموجودة في عشبة الليمون ونشاطها الحيوي لها تأثير كبير على صحة الإنسان. والمكونات (الأربعة) النشطة في زيت عشبة الليمون العطري هي الميرسين Myrcene، يليه كل من الليمونين Limonene والسترال Citral والنيرال Neral، وهي مفيدة لصحة الإنسان». وأضافوا «وتسلط هذه المقالة الضوء على مفهوم وتطبيق زيت عشبة الليمون في العلاج العطري Aromatherapy وآلام المفاصل والتهاب المفاصل. علاوة على ذلك، تتضمن هذه الدراسة مناقشة حول تأثير زيت عشبة الليمون على شفاء جروح مرضى السكري وتجديد الأنسجة، مما يمهد الطريق لمزيد من البحث».

وكان باحثون برازيليون من الجامعة الفيدرالية في بورتو أليغري قد عرضوا نتائج مراجعتهم العلمية المنهجية حول «الخصائص المضادة للفطريات للزيوت العطرية المشتقة من (أنواع فصيلة) العشبة الليمونية»، وذلك ضمن عدد 13 أغسطس الماضي من مجلة «الغوص في الكيمياء الحيوية» (Chem Biodivers).

وقالوا في ملخص دراستهم: «تعد العناصر المستخرجة من (أنواع فصيلة) العشبة الليمونية مصادر واعدة للمركبات النشطة بيولوجياً، نظراً لخصائصها البيولوجية المعترف بها، مثل المضادة للالتهابات، والبكتيريا، والفطريات، ومضادات السكر. وبالتالي، تهدف الدراسة الحالية إلى إجراء مراجعة للدراسات العلمية الرئيسية المتعلقة بتقييم العمل المضاد للفطريات للزيوت الأساسية المستخرجة من نباتات فصيلة الإذْخِر». وأكد الباحثون أن أكثر من 60 في المائة من الدراسات التي تم إجراؤها في هذا المضمار، والتي في بعضها جوانب إيجابية، كانت على نوعية العشبة الليمونية الشائعة، ذات الأوراق الطويلة والحادة الحواف.

مضادات الميكروبات

وقبل ذلك، وفي عدد الفصل الأول من العام الحالي لمجلة «المُكملات الغذائية» (Journal of Dietary Supplements) (المجلد 20 - 2023، العدد الأول)، استعرض باحثون من دائرة البحوث الزراعية في جورجيا بالولايات المتحدة الأميركية، دراستهم بعنوان: «مراجعة التأثيرات الصحية المضادة للميكروبات وغيرها في 5 أنواع من الأعشاب المنتجة للزيوت الأساسية»، وكان أولها هو العشبة الليمونية. وتم عرض مناقشة مفصلة لما تقدمه الأدلة من مراجعات الدراسات العلمية حول الاستخدامات المحتملة لهذه الأنواع العشبية لمضادات الميكروبات وغيرها من الاستخدامات الصحية.

ومثال لبحث تأثيرات مستخلص عشبة الليمون في التئام الجروح، تم ضمن عدد مايو (أيار) الماضي من «المجلة الأوروبية لطب الأسنان» European Journal of Dentistry نشر دراسة لباحثين إندونيسيين حول تأثير استخدامهم مستخلص عشبة الليمون المدمج في ضمادة اللثة القابلة للامتصاص على التئام جروح اللثة Gingival Wound Healing لدى حيوانات المختبرات. وقالوا: «تشير النتائج إلى تأثيرات علاجية إيجابية محتملة لهذه الصيغة الجديدة من ضمادات اللثة على تسريع التئام الجروح الجراحية مما يؤدي إلى تحسين نتائج علاج اللثة بعد استئصال اللثة».

وفي جانب التأثيرات المحتملة على الدهون والكولسترول في الجسم، ثمة عدة دراسات. ولعلها بدأت بعد دراسة قديمة لباحثين من قسم علوم التغذية بجامعة ويسكونسن في ماديسون، والتي تم نشرها عام 1989 في «مجلة الدهون» (Lipids)، وكانت بعنوان: «تأثير زيت عشبة الليمون على نسبة الكولسترول في الدم». ولم يُلاحظ فيها الباحثون تأثيرات ذات أهمية إكلينيكية.

ولكن تأثيرات العشبة الليمونية على ضغط الدم ربما كانت أوضح نسبياً. وكان باحثون من جامعة لشبونة قد نشروا دراستهم بعنوان: «استكشاف إمكانات مكافحة ارتفاع ضغط الدم في عشبة الليمون - مراجعة شاملة»، وذلك ضمن عدد 22 سبتمبر (أيلول) 2022 لـ«مجلة علم الأحياء» (Biology). وقال الباحثون في مقدمة عرضهم لنتائج دراستهم: «عشبة الليمون هي عشبة شائعة الاستخدام في الطب الشعبي لأغراض كثيرة. ومع ذلك، فإن إمكاناتها وإمكانات مركبها الرئيسي السترال، في خفض ارتفاع ضغط الدم، لم يتم دراسة ذلك بشكل شامل بعد».

ويُظهر كل من السترال وعشبة الليمون نشاطاً مرخياً للأوعية الدموية. وفي كل من الحيوانات السليمة والمصابة بارتفاع ضغط الدم، يؤدي تناول عشبة الليمون بشكل حاد إلى انخفاض في ضغط الدم، ويتزامن ذلك أحيانًا بزيادة تعويضية في معدل ضربات القلب. وبالمثل لدى الأشخاص الأصحاء والذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، فإن استهلاك شاي عشبة الليمون يقلل من ضغط الدم. بالإضافة إلى ذلك، تم الإبلاغ أيضاً عن نشاط مدر للبول ضعيف - معتدل في الحيوانات والبشر. وأضاف الباحثون «على الرغم من أن معرفة آليات العمل لا تزال بعيدة المنال، فتعد الدراسات قبل الإكلينيكية المستقبلية ضرورية لتحديد المركبات الأخرى ذات النشاط المضاد لارتفاع ضغط الدم والمسارات الدوائية الإضافية».

تمتلك خصائص مضادة للفطريات وللبكتيريا وللفيروسات ومضادة لعمليات الالتهاب

مكونات غذائية في العشبة الليمونية

توفر ملعقة كبيرة من عشبة الليمون الطازجة حوالي 5 سعرات حرارية، يأتي معظمها من الكربوهيدرات (الألياف) والبروتين. والمكون الكيميائي الرئيسي في عشبة الليمون هو السترال Citral، وهو مسؤول عن رائحة الليمون الفريدة. ويتمتع السترال أيضاً بخصائص قوية مضادة للميكروبات والفطريات.

وتحتوي أوراقها وسيقانها على نسبة جيدة جداً من حمض الفوليك (100 غرام من الأوراق والساق توفر حوالي 75 ميكروغراما أو 19 في المائة من الكمية الموصى بتناولها يومياً). ويلعب الفولات دوراً حيوياً في انقسام الخلايا وتخليق الحمض النووي.

كما أن أجزاءها العشبية غنية بكثير من الفيتامينات الأساسية. وذلك مثل حمض البانتوثنيك (فيتامين بي - 5)، والبيريدوكسين (فيتامين بي - 6)، والثيامين (فيتامين بي - 1). علاوة على ذلك، تحتوي العشبة الطازجة على كميات صغيرة من الفيتامينات المضادة للأكسدة مثل فيتامين (سي C) وفيتامين( إيه A). وهذه الفيتامينات ضرورية، بمعنى أن الجسم يحتاجها من مصادر خارجية. وجميعها فيتامينات تقوي مناعة الجسم، وتُسهم في إصلاح تلف الأنسجة، وتعزيز انقسام الخلايا.

وتعد عشبة الليمون، سواء كانت طازجة أو مجففة، مصدراً لعدد من المعادن، مثل البوتاسيوم والزنك والكالسيوم والحديد والمنغنيز والنحاس والمغنيسيوم.

ولكن تجدر ملاحظة أن إضافة «القليل» من أوراق العشبة الليمونية إلى الأطعمة أو المشروبات، لن يكون له تأثير كبير في تلبية احتياجات المرء اليومية من الفيتامينات والمعادن، لأن توفرها في كمية قليلة من العشبة الليمونية سيكون بكميات صغيرة. كما يجدر أيضاً التنبه إلى عدم تناول تلك القطع من أوراق العشبة الليمونية عند أكل الأطعمة التي تمت إضافتها إليها أثناء الإعداد والطهي، والاكتفاء بما نضح منها لبقية الطعام.

والنقطة الثالثة التي تجدر ملاحظتها، هي التفريق بين إضافة القليل من أوراق أو سيقان العشبة الليمونية في الطهي أو المشروبات الدافئة مثلاً، وهو ما قد يكون مفيداً صحياً للكثيرين، وبين تناول زيت العشبة الليمونية، وخاصة بكميات عالية، وهو ما يحتاج إلى تأكيدات مدعومة بأدلة علمية، حول مدى جدوى ذلك، والأهم، مدى أمان ذلك صحياً.


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال
TT

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص. وأوضحت أن قضاء وقت من دون حركة كافية لفترة أكثر من 6 ساعات يومياً، يمكن أن يسبب زيادة في ضغط الدم الانقباضي (الخارج من البطين الأيسر- systolic blood pressure) بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية، وذلك في الفترة العمرية من الطفولة، وحتى بداية مرحلة البلوغ.

الخمول ومؤشرات الأمراض

أجريت الدراسة بالتعاون بين جامعتي «بريستول» و«إكستر» في المملكة المتحدة، وجامعة «شرق فنلندا»، ونُشرت في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، في مجلة «الهزال وضمور العضلات» (Journal of Cachexia, Sarcopenia and Muscle). وأكدت أن النشاط والخمول يلعبان دوراً رئيسياً في تنظيم الضغط؛ حيث يساهم الخمول وعدم الحركة في رفع ضغط الدم، بينما يساهم النشاط البدني الخفيف بشكل يومي في خفض الضغط. وفي الماضي وقبل التقدم التكنولوجي المعاصر، ولأن الأطفال كانوا في نشاط مستمر، كان ارتفاع ضغط الدم من الأمور شديدة الندرة في الأطفال.

قام الباحثون بمتابعة 2513 طفلاً من دراسة خاصة بجامعة «بريستول» على أطفال التسعينات من القرن الماضي، وتمت المتابعة من سن 11 إلى 24 عاماً. وركَّز الباحثون على الأطفال الذين قضوا تقريباً 6 ساعات يومياً من دون أي نشاط يذكر، ثم 6 ساعات يومياً في ممارسة تمارين خفيفة (LPA)، وأخيراً نحو 55 دقيقة يومياً في نشاط بدني يتدرج من متوسط إلى قوي (MVPA)، وبعد ذلك في بداية مرحلة المراهقة والشباب قضوا 9 ساعات يومياً في حالة خمول، ثم 3 ساعات يومياً في التمارين الخفيفة، ونحو 50 دقيقة يومياً في تمارين متوسطة إلى قوية.

تم أخذ عينات دم بعد فترة صيام لعدة ساعات للأطفال بشكل متكرر، لتثبيت العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في ارتفاع ضغط الدم، مثل قياس مستويات الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL)، والكوليسترول عالي الكثافة (HDL)، والدهون الثلاثية (TG)، وأيضاً تم قياس منحنى الغلوكوز لكل 3 شهور (hba1c) في الدم، وكذلك هرمون الإنسولين، ودلالات الالتهاب مثل البروتين التفاعلي سي (C-reactive protein)، وقاموا بقياس معدل ضربات القلب.

بعيداً عن التحاليل الطبية، قام الباحثون برصد بقية العوامل المؤثرة في ارتفاع ضغط الدم، وتم سؤال الأطفال عن التاريخ العائلي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بجانب الحالة الاقتصادية والاجتماعية للعائلة، وحالة الطفل النفسية، وتعامل العائلة معه، وأيضاً نوعية الغذاء، وهل تحتوي على دهون أم لا، واستخدام ملح الطعام باعتدال. وبالنسبة للمراهقين والبالغين تم سؤالهم عن حالة التدخين، بالإضافة إلى قياس كتلة الدهون في الجسم، وكذلك الكتلة العضلية.

ضغط الدم في الأطفال

قال العلماء إن الدراسة الحالية تُعد أكبر وأطول دراسة متابعة في العالم، لرصد العلاقة بين حجم النشاط البدني ومستوى ضغط الدم في الأطفال والمراهقين، وصولاً لمرحلة البلوغ. وحتى تكون الدراسة معبرة عن التغيرات الطبيعية التي تحدث للضغط في المراحل العمرية المختلفة، قام الباحثون بقياس ضغط الدم بعد فترات الخمول والتمرينات الخفيفة ومتوسطة الشدة، في عمر الحادية عشرة (نهاية فترة الطفولة) وفي عمر الخامسة عشر (فترة المراهقة والتغيرات الهرمونية) وأخيراً في عمر الرابعة والعشرين (مرحلة البلوغ).

وجد الباحثون أن متوسط ضغط الدم في مرحلة الطفولة كان 106/ 56 ملِّيمتراً زئبقياً، وبعد ذلك ارتفع إلى 117/ 67 ملِّيمتراً زئبقياً في مرحلة الشباب. ويرجع ذلك جزئياً -في الأغلب- إلى النمو الفسيولوجي الطبيعي المرتبط بالسن، وأيضاً ارتبطت الزيادة المستمرة في وقت الخمول من سن 11 إلى 24 عاماً بزيادة ضغط الدم الانقباضي في المتوسط بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية.

لاحظ الباحثون أن المشاركة في التمرينات الخفيفة بانتظام من الطفولة وحتى البلوغ، ساهمت في خفض مستوى الضغط الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية تقريباً. وفي المقابل تبين أن ممارسة التمرينات الشاقة والقوية لم تساهم في خفض الضغط بعكس المتوقع، وذلك لأن زيادة حجم الكتلة العضلية ارتبط بزيادة الدم المتدفق إليها، مما سبب زيادة طفيفة في ضغط الدم، ما يوضح الأهمية الكبرى للنشاط البدني الخفيف بانتظام؛ لأنه يُعد بمثابة وقاية من خطر ارتفاع ضغط الدم.

النشاط البدني الخفيف المنتظم يقي من خطره

أكد الباحثون أن أي فترة صغيرة في ممارسة النشاط الحركي تنعكس بالإيجاب على الطفل. وعلى سبيل المثال عندما استُبدلت بعشر دقائق فقط من كل ساعة تم قضاؤها في حالة خمول، فترة من التمرينات الخفيفة (LPA) في جميع مراحل النمو من الطفولة إلى مرحلة الشباب، انخفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية، وضغط الدم الانبساطي بمقدار ملِّيمترين زئبقيين، وهو الأمر الذي يُعد نوعاً من الحماية من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية؛ لأن خفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 5 ملِّيمترات زئبقية فقط يقلل بنسبة 10 في المائة من الذبحة الصدرية وجلطة المخ.

من المعروف أن منظمة الصحة العالمية (WHO) أصدرت تقارير تفيد باحتمالية حدوث 500 مليون حالة مرضية جديدة من الأمراض غير المعدية المرتبطة بالخمول البدني بحلول عام 2030، ونصف عدد هذه الحالات بسبب ارتفاع ضغط الدم. ونصحت المنظمة بضرورة ممارسة النشاط البدني الخفيف لمدة 3 ساعات على الأقل يومياً، للحماية من الإصابة بضغط الدم، وأيضاً لأن هذه التمرينات بمثابة علاج للضغط العالي للمرضى المصابين بالفعل. وأكدت أن النشاط البدني لا يشترط وقتاً أو مكاناً معيناً، مثل المشي لمسافات طويلة، وركوب الدراجات، وحتى القيام بالأعمال المنزلية البسيطة.

* استشاري طب الأطفال