ما هي أقصى درجة حرارة يمكن لجسم الإنسان تحملها؟

رجل يبرد جسده من الموجة الحارة في إسبانيا (أ.ف.ب)
رجل يبرد جسده من الموجة الحارة في إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

ما هي أقصى درجة حرارة يمكن لجسم الإنسان تحملها؟

رجل يبرد جسده من الموجة الحارة في إسبانيا (أ.ف.ب)
رجل يبرد جسده من الموجة الحارة في إسبانيا (أ.ف.ب)

قبل أيام، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن «عصر الغليان العالمي» قد بدأ واصفاً موجات الحر في نصف الكرة الأرضية الشمالي بأنها «مرعبة».

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ومرصد المناخ التابع للاتحاد الأوروبي «كوبرنيكوس»: «من المرجّح جداً أن يكون يوليو (تموز) 2023 أكثر شهور يوليو سخونةً، وأكثر الشهور المسجّلة سخونة على الإطلاق».

فماذا يعني تغير المناخ لأجسامنا وصحتنا؟

نقلت شبكة «بي بي سي» البريطانية تفاصيل تجربة أجراها البروفيسور داميان بيلي، من جامعة جنوب ويلز، عن تأثير الموجة الحارة على أجسامنا وحالتنا الصحية.

ووضع بيلي المشاركين تحت تأثير درجات حرارة مختلفة بدأت عند 21 درجة مئوية ثم عند 35 درجة مئوية، ثم أخيرًا عند 40.3 درجة مئوية، التي تعادل اليوم الأكثر سخونة في المملكة المتحدة.

وكان المشاركون جميعاً متصلين بمجموعة مذهلة من الأدوات التي تتبع درجة حرارة بشرتهم وأعضائهم الداخلية ومعدل ضربات القلب وضغط الدم لديهم، كما تفحص تدفق الدم إلى العقل عبر الشرايين السباتية في رقبتهم.

ويقول بيلي: «كان الهدف الرئيسي لأجساد المشاركين هو الحفاظ على درجة حرارة القلب والرئتين والكبد والأعضاء الأخرى عند 37 درجة مئوية تقريبًا. يتم ذلك عن طريق منظم الحرارة في الدماغ الذي يقوم بتتبع درجة الحرارة باستمرار، ثم يرسل إشارات للجسم لمحاولة الحفاظ على ذلك».

وأشار البروفيسور البريطاني إلى أنه حين تعرض المشاركون لدرجة حرارة 35 درجة مئوية، كانت هناك بعض التغييرات في جسدهم بشكل واضح. فقد بدت أجسامهم أكثر احمرارًا لأن الأوعية الدموية القريبة من سطح البشرة كانت تنفتح لتسهيل عملية تسرب الحرارة من الدم إلى الهواء.

وزاد تعرق المشاركين بشكل واضح، حيث جعلهم تبخر العرق يشعرون بالبرودة.

ووصف بيلي تعرض المشاركين لدرجة حرارة 40.3 درجة مئوية بأنها تحدٍ أكبر بكثير من الناحية الفسيولوجية. وفقد المشاركون أكثر من ثلث لتر من الماء أثناء التجربة. وزاد معدل ضربات القلب لديهم بشكل ملحوظ.

وقال بيلي إن هذا الضغط الإضافي على القلب هو سبب زيادة الوفيات الناجمة عن النوبات القلبية والسكتات الدماغية عند ارتفاع درجات الحرارة.

بالإضافة إلى ذلك، فإنه ينخفض تدفق الدم إلى الدماغ بشدة، وكذلك تنخفض الذاكرة قصيرة المدى، وذلك من أجل الحفاظ على درجة الحرارة عند حوالي 37 درجة مئوية.

إذن، ما هي أقصى درجة حرارة يمكن أن يتحملها جسم الإنسان؟

يقول بيلي إن جسم الإنسان تم بناؤه ليعمل في درجة حرارة أساسية تبلغ حوالي 37 درجة مئوية. وإنه حين يتعرض لحرارة 40 درجة مئوية يصبح أكثر عرضةً للإغماء، وتصبح أنسجة الجسم والدماغ وعضلات القلب أكثر عرضة للتلف، الأمر الذي قد يصبح مميتاً في النهاية.

وأضاف قائلاً: «بمجرد أن ترتفع درجة الحرارة الأساسية إلى حوالي 41 - 42 درجة مئوية، تبدأ المشكلات الكبيرة حقاً، وإذا لم تتم معالجتها سريعاً، فسوف يموت الفرد نتيجة لذلك».

وتختلف قدرة الناس على التعامل مع الحرارة، لكن العمر واعتلال الصحة يمكن أن يجعلانا أكثر عرضة للخطر. فالشيخوخة وأمراض القلب وأمراض الرئة والخرف وتناول بعض الأدوية تعني أن الجسم يعمل بجهد أكبر أثناء محاولته الحفاظ على درجة حرارته.

ويقول العلماء إن الخطر الأكبر يقع عند ارتفاع نسبة الرطوبة في الهواء، فعندما تكون هناك مستويات عالية من الماء في الهواء، يصعب على العرق أن يتبخر.

وبالإضافة لتجربة بيلي، اختبر فريق من جامعة ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة مجموعة من الشباب الأصحاء في درجات حرارة ورطوبة مختلفة، حيث كانوا يبحثون عن اللحظة التي بدأت فيها درجة حرارة الجسم الأساسية في الارتفاع بسرعة.

وتقول الباحثة الرئيسية راشيل كوتل: «حين تبدأ درجة حرارة الجسم الأساسية في الارتفاع، يمكن أن يؤدي ذلك إلى فشل الأعضاء. ويمكن أن يتم الوصول إلى نقطة الخطر هذه عند درجات حرارة منخفضة عندما تكون الرطوبة عالية».

وتابعت: «ما نريد أن نقوله هو أن القلق لا يكمن فقط في الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، بل في زيادة الرطوبة أيضاً».

كيف يمكننا التعامل مع درجات الحرارة المنخفضة؟

ينصح العلماء بالبقاء في الظل، وارتداء ملابس فضفاضة، وتجنب شرب الكحول، والحفاظ على المنزل باردًا، وعدم ممارسة الرياضة في أكثر فترات اليوم حرارة، والحفاظ على رطوبة الجسم عن طريق شرب الماء والسوائل.

وينصح بيلي الأشخاص بمحاولة عدم التعرض لحروق الشمس، قائلاً إن حروق الشمس الخفيفة يمكن أن تقضي على قدرة الجسم على تنظيم الحرارة أو التعرق لمدة تصل إلى أسبوعين.


مقالات ذات صلة

باكستان تبحث خفض فترة الدراسة بسبب الحرارة الشديدة

آسيا تحذيرات من احتمال تعرض باكستان لموجات حرارة مرتفعة وطويلة الأمد (إ.ب.أ)

باكستان تبحث خفض فترة الدراسة بسبب الحرارة الشديدة

من المرجح زيادة فترة العطلة الصيفية للمدارس في باكستان هذا العام، في ظل التحذيرات من احتمال تعرض البلاد لموجات حرارة مرتفعة وطويلة الأمد.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
صحتك مشروبات منعشة للحفاظ على رطوبة جسمك خلال موسم الصيف الحار (إ.ب.أ)

8 مشروبات باردة تشعرك بالانتعاش في حرارة الصيف

إذا كنت تجد شرب الماء العادي مملاً، ففكر في شرب هذه المشروبات المنعشة للحفاظ على رطوبة جسمك خلال موسم الصيف الحار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مواطنون يحتمون من الشمس في الهند (أ.ف.ب)

درجات الحرارة العالمية تسجل مستويات قياسية في شهر مارس

بقيت درجات الحرارة العالمية عند مستويات مرتفعة تاريخياً في مارس، ما يشكّل استمراراً لقرابة عامَيْن من الحرّ غير المسبوق الذي يشهده الكوكب.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 4 درجات مئوية قد يزيد من فقر الأشخاص بنسبة 40 % (إ.ب.أ)

ارتفاع درجة حرارة الأرض قد يؤثر سلباً على دخلك وثروتك

توصلت دراسة جديدة إلى أن ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 4 درجات مئوية قد يزيد من فقر الأشخاص بنسبة 40 في المائة

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك عدَّاء يبرّد نفسه بالماء في سكوبيه شمال مقدونيا (أرشيفية - رويترز)

دراسة جديدة تربط بين الطقس الحار وأمراض القلب

توصل الباحثون في أستراليا إلى وجود صلة بين أمراض القلب والأوعية الدموية والطقس الحار.

«الشرق الأوسط» (سيدني )

ما الفارق بين الخرف والنسيان الطبيعي؟

يُصيب الخرف حالياً 57 مليون شخص عالمياً مع توقعات تضاعف الرقم 3 مرات خلال العقود المقبلة (أرشيفية - د.ب.أ)
يُصيب الخرف حالياً 57 مليون شخص عالمياً مع توقعات تضاعف الرقم 3 مرات خلال العقود المقبلة (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

ما الفارق بين الخرف والنسيان الطبيعي؟

يُصيب الخرف حالياً 57 مليون شخص عالمياً مع توقعات تضاعف الرقم 3 مرات خلال العقود المقبلة (أرشيفية - د.ب.أ)
يُصيب الخرف حالياً 57 مليون شخص عالمياً مع توقعات تضاعف الرقم 3 مرات خلال العقود المقبلة (أرشيفية - د.ب.أ)

قالت صحيفة «الغارديان» البريطانية إن معظم الأشخاص يشعرون بالقلق من نسيان الأسماء والعناوين، ما يثير قلقهم من إصابتهم بالخرف.

وأشارت الصحيفة إلى أن بعض حالات فقدان الذاكرة لا تدعو للقلق، لكن الحصول على مساعدة في التعامل معها مبكراً يمكن أن يقلل من خطر تفاقمها.

وقدم أربعة خبراء في الخرف والشيخوخة نصائحهم حول ما هو طبيعي، وما هو مثير للقلق، ومتى يجب طلب المشورة الطبية.

متى يصبح النسيان جزءاً من الشيخوخة الطبيعية؟

تقول كارين أنستي، أستاذة العلوم النفسية ومديرة معهد مستقبل الشيخوخة بجامعة نيو ساوث ويلز في سيدني بأستراليا: «إننا جميعاً نصبح أبطأ قليلاً، ويصبح الكثير منا أكثر نسياناً مع تقدمنا ​​في السن ويحدث هذا أيضاً حتى عندما نكون صغاراً ومراهقين».

وأضافت أن إحدى الشكاوى الشائعة هي وجود شيء ما ولكنك لا تستطيع تذكره، مثل اسم شخص أو اسم فيلم، والأمر الآخر هو فقدان شيء ما مؤقتاً مثل الهاتف المحمول أو مفاتيح السيارة، وكذلك من الطبيعي أيضاً أن تجد صعوبة في القيام بالأشياء أو أنها تستغرق وقتاً أطول من المعتاد.

وتقول إيمي برودتمان، اختصاصية الأعصاب ورئيسة مبادرة الصحة الإدراكية في جامعة موناش في ملبورن، إن سرعة معالجتنا للمعلومات يمكن أن تتباطأ مع تقدمنا ​​في السن، وهو ما قد يكون محبطاً ومثيراً للقلق بشكل خاص بالنسبة للأشخاص الذين اعتادوا على العمل بمستوى عالٍ.

يُصيب الخرف حالياً 57 مليون شخص عالمياً مع توقعات تضاعف الرقم 3 مرات خلال العقود المقبلة (أرشيفية - د.ب.أ)

وأضافت: «أرى الكثير من الأشخاص في العيادة الذين يأتون ويقولون: (لا أستطيع أن أفعل ما اعتدت القيام به)»، وتابعت أن «هذا أمر طبيعي تماماً».

ويقول مايكل وودوورد، اختصاصي طب الشيخوخة ورئيس قسم أبحاث الخرف في مستشفى هايدلبرغ ريباتريشن في ملبورن: «إذا نسيت أحياناً مكان وضع مفاتيحك، أو استيقظت في الصباح لتجد أنك تركت المفاتيح في الباب الأمامي، فهذا ليس بالضرورة مصدر قلق». وأضاف: «إذا كان الأمر يحدث بشكل متكرر، أو كان هناك تصرفات مثل ترك الموقد يعمل طوال الليل، أو ترك صنبور المطبخ مفتوحاً، وأشياء من هذا القبيل، فقد تكون أكثر خطورة بعض الشيء».

وكذلك يقول الدكتور ديزموند غراهام، طبيب أمراض الشيخوخة والمدير الطبي في مركز رعاية المسنين في أستراليا بسيدني: «قد تكون مشاكل اللغة علامة تحذير مبكرة للخرف، خاصةً إذا بدأ كلامك يبدو أشبه بمزيج من الكلمات».

ويضيف غراهام: «إذا كنت تتعثر في نطق الكلمات أو تعاني من صعوبة في إيجاد الكلمات، فهذا ما يثير قلقي».

ويشرح وودوورد أن الخلط بين أسماء أطفالك وأحفادك أمر طبيعي، «ولكن إذا كنت تنسى باستمرار أسماء ثلاثة من أحفادك الأربعة، فهذا أمر مثير للقلق».

وتقول برودتمان: «من السمات المميزة لمرض ألزهايمر أن يبدأ المصابون به بالضياع فعلياً».

وذكرت أنه من الطبيعي أن يضيع المرء أثناء القيادة في مكان جديد، ولكن عندما يواجه صعوبة متكررة في الوصول إلى أماكن مألوفة، فقد يكون ذلك علامة تحذير. وأضافت: «نسمي ذلك فقداناً للتوجيه الجغرافي، وهو أمر جديد لأن هذه التصورات يجب أن تكون في ذهنك».

وكذلك تقول: «إذا كان لشيء ما قيمة فإن نسيانه قد يكون علامة تحذير من الخرف».

وأضافت: «إذا توفي صديق مقرب لشخص ما قبل يومين وكان على علم بذلك، وكنت تتحدث معه وسألت: لقد توفي هذا الشخص، متى الجنازة؟ ولم يتذكر حدوث ذلك بالفعل، فهذا أمر مقلق للغاية».

وينبّه وودوورد إلى أن تكرار القصة في محادثة واحدة يمكن أن يكون علامة تحذير مبكرة.

وتقول أنستي: «هذا يحدث للجميع، وقد يكون مجرد فقدان تركيز. يمرّ الأشخاص المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بهذه التجربة طوال حياتهم، ويحدث ذلك عندما لا تُركّز على ما تفعله وتبدأ بشيء ما، ثم ينتقل عقلك إلى الشيء التالي قبل أن تُنهيه».

ما الذي يُسبب النسيان؟

تذكر أنستي: «هناك العديد من الأسباب التي قد تجعل الأشخاص الأصحاء إدراكياً يُعانون من فقدان الذاكرة، فالأمهات اللواتي لديهن أطفال صغار ويسهرن طوال الليل ينسين مكان ركن سياراتهن أو لا يجدن مفاتيح سياراتهن؛ لذا تحدث هذه الهفوات المعرفية اليومية».

ويعاني بعض الأشخاص من «ضبابية في الدماغ» بعد الإصابة بفيروس كوفيد-19، وقد يكون النسيان أو مشاكل الذاكرة أيضاً أحد الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي أو الأدوية التي تساعد على النوم أو تسكين الألم، كما يمكن أن يكون للتوتر المزمن تأثير سلبي، لا سيما على الذاكرة قصيرة المدى.

كونك شخصاً نسياً أو شارد الذهن لا يزيد بالضرورة من خطر الإصابة بالخرف، ولكنه قد يُصعّب عليك التعافي في المراحل المبكرة.

ويقول غراهام: «يكمن التحدي في ضعف الإدراك الخفيف أيضاً في أن الناس عادةً ما يُرجعون ضعف الإدراك الخفيف إلى الشيخوخة الطبيعية».

وفي الوقت نفسه، قد يكون الأشخاص الذين يتمتعون بأداء عالٍ جداً، ولكنهم في المراحل المبكرة من تدهور معرفي أكثر خطورة، أكثر عرضة للإصابة بالخرف.

وتقول أنستي إن «تشخيص الخرف أكثر صعوبة، فهم يعلمون أنهم تراجعوا ويشعرون بوجود أمر ما، ولكن لأن أداءهم لا يزال جيداً نسبياً في الاختبارات الإدراكية، فقد لا يُظهرون أي ضعف موضوعي في وقت مبكر، مما يعني أنهم قد لا يستوفون المعايير الطبية، وقد لا يتم تشخيصهم مبكراً مثل غيرهم».

يسعى الكثيرون إلى الوقاية من الخرف (رويترز)

أين ألجأ إذا كنت قلقاً؟

يقول غراهام إن واحداً فقط من كل 10 أشخاص تظهر عليهم علامات ما يُسمى الضعف الإدراكي الخفيف الذي سيتطور إلى الخرف.

وهناك العديد من التدخلات التي يمكن أن تقلل خطر هذا التطور، مثل تحسين النظام الغذائي وممارسة الرياضة، خاصةً إذا تم اكتشافه مبكراً.

ولهذا السبب أوصى جميع الخبراء بزيارة طبيب عام، أو يُفضل طبيب أمراض الشيخوخة، عاجلاً وليس آجلاً، خاصةً إذا بدأ الأصدقاء أو العائلة أو الزملاء أيضاً ملاحظة التغييرات.

وتقول غراهام: «حتى لو لم يعتقد الناس أن الأمر خطير، أو اعتقدوا أنهم قلقون بشأن شيء طبيعي يتعلق بالشيخوخة، فإنني أشجعهم بشدة على زيارة طبيب عام. ومن الأفضل، إذا كان ذلك ممكناً، أن يتم تحويلهم إلى طبيب متخصص في أمراض الشيخوخة».